الاشتراكيات ما قبل العلمية
1- الاشتراكية الطوباوية : مجموعة المذاهب والنظريات الاجتماعية والسياسية ، ظهرت مع ظهور الرأسمالية وتطورها، تنادي بإقامة مجتمع من طراز جديد لا وجود فيه للاستغلال "استغلال الإنسان للإنسان"، كما تنادي بالمساواة الاجتماعية . ووصف لينين نشأتها قائلاً "عندما دك النظام الإقطاعي ، ورأى المجتمع الرأسمالي (الحر) النور، تبين فوراً أن هذه التجربة تعني نظاماً جديداً لاضطهاد الكادحين واستغلالهم. وفوراً أخذت تنبثق شتى المذاهب الاشتراكية، انعكاساً لهذا الاضطهاد واحتجاجاً عليه". ولم تستطع الاشتراكية الطوباوية أن تبرز نظرياً أو اقتصادياً كيفية الانتقال إلى المجتمع الجديد البديل للرأسمالية. لا بل أنها "لا تعرف كيف تفسر جوهر العبودية المأجورة في ظل الرأسمالية، ولا كيف تكتشف قوانين تطور الرأسمالية، ولا كيف تجد القوة الاجتماعية القادرة على أن تصير خالقة المجتمع الجديد"([1]).
إن نشوء الاشتراكية الطوباوية وتطورها قد نجما عن تطور المجتمع على الصعيد الاقتصادي، وعن تفاقم تناقضاته الاجتماعية، وقد أعربت مختلفة المفاهيم الطوباوية عن الأمل في حياة أفضل ، في نظام اجتماعي عادل.
كان توماس مور (1478-1535) أحد أوائل الاشتراكيين الطوباويين في أوروبا، توصل مور إلى أن الملكية الخاصة وسوء توزيع الثروة هما لسبب في البؤس والحرمان الذي تعيشه بعض فئات المجتمع ".. إن مساواة وسعادة الناس وتطور مزاياهم الجسمية والعقلية ، وبالقدر نفسه العدالة الاجتماعية والتسيير الرشيد للشؤون الاجتماعية، لا يمكن تصورها ما دامت الملكية الخاصة قائمة وما دامت الثروة التي يخلقها عمل الأكثرية ، تقع في أيدي الأقلية"([2]). لذلك كان مور يدعو إلى إقامة مجتمع لا وجود فيه للسادة والعبيد، يقدم فيه المواطن عمله ويحصل لقاء ذلك على حاجته فقط، كما دعا إلى توزيع الثروة بين الناس بالتساوي.
ونادى الطوباوي الإيطالي تومازو كامبانيللا (1568-1639) لبناء مجتمع لا يعرف الاستغلال أو سلطة المال . وبعده جاء الطوباوي الفرنسي جان ميليه (1664-1739) ليضع أساس الاتجاه الثوري للاشتراكية الطوباوية، ودعا ميليه إلى الإطاحة بالأوضاع القائمة عن طريق الثورة. ولكنه لم يقدم مخططاً مرسوماً لتنظيم المجتمع الذي يدعو لقيامه.
ومن الاشتراكيين الطوباويين في القرن التاسع عشر، الكونت سان سيمون (1760-1825) الذي ولد وعاش في أسرة أرستقراطية فرنسية، كان يدعو إلى بناء مجتمع يؤمن أسعد حياة لغالبية الناس ويقدم لهم أقصى حد من الإمكانات لتلبية حاجاتهم . (كان سان سيمون يتصور المجتمع الاشتراكي المقبل بمثابة رابطة حرة يتحد فيها الناس من أجل التأثير الواعي المشترك في الطبيعة، من أجل ضمان الرفاهية والازدهار الشاملين. وفي هذا المجتمع يعمل كل إنسان حسب قدرته ويتلقى حسب عمله، ولا وجود هنا للاستغلال ولسيادة الأقلية على الأكثرية)([3]). ولكن سان سيمون لم يكن يؤمن بالثورة من أجل التغيير وكان يخاف ويرهب الصراع الطبقي، وإنما يعلق آماله على التبشير بأفكار التآخي والمساواة بين الناس. وعد سان سيمون التوفيق بين الطبقتين المتناحرتين (الطبقة العاملة والبرجوازية) أمراً ممكناً.
وظهر بعض الاشتراكيين الطوباويين في روسيا. مثل نيقولاي تشيرنيشيفسكي (1828-1889) الذي دعا لبناء المجتمع الاشتراكي المرجو على شكل فيدرالية موحدة للاتحادات الإنتاجية التي يديرها الناس أنفسهم والخالية من الاستغلال وحيث العمل إلزامي بالنسبة للجميع. كما نادى إلى النضال ضد القيصر والملاكين العقاريين في روسيا القيصرية. وانتقد النظام الرأسمالي، بما فيه من فوضى الإنتاج، والمزاحمة واستغلال الطبقة العاملة، والأزمات الأخرى. كما ظهر بعض الطوباويين الآخرين أمثال: الإنجليزي ونستلي ، حيث كان يدعى : إيديولوجي أفقر فئات الشعب . والفرنسي موريللي في القرن الثامن عشر، ومابلي وبابوف وشارل فورييه، وروبرت أوين، وبيلنسكي وهرتسين.
ونلاحظ أن هؤلاء المفكرين ، قد عاشوا وظهرت أفكارهم في أزمنة مختلفة ، وكانوا ينتسبون إلى طبقات وفئات اجتماعية مختلفة أيضاً ، والذي كان يجمع بينهم، هو إدانة النظام الذي تسود فيه الملكية الخاصة والاستغلال ، والمجتمع الذي يسوده التفاوت الطبقي، كما كانت تجميع بينهم الرغبة في استبدال بهذا النظام وهذا المجتمع مجتمعاً أفضل تسوده العدالة والمساواة ويلتغي فيه الاستغلال([4]).
2- الاشتراكية التعاونية : ظهرت نظرية "الاشتراكية التعاونية" في العقود الأخيرة من القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، في مرحلة تفسخ النظام الإقطاعي وانتهائه ، وولادة نظام جديد يعتمد أسلوب الإنتاج الرأسمالي. ومن أ÷م الرواد الأوائل لنظرية "الاشتراكية التعاونية" روبرت أوين (1771-1858) وشارل فورييه (1772-1838).
تنادي نظرية "الاشتراكية التعاونية" بالقضاء على النظام الرأسمالي والتحول إلى النظام الاشتراكي ولكن بصورة تدريجية وسلمية، وهذا ما نادى به روبرت أوين، هذا الاشتراكي الطوباوي الإنكليزي الذي حاول عملياً، البرهنة على إمكان إلغاء الاستغلال الذي يمارسه التجار، وأصحاب المصانع على الفقراء. عندما أقام أولى الجمعيات التعاونية للعمال بهدف بناء نظام اجتماعي جديد لا وجود فيه للاستغلال أو للفقراء. وذلك بوساطة التعاون الأسلوب الاقتصادي الذي يؤمن الخيرات الحقيقية والمادية والروحية للجميع، وعن طريق الإدارة الذاتية التي توجه سائر الجهود لإنتاج السلع والمنتجات الغذائية، وتوزيعها بالتساوي بين أفراد المشاعات التي أسسها أوين. (واعتقد أتباع الاشتراكيين الطوباويين أن التعاون يعد الطريق الأصوب لبناء المجتمع الاشتراكي بدون الصراع الطبقي وبدون الإسقاط العنقي لسيطرة البرجوازية).([5]).
وتنتقد النظرية "الاشتراكية التعاونية" النظام الرأسمالي وتدين الممارسات والضغوط التي تقع على الطبقة العاملة بسبب هذا النظام. وهي تنادي بالقضاء على الاستغلال الرأسمالي للطبقة العاملة. ولكنها ترفض الأسلوب الثوري رفضاً باتاً لتحقيق التحولات الاجتماعية الاقتصادية، ويتم تحسين أحوال الطبقة العاملة (حسب تصورها) عن طريق أسلوب النضال البرلماني البرجوازي. وامتداد التعاون وتوسعه هو الحل الوحيد لتصفية التناقضات الأساسية للمجتمع الرأسمالي.
وتنطلق نظرية "الاشتراكية التعاونية" من مبدأ وحدة المصالح السوقية، حيث أن السيطرة على حركة الدورة السلعية تخلق ظروفاً، يمكن من خلالها السيطرة على الإنتاج المادي للسوق المحلية أو للتصدير. وهذا يعني أيضاً مبدأ التفاهم الذي يحقق المصالح المشتركة للمستهلكين، إن توسع التعاونيات وانتشارها سيؤدي إلى حماية مصالح المستهلكين. وهذه الرغبة في تحقيق مصالح المستهلكين سوف تؤدي إلى خلق ظروف ملائمة لزيادة الإدخار والتراكم. مما يؤدي إلى توفير القاعدة الموضوعية للنمو السريع، وتقدم المجتمع.
(و "الاشتراكية التعاونية" لم تبق فقط ضمن النظرية، وإنما جرت محاولات في بعض البلدان، لتطبيقها في الحياة العملية. ففي فرنسا ساعدت الدولة عن طريق تمويل (ورشات الدولة) التي كانت تمثل شكلاً من أشكال التعاون الإنتاجي، ومن حيث التنظيم كانت شبيهة بالتنظيم التكنيكي للمشاغل (المانوفاكتورات) في عهد الوزير (لويس بلان 1811-1882). إلا أن التجربة العملية القصيرة التي مرت بها، قد بينت بأن الاتفاق بين البروليتاريا والدولة البرجوازية، إنما هو خيال ويحمل للبروليتاريا الأضرار، وذلك لأنه يجبرها على التخلي عن برنامجها الثوري)([6])
3-الاشتراكية الديمقراطية : وهي عبارة عن تيار في الحركة العمالية العالمية المعاصرة، ونوع من الاشتراكية الإصلاحية "الإرتقائية"([7]).
- الإقرار بالطرق السلمية "الإصلاحية" والتدريجية للتحول،
- استبدال التعاون الطبقي بالنضال الطبقي،
- فيما يتعلق بالدولة والديمقراطية يسري الاعتقاد بمبدأ "قانون الطبقية" وفهم الاشتراكية على أنها مقولة أخلاقية –أدبية.
- تعارض الطروحات الفكرية للاشتراكية الديمقراطية مع الطروحات الفكرية للاشتراكية العلمية.
لقد ولدت الاشتراكية الديمقراطية بعد الحرب العالمية الثانية. وبشر بها الاشتراكيون اليمينيون.
4- الاشتراكية الشعبية : وهي "نوع من الاشتراكية الطوباوية البرجوازية الصغيرة، وفي روسيا أيديولوجية للديمقراطية الفلاحية. إن السمة المميزة للاشتراكية الشعبية هي التشابك بين فكرة الديمقراطية الزراعية والأحلام الاشتراكية والأمل في تجنب الرأسمالية . كما أن نضال الجماهير الشعبية، وعلى الأغلب الجماهير الفلاحية من أجل الأرض، من أجل القضاء على أشكال الاستغلال الإقطاعية هوي ينبوع الاشتراكية الشعبية الاجتماعي"([8]).
لقد طرحت الاشتراكية الطوباوية حلولاً لاستبدال نظام عادل جديد بالنظام الرأسمالي، ولكن هذه الحلول لا تستند إلى مرتكزات فلسفية متكاملة، أو إلى تحليل علمي للوقائع في هدى ما تسمح به هذه المرتكزات. ولم يتمكن الاشتراكيون الطوباويون، من فهم قوانين التطور الاجتماعي، ولم يحددا ما هي الوسيلة أو القوة القادرة على خلق المجتمع الجديد. وبذلك لم تستطع الاشتراكية الطوباوية أن تكشف قوانين تطور المجتمع الرأسمالي، أو توضيح جوهر الاستغلال في ظل الرأسمالية. ولم تستطع أن تعلل نظرياً أو اقتصادياً القوانين الناظمة لحركة المجتمع نحو مرحلة جديدة ، أو رسم طريق هذه الحركة .
الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
جامعة دمشق – كلية الاقتصاد
[email protected]
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) - لينين، المؤلفات الكاملة، مجلد 23، ص46 .
([2]) - أفانا سييف، أسس الاشتراكية العلمية، دار التقدم، موسكو 1984، ص9 .
([3]) - أفانا سييف، المصدر السابق، ص9-10 .
([4]) - أنظر ، كيلمينتييف وفاسيليفيا، ما هي الاشتراكية، دار التقدم، موسكو 1987، ص5-17 .
([5]) - سيرغي سيرايف ، الاشتراكية والتعاون ، دار التقدم ، فرع طشقند 1981، ص20-21 .
([6]) - د. كارل برنتيسه، دراسات اشتراكية في النظرية التعاونية، ترجمة د. مجيد مسعود، دار الجماهير العربية، دمشق 1975، ص77 .
([7]) - أنظر : الشيوعية العلمية، معجم ، دار التقدم، موسكو 1985، ص33 .
([8]) - المصدر السابق، ص37 .