أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - الاحتلال والصراع على السلطة في العراق وسبل معالجتها!1-4 حلقات















المزيد.....



الاحتلال والصراع على السلطة في العراق وسبل معالجتها!1-4 حلقات


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 651 - 2003 / 11 / 13 - 03:28
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


يعيش الشعب العراقي منذ سقوط النظام الاستبدادي صراعاً مستمراً ومتفاقماً على السلطة في البلاد, وهو أمر طبيعي في ضوء التعقيدات التي رافقت الحرب وانهيار النظام والواقع القائم حالياً وتعقيدات الأوضاع المحيطة بالعراق عربياً وإقليمياً ودولياً. وفي هذا الخضم الهائل من الأحداث اليومية وما تتناقله وكالات الأنباء والصحف والإذاعات والفضائيات العربية والدولية تطرح سلسلة من الأسئلة نفسها على المتتبع لما يجري في العراق وحوله, منها مثلاً: بين من تدور هذه الصراعات؟ وما هي طبيعتها؟ وما هي الأهداف الكامنة وراء هذه الصراعات؟ وكيف يمكن إنهاءها لصالح الشعب العراقي الآن وفي المستقبل, أي في صالح الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والسيادة الوطنية؟
لا شك في أن الإجابات عن هذه الأسئلة ستكون متباينة من شخص إلى أخر ومن حزب إلى آخر وفق الزاوية التي ينظر منها إلى الوقائع الجارية في العراق وبحكم المصالح التي يتبناها والقوى التي يمثلها والسياسات التي يسعى إلى انتهاجها. وهي كلها أمور طبيعية, ولكن يفترض أن يتم الاتفاق بين قوى الشعب الحية التي تسعى إلى تحمل مسؤوليتها لوضع العراق على طريق الديمقراطية والاستقلال والسيادة الوطنية أن تتفق في ما بينها على الحلول الأكثر عقلانية وقرباً من الواقع العراقي ومن حاجات وتطلعات الناس والإمكانيات المتوفرة لتحقيقها ليقف الشعب كله إلى جانبها ويدعمها ويسعى إلى تحقيقها. وسأحاول الإجابة عن هذه الأسئلة وفق رؤيتي الشخصية لما يجري في عراق اليوم. وهي إجابة ليست فقط قابلة للنقاش, بل هناك ضرورة لمناقشتها والاتفاق على سبل التعامل حالياً وفي المستقبل.
تواجه المجتمع العراقي تناقضات اجتماعية عديدة تتجلى في صراعات سياسية بين مختلف القوى الاجتماعية الداخلية والإقليمية والدولية تستوجب الحلول العملية, وأعني بها:
• الصراع بين قوى التغيير في المجتمع وبين قوى الردة التي تريد إرجاع عجلة التاريخ إلى الوراء, بين قوى الغالبية العظمى من الشعب العراقي, التي تسعى إلى تأمين سيادة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والاستقلال والسيادة الوطنية, من جهة, وفلول النظام الصدامي وتلك القوى الظلامية, التي تسعى إلى إعادة العراق إلى عصور الظلام والتخلف والدكتاتورية بصيغها المختلفة, من جهة أخرى. وهذا الصراع محتدم الآن ويتبلور يوماً بعد يوم ويحقق اصطفافاً في القوى لصالح الطرف الأولى وضد الطرف الثاني, الذي حكم البلاد طيلة عقود, أو قوى الظلام التي حكمت في بلدان أخرى, كما كان عليه الحال في أفغانستان, أو ما يزال عليه الحال في إيران, الذي ينأى الشعب بنفسه عنها وعن حكمها. وفي هذا الصراع تقف سلطة التحالف المحتلة ضد قوى الردة والقوى الظلامية من متطرفي وإرهابيي الإسلام السياسي بسبب التداخل الراهن والمؤقت في المصالح التي تهدف إلى الخلاص الكامل من هذه القوى المستبدة.
• الصراع بين قوى الشعب التي تتمثل نسبياً بالأحزاب السياسية الوطنية, سواء الممثلة منها في مجلس الحكم الانتقالي أم خارجه, من جهة, وسلطة التحالف المحتلة من جهة أخرى. والصراع هنا يتخذ أبعاداً عملية آنية ومستقبلية. ففي الوقت الذي تصر الولايات المتحدة على إدارة البلاد بشكل مباشر وبالنسبة إلى جميع الملفات, ترفض الغالبية العظمى من الشعب والأحزاب السياسية العراقية ومجلس الحكم الانتقالي هذه السياسة وتطالب بأن تتحول إليها السلطة الفعلية في البلاد, وأن تتسلم مسؤولية الملفات الأساسية مثل السياسة والأمن والاقتصاد والعلاقات الخارجية والإعلام والتلفزيون وما إلى ذلك بيديها, مع التنسيق المستمر في مواجهة قوى التخريب والردة والإرهاب.
• وهناك نوع من الصراع الداخلي في إطار مجلس الحكم الانتقالي وفي ما بين الأحزاب السياسية العراقية داخل وخارج مجلس الحكم الانتقالي. ويتخذ هذا الصراع اتجاهات وأبعاداً مختلفة لا تخدم الوحدة الوطنية العراقية أن خرج عن قدرة التحكم به من جانب قيادات الأحزاب السياسية, وخاصة تلك التي ترغب في التفرد بالسلطة وفرض إرادتها على القوى الأخرى بعكس ما يستوجبه الوضع الداخلي ومستوى الصراعات الأخرى. وهو أمر يمكن تلمسه في العديد من مواقف القيادات السياسية العراقية ومن تصريحاتها وممارساتها الفعلية في الشارع العراقي. وجدير بالإشارة إلى أن هناك قوى تسعى إلى إعادة جملة من البعثيين القدامى إلى مواقع المسؤولية تحت واجهات شتى لتعزز مواقعها في مجلس الحكم والحكومة وفي أجهزة الدولة باعتبارها كانت جزء من هذا الحزب سابقاً وأن لها من يؤيدها من البعثيين الذين يراد إعادتهم. وفي هذا الاتجاه خطورة معروفة ينبغي أن لا تفوت على القوى الوطنية العراقية.
• أما الصراع الرابع فهو يدور على المستويات العربية والإقليمية والدولية بين القوى المختلفة التي لها مصالح في العراق والتي تؤثر, شاء الإنسان أم أبى, على اتجاهات وحدة الصراعات الداخلية. وهي صراعات مكشوفة ومباشرة أحياناً ومتسترة وغير مباشرة أحياناً أخرى. ويمكن إيراد الصراع الدائر بين الولايات المتحدة من جهة, والتحالف الثلاث الفرنسي-الألماني-الروسي من جهة ثانية, أو التباين في وجهات النظر في الموقف إزاء العراق بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. كما يمكن إيراد الصراع الراهن بين حكومات الدول العربية والولايات المتحدة حول سبل التعامل لا مع الواقع العراقي (رغم استخدامه كواجهة) فحسب, بل مع الدول العربية ذاتها, التي ترى في احتمال ممارسة الولايات المتحدة نفس الأسلوب في التعامل اللاحق معها. وكذا الحال بالنسبة للصراع الإقليمي ودور كل من تركيا وإيران في هذا الصراع. ويفترض أن لا ننسى دور إسرائيل المتنامي في هذا الصراع, خاصة وأنها كانت من بين العوامل الأساسية التي حركت الولايات المتحدة لخوض الحرب في العراق, علماً بأن النظام العراقي كان أبعد من يحرك ساكناً فعلياً ضد إسرائيل, بل كان يسعى دوماً وبصورة غير مباشرة ومتسترة إلى كسب ودها والقبول باستقبال اللاجئين الفلسطينيين في العراق. وينبغي أن لا ننسى بأن لإسرائيل أهداف ومطامع غير قليلة في العراق, إضافة إلى التحالف الجديد القائم حالياً على المستوى الديني بين المحافظين الجدد المتزمتين دينياً في الولايات المتحدة وبين المتزمتين والعنصريين من اليهود في إسرائيل.  
سأحاول في الحلقة الأولى من هذه السلسلة معالجة موضوع الصراع الأول والمركزي في المرحلة الراهنة, على أن تعالج الصراعات الأخرى في الحلقات التالية.
نحن اليوم بحاجة إلى حسم الصراع الأول لصالح الشعب, إذ بدونه يصعب حقاً معالجة الصراعات الأخرى, إذ أنها تأتي بالدرجة الثانية والثالثة. ومن هنا تأتي أهمية بذل أقصى الجهود للتركيز على حل هذا التناقض قبل الانتقال إلى معالجة التناقضات والصراعات الأخرى المنبثقة عنها أو المرتبطة بها. وهذا لا يعني عدم الانتباه أو غض الطرف عن الصراعات الأخرى أو عدم تعبئة القوى وشخذ الفكر والهمم لمعالجتها لاحقاً.
وفي إطار هذا الصراع أفهم الخشية التي يبديها بعض الكتاب العراقيين من احتمال انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من العراق بسبب ما تتحمله يومياً من خسائر بالأرواح والممتلكات, وبسبب تفاقم أصوات المطالبين بعودة الجنود الأمريكيين إلى ديارهم, إضافة إلى الضغوط التي تتعرض لها الإدارة الأمريكية بسبب اقتراب موعد الانتخابات الرئاسة ورغبة بوش الابن الفوز بها ثانية. ولك الدلائل كلها تشير إلى أن سلطة الاحتلال ترتكب من الأخطاء يومياً ما يزيد من أعباء الواقع العراقي عليها وعلى الشعب العراقي قبل ذاك, وهو الذي يزيد من غضب الناس واشمئزازهم. ولهذا أو تأكيد العوامل التي تدفع بالولايات المتحدة البقاء في العراق وعدم الانسحاب حالياً بالنقاط التالية:
1. لم تأت الولايات المتحدة إلى العراق لتحريره من قبضة الدكتاتور صدام حسين, بل جاءت غليه لتحقق جزء مهماً من استراتيجيتها في المنطقة والعالم, وهي لم تخف ذلك على أحد, إلا على الذين لا يريدون الإقرار بالحقائق الثابتة. فصقور السياسة الأمريكية قد تحدثوا عن أهداف الإدارة الجديدة بصراحة كافية يستطيع فهمها كل إنسان عاقل. وكانت الحرب, كما بدا لهذه الصقور, ليست سوى نزهة ربيعية أولاً, وأنها الوسيلة الوحيدة والمثلى والأسرع لتحقيق الأهداف, ولم تنتبه هذه الصقور إلى التحذيرات الكثيرة التي انطلقت من داخل المعسكر الأمريكي, بمن فيهم بوش الأب حول عواقب الحرب المحتملة, أو من الرئيس الفرنسي شيراك. أما بالنسبة للعراق فقد التقت إرادة ورغبة شن الحرب لدى الإدارة الأمريكية بإرادة ورغبة غالبية الأحزاب السياسية العراقية المعارضة لنظام صدام حسين, في التخلص ممن كان فترة طويلة في رعاية وكالة المخابرات المركزية. وكان ما كان وحصل ما حصل. ومع أن جملة من أهداف الولايات المتحدة الأمريكية قد تحقق خلال الفترة المنصرمة, فأنها لم تحقق جل أهدافها حتى الآن بما في ذلك هدف إرساء دعائم الأمن والاستقرار وتوطيد الوجود السياسي واستكمال عقد الاتفاقيات الضرورية لتأمين المصالح الأمريكية في العراق لمدى بعيد. وهي بحاجة إلى فترة أخرى, إذ أن عمليات التخريب الجارية أعاقت إلى حد ما إنجاز جملة من تلك المهمات, رغم أن خطوطاً وجماعات متخصصة أخرى تعمل في الحقل الاقتصادي غير التي تنشغل بالملف الأمني أو السياسي.
2. إن العراق لا يشبه بأي حال لبنان والصومال, عندما أجبرت الولايات المتحدة الأمريكية على سحب قواتها منها بعد أن تعرضت لضربات قاسية من جانب القوى السياسية المناهضة للوجود الأمريكي في البلدين المذكورين. ففي هذين البلدين لا توجد ثروة نفطية هائلة كما في العراق, حيث يقدر احتياطي النفط الثابت ب 115 مليار برميل, أو ما يعادل 11% من احتياطي النفط في العالم حالياً, ويقدر الاحتياطي غير الثابت في العراق بحوالي 295 مليار برميل, إضافة إلى احتياطي النفط في المنطقة بأسرها, ولا تمتلكان الموقع الاستراتيجي المهم الذي يمتلكه العراق وقربه من إيران وسوريا, وهما يعتبران في عرف الولايات المتحدة في إطار محوري الشر الأول والثاني على التوالي في العالم! وعلى مقربة من حدود روسيا الاتحادية وجمهوريات آسيا الوسطى ونفط بعض هذه الجمهوريات الذي يصل احتياطيه المعروفحتى الآن ب 11 % أيضاً ... الخ. ومن هنا يتبين بأن المصالح الأمريكية في الصومال ولبنان هي غير المصالح الأمريكية في العراق والمنطقة النفطية عموماً. كما أنها غير المصالح التي كانت في فيتنام التي أجبرت على الانسحاب منها. وبالتالي فالانسحاب من العراق غير مطروح أساساً في الوقت الحاضر.
3. وجهت الولايات المتحدة جهوداً هائلة في سبيل شن الحرب, منها مثلاً:
• خوض الصراع ضد حلفائها في مجلس الأمن الدولي وعلى الصعيد العالمي, وبشكل خاص في إطار الدول الصناعية السبع الكبار,
• تشكيل تحالف سياسي هش مع مجموعة من الدول لإعطاء الانطباع بوجود قبول دولي بشن الحرب,
• صرف مبالغ طائلة في عمليات التحضير وخوض الحرب وفي استمرار العمليات العسكرية الراهنة, إضافة إلى إعمار العراق التي كلفت الخزينة الأمريكية كثيراً ودافعي الضرائب الأمريكيين, إضافة إلى رفع ديونها إلى أرقام خيالية لم تعرفها من قبل,
• تحمل خسائر بشرية متزايدة يومياً تقلق بال الرأي العام الأمريكي أكثر مما تقلق أصحاب رؤوس الأموال ووزير الدفاع الأمريكي أو الإدارة الأمريكية رغم مخاطرها الكبيرة على إعادة انتخابه الرئيس بوش ثانية,
• حصد كراهية واسعة في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط.
لا يمكن لمن يتحمل كل ذلك أن ينسحب دون تحقيق الأهداف التي جاء من أجلها, إذ لم يكن مجيئه حباً في سواد عيون العراقيات والعراقيين, بل تحقيقاً لمصالح دولية وإقليمية تنسجم مع السياسة الأمريكية في إطار العولمة والهيمنة على السياسة والاقتصاد الدوليين.
 
4. إن انسحاب الولايات المتحدة من العراق دون تحقيق الأمن والاستقرار ودون التخلص من فلول صدام حسين وإبقاء الصراع العسكري في العراق يهدد سمعة ومكانة الولايات المتحدة الدولية إلى خطر كبير ويجعلها تبدو وكأنها نمراً من ورق, وهو ما لا ترتضيه الإدارة الأمريكية بصقورها الراهنة أو حتى بغيرهم.
5. في ما عدا ذلك فأن الشعب العراقي يريد تحرير نفسه من الاحتلال بطبيعة الحال, ولكنه يدرك أيضاً مخاطر انسحاب القوات الأمريكية قبل الآوان, بسبب قوة الطرف الآخر الذي يريد العودة إلى السلطة بما يمتلكه من سلاح وعتاد وتأييد عربي واضح, في حين لم تنتظم القوى السياسية العراقية كما يفترض أن تكون عليه حتى الآن. ولهذا فالانسحاب المباشر غير مطروح حالياً من جانب مجلس الحكم الانتقالي أو الأحزاب السياسية العراقية التي تعرف عواقب الانسحاب المستعجل, ولا من الغالبية العظمى من الشعب العراقي, ولكن سرعان ما سيطرح شعار الانسحاب الفوري عندما تنتهي فترة الانتقال. 
وعلينا أن نذكر من جديد بما يلي:
سواء استمرت سلطة بوش في الحكم أم تغيرت لصالح الحزب الديمقراطي في عام 2004/2005, فأن الولايات المتحدة لن تنسحب من العراق ما لم تحقق ما جاءت من أجله. فسياسة الإدارة الأمريكية كانت منذ أكثر من نصف قرن موجهة نحو إيجاد موقع ثابت لها في بلاد ما بين النهرين وعلى مقربة من الثروة النفطية حيث يعوم العراق على بحيرة منه وأن تستأثر بهذا الذهب الأسود. وكانت الحرب مقررة ضد العراق منذ عام 1990/1991, لأن صدام حسين كان قد استنفد أغراضه لها وكان لا بد من تغييره ولكن دون عجالة وبانتظار الفرصة المناسبة لكي لا يحدث ما لا تحمد عقباه بالنسبة لمصالحها في العراق, إذ لم تكن تثق بالمعارضة العراقية ضد صدام حسين, وهي ما تزال لا تثق بها حتى الآن. وبالتالي لا يعقل بأن الإدارة الأمريكية ستسحب قواتها من العراق قبل استكمال ما جاءت من اجله بسبب موت بضعة مئات من جنودها. وقيل قديماً: حدث العاقل بما لا يعقل, فأن صدق فلا عقل له! لهذا أتمنى أن يكف المتخوفون من احتمال انسحاب القوات المحتلة من العراق من توجيه النداءات بعدم الانسحاب, إذ أن الشعب سرعان ما سيطالبهم بالانسحاب حالما تنتهي فترة الانتقال, وسأكون, ومعي جماهير واسعة موجودة حالياً في الخارج,  مع الملايين من بنات وأبناء الشعب في الداخل في المطالبة برحيل القوات الأجنبية المحتلة واستعادة العراق لاستقلاله وسيادته الوطنية.

إن الصراع الرئيسي الراهن في العراق يدور بين طرفين أساسيين هما:
الطرف الأول المعادي لمصالح الشعب, ويضم في صفوفه القوى التالية: 
1. فلول قوى صدام حسين التي تعمل في مناطق مختلفة ولها اتصالات منظمة مستفيدة من تجارب العمل السياسي السري وتمارس تكتيك "أضرب وأهرب". وهي مجموعات صغيرة مكونة في الغالب الأعم من 3-5 أشخاص. والمستهدف من هذه العمليات ثلاث جهات هي قوات الاحتلال, قادة ومؤيدي مجلس الحكم الانتقالي والحكومة المؤقتة والأحزاب التي تقف وراءها, ومجموعة من أعوان النظام السابق التي قررت التعاون مع الوضع الجديد. تمتلك قوى صدام حسين الثروة والأسلحة والكوادر المتمرسة باستخدام الأسلحة وذات معرفة جيدة بجغرافية العراق. وهي قوى مخلصة لصدام حسين ومؤمنة به, بدأت هذه القوى تكسب عناصر أخرى ممن كان يعمل في السابق كمخبر في الأمن أو الاستخبارات أو من العاطلين عن العمل أو حتى من الحاقدين على قوات الاحتلال أو المحتاجين للمال الذي يمنحه صدام حسين  بسخاء. وهو يقوم شخصياً بقيادة هذه المجموعات بشكل مباشر ولكن عبر خيوط عديدة تلتقي كلها عنده. وتوجيه الضربة له باعتقاله أو قتله يمكن أن تضعف كثيراً هذه العمليات ولكن لا تقضي عليها بالضرورة. كما أنه يعيش بينها ومحمي بها وغير بعيد عن المواقع الأكثر شراسة في تنظيم وممارسة العمليات اليومية. وتجد هذه الجماعة العون والتأييد الداخلي والعربي من بعض الجماعات القومية اليمينية الشوفينية التي تقف مع قيادة المؤتمر القومي العربي, ومقرها في لبنان, وتنظيمات حزب البعث –جناح عفلق- على صعيد الدول العربية حيث ما يزال صدام حسين أمين سر القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي. والمساعدات تصل له من بعض البلدان العربية عبر الحدود بمعزل عن معرفة حكومات تلك الدول أو بمعرفة قوى فيها تؤيد ذلك. وتعتبر قوى صدام حسين أكبر القوى وأكثرها ممارسة للعمليات في الوقت الحاضر, وهي قادرة على الاستمرار لفترة أخرى.
2. تتوزع قوى الإسلام السياسي السنية الوهابية المتطرفة على ثلاث مجموعات أساسية:
• جماعة أنصار الإسلام التي تشكلت في كردستان ولقيادتها علاقة مباشرة بمجموعة القاعدة. وكانت المجموعة تعمل في أفغانستان وعادت إلى العراق في أعقاب جريمة الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. وهي مجموعة شرسة جداً تسنى لها التوسع في عملياتها الإرهابية, وتجد التأييد من جماعات مماثلة موجودة في إيران ومنتشرة بين الجماعات الدينية السنية على الحدود الإيرانية – الأفغانية. وهي تقوم بتهريب الأسلحة والمعدات والرجال إلى كردستان العراق عبر إيران, وتعمل في تجارة المخدرات وفي التهريب على حدود هذه البلدان. وتجد هذه القوى دعم وحماية بعض القوى السياسية في إيران نكاية بالولايات المتحدة, ولكنها لا تجد التأييد من الحكومة الإيرانية الحالية.
• جماعة جهاد الإسلام التي تشكلت في البداية من مجموعة من المتطوعين العرب الذين قدموا من الدول العربية ومن أتباع حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين لمقاومة الحرب, وكانوا يقيمون في المخيمات الفلسطينية في الدول العربية. وكان أفراد هذه المجموعة لا يعملون بمفردهم بل مع قوى صدام حسين, وبعضهم من البعثيين المتدينين. وهذه المجموعة لها علاقات غير مباشرة بالقاعدة من خلال القيادات التي أرسلتها إلى العراق. إذ أن تنظيم القاعدة يقوم على أساس تنظيم دولي وقيادة مركزية, إضافة إلى تنظيمات وقيادات محلية مستقلة نسبياً وبأسماء مختلفة, ولكنها تتلقى التوجيهات العامة من مركزها الذي يقوده أسامة بن لادن. وتتميز هذه الجماعة بالشراسة والرغبة في الموت وقتل "الكفار" وغير المؤيدين لها لتضمن لها مواقع في الجنة.
• مجموعة من, وليس كل, أئمة المساجد السنية التي تحفز المسلمين على مقارعة الاحتلال والعودة بالبلاد إلى الوضع الذي كان عليه العراق في فترة صدام حسين إذ كانت المدللة منه بشكل خاص. وهي المجموعة التي بدأت تهدد باستخدام القوة والعنف في مواجهة قوات الاحتلال, وتحاول إثارة الناس والتشجيع على اقتناء السلاح وإنزال الضربات بقوات الاحتلال التي تؤدي إلى قتل الكثير من العراقيين أيضاً. ولم تعد تخفي عدائها للوضع القائم, بل أصبحت تدعو إلى ذلك صراحة من على منابر المساجد. ويأتيها الدعم من بعض الدول العربية وخاصة من الشيوخ الذين يملكون الأموال الكثيرة في السعودية وبعض إمارات الخليج ومن صناديق الدعم الإسلامية ومن قوى تريد تلقين الإدارة الأمريكية درساً قاسياً لتبتعد عن التفكر بحرب مماثلة جديدة. ويحوم شك كبير في علاقة هذه القوى بجهتين رئيستين, هما "الأخوان المسلمون" وبعض القوى في السعودية من غير جماعة القاعدة.                   
3. مجموعة السيد مقتدى الصدر الشيعية التي تتبنى خطاً سياسياً يمينياً متطرفاً وتمارس أسلوبين في آن واحد, ولكنهما يهدفان إلى تحقيق غاية واحدة هي السعي للسيطرة على الحكم في البلاد, وهما: أ) ممارسة سياسة سلمية في الظاهر تدعو إلى المقاومة السلمية ومقاطعة قوات الاحتلال ومجلس الحكم الانتقالي والحكومة المؤقتة وعدم الاعتراف بها ومحاولة تعبئة الشيعة حولها, وب) أسلوب عنفي يعتمد على مجموعات مسلحة سرية تشكل "النواة الصلبة" لما يسمى بجيش المهدي (المنتظر). ويشاع في العراق وفي الخارج, حيث تحدثت به وسائل الإعلام الدولية وتناقلته وكالات الأنباء, عن أن هذه الجماعة تقوم بعمليات اختطاف أو اغتيال سرية ضد  بعض رجال الدين الذين تريد التخلص منهم كما حصل باغتيال السيد عبد المجيد الخوئي في النجف بعد عودته إلى العراق بتهمة محاباته لأمريكا أو دعوته للعلمانية في حكم العراق, بأمل أن تمهد للسيد مقتدى الصدر الطريق للهيمنة على الحوزة العلمية في النجف وعلى المراقد المقدسة لأئمة الشيعة في العراق ومنع الآخرين منها. ووراء ذلك غايات سياسية ومالية ونفوذ اجتماعي وسيطرة على الشارع. وتتسم هذه المجموعة كلها بالطائفية الجامحة والمغامرة والاستعداد للتضحية بالنفس والقتل في سبيل الوصول إلى الحكم. ويحاول السيد مقتدى الصدر أن يقلد الخميني الراحل في حركته السياسية, مضيفاً إليها العنف غير المعلن عنه, رغم تهديده به. وخطر هذه المجموعة لا يقل عن خطر المجموعات الأخرى إن لم يتم تفكيكها ومنع تطور نشاطاتها الفوضوية وسيطرتها على "الشارع الشيعي" في العراق, بسبب تطرفها المذهبي وتمييزها الطائفي واستعدادها الكبير لممارسة القوة للوصول إلى ما تريد, ويمكن من خلال أعمالها إشاعة الصراع والنزاع الديني والطائفي في البلاد وبين مختلف الجماعات, خاصة وأنها تضع نفسها ضد كل القوى التي قاومت نظام صدام حسين في الفترات السابقة. ويجد السيد الصدر الدعم والتأييد من القوى المحافظة والمتشددة في إيران ومن جهاز المخابرات والحرس الثوري الإيرانيين, إضافة إلى تأييد حزب الله في لبنان له. وتقوم تلك الجهات الإيرانية بصورة غير رسمية بتدريب جماعات من العراقيين الشيعة المتدينة على أعمال التخريب والقتل والاختطاف وإثارة الفوضى في البلاد. وما سعي السيد مقتدى الصدر إلى تشكيل جيش المهدي وتشكيل حكومة تحت إدارته سوى محاولة لتحدي سلطة الاحتلال وإضعاف القوى الإسلامية المعتدلة التي تؤدي إلى تأجيج الصراعات في الساحة العراقية. وهو تعبير عن نهج طفولي مغامر واستبدادي خطر, يؤكد بأنها تريد شن عمليات وقائية بدفع من تلك الأوساط في إيران لمنع الإدارة الأمريكية من شن حرب ضد إيران. هذه المجموعة ليست ذات قاعدة اجتماعية واسعة, ولكنها كثيرة الضجيج وصدامية, وهي غير مقبولة من غالبية أتباع المذهب الشيعي وقواه السياسية الأخرى. إلا أن احتمال توسعها قائم إذا استمرت الفوضى وواصلت الإدارة الأمريكية ارتكاب المزيد من الأخطاء في العراق. وتمتلك هذه الجماعة موارد مالية كبيرة تأنيها من القوى المساندة لها في إيران. علينا أن نتذكر هنا الفتوى المتطرفة التي أصدرها آية الله السيد كاظم الحسيني الحائري إزاء هدر دم البعثيين والذي حاورناه في مقالة سابقة, وهو من مساندي السيد مقتدى الصدر, أو بتعبير أدق, أن الأخير من مقلدي السيد الحائري.
4. العدد الكبير من سجناء الحق العام من قطاع طرق وسراق وقتلة ومزورين ومهربي مخدرات .. الخ, الذين أطلق النظام السابق سراحهم قبل الحرب بفترة وجيزة, يمارسون اليوم نشاطاً إجرامياً واسعاً يتمثل بعمليات خطف للبنات والأولاد لأغراض الابتزاز أو الدعارة و سرقة البيوت وقطع الطرق وإثارة الفوضى والرعب في البلاد. وأغلبهم يشكلون جزء من جماعات الجريمة المنظمة التي بدأت نشاطها قبل سقوط النظام وتفاقم في الآونة الأخيرة. ويمكن أن تكون لهذه المجموعة علاقات خيطية معينة ببعض فلول صدام حسين المنظمة حيث تسعى إلى استخدامها في مهماتها التخريبية.
5. هناك بعض الأفراد الذين يشاركون في عمليات القتل الجارية انتقاماً من قتل أقاربهم بصورة عشوائية من قبل القوات الأمريكية والبريطانية أو كرهاً لهما. ويمكن أن تلتقط فلول صدام حسين أو غيرها هؤلاء الأفراد لتجرهم وعشائرهم على مواقعها, وفي هذا خطورة معروفة.  
إن الدلائل المتاحة تشير إلى أن قوى الإسلام السياسي المتطرفة, وخاصة مجموعات القاعدة والمماثلة لها, تريد تحويل العراق إلى ساحة مكشوفة ومركزية لخوض الصراع ضد الولايات المتحدة أولاً, لتتوسع بعدها صوب بقية الدول العربية, خاصة وأن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتأييدها المطلق لإسرائيل والموقف من المسألة الفلسطينية عموماً وبقية الأراضي العربية المحتلة في سوريا ولبنان تثير المزيد من الكراهية والعداء لها. إن مواجهة إرهاب قوى الإسلام السياسي المتطرفة يحتاج إلى جهد دولي مشترك وعلى أسس بعيدة عن العداء للإسلام, كما يلاحظ حالياً على الحملة الأمريكية التي لا تأخذ بالاعتبار حساسية المسالة الدينية وأهمية الفصل بين الدين والجماعات المتطرفة التي تستخدم الدين أداة في عملياتها التخريبية والإرهابية.
والظاهرة التي يفترض الانتباه إليها أن قيادات جميع قوى الإسلام السياسي المتطرفة تنحدر من أوساط اجتماعية غنية ومنعمة, في حين تتشكل قاعدتها الاجتماعية من أوساط كادحة وفقيرة معدمة وعاطلة عن العمل وذات وعي سياسي واجتماعي متخلف, وهي تعاني من الظلم وتفاقم غياب العدالة في توزيع واستخدام الثروة الاجتماعية. ويمكن أن ينجر البعض من الناس وراء هذه المجموعات في العراق أيضاً, كما حصل في كردستان العراق مثلاً مع جماعة جند أو أنصار الإسلام.
إن متابعة نشاط القوى المذكورة لن يكون في مقدوره تغيير الوضع لصالحها على المديين المتوسط والبعيد, ولكنها ستثير ولفترة غير قصيرة المتاعب أمام سلطة وقوات الاحتلال من جهة, ومجلس الحكم الانتقالي والحكومة المؤقتة والشعب العراقي من جهة ثانية. وسيتراجع نشاطها تدريجاً بمقدار تسريع عملية إعادة بناء الاقتصاد وتشغيل الأيدي العاملة العاطلة وتسليم السلطة للمجلس والحكومة المؤقتة فعلياً.
الطرف الثاني, أي قوى الشعب العراقي:
وعلى الطرف الثاني تتجمع الغالبية العظمى من الأحزاب والكتل السياسية التي قاومت صدام حسين وسعت إلى إسقاطه وعجزت عن ذلك واستعان بعضها بالولايات المتحدة. وهي مكونة من أحزاب دينية وأخرى علمانية وديمقراطية وقوى مستقلة, بعضها ما يزال يتسم بالفردية والرغبة في الهيمنة على الحكم, وبعضها الآخر يتسم بالديمقراطية والانفتاح والرغبة في التعددية السياسية وإقامة المجتمع المدني الحديث. لهذه القوى قاعدة اجتماعية وسياسية واسعة في صفوف الشعب الكردي والعرب الشيعة والأقليات القومية وكذلك في صفوف السنة داخل وخارج المنطقة الواقعة شمال غرب العاصمة بغداد, ولكن ثقة الناس بالأحزاب ضعيفة عموماً, كما أن نسبة المرتبطين بالأحزاب السياسية العراقية واطئة جداً إلى مجموع السكان. ولهذه الأحزاب برامج وأهداف مختلفة لمستقبل العراق, ولكنها وافقت تحت ضغط الواقع على توحيد مواقفها ببرنامج مشترك يمكن أن يشكل الأساس المناسب والحد الأدنى لتعاون القوى السياسية العراقية في فترة الانتقال. إن نقل السلطة إلى هذه القوى خلال فترة الانتقال سيسهم في تعزيز قدراتها وعلاقاتها وتأثيرها على الجماهير, إذا تسنى لها تسلم الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية. ورغم الشرعية النسبية لمجلس الحكم, بسبب عدم انتخابه وتعيينه من قبل إدارة الاحتلال, فأنه يمثل نسبة عالية من السكان, في كردستان العراق وفي الوسط والجنوب, إضافة إلى وجود قوى سياسية خارج المجلس تؤيده أيضاً.
ولكن مجلس الحكم الانتقالي والحكومة يواجهان اليوم عدداً من المشكلات, منها:
1. ضعف دوريهما في الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية وعدم أمتلاكهما صلاحيات إصدار القرارات المناسبة بشأنها بسبب سياسة الإدارة الأمريكية ودور السيد بريمر.
2. محاولة انفراد ممثل الإدارة الأمريكية باتخاذ القرارات الاقتصادية والأمنية والعسكرية, بعيداً عن إرادة مجلس الحكم والحكومة والشعب, التي بدأت تشدد الصراعات وتضعف دور وتأثير المجلس في الحياة العامة. كما بدأ التعالي الأمريكي في التعامل اليومي يثير السكان, بما في ذلك مع مجلس الحكم والحكومة المؤقتة.  
3. ضعف دور العمل السياسي من جانب سلطة الاحتلال واعتمادها على القوة العسكرية والعنف لمعالجة الأمور.
4. التدخل المتواصل من جانب قوى البلدان المجاورة في شؤون العراق ودعمها المباشر وغير المباشر للقوى المناهضة للوضع الجديد ومساعدتها للتسرب إلى العراق.
5. البطء الشديد في إعادة إعمار العراق وخاصة البنية التحتية وتعاظم حجم البطالة في البلاد وتدهور المستوى المعيشي للسكان, وخاصة الفئات الفقيرة والكادحة وصغار الموظفين والكسبة والحرفيين. وعلينا أن ندرك بأن استمرار البطالة بهذا الحجم الواسع يمكن أن يدفع بنسبة مهمة منهم إلى أحضان القوى الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة وستكون لها نتائج سلبية على حركة المجتمع وعلى الأمن الداخلي والاستقرار السياسي وعلى الصراع الدائر حالياً.
6. تراجع دور ونشاط الأمم المتحدة في العراق بعد جرائم التفجير التي ارتكبت ضد العاملين في هيئاته وأودت بحياة وجرحت عشرات الناس الأبرياء.
إن استمرار هذه الأوضاع سيشدد الصراع ويزيد من قاعدة المشمولين به من الفئات الاجتماعية العراقية صاحبة المصلحة بزوال حكم صدام حسين, وسيتعذر معالجة المشكلات بالسرعة المطلوبة. ورغم صدور قرار مجلس الأمن رقم 1511 لسنة 2003 بتعزيز دور المجلس, فأن الولايات المتحدة لم تتراجع جدياً بعد عن رغبتها في فرض الهيمنة الكاملة على إصدار القرارات الأساسية في العراق, وبدأت تتحدث عن استبداله أو إيجاد صيغة أخرى له ... الخ. وقد عالجنا موضوع مجلس الحكم الانتقالي في مقال أخر, إذ لا بد من إزالة الشوائب الكثيرة التي تحيط بنشاطه وبسمعة بعض الأعضاء فيه التي تثير المشكلات,حول المجلس كله, إضافة إلى الصراعات في ما بين القوى المكونة له.
إن تحقيق النصر على الطرف الأول, على القوى المعادية لمصالح الشعب العراقي وأمنه واستقراره وتطوره الديمقراطي يتطلب رؤية واضحة لطبيعة هذا الصراع وبالتالي للقوى التي يمكن تجميعها والتحالفات التي يفترض تكوينها في هذه المرحلة بالذات والمهمات التي يراد تنفيذها واحدة بعد الأخرى. إن الصراع الذي يدور حالياً بين الطرف يستهدف السلطة. إذ أن الطرفين ليسا بالسلطة فعلياً, وهي محنة الطرف الثاني بشكل خاص, إذ أن الأول قد فقدها لتوه ويستحيل عليه العودة إليها, رغم محاولاته الكبيرة والمسندة عربياً وإقليميا وإلى حد ما من جانب بعض الدول التي لا تريد النجاح للجهود الأمريكية في العراق وليس حباً في صدام حسين أو نظامه المنهار. إن تحقيق النصر لقوى الشعب يتطلب ما يلي:
• توضيح الموقف بصورة كاملة مع قوات الاحتلال, إذ لا يمكن ولا يجوز استمرار هذا الفراغ والقلق السائدين في الوضع. فمجلس الحكم في صورته الراهنة عاجز عن تحقيق مهماته, وبالتالي يفترض التفكير بأربع مسائل بشأنه, وهي:
1. تأمين الشرعية له من خلال تكوين مؤتمر وطني يضم جمهرة أكبر من المندوبين من مختلف الأطراف والقوى والجمعيات بحيث تغطي جميع القوى العراقية بصورة عقلانية بعيداً عن التقسيم الطائفي المخل.
2. تشكيل حكومة حقيقية من خلال المؤتمر وعلى أسس أخرى غير القائمة حالياً.
3. تسليم المجلس السلطة الفعلية في العراق والاتفاق على صدور قرار جديد من مجلس الأمن الدولي بهذا الصدد ينهي الاحتلال ويجري الاتفاق مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بوجود قوات دولية, بما فيها قوات أمريكية تحمي الدولة العراقي من النشاط الإرهابي والتخريبي الراهنين. وهذا يعني تسليم كامل الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية وغيرها, إلى العراقيات والعراقيين.
4. وضع قواعد عمل لأعضاء المجلس أو الحكومة بحيث يمكن إلغاء عضوية الأشخاص الذي لا ينفذون مهماتهم أو يتجاوزون على القوانين أو يسعون إلى  تحقيق مكاسب خاصة بصورة مباشرة أو غير مباشرة من وجودهم ونشاطهم في المجلس أو الحكومة. ويفترض عدم التسامح مع أية محاولات للكسب الحرام, بل معاقبتهم أشد العقوبات التي تسمح بها القوانين, إذ أن الإساءة تتوجه إلى مجلس الحكم كله, والأضرار تلحق بالشعب كله وبمستقبل البلاد.
• إقامة تحالفات سياسية فعلية داخل المجلس ومع القوى خارجه لضمان التعاون والتنسيق في النشاط ومواجهة الأعداء, وتوضع لهذه التحالفات أهدافاً محددة منبثة من الموقف الموحد للمجلس لمواجهة الوضع القائم وإحلال الأمن والاستقرار, واعتبار المسالة الأمنية هي المسالة المركزية حالياً. ولا يعني هذا بأي حال إهمال المهمات الأخرى وخاصة المهمة الاقتصادية وقضايا البطالة ... الخ. إن التحالف المنشود يفترض أن يشمل الفئات الاجتماعية صاحبة المصلحة الفعلية في تطوير الوضع الذي نشأ بعد إسقاط النظام الاستبدادي وإقامة البديل الديمقراطي, ورغم أن هناك تشوه حقيقي في المجتمع العراقي بسبب التحولات التي طرأت على المجتمع ووجود بطالة كبيرة جداً وحراك غير اعتيادي في البنية الطبقية, فأن جوهر التحالف يبقى يضم إليه البرجوازية الوطنية وفئات البرجوازية الصغيرة والمثقفين والطلبة, إضافة إلى جمهرة الفلاحين الواسعة والعمال وأشباه البروليتاريا في المدن وتلك التي تعيش في الأحياء الشعبية البائسة. ويصعب التعبير عن هذه التحالفات سياسياً, ومع ذلك فأن القوى الممثلة في مجلس الحكم الانتقالي وبعض القوى خارج الحكم يمكنها أن تعبر بهذا القدر أو ذاك عن مصالح الفئات الاجتماعية التي يهمها التغيير الديمقراطي في العراق وتدعم عملية التخلص من فلول النظام والقوى الظلامية.
• تشكيل فرق وطنية شبه عسكرية تابعة للمجلس ومن القوى المشتركة فيه, إضافة إلى قوى الجيش والشرطة والأمن الوطني, تأخذ على عاتقها مهمة ملاحقة القوى المخربة والمعادية, وتسلح وتزود بمستلزمات النشاط العسكري والسياسي في العراق, دون أن يكون هناك تجاوزاً على حقوق الإنسان وحريته, مع ضرورة التنسيق بين كل القوى التي يهمها إيقاف العمليات الإرهابية والتفجيرات التي لم تعد تشمل القوات الأمريكية والأجنبية, بل المجتمع العراقي مباشرة.
• ويفترض إيجاد صيغ عمل واضحة ومحددة بين المجلس وقات الاحتلال أو قوات الأمم المتحدة بما يسهم في تعاونها لإنجاز مهمات حفظ الأمن والواجهة والبناء, وتقليص نقاط الاحتكاك والتناقض والصراع التي تؤثر على العمل المشترك لإنجاز المهمة المركزية في البلاد. 
• الإشراف الدقيق والنزيه على تكوين الجيش والشرطة والأمن بعيداً عن المصالح الخاصة والسعي لإبعاد القوى التي كانت في خدمة النظام المقبور والتي يمكن أن تشكل ألغاماً في الساحة السياسية والأمنية في العراق في المرحلة الراهنة.
• الإشراف على العقود الاقتصادية والصرف المالي من جانب مجلس الحكم الانتقالي والحكومة العراقية, سواء أكانت مساعدات من الخارج, بما في ذلك مساعدات الولايات المتحدة, أم الموارد المالية المحلية وإيرادات النفط الخام, ووضع أسبقيات للمشروعات المطلوب إنجازها أو إقامتها وفق شروط المناقصات الدولية.
إن الولايات المتحدة تقف اليوم أمام خيار صعب, ولكنه مطلوب في كل الأحوال, باعتباره الحل العملي لمواجهة التدهور المستمر في الوضع, إضافة إلى تقليص الخسائر في القوات الأمريكية والأجنبية وتعجيل إنجاز مهمات فترة الانتقال. إن هذا الموقف سيشكل نقطة تحول نوعية في الوضع في العراق وبداية فعلية للقضاء على جيوب التخريب والإرهاب في العراق, كما أنه سيخرج الولايات المتحدة من المحنة التي تعاني منها بسبب الأخطاء الفادحة التي ما تزال حتى الآن ترتكبها في العراق.

برلين في 12/11/ 2003       كاظم حبيب  

 



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أجل التحويل الديمقراطي الحقيقي في السعودية!
- كيف يمكن التعامل مع أقطاب النظام السابق لتعميق التجربة الديم ...
- لِمَ هذا الهلع المفتعل للحكومة التركية من الشعب الكردي في كر ...
- العراق ليس فيتنام, ولكن ...!
- نحو مواجهة الإشاعات بمواقف شفافة وصريحة من جانب مجلس الحكم ا ...
- من أجل تعامل صارم وعقلاني مع العناصر التي خانت أحزابها الوطن ...
- المأساة والمحنة المستديمة لأطفال العراق!
- رسالة مفتوحة إلى مجلس الحكم الانتقالي والإدارة الأمريكية - م ...
- ضرورة الشفافية والمجاهرة بين مجلس الحكم الانتقالي والشعب!
- المشكلة الاقتصادية في العراق
- من أجل النقل المسؤول للسلطة إلى مجلس الحكم الانتقالي وتعزيز ...
- حوار مع السيد بريمر حول المدخل لإصلاح الاقتصاد العرقي!
- المناضلون العراقيون الأقحاح ماذا يريدون؟
- الصراع الطائفي محاولة مقيتة لتشويه وجهة الصراع الحقيقي في ال ...
- عواقب الجريمة الأكثر بشاعة التي ارتكبها صام حسين بحق الشعب ا ...
- إنها صحوة موت ولكن, ....!
- المسألة الكركوكية: التطهير العرقي فكراً وممارسة في ظل الاستب ...
- دراسة أولية مكثفة عن أوضاع الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ...
- هل للملكية-الإقطاعية حظ من القبول في العراق؟
- نحو معالجة المشكلات الأساسية التي تواجه الشعب في المرحلة الر ...


المزيد.....




- أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل ...
- في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري ...
- ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
- كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو ...
- هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
- خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته ...
- عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي ...
- الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
- حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن ...
- أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - الاحتلال والصراع على السلطة في العراق وسبل معالجتها!1-4 حلقات