|
في الأوهام الطهرانية للمعارضة السورية: وهم فاعلية التغيير من الداخل 3/3
خلف علي الخلف
الحوار المتمدن-العدد: 2112 - 2007 / 11 / 27 - 04:39
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يصرُّ أغلب أطياف المعارضة السورية على «السلمي» كطريق وحيد للتغيير ينشدونه في سوريا. وهو خيار أصبح راسخاً ولاخلاف عليه، ولم يكن تكريسه نتاج ضمور القدرة على الخيار «العنفي» لدى أطياف المعارضة فقط، بل لأن الغالبية أصبحت تؤمن بـ«السلمي»،لأسباب متعددة المشارب. وإذا كانت «السلمي» تخص خيار المعارضة نفسها، فإن خيار « العسكري» عندما يحل بديلاً عن العنفي لا يلاقي نفس الإجماع سواء إعلامياً أو حتى ضمنياً. والعسكري هنا هو التغيير من الخارج كما حدث في العراق. لكن هذا الخيار أيضا فقد أغلب الذين تحمسوا له في فترة من الفترات أو دعوا له أو على الأقل تمنوه، لأن «الكارثة العراقية» بعد سقوط نظام صدام جعلت المراهنة على التغيير الخارجي أمراً غير مقبول بالمقايسة. إذ أن ما حدث في العراق جعل المنطقة برمتها تعود إلى الوراء وجعل الكثيرين يجاهرون بأن القبول بنار الديكتاتوريات أرحم من جنة الديموقراطية «الأمريكية» الموعودة. إنها عودة للمربع «الصفري» السابق لسقوط صدام، عودة مدعومة بوقائع تجري أمام أعين الجميع. فقد كان المربع فيما قبل سقوط صدام ملخصاً بـ «لا لصدام، لا لأي تدخل خارجي» وإذا كان هذا المربع السكوني قد وجد من ينتقده قبل سقوط صدام ويعلو بصوته مفنداً إياه وواصفاً له بأنه قبول باستمرار هذا النظام «كمثال صارخ للدكتاتوريات» ولا يقدم شيئا آخر لاستحالة التغيير من الداخل، لأن النظام استولى على كل مفاصل الحياة وجعل التغيير ضمن هذه المعادلة أمراً مستحيلاً، فإنه لا يجد الآن من يفنده بناءا على ما حصل لاحقاً في العراق. لقد تحولت مقولة التغيير «من الداخل» إلى ركن أساسي لدى أطياف المعارضة السورية سواء الداخلية أو حتى الخارجية، وأصبح الخروج عليها أمراً أكثر صعوبة، في ظل الوقائع الماثلة. فقد تلقى المراهنون على التغيير «من الخارج» أو بدعم منه صفعة قوية من المثال العراقي. وهذه «الصفعة» لا تقتصر على من كان ينادي به من السوريين بل إنها كانت أيضاً للقوى التي يُراهن عليها في إجراء هذا التغيير وهي هنا أمريكا فقط لا غير. إذ أن كل الدلائل تشير إلى أن لا أحد سوى أمريكا لديه رغبة في تغيير النظام السوري(اعلاميا على الاقل) بما في ذلك إسرائيل. بل إن كثيرين يعتقدون أن إسرائيل هي من حمى هذا النظام لفترات طويلة ومديدة من اليد الأمريكية! فهي تفضل نظاما مستقراً معروفاً لديها بمحافظته على أمن حدودها، من نظام آخر قادم قد يجد نفسه منساقا إلى إعادة شعارات التحرير واستعادة الأرض بالقوة في محاولة لاكتساب شرعية وطنية كما فعلت كل الانقلابات العسكرية في سوريا قبل أن تهدأ بشكل نهائي بعد انقلاب الأسد (الأب) وسحقه لكافة القوى السياسية على الأرض، وامتداداتها داخل المؤسسة العسكرية. وكما كل الشعارات التي رفعتها « الأحزاب» السورية المعارضة في فترة من الفترات، فقد كان ولا زال الكثير من المعارضين السوريين يعيرون النظام بصمته اتجاه إسرائيل، وبعدم قدرته على تحرير الجولان!. لا شك فإن هذا الموقف الإعلامي هو أحد أدوات استدراج عطف الشارع في «حرب» المعارضة مع النظام. وإذ لايمكن لأحد أن يعارض رغبة المعارضين السوريين في التغيير الداخلي يمكن لنا مناقشة مدى إمكانية ذلك من خلال المؤشرات التالية: - يستولى النظام على كافة مفاصل العمل في الشارع السوري ولا يسمح لأحد بالاقتراب منها أو التوغل فيها فلا تستطيع المعارضة الداخلية من تجميع أكثر من بضع عشرات أو مئات لأي احتجاج تدعو له وهذا حصل في لحظات بدت فيها اليد الأمنية متراخية قليلا أمام ترك «ساحة» للمعارضين لتنظم بعض هذه الاحتجاجات - عدم قدرة المعارضة السورية على تشكيل «حركية» مؤثرة أو فاعلة ضمن الشارع السوري، بل وحتى لدى النخب المتعلمة أو حتى المثقفة. إذ ليس هناك مشروع وطني يمكن الإجماع عليه خارج حسابات المحاصصة لقوى خائرة التمثيل على الأرض وتجتر تاريخاً سابقاً يثقل العمل السياسي (وحتى المدني) في الشارع السوري - الرهاب الأمني الذي ما زال يسكن نفوس الناس منذ بطش النظام العنيف بكل مكونات المجتمع والتي كان لها موقفا محتجا أو معارضاً، سلمياً أو مسلحاً. وتالياً شل قدرتهم ليس على الحركة فحسب بل على التفكير فيها. - انتماء شخوص المعارضة السورية (الداخلية) إلى فكر قومي أو يساري؛ وهذ عدا عن كونه يحيل في الغالب الى تمثلهم «رطانات»، فإنه يجعلهم بعيدون عن الشارع السوري في قراءة له الان لأن وعيه الجمعي أصبح دينيا في العموم. - ضعف قدرة وخطورة عمل الإخوان المسلمين في الداخل السوري في ظل بقاء القانون 49 الذي يحكم بالإعدام على كل من ينتمي للجماعة وهي عبر طبيعة تكوينها الأكثر قدرة على الحشد فيما لو أتيح لها النشاط الداخلي - ضعف خيار «دفع ثمن الحرية» لدى «المشتغلين بالسياسة» في سوريا لأسباب عديدة ليس أقلها البطش الذي لا حد له للنظام لأي فاعل سياسي مؤثر. بل يبدو أن هذا الخيار تراجع عن العقود الماضية بعد أن أمضى بعض السوريين المشتغلين بالسياسة وبعض السياسيين ما يقارب العقدين في سجون النظام، في ظل عدم وجود آلية تكافلية تضمن على الأقل عائلة من سيختار هذا الخيار - ضعف خيار التغيير في هرم السلطة أو انعدامه سواء كان ذلك بانقلاب أبيض أو غيره من التغييرات «الانقلابية» داخل هرم السلطة - لم يصل الناس في سوريا إلى وضع اقتصادي كارثي «ولن يصلوا» يسبب احتجاج جماعي منفلت وغير منظم تستطيع بعض الأحزاب ركوبه، كما أن كل اطياف المعارضة تغيب المسألة المطلبية والمعاشية للناس من خطابها الاعلامي! الذي ترتكز دعواه الاساسية في التغييرعلى: الديمقراطية، حقوق الانسان، تداول السلطة،... ولازالت هذه المفاهيم لا تشكل استقطابا (شعبياً) حولها - عدم تبني القوى الدولية المؤثرة، بشكل واضح لخيارات المعارضة في «التغيير» بل لازالت كل الدول تأمل أن ينسجم النظام مع الوضع الدولي ويغير نفسه وهي تعني تغيير ارتباطاته الخارجية مع إهمال الداخل السوري. وفق هذه المؤشرات هل لأحد من المعارضة السورية في الداخل والخارج أن يدلنا على آليات التغيير السلمي من الداخل دون أن يستخدم الشعارات، والجمل الفضفاضة، وكلام لا مصب له. إذ أن هدف هذه الورقة محدد وهو الدخول في منطقة إجرائية، والنظر الى امكانيات التغيير ضمن الواقع المتاح الماثل، دون الدخول في التنظير العمومي. نتمنى بالطبع أن يكون لدى المعارضة السورية الداخلية والخارجية ما تقوله وما تفعله في سبيل التغيير السلمي الديموقراطي «ومن الداخل» غير ترقب إحالات المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الحريري
ملاحظة: كتبت هذه الورقة بأجزائها الثلاث في صيف 2006. لم أنشرها حينها بسبب خوفي من السلطات الأمنية ولاعلاقة لعدم نشرها بأي شيء خارج هذا. وكنت قد «أرسلتها» لبعض الاصدقاء طالبا الرأي فكانت نصيحتهم عدم النشر. لم أجر أي تغييرات جوهرية عليها، وهذا يدل على أن الزمن السوري سرمدي؛ ما نقوله فيه يصلح الى الابد. كما أنها تتوجهه للمعارضين السوريين بحثاً عن منطقة فاعلية «وطنية». كما أعتبرها مجرد رأي، لا أتمسك به في حال اقتنعت بخطله.
#خلف_علي_الخلف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الأوهام الطهرانية للمعارضة السورية: آليات تفكيك النظام 2/
...
-
صنع الله إبراهيم في التلصص: التعسف البنائي ووهم السبق
-
هيّا بنا ننشر في الصحف العربية الكبرى
-
الفياغرا السورية وطبيب ايلاف في رواية سلوى النعيمي
-
على سيرة الدراما المصرية والسورية
-
حوار حول الحداثة والإشكالية والمنهج والنقد وأزمته وأشياء أخر
...
-
أنا حزين يا ابراهيم الجرادي
-
المشهد الثقافي من خلال المطبوعات السعودية
-
هيّا بنا نحجب
-
حق الرد السوري: سندات قابلة للبيع
-
- طاش ما طاش - وذهنية التحريم: أو كيف تجمع كتاباً على عجل
-
أيها الأصدقاء العراقيون أنا أحتج
-
عزمي بشارة مواطناً سورياً
-
كلما تراكم غيابه ازداد نصه حضورا
-
المشاريع الثقافية الكبرى والنهوض بالأمة
-
هيّا بنا نمدح معرض الكتاب ونهجو الوزارة
-
في قسوة النقد وفضل فصل القائل عن المقولة
-
ما هكذا تورد الأنطولوجيا يانادي جدة الادبي
-
ناس وأماكن (2): البحرين ناس ينثرون الحُب
-
ناس وأماكن: (1) الفضاء حين يتسع أو جدة التي غير
المزيد.....
-
بأكثر من 53 مليون دولار.. مرسيدس تعرض سيارة سباق نادرة للبيع
...
-
-مخطط لتهجير المواطنين-.. السلطة الفلسطينية تتهم إسرائيل بتو
...
-
دور الصحافة بمكافحة -التضليل الإعلامي- في سوريا.. مسؤول في م
...
-
مرتديا -ملابس الإحرام-.. أحمد الشرع يصل إلى جدة لأداء العمرة
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير مستودعات أسلحة لـ-حزب الله- في ج
...
-
هل يشهد لبنان أزمة مياه هذا العام؟
-
نتنياهو في واشنطن لعقد -اجتماع بالغ الأهمية- يبحث المرحلة ال
...
-
انفجار يستهدف مجمعا سكنيا فاخرا في موسكو ويوقع قتيلا وأربعة
...
-
هجوم من ماسك وترامب على الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية: -
...
-
أكثر من 200 هزة أرضية تضرب -إنستغرام-.. اليونان تغلق المدارس
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|