|
قانون الانتخابات ,
عبيد خضير جبر
الحوار المتمدن-العدد: 2114 - 2007 / 11 / 29 - 10:15
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
المادة (9) من قانون الانتخابات تنفي شرعية أعضاء مجلس النواب ومجالس المحافظات
لقد اختفت دكتاتورية صدام حسين بمساوئها المعروفة والتي حكمت العراق لأكثر من ثلاثة عقود من القرن العشرين بعقلية غبية وثقافة متخلفة وان البديل الذي اختير تطبيقه في العراق هو المنظر السياسي المستمد من المشروع الديمقراطي الأمريكي في الشرق الأوسط , أي الديمقراطية التي يختارها ذلك المشروع انسجاماً مع فكرة عصر الاستعمار القديم التي تقول إن الاستعمار جاء لأجل نشر الديمقراطية بين الشعوب المستعمرة غير ان هكذا نوع من الديمقراطية لم يتحقق شيئاً منها في العراق و لم يكسب النجاح لحد الآن لكونه قد جاء كردود أفعال لجرائم تلك الدكتاتورية الوحشية ولم يكن لمعالجات وحلول علمية للخلاص من هكذا أنظمة مستديمة ولم تقم على أسس فكرية وطنية لاجتياز هذه المرحلة الاستبدادية التاريخية كان قد استوعبها وتثقف بها المجتمع واقتنع بدروسها ومبادئها أثّرت عليه الى درجة إن ممارسة كفاحه الوطني عبر تلك العقود من المفترض أن تكون تحت شعارات المطالبة بالحرية والتحرر من الاستبداد وعلى مبادئ حقوق الإنسان وإرساء قواعد الديمقراطية في نظام الحكم بقيادات وطنية معروفة وموثوق بها ذات بعد وطني مجرد من الفئوية والأجندة السياسية الخاصة , وإنما جاءت بصيغة ( حكم الأحزاب والنخب السياسية ) وليس بصيغة ( حكم الشعب ). لذا فان المنظر السياسي للدولة العراقية الجديدة لايمكن أن يؤهلها بان توصف بالدولة الديمقراطية. لان ما حصل لحد ألان هو عبارة عن سباق وتنافس لتفعيل المؤسسات الدستورية الحديثة النشأة وتوظيفها لتحقيق مكاسب خاصة لتلك الأحزاب والنخب السياسية لما يدّعونه ( حقوق لفئاتهم ) وان نشاطاتهم في تلك المؤسسات وتجاوبها معهم بتأثير أغلبيتهم في مجلس النواب ومجالس المحافظات هو ما يدعونه أو يسمونه ( بالديمقراطية ) وهم يعرفون جيدا أو قد لا يعرفون ان بانتهاء هذه المرحلة من هكذا ديمقراطية سينفرط عقد النخب المهيمنة وستتهدد وحدة العراق وتنهار وحدة المجتمع وأخيرا تتفرق وحدة ألفئات الاجتماعية الدينية والسياسية ذاتها . لأن التغيير الذي حصل كان عن طريق ثوري حربي أجنبي له مصالح استعمارية خاصة به استخدم القوة المفرطة والفتاكة والمدمرة لكل مؤسسات الدولة الدكتاتورية والبنية العسكرية والاقتصادية والإدارية للبلاد تدميرا كليا مستغلا رغبة وإرادة القيادات السياسية المعارضة لذلك النظام لأن المهم عندهم هو إلغائه وإلحاق الهزيمة الدائمية به وبعد ذلك إن من الممكن حل المشاكل الوطنية وتداعيات النظام الدكتاتوري من وجهة نظرهم وهذه الطريقة لاتمت بأية صلة بالمشروع الديمقراطي الوطني المستقبلي ولا تأسس له في الدولة العراقية الجديدة وان التاريخ سيحاسب على هذا التأسيس المشوه للديمقراطية وسيرتكب المؤسسون خطاً كبيراً في تاريخهم يؤدي إلى ذمهم والى إدخالهم في خانة المستبدين ولا يتوقعون إدراجهم في قائمة الرجال الأبطال في تاريخ العراق مثل ( الميرزا الشيرازي ومهدي ألخالصي وجعفر أبو ألتمن وكامل الجاد رجي وعبد الواحد الحاج سكر وفهد وسلام عادل ومحمد رضا الشبيبي وغيرهم ) وإنما هو نقلة نوعية من نظام حكم استبداد الفرد أو العائلة الواحدة الى نظام حكم استبداد النخب المتعددة حسب درجة هيمنتها وكان يفترض في التعددية السياسية أن تكون بديلاً للفردية لتجنب الاستبداد وأنها تشمل المجتمع نرى تطبيقها فى العراق أنها تتوجه الى الهيمنة على السلطة ومصدر القرار السياسي بتعددية الأحزاب غير الديمقراطية التي تتحرك سياسياً بأجندات خاصة تركّز على إشباع الذات أولاً وبالتأكيد ستتضارب مصالحها وبالتالي تبقى الأزمة السياسية مستمرة وتبقى حاجات المجتمع مهملة والدولة معطلة عن المهمة المكلفة بها السياسية والاقتصادية والتنموية والتعليمية وتتوقف الحركة العلمية والثقافية . استبداد التعددية بمشروعية دستورية صنّعتها النخبة السياسية والتي تقوم على جذب الشعب( الناخب العراقي ) بدوافع نصرة الفئوية وليس بدوافع استحقاقاته وقد انبثق منها قانون الانتخابات رقم (16) لسنة 2005 والذي هو نسخة طبق الأصل من الأمر (96) لسنة 2004 الصادر من مدير الإدارة المؤقتة السفير الأمريكي ( بول بريمر ) الذي سمّاه قانون الانتخابات وإننا نتوقع يوماً من الأيام أن نشهد انتفاض العراقيين للدفاع عن الديمقراطية التي سعوا اليها في مسيرة طويلة من الكفاح الوطني والتضحيات الجسيمة . إن تلك القوى ( النخب السياسية ) سواء كانت دينية أو ليبرالية التي تولت ادارة البلاد نتيجة التغيير لم تنتزع من دواخلها العقلية الاستبدادية أو على الأقل ( اللاّ ديمقراطية النسبية ) العالقة في ثقافاتهم ونمط تعاملهم مع المجتمع تحت تأثير العقلية الأمرائية والزعامات العائلية التقليدية كما يبدو في ممارساتهم التشريعية والتنفيذية والحزبية والصفقات التي يتعاقدون عليها السرية والعلنية والاتهامات والشتائم والتوصيفات العرقية التي يتبادلونها لذا فأنهم قبلوا هذا القانون لأنه يلائمهم كما ورد في الأسباب الموجبة لتشريعه . لان توجهاتهم السياسية لم تقم على الثوابت الوطنية المشتركة تاريخيا بين العراقيين وإنهم يبتعدون عنها وعن أية دعوة لتعزيزها بوثيقة مكتوبة يلتزمون بها جميعا بكلمة شرف وعهد وطني يحرّم أخلاقيا تخطيها مهما كانت انتماءاتهم الاجتماعية والفكرية في السلطة أو في خارجها وأنهم لم يرسموا سياسية إستراتيجية قريبة أو بعيدة المدى للدولة العراقية التي يراد لها ان تكون دولة عصرية متوحدة بمواطنيها وأراضيها وثرواتها وسياستها مع مراعاة احترام خيارات مكوناتها الكبيرة ذات الخصوصية الثقافية والتاريخية والقومية والجغرافية في ادارة شؤونهم بأنفسهم ضمن الدولة المتوحدة تجعل ان كل مواطن تتأصل فيه فكرة واحدة هي انه مواطن عراقي بكل التزامات ومشاعر المواطنة وحقوقها وواجباتها مهما كان انتمائه الفئوي والحزبي والفكري. فإن هذا القانون يكرّس الاستبداد (الأوتقراطية ) وأنه من تأسيس المشروع الأمريكي للديمقراطية للشرق الأوسط كما ذكرت سابقا ًوقد نجحوا في تغيير صورة الاستبداد بوجه من وجوه الديمقراطية الدستورية . فلو يرجع خبراء القانون إلى المادة (9) التي تنص على أن ( يكون الترشيح بطريقة القائمة المغلقة ) وهذا النص يشكل التفاف متعمد على مفهوم الديمقراطية الحقيقي كما أراد المشرع الأمريكي (بريمر ) بعبارة (الملائم في حينه ) الواردة في الأسباب الموجبة . وإن القوى السياسية الكبيرة المهيمنة مع احترامنا لها لم تستنكف من تطبيق هذا النص المعيب الذي يخرج من الشرعية الديمقراطية الدستورية لمقتضيات مصالحها الحزبية حتى تتمكن من إدخال أتباعها الى مجلس النواب ومجالس المحافظات لتضمن أصواتهم لها وقد يكونوا مرفوضين من الناخبين , لو أنهم يعلمون أنهم من المرشحين لإشغال مقاعد البرلمان في هذه القائمة أو تلك فلن يعطوا أصواتهم لها أبداً. فالمرشحون معينون سلفاً ويعينون لاحقاً من قبل كتلهم التي أبقتهم مجهولين ومختفين خلف اسم ورقم القائمة وقد ظهرت نماذج تجارية وعشائرية ومتحدثين إعلاميين وحتى أميين قد شغلوا تلك المقاعد على أنهم يمثلون الناخبين في دوائر انتخابية لا تعرفهم وليس من سكانها وقد فوجئ الناخبون بطلعتهم البهية . أن تعيين عضو البرلمان ومجالس المحافظات والمجالس المحلية أصبح مألوفا من خلال تعيين أعضاء بدلاء لمن يفقد العضوية لأي سبب من الأسباب من قبل كتلهم وان مفهومية الانتخابات التكميلية مستبعدة تماماً. وعليه فأن الأعضاء اللذين يشغلون مقاعد البرلمان ومجالس المحافظات والمجالس المحلية أو الذين جاؤا بعدهم هم غير منتخبين وليس لهم صفة دستورية أو شرعية وطنية . وان الديمقراطية المزعومة في هذا القانون معدومة بهذا النص وتطبيقاته وبالتالي فأن هذه المؤسسات بكامل تشكيلتها غير دستورية وغير شرعية ومن يرى غير ذلك من خبراء القانون والدستورية فنحن بحاجة الى تنويرنا بعلاقة تطبيق الشرعية الديمقراطية بالمادة (9) من هذا القانون وهي لبّه التي قام عليها مجلس النواب ومجالس المحافظات (المشرّعون). لان الديمقراطية تقاس بالنظام الانتخابي وأحزابها السياسية كما يقول (روبرت.أ.دال)عن الديمقراطية وتقاس بمعالجة مشكلات المجتمع ومطالبيه الواجبة الحل مثل الفقر والبطالة والجريمة والفساد وحقوق المظلومين وتطبيق القانون واحترامه من قبل موظفي الحكومة وبرامج الخدمة الاجتماعية والهجرة والتهجير والنزاهة والرقابة في تنفيذ وإنتاج المشاريع الاقًتصادية وقوانين الخدمة بتكافؤ الفرص ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب من أول لحظة قامت فيها الدولة , بينما نلاحظ أن القاعدة الحزبية هي التي تتحكم بمصائر هذه الأمور وان هذه القاعدة منافية للديمقراطية . وأخيرا أن نص المادة (9) يبعد قانون الانتخابات عن كل نظم الانتخابات المتعارف عليها عالميًا لأنها محاولة ذكية لسلب الديمقراطية من توجهات الناخب العراقي في أول محاولة له لبناء الدولة الديمقراطية العصرية بعد طرد الديكتاتور صدام حسين جسدياً . رأي على مسؤولية الكاتب موضوع للمناقشة استناداً الى حرية الرأي والتعبير.
#عبيد_خضير_جبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فيدرالية الوسط والجنوب
المزيد.....
-
في يومهم العالمي.. أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ألهموا الع
...
-
سويسرا تفكر في فرض قيود على وضع -أس- الذي يتمتع به اللاجئون
...
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|