|
في السماء مَمْلَكة! وعلى الأرض صَدّام!
سمير مالك أبو شقرا
الحوار المتمدن-العدد: 2109 - 2007 / 11 / 24 - 08:24
المحور:
الادب والفن
ظل الجميع يترقب فيلم مملكة السماء Kingdom of Heaven بفارغ الصبر، فالجدل حوله تجاوز كل الحدود، وفكرته المُستفِزّة لفتت الأنظار إليه وجعلت، ليس جمهور السينما فحسب، بل الكثير من المفكرين والسياسيين ومن لهم علاقة من قريب أو من بعيد بقضايا الصراع الفكري والسياسي بين الشرق المسلم والغرب المسيحي، جعلتهم – جميعاً - يتلهفون لمعرفة الكيفية التي سيتناول بها المخرج البريطاني «ريدلي سكوت» هذه الفكرة، وأيضاً الكيفية التي سيظهر بها طرفا النزاع، وبالذات المسلمون.. وقد ساهمت التعليقات المبدئية التي أطلقها النقاد وبعض المنظمات حول الفيلم في إشعال جذوة حماس الجمهور الذي توقع من هذا الفيلم عمقاً فكرياً يساهم في خلخلة وتفكيك المفاهيم الخاطئة والمترسبة في أذهان المسلمين والمسيحيين على السواء.. لكن الذي ظهر في الفيلم -وهو ما يمثل خيبة بالنسبة للكثيرين- هي العناية بالشكل، بالمؤثرات وبأجواء الحرب المبهرة، والقفز على حقيقة الخلاف وعلى «فكرة» الخلاف نفسها، لتأكيد فكرة واحدة، تبدو متهالكة.. هي أن «الإنسان» فوق كل شيء، فوق الأديان، فوق مملكة السماء.. وفوق «رب» مملكة السماء أيضاً. على «آثار المُحارِب الصليبي» «أولئك المُستنيرين بالله» نحو القدس، مروراً باسطنبول وبيروت، حَكَمَت مرحلتهم المليئة بالضجيج والهياج، الجغرافيا السياسية المعاصرة.
بهذه الكلمات القليلة: «هذه مشيئة الله»، دَشَّن البابا «أورباين الثاني» Urbain II في 27 تشرين الثاني / نوفمبر 1095، أحد أكثر الأحداث الاستثنائية في تاريخ الغرب كلّه؛ فالحروب الصليبية دامت أربعة قرون، بعد ثماني حملاتٍ ناجحة، لم تنتهي حقاً إلا في العام 1492 مع استيلاء المسلمين على غرناطة في إسبانيا، لكن الأثر التاريخي الذي نتج عنه هو أكثر ديمومة بالفعل، تارةً يشتهر كـ «مغامرة» افتتاحية للغرب المسيحي، وطوراً يُحتقَر كتجسيد مُسبَق للكولونيالية (الاستعمار) العسكرية الهمجية؛ على الرغم من ذلك، استمرّ الصليبيون – منذ ما يُقارِب الألف عام – في سَكَن ذاكرة الشعوب، ذاكرة الغرب طبعاً، وذاكرة الأبطال الأوائل كاليهود والمسلمين ومسيحيي المشرق العربي كالأرثوذكس أو الأرمن أيضاً.
- من صلاح الدين إلى صدّام حسين
حدث قديم، صار الصليبيون إذن حدث اليوم، بعد تسعة قرون، يلعب الحدث وإنجازاته المسيحية (الحملات العسكرية)، دوراً رمزياً يُهيْمِن على الشرق الأوسط، في البلقان أو في العالم «السلافي» (أوروبا الشرقية وروسيا)؛ لنُعطي بعض الأمثلة: قبل أن يتخذ قراره باغتيال البابا «يوحنا بولس الثاني» في 13 أيار / مايو 1981 في كنيسة القديس بولس في روما، يشرح التركي «محمد علي أغجا» في رسالة سبب الاغتيال: «قررت فتل يوحنا بولس الثاني، القائد الأعلى للصليبيين». لم تكن تلك مطلقاً أقوال رجل مجنون، فنار الشرق الأوسط تتأجج باستمرار، ونار هذه الذكرى أيضاً – أي ذكرى الحروب الصليبية – تَزيدهُ تأجيجاً.
بالنسبة للمخيال الإسلامي، بقيَ الصليبيون ذلك الصدع الأوّلي، الجرح الذي لا يشفى، والذي يُشرِّع في أذهان المُتشدّدين دينياً كل أشكال الجهاد ضد الغرب. تغذّى القادة العرب المعاصرون، من جمال عبد الناصر إلى حافظ الأسد مروراً بصدّام حسين، جميعاً من هذه الذكرى المريرة والمجيدة للصليبيين، حيث كانت معركة «حطين» في العام 1187 التي نتج عنها طرد الفرنجة من القدس، الحقبة الأكثر اعتزازاً للمسلمين، ويحمل اثنان من الأجنحة العسكرية الثلاثة داخل منظمة التحرير اسم حطين والثاني «عين جالوت»، اسمان يستعيدان الاندحار النهائي لمملكة الإفرنج.
أما لجهة إسرائيل، فهي تتمثّل في المخيال العربي كاستعمار غربي شبيه بالممالك الإفرنجية المؤسَّسة من الصليبيين، ممالك (باستثناء طرابلس) دامت أقل من قرن؛ وتعرف إسرائيل فداحة ذلك، بتكرارها الـ بروباغندا الإسلامية، والعالم العربي المضطرب سيجد، لو متأخراً، «صلاح الدين» الخاص به، الذي سيُوَحِّد الإسلام المُحارِب؛ عبد الناصر قورِن بصلاح الدين، حافظ الأسد أيضاً، وبتسرّعه، خلال حرب الخليج في العام 1991، وحرب العراق في العام 2003، صار صدّام حسين من جديد صلاح الدين في مواجهة الغرب... لا تُفرِح إلا فاقدي الذاكرة؛ عند شعب عربي قليل العدد، هذه الرمزية تبدو مفهومة أكثر، أكثر من الرئيسين بوش الأب والابن، اللذين بالصلاة وبالصليبيين، في تضرُّعهما لله، يُبَرِّران دخول الولايات المتحدة الحرب، لكن الذكرى هي حيّة أيضاً عند المسيحيين الأرثوذكس الروس أو الصرب، الذين يستحضرون، عند أي فرصة، احتلال القسطنطينية ونهبها في العام 1204 من قِبَل الصليبيين المسيحيين المناصرين للـ «لاتين»، أو عند مسيحيي الشرق، حيث رسَّخ حلفهم مع الصليبيين انهيار الدولة اللبنانية بتركيبتها الهشَّة، واندلاع الحرب الأهلية من العام 1975 وإلى العام 1992، وعزَّز انعزالهم التاريخي القديم، كما ساهم في تفريقهم في العام 2005.
- الرسالة واضحة...
تمثل المرحلة الصليبية فترة مظلمة في تاريخ العلاقات بين أوروبا والعالم الإسلامي، مرحلة مليئة بالعنف والحروب والنهب والمذابح الوحشية وتدمير المدن، وتصاعد الحقد والكراهية وعدم الاستقرار.
اليوم، تُعاد كتابة التاريخ بطريقة جديدة، لم يعد الكتاب المرجع الوحيد لقراءة التاريخ... لقد بدأ الغرب إعادة صياغة التاريخ عن طريق السينما والمسلسلات وغيرها؛ بينما ينشغل العرب وشركات إنتاجهم باستثمار الأموال في برامج التسلية السخيفة، يقوم الغرب بإنتاج أكبر الأفلام التاريخية التي تتناول مراحل تاريخية رئيسية في حياة الشعوب ليعيد صياغتها بما يتناسب مع سياسته ومنظوره وأهدافه.
يُمْضي العربي يومياً ما يعادل ساعتان أمام التلفاز حسب إحصائية «للجزيرة نت»، فيسترخي أمامه، بينما تبث المحطات الفضائية فكرها ورسالتها ليتغلغل في رأس المُتَلَقّي من دون أن يلحظ أحياناً مصادر التلويث.
كان الجيشان - العربي والصليبي - يلقيان بظلالهما، برعبهما على المشهد بأكمله، كانت دماء الحرب لم تزل ساخنة وتسيل من جراحها، عندما سأل «باليان» الحداد، صلاح الدين: كم تساوي القدس؟
تنحبس الأنفاس تأهباً لإجابة صلاح الدين الذي أطرق ملياً قبل أن يجيب: «لا شيء».. وسار في طريقه قبل أن يلتفت إلى «باليان» ويقول بابتسامة وحركة مسرحية مرحة: «وكل شيء».
«كم تساوي القدس؟» يبدو هذا هو السؤال الأكثر إشكالية الذي يطرحه فيلم «مملكة السماء».
«كم تساوي القدس؟» يبدو السؤال متصلاً من أولى مشاهد الفيلم حتى آخرها... يبحث عن إجابة عبر لفتات الكاميرا ودخان المعارك، والصراع على من يستحق أن يحمل مفاتيح القدس، بداية تبدأ في فرنسا في العام1184 ، حيث الاستعداد الصليبي للسفر إلى القدس لحمايتها وحماية ملكها المريض، وفي النهاية مشهد مشابه حين يقرر «ريتشارد قلب الأسد» ملك إنجلترا السفر إلى القدس مرة أخرى، عندها يقول «باليان» الحداد: «إذا كانت هذه مملكة الجنة فليفعل الله بها ما يشاء».
«كم تساوي القدس؟» هل تساوي هذا الصراع المُمْتَد منذ قرون، ولم ينته حتى الآن، وتُفسِّره الجملة السابقة على لسان «باليان»، أم أنها بالفعل لا تساوي شيئاً، وتساوي كل شيء كما قال غسان مسعود (صلاح الدين الأيوبي)، ما قدّمه «ريدلي سكوت» يقول إنها فعلا تساوي الكثير، ومن الممكن الحفاظ على هذا الكثير عن طريق إبعاد رجال الدين عنها.
على الرغم من الخلفية الدينية التي تُحرِّك دراما الفيلم، إلا أن تفاصيله تكشف أن المُتَسَبِّب في ما حدث هُم رجال الدين المسلمين ممثلين في شخصية «خالد النبوي»، الذي ملأ الدنيا ضجيجاً بمشاهده الأربعة في الفيلم (نصفها صامت)، وحراس المعبد ممثلين بـ «رينالد الستلويني» حامي حصن الكرك، و«جي رينو»، والكاهن الذي يدعو «باليان» في نهاية الفيلم حين ينتصر صلاح الدين إلى أن يُغيِّر دينه إلى الإسلام حتى ينجو.
ثمة صورة أخرى يُقدِّمها الفيلم لرجال الدين ممثلة في قسّ القرية الفرنسية التي ينتمي إليها باليان، الذي يذبح زوجة باليان، ويسرق صليبها. أما خالد النبوي الذي يمثل السلطة الدينية في جيش صلاح الدين، فنجد أن الأيوبي يتعامل معه باستخفاف، كما نجد أن الرعاع هم الذين يتذرعون دائما لاستمرار الحرب بذكر اسم الله (إنها إرادة الرب).
كما نجد أنه على الرغم من مهاجمة رجال الدين على اختلاف طوائفهم في الفيلم يقدم مدينة القدس على أنها منبع الديانات الثلاث وملتقاها، وأنها المدينة التي يحكمها الضمير، ومملكة السماء، والطريق إليها هو الطريق إلى الجنة.
كل هذه الإشارات السابقة وغيرها، إضافة إلى أن الفيلم يتناول منطقة زمنية حساسة، ومنطقة - مكانياً - أكثر حساسية وهي القدس، أعادت إلى الأذهان ما حدث عقب أحداث 11 أيلول / سبتمبر 2001 من انفتاح الصراع بين المسلمين (مُمثَّلين في بن لادن وأتباعه) والكفار، كما يُفضِّل «أسامة بن لادن» أو«الظواهري» تسمية الجانب الآخر، وما يجعل السياق أكثر توازناً، الوصف الذي أطلقه الرئيس الأميركي جورج بوش عقب أحداث أيلول / سبتمبر أنها «حرب صليبية جديدة»، وهو ما جعل ناقداً أميركياً يصف الفيلم بأنه «يقدم وجهة نظر بن لادن».
لكن في الحقيقة الفيلم لا يقدم وجهة نظر بن لادن، ولا وجهة نظر المسلمين، على الرغم من أنهم طرف رئيسي في الصراع الذي يحكيه الفيلم، نجد أن صلاح الدين الأيوبي لم يظهر إلا في النصف الثاني من الفيلم في مشاهد محدودة. الرسالة واضحة...
يقول لنا الفيلم, إنه في الإمكان للمحتل والضحية أن يتعايشا بسلام.
أنه على الرغم من تاريخ المحتل الصليبي الأسود، إلا أنه يُمكن أن يتعايش الشعبان – العربي والغربي - مع بعضهما، إن وُجِد القادة غير المتطرفين الذين يؤمنون بالتعايش وينفذون اتفاقاتهم.
ويمكن أيضاً أن يكون الحاكم المحتل عادلاً وحكيماً. لولا أولئك المتطرفين من الجانبين لحل السلام وكان الأمان.
الرسالة وَصَلَت...
كانت هناك رسالة أخرى تقول إنه بمقدور المحتل أيضاً أن يكون عادلاً ورحيماً يحترم حرية الديانة والممارسة، ويمكن التعايش مع وجوده مِن دون الحاجة لإزالته، يتماشى ذلك مع النظريات التي يُرَوِّجُها البعض، يتقبلون من خلالها فكرة وجود المحتل على الأراضي العربية، كالوجود الأميركي في العراق! حيث يُرَوِّجون فكرة عدم وجود مشكلة من الاحتلال ما دام المُحتَل يُوَفِّر سقفاً مقبولاً من الحريات..
من الممكن للفلسطينيين التعايش مع العدو المحتل الصهيوني، على الرغم من العذاب الذي عاشه الفلسطينيون، إذا جاء الجيل الجديد الذي يؤمن بالتعايش السلمي وبفتح الصفحات الجديدة مع المحتل... أو إذا جاءنا القادة الجدد الأقوياء الذين يستطيعون السيطرة على المتطرفين والمغالين الذين يرفضون التنازل عن الثوابت القديمة وحقوقهم التاريخية.
كما يظهر الفيلم مشاهد لصراعات داخل قصر ملك القدس ,فهناك الحمائم والصقور لدى الملك... تماماَ كما في الإدارة الأميركية حيث الديموقراطيون والجمهوريون... المعتدلون والمحافظون الجدد.
على هامش تلك الرسالة التاريخية / السياسية، يعيش بطل الفيلم «باليان» قصة حب لا تقلّ ضراوةً مع زوجة إحدى أمراء الفرنجة المتطرفين، الذي يصبح بعدها ملكاً ليُهزم على يد صلاح الدين، وتنتهي قصة الحب تلك بموافقة الملكة المهزومة في القدس على تخليها عن مملكتها في عكا وصور وطرابلس، كما تقول، لتكون بجوار حبيبها باليان، الذي يضع ذلك التخلي عن الملك شرطاً لارتباطهما... وهذا طبيعي حسب منطق الفيلم، فالملكة ليست متطرفة، بل معتدلة تتحدث العربية وتنتمي بشكل طبيعي للأرض المحتلة، على العكس من زوجها الملك الصليبي المتعصب.
تستمر رواية الفيلم، حيث يموت الملك بعد معاناته مرضاً عضال، فينتهي حكم المحتل الصليبي المعتدل(على حد زعمهم)، ليستولي بعد ذلك التيار الصليبي المتطرف على الحكم ويقوم بخرق الهدنة، فتعلن الحرب ويجتمع الجيشان، لينتصر صلاح الدين على الجيش الإفرنجي ويحاصر القدس ويدك أسوارها بالمنجنيق، فيتولى الدفاع عن المدينة بطل الفيلم (باليان) والذي يعاني من قلة الجنود والفرسان اللازمين للدفاع عن القدس، لذا يبدأ بشحذ الهمم وتجنيد كل من هو قادر على حمل السلاح، فيخاطب الحشود قائلاً: «إن أولئك الذين يحاصرون القدس ليسوا من سكانها ولم يُولَد أحد منهم فيها، لذا يجبرنا محاصرونا أن ندفع ثمن ذنب لم نرتكبه، فيجب عليكم الدفاع عن القدس لأنها مدينتكم التي ولدتم فيها ويجب الدفاع عن سكانها وحمايتها»؛ ويركز المؤلف والمخرج هنا على أن الفرنجة المحاصرين كان هدفهم الرئيس الدفاع عن سكان القدس، كأن صلاح الدين وجيشه سيفتكون بالقدس وسكانها؟!!
يُوَجِّه المؤلف رسالة للمتلقي مفادها.. أن القضية هي قضية إقليمية أو فردية بحت، فجند صلاح الدين الآتين من الشام وشمال العراق ومصر لا يحق لهم تحرير المدينة لأنهم ليسوا سكانها..!!! كأن القضية قضية فردية، قضية من ولد أم لم يولد في القدس، وكأن القدس ليست ملكاً للأمة، فالبُعْد القومي أو الإسلامي أو الجماعي هنا يتم تغييبه لمصلحة البعد الفردي الذي يجري ترويجه في زمن العولمة.
لم يظهر الفيلم أي مسيحي عربي يقاتل مع المسلمين، على الرغم من أن «عيسى العوام»، وهو أحد قادة الفيالق الذين دخلوا القدس مع صلاح الدين كان عربيأً مسيحياً، وكان دوره رئيسياً في معارك صلاح الدين مع الغزاة، وكانت هناك قوات كاملة من المسيحيين العرب تُقاتِل مع المسلمين، خصوصاً أن الفرنجة فتكوا بهم وطردوهم من ديارهم تماماً كما فعلوا بالمسلمين، وهو ما لم يذكر الفيلم عنه شيئاً.
بل إن العرب المسيحيين المقدسيين كان لهم دوراً أساسياً في معركة تحرير القدس، حيث ساندوا صلاح الدين من الداخل وسهلوا عليه فتح إحدى بوابات القدس، ولا زالت تلك العائلة تعيش في القدس ويشهد التاريخ لها ما قامت به!
والمصيبة، أظهر الفيلم المسلمين أنهم يتمتعون بحرية ممارسة الشعائر الدينية من دون قيود في المناطق المحتلة، بل كانت مآذن القدس كانت تصدع بصوت المؤذن للصلاة!!! على الرغم من أن التاريخ يذكر تدنيس المسجد الأقصى وتحويله إسطبلا لخيول الفرنجة!!
إضافة إلى ذلك أصرّ المخرج على ألا يظهر الجمال الطبيعي والخضرة التي أنعمها الله على أرض فلسطين، فالمنطقة التي تحيط القدس أشبه بصحراء قاحلة لا يوجد بها زرع ولا ماء، ولم يظهر أي مشهد طوال 3 ساعات (مدة الفيلم) لمنطقة خضراء في فلسطين.. ما يُعَزِّز ادعاءات (الإسرائيليين) بأنهم هُم مَن عمَّر فلسطين، وهُم من صنع اخضرارها اليوم.
والأغرب أن أخانا «باليان» القادم من فرنسا إلى تلك (الصحراء) صار يُعلِّم العرب - في عزبته شبه الصحراوية - كيف يحفرون الآبار لرَيّ المزروعات، كأن ذلك من إبداعات الغرب التي لم نكن نعرفها أبداً قبل مجيئهم، مع أن كتب التاريخ تشهد أن الفرنجة عندما أتوا إلى فلسطين والساحل السوري كانوا متأخرين حضارياً عن العرب بما لا يُقاس.
ربما لم يلحظ المشاهد العربي الذي تكدس على شباك التذاكر، والذي يعشق صلاح الدين أن الفيلم مُوَجَّه، بل يحمل رسالة سياسية خبيثةً من ورائه، فشعبنا الذي يعيش عصر الانهزام يتعطَّش لأيام الانتصارات الغابرة.. تُرى هل يمنح الفيلم على طريقة «وعد بلفور» حقاً قومياً ووطناً شرعياً للصهيونيين في الأراضي المحتلة؟!!
- مشيئة الله
بدأت الخطوة الأولى من الحروب الصليبية، عندما وجه الإمبراطور البيزنطي «ألكسيوس كومونيس» Communes Alexius (1081 ـ 1118م) نداءات متكررة طالباً مساعدة بابوية لمواجهة احتلال الأتراك السلاجقة جزءاً من أراضي الإمبراطورية، ليس بعيداً عن العاصمة القسطنطينية، وردّاً على استغاثته، ألقى البابا «أوربان الثاني» II Urban (1088 ـ 1099م) خطاباً في العام 1095، جنوب فرنسا، قريباً من الحدود الإسلامية لإسبانيا، وكان خطابه مليئاً بالإشاعات عن وحشية المسلمين وفظاعتهم، مُلَمِّحاً إلى الأطماع الشخصية ومؤكداً على أتباعه «في دخول الطريق إلى الضريح المقدس، وانتزاعه من العنصر الشرير، ووضعه بأيديهم»، ورفع شعاراً دينياً يُبَرِّر الحملات المرتقبة ويشجع الناس عليه، كان شعار (هذه مشيئة الله) هو القادر على تعبئة الجماهير، وسرعان ما انتشرت دعوة البابا مثل النار في الهشيم من فرنسا إلى باقي أوروبا، غني وفقير، شاب وكهل، فقد تبنى التبشير بالحركة الصليبية بطرس الناسك الذي كان يتمتع بالفصاحة والقدرة على التأثير، فطاف في أقاليم فرنسا ليخرج منها بخمسة عشر ألف متطوع معهم نساؤهم وأطفالهم.
بحلول العام 1097 كان هناك 150 ألف مُحارب صليبي وصلوا إلى القسطنطينية، معظمهم قَدِم من فرنسا والنورماندي . كان الجنود الأوروبيين يحملون علامات الصليب، دليلاً على الدافع الديني للحملات، لكن الدين كان آخر سبب وراءها، وخلال عبورهم هنغاريا ثم أراضي الدولة البيزنطية، نسيت الجموع أنهم يخترقون بلاداً مسيحية ، نهبوا وسلبوا واعتدوا على الأهالي الآمنين، وأثناء انتظارهم العبور إلى الجانب الآسيوي من الإمبراطورية البيزنطية، أثار تجمُّع الصليبيين أمام أسوار القسطنطينية مخاوف الدولة ومتاعبها، إذ واصَل الصليبيون نهب القرى والضياع المجاورة، بل إن الكنائس لم تسلم من اعتداءات أولئك الرعاع، فأسرع الإمبراطور ألكسيوس بنقلهم إلى الشاطئ الآخر.
عندما احتل الصليبيون مدينة القدس، لم يرحموا أحداً «حتى إخوانهم في الدين لم يَرْحَموهم، وكان أول تدبير اتخذوه أنهم طردوا جميع الكهنة من كنيسة القيامة، كما قبض الأوربيون على الكهنة المكلفين بحراسة الصليب، وأخضعوهم للتعذيب حتى انتزعوا سرّ مكان صليب المسيح، والحصول منهم بالقوة على أغلى ما يملكون من ذخائر» . ذبح الصليبيون آلاف المدنيين الأبرياء من سكان القدس من دون سبب ، فقط لمجرَّد الانتقام من المسلمين، في 15 تموز / يونيو 1099 دخل الصليبيون المدينة المقدسة وارتكبوا مذابح فظيعة، يصف أحد المؤرخين اللاتينيين المشاهد المريعة فيقول «كانت أكداس الرؤوس والأيدي تُرى من بعيد في الساحات والشوارع» . ويصف مؤرخ آخر ذلك اليوم العصيب فيقول: «ولا يزال النازحون يرتجفون كلما تحدثوا بذلك وتجمد أبصارهم، يرون بأعينهم أولئك المقاتلين الشُّقر المدرعين المعتمرين الخُوَذ وقد انتشروا في الشوارع شاهرين سيوفهم، ذابحين الرجال والنساء والأطفال، ناهبين البيوت، مخربين المساجد؛ وعندما توقفت المذبحة بعد يومين لم يكن قد بقي مسلم واحد داخل الأسوار، انتهز بعضهم فرصة الهرج وانسلوا خارج الأبواب التي خلعها المحاصِِرون، أما الآخرون فكانوا مطروحين بالآلاف في مناقع الدم عند أعتاب مساكنهم أو بجوار المساجد، وكان بينهم عدد كبير من الأئمة والعلماء والزهاد المتصوفين الذين كانوا قد غادروا بلادهم وجاءوا يقضون بقية أيامهم في عزلة في هذه الأماكن المقدسة، ولقد أُكرِه من بقيَ حيّاً على القيام بالأعمال الشاقة: حمل جثث ذويهم فوق ظهور وتكديسها بلا قبور في الأراضي البور ثم حرقها، قبل أن يُذبحوا بدورهم أو يباعوا في أسواق النخاسة» .
بعد فشل الحروب الصليبية ، بدأ البحث الأوروبي عن أرض جديدة قادرة على استيعاب طموحاتهم وأطماعهم . فنشطت حركة استكشافات جغرافية واسعة، لقد كانوا يبحثون عن خيار آخر غير أوروبا التي ضاقت بهم، وضاقت إمكاناتها، فأصبحت الحروب هي لغة التعامل في النزاع على الثروات والموارد الطبيعية والأراضي؛ أصبح البحث عن أرض جديدة بمثابة الحل الأمثل للمشاكل التي تعانيها القارة الأوربية، الصراعات السياسية، الأزمات الاقتصادية، الخلافات المذهبية والاضطهاد الديني؛ في العام 1492 تم اكتشاف أميركا، واكتشفت أستراليا في العام 1606، فكانتا الحل الذي انتظره الأوربيون قروناً، وتدفَّق المهاجرون نحو الأرض الجديدة، لكنهم لم يجدوا حضارة مزدهرة كما في الشرق، بل قبائل بدائية وشعوباً متأخرة، سرعان ما أبادوها، ليقيموا فيها إلى الأبد.
- الحملة الصليبية الأولى
بعد الفشل الذي مُنيَت به الحملات الشعبية الصليبية، بدأ التحضير للقيام بحملات صليبية منظمة يقودها الفرسان والأمراء، ومُزوَّدة بالمؤن والسلاح والعتاد، وتألفت الحملة الصليبية الأولى من أربع جماعات، واحدة منها بقيادة «جودفري دي بويون»، والثانية بقيادة «بوهيموند» النورماندي، والثالثة بقيادة «ريموند دي تولوز»، والرابعة بقيادة «روبرت» النورماندي. ولما بلغت القوات الصليبية القسطنطينية، التقى قادتها بالإمبراطور البيزنطي وأقسموا له يمين الولاء وإعلان التبعية، وتم الاتفاق على أمرين: 1- أن يزوِّدهم الإمبراطور بالمؤن والذخائر. 2- تسليمه الأراضي التي يحتلونها، ولكن هؤلاء أخلّوا بالتزاماتهم، ولم يفوا بتعهداتهم. سقوط نيقية
بقيت القوات الصليبية مرابطة في العاصمة البيزنطية مدَّة أسبوعين، ولم تلبث أن عبرت هذه القوات إلى آسيا الصغرى، حيث التحقت بها بقايا الرعاع التي قادها بطرس الناسك، فاجتمع لهم عدد ضخم من الجند، وتوجه الجميع إلى مدينة نيقية، حاضرة الأمير السلجوقي «قلج أرسلان»، وضربوا حولها حصارًا شديدًا، فصمدت المدينة عشرين يومًا، في غياب قائدها عنها الذي كان يخوض صراعاً حاداً ضد الدانشمديين، في الوقت الذي كان عليه أن يجعل الدفاع عن هذه المدينة في سلَّم أولوياته، وأخيراً سقطت المدينة في (3 رجب 490هـ 26 حزيران / يونيو 1097م)، وكان هذا أول انتصار للصليبيين في حملتهم الأولى. حقق الصليبيون بهذا النصر مكاسب مهمة، وساهم في ازدياد حماس الصليبيين، ورفع من معنوياتهم، خصوصاً أنه تزامن مع نصر آخر حققوه على السلاجقة في (ضورليوم)، وجعل أبواب آسيا الصغرى مشرعة أمام الجيوش الصليبية الغازية التي تابعت زحفها نحوَ بقية المدن والمواقع، حتى تمكنوا من إخضاع كل الأراضي التابعة للسلاجقة في آسيا الصغرى لسلطة الصليبيين.
- الزحف إلى الشام
تابع الصليبيون زحفهم إلى بلاد الشام، التي كانت تعاني من الشرذمة والانقسام وتعصف الخلافات بين أمرائها، ما جعلهم عاجزين عن المواجهة، وفي الطريق إلى إنطاكية، انفصل «بلدوين» أخو «جودفري» بقواته عن الجيش الصليـبي في (ربيع الآخر 491هـ = آذار / مارس 1098م)، واتجه إلى الرها التي كانت خاضعة آنذاك للأرمن، واستولى عليها، وأسس منها أول إمارة صليبية في الشرق، وبقي بلدوين في الرها، ولم يلتحق بالجيش الصليبي الزاحف إلى القدس، مكتفياً بما حققه من انتصارات. أما الجيش الآخر، فقد تابع زحفه إلى إنطاكية، وفرض على المدينة حصاراً في (12 من ذي القعدة 490هـ = 21 من تشرين الأول / أكتوبر 1097م)، فتصدى له الإنطاكيون بزعامة «ياغيسيان»، ودافعوا عنها دفاعاً مستميتاً، وعلى الرغم من المناشدة التي أطلقها ياغسيان للحكام المسلمين لمساعدته في الدفاع عنها، خصوصاً من قبل حاكمي دمشق(دقاق) وحلب(رضوان) السلجوقيين وغيرهما من أمراء المناطق، فإن هذه النجدة لم تُجْدِ نفعاً، بل ساهمت ربما في إحباط نفسيات المدافعين عنها، وذلك لسيادة روح الشك وعدم الطمأنينة بين هؤلاء الحكام، ما جعل الصليبيين يستفردون بأهالي إنطاكية، بعد وصول الإمدادات والمساعدات، وأحكموا عليها الحصار الذي استمر تسعة أشهر، وانتهى أخيراً بسقوطها في رجب 491هـ= حزيران / يونيو 1098م بأيدي «بوهيموند»، وتأسيس الإمارة الصليبية الثانية في الشرق، بعد أن ارتكب الصليبيون مجزرة مروِّعة ذهب ضحيتها أكثر من عشرة آلاف شخص.
- على أبواب مدينة بيت المقدس
شكَّل سقوط إنطاكية نقلة نوعية في الصراع الدائر بين الصليبيين والمسلمين، وعزز من بوادر الأمل لديهم بالاستيلاء على بيت المقدس، وشد من عزيمتهم، فاستولوا على معظم المدن والقرى في الطريق إليها، وارتكبوا فيها مجازر وحشية، لأن هذه المواقع كانت تبدي مقاومة عنيفة للغزاة، لكن هذا لم يمنع بعض الحكام المسلمين من الدخول في طاعة الصليبيين، مؤثرين السلامة، بل نزل بعضهم على شروط الصليبيين بتقديم العون والمساعدة لهم، وتوالى سقوط المدن الساحلية وغيرها في أيدي الصليبيين، حتى بلغوا أسوار بيت المقدس في (15 من رجب 492 هـ= 7 حزيران / يونيو 1099م)، ومن المفيد الإشارة إلى أن بعض المدن قد صمدت لفترة طويلة في وجه الصليبيين، ولم يستطع هؤلاء إسقاطها، كطرابلس وصور، حتى بعد سقوط القدس، على الرغم من الإمكانات المتواضعة التي كانت بين يدي حكام وأهالي هاتين المدينتين. كانت بيت المقدس في ذلك الوقت خاضعة للدولة الفاطمية، وكان عليها «افتخار الدولة» مع حامية المدينة، فاتخذ مجموعة من الخطوات لتعزيز صمودها في وجه الصليبيين، فسمم الآبار وقطع موارد المياه، وطرد جميع من في المدينة من المسيحيين لشعوره بخطورة وجودهم أثناء الهجوم الصليبي، وتعاطفهم معهم، وقوَّى استحكامات المدينة. كانت قوات الصليبيين التي تحاصر المدينة المقدسة تقدر بأربعين ألفًا، وظلت ما يقرب نحو خمسة أيام قبل أن تشن هجومها المرتقب على أسوار المدينة الحصينة، وكان الجند في غاية الشوق والحماسة لإسقاط المدينة، فشنوا هجومًا كاسحًا يوم الإثنين الموافق ( 20 رجب 492هـ= 12 حزيران / يونيو 1099م) انهارت على أثره التحصينات الخارجية لأسوار المدينة الشمالية، لكنَّ ثبات رجال الحامية الفاطمية وشجاعتهم أفشل الهجوم الضاري، وقتل الحماس المشتعل في نفوس الصليبيين، فتراجعت القوات الصليبية بعد ساعات من القتال.
كان موقف الصليبين سيئاً، إذ كانوا يعانون العطش وقلة المؤن، ولكن وصول سفن حربية من جنوه إلى يافا قدمت المساعدة للصليبيين بالمؤن والإمدادات والأسلحة والمواد اللازمة لصناعة آلات وأبراج الحصار، رفعت من معنويات الصليبيين، وقوت عزائمهم وثبتت قلوبهم، وطمعوا في النصر، هذا في الوقت الذي كانت تغيب فيه عن ساحة الدعم أي إمكانية لتقديم مساعدة من جانب الحكام المسلمين، الذين تركوا المدينة تواجه مع تلك الحامية الصغيرة قدرها المحتوم، وإن أرسلت بعض الإمدادات والقوات، فإنها وصلت بعد فوات الأوان وسقوط المدينة.
- اقتحام المدينة
تأهَّب الصليبيون لمهاجمةَّ أسوار المدينة بعد أن نجحوا في صناعة أبراج خشبية ومعها آلات دك الأسوار، وعجّل من الإسراع بالهجوم ما وصل إلى الصليبيين من أن الوزير الفاطمي الأفضل الجمالي في طريقه من مصر على رأس جيش ضخم لإنقاذ مدينة بيت المقدس. اختار الصليبيون أضعف الأمكنة دفاعًا عن المدينة لمهاجمتها بأبراجهم الجديدة، ولم يكن هناك أضعف من الجزء الشرقي المحصور بين جبل صهيون إلى القطاع الشرقي من السور الشمالي، وكان منخفضًا يسهل ارتقاؤه، وحرك الصليبيون أبراجهم إلى السور الشمالي للمدينة. وفي مساء الأربعاء الموافق (21 من شعبان 492 هـ 13 = تموز / يوليو 1099م) شنّ الصليبيون هجوما حاسماً، ونجح "افتخار الدولة" في حرق البرج الذي اقترب من السور الواقع عند باب صهيون، ولم يملك الصليبيون إزاء هذا الدفاع المستميت والخسائر التي منيوا بها سوى الانسحاب بعد يوم من القتال الشديد. لكن هذا الفشل لم يثن الصليبيين عن محاولات اقتحام المدينة، والاستيلاء عليها مهما كان الثمن، فشنوا هجومًا ضاريًا فجر يوم الجمعة الموافق ( 23شعبان 492هـ15 = تموز / يوليو 1099م)، واستمر القتال متكافئاً حتى تمكن البرج المتبقي لهم من الالتصاق بالسور، وإنزال الجسر المتحرك الذي يصل بين قمة البرج وأعلى السور، فعبر خلاله الجنود واستولوا على جزء من السور الشمالي للمدينة، ونجح عدد كبير من المهاجمين في الاندفاع إلى داخلها، وولت الحامية الفاطمية الأدبار نحو الحرم الشريف، حيث توجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى، واحتموا بهما، وبذلك سقطت المدينة في أيدي الصليبيين بعد حصار دام أكثر من أربعين يوماً.
- جرائم الصليبيين في بيت المقدس
يعترف مؤرخو الحملات الصليبية ببشاعة السلوك البربري الذي أقدم عليه الصليبيون، فذكر مؤرخ صليبي ممن شهد هذه المذابح وهو «ريموند أوف أجيل»، أنه عندما توجه لزيارة ساحة المعبد غداة تلك المذبحة، لم يستطع أن يشق طريقه وسط أشلاء القتلى إلا بصعوبة بالغة، وأن دماء القتلى بلغت ركبتيه، وإلى مثل هذا القول أشار «وليم الصوري»، وهو الآخر من مؤرخي الحروب الصليبية.
وكتبوا إلى البابا يفتخرون بما فعلوا من دون وازع من خلق أو رادع من دين، فما لامهم ولا استنكر فعلتهم! ودمروا ما شاء لهم أن يدمروا، ونهبوا الكثير، كما نهبوا بعض المعادن النفيسة التي كانت على المقدسات، لا سيما قبة الصخرة. في غضون ذلك، وصلت سفارة مصرية إلى بيت المقدس، وطلبت من الصليبيين الرحيل من البلاد، وتقدم «الوزير الأفضل» نحو فلسطين، فوصل عسقلان في 4 آب / أغسطس، وخرج «جودفري» بجيشه من بيت المقدس لمواجهة جيوش المصريين في 9 آب / أغسطس1099 ، واحتشد الجيش الصليبي في سهل المجدل (شمالي عسقلان)، حيث كان يعسكر «الوزير الأفضل» الذي فوجئ بتلك الجموع وولى الأدبار إلى مصر بحراً، وبذلك أصبح احتلال الصليبيين لبيت المقدس مؤكداً، وما لبث أن استولوا على الجليل وطبريا وحيفا وقيسارية وغيرها.
على أثر ذلك، أصبح «جودفري دي بويون» الحاكم الذي مُنِح لقب المدافع عن كنيسة القيامة، وراحوا يتطلعون إلى المزيد من الصليبيين الجدد من أوروبا، وأقاموا بطريركية رومانية، وصبغوا البلد بالصبغة الكاثوليكية.
وفي 11 تشرين الأول / أكتوبر 1100 م أصبح «بلدوين الأول» على رأس مملكة الصليبيين في بيت المقدس، واستمرت هذه المملكة 87 عاماً، ولم يسمح للمسلمين ولا غيرهم بالإقامة داخل المدينة، وبدءوا العمل للتخلص من الثقافة العربية في المنطقة وجعلها لاتينية، وساد نظام الإقطاع في الإدارة الذي كان سائداً في أوروبا، فكانت الأرض كلها ملكاً للفرسان.
- الحملة الصليبية الثانية.. نقطة التحوُّل سقوط أوديسا
فى 24 ديسمبر / كانون الأول 1144م سقطت أوديسا Edessa، الحصن القوي، بواسطة زنكي من الموصل، أدى إلى إضعاف قوة الفرنجة، ومن الناحية الأخرى أدى هذا السقوط إلى إضعاف الروح المعنوية للجيش الموجود فى إمارة القدس، وهذه الإمارة كانت فقيره فى الواردات الاقتصادية ولم يمكن إعداد جيش لاسترجاعها. في 1 كانون الأول / ديسمبر سنة 1145م وصلت أنباء سقوط أوديسا إلى أوربا للمناداة ببدء الحملة الصليبية الثانية لهذا نادى البابا إيوجينيوس الثالث Eugenius III بمجمع كنسي لإعلان بدء حملة جديدة، ولكن تجاهله الجميع ما عدا ملك فرنسا، وهذا كان أول تجاهل للبابا لدعوته بالحملات . وفي الوقت نفسه كان «برنارد» من فرنسا يخطب ويُبشِّر بإلقائه الخطب الرنانة وإثارة الهمم وتحريك الشعور الديني، لكي ينضم الناس والفرسان والأمراء إلى هذه الحملة، وكان ملخص عظاته أو خطبه: «إن الدفاع عن الصليب هو الحل لغفران الخطية والحصول على النعمة» وتناقل أهل أوربا كلماته وعباراته القوية وذهب إلى ألمانيا وبشر هناك فأسموه بصاحب اللسان العسل، في النهاية وصل إلى الملك «كونوراد الثالث» في ألمانيا في كانون الأول / ديسمبر 1146م، أما الملك «لويس السابع» ملك فرنسا بالإعداد للحملة اعتماداً على نداء البابا وحماس الغربيين.
بدأت لحملة الصليبية الإسبانية ضد مورس، والحملة البحرية الإنجليزية في سنة 1147م وهي في طريقها إلى منطقة البحر الأبيض استولت على «ليسبون»، واتجهت للاستيلاء على طرطوس في 1148م، لكن هذه الحملة لم تصل إلى سورية.
سارت القوات الفرنسية والألمانية عن طريق البر متجهة إلى الأراضي المقدسة في أيار / مايو 1147م، ووصل الجيش الألماني بقيادة «كونوراد» إلى القسطنطينية أولاً لقرب الأراضي الألمانية من فرنسا إلى القسطنطينية، وكانت تلك القوات تريد الوصول إلى آسيا الصغرى في أسرع وقت ممكن، لكن تَوَتُّر العلاقات مع إمبراطور القسطنطينية «عمانويل الأول»، في وعدم انتظار الملك الألماني للقوات الفرنسية ومهاجمته أوديسا، فقسم جيشه إلى قسمين، القسم الأول هاجمه الأتراك السلجوقيين وقضوا عليه في تشرين الأول / أكتوبر 1147م، والقسم الثاني ذبحهم الأتراك السلجوقيين في مجزرة بداية العام 1148م.
كانت العلاقة بين الإمبراطور البيزنطي والملك الفرنسي علاقة طيبة، لكنه رفض أن تقوم القوات البيزنطية بالاشتراك معهم في الحرب، إلا إذا أقسم الفرنسيين على إرجاع الأراضي التي استولى عليها الأتراك من أراضي الإمبراطورية البيزنطية المسيحية الشرقية، فقابلوا بقية جيش كونوراد الألماني عند نيقية، وقاسى الفرنسيين خسارة كبيرة في الأرواح في العام 1148 مثل الألمان، في النهاية وصل الجيشان إلى سورية بحراً في حركة التفاف حول الجيش الإسلامي التركي السلجوقي.
في القدس أقنع كونوراد مَلِكها بلدوين الثالث في الهجوم على دمشق والاستيلاء عليها، في الوقت الذي كان بعض القواد الصليبين يُريد الاستيلاء على أليبو Aleppo الضعيفة التحصينات، كما أنها ستسهل سقوط أوديسا وسَتَحُدّ قوة جيش نور الدين التي كانت تزداد يوماً بعد يوم، واتفقوا على مهاجمة دمشق ذات التحصينات القوية في تموز / يوليو 1146م، بحصارها، واختاروا مكاناً قاحلاً لمعسكرهم ما جعلهم ينسحبون بعد أسبوع، ورجعوا إلى بلادهم تصحبهم الخيبة والفشل.
نَتَج عن طمع الصليبيين في مدينة دمشق تسليم المدينة لنور الدين في العام 1145م، في حين حاصر بلدوين الثالث عسقلان في العام 1153م، سبّبت للمصريين خلافات داخلية حادة، وبهذا أعد العدة لسقوط القدس، بينما لم يهتم أحد بالملك كونوراد، وحتى عندما دُعيَ لقيام حملة صليبية جديدة، لم تؤخَذ كلماته جديّاً، لكنه مات وهو يحاول في العام 1153م.
لما كانت الولايات الإسلامية ممزقة ومتنافرة وَجَد الفرنجة فرصة لتمزيقها، واتحد الفرنجة تحت قيادة الإمبراطور «أليكس كمون الأول» وانتصروا عليها؛ في ذلك كانت هناك قوة إسلامية عن من السلجوقيين تتقدّم للغزو في مناطق الأناضول، حتى وصلت إلى القسطنطينية وعسكرت على شاطئ الـ بسفور شرقاً، وهددت المسيحيين فيها الذي أرعبهم صوت التكبير.
عَبَر المسيحيون الـ بسفور وسَيَّروا جيوشهم وهجموا على السلجوقيين؛ التقت جيوش أليكس كمون بجيوش السلطان أرسلان (مؤسس سلطنة السلاجقة) فأبلى المسيحيون بلاءً حسناً وهزموها واستولوا على مدينتيّ نيس وإنطاكية... واستنجد أرسلان بأمراء الموصل ودمشق وحمص فأمدّوه بالرجال، وأحاطوا بجيوش الفرنجة إحاطة السوار بالمعصم، إلا أن الفرنجة (الصليبيون) قاتلوا بشراسة ففرّقوا شمل الجيوش الإسلامية المفككة، واستولوا على بعض البلاد وحمص.
- الحملة الصليبية الثالثة: سقوط عكا في يد «ريتشارد قلب الأسد»
كان الانتصار العظيم الذي حقَّقه صلاح الدين الأيوبي في معركة حطِّين أكبر كارثة حلَّت بالصليبيين منذ أن أقاموا إماراتهم الصليبية في الشام، حيث فقدوا زهرة فرسانهم، وقُتلت منهم أعداد هائلة، ووقع في الأسر مثلها، حتى قيل: إن من شاهد القتلى قال: ما هناك أسير، ومن عاين الأسرى قال: ما هناك قتيل. وأصبح الصليبيون بعد هزيمتهم في حطِّين في قبضة صلاح الدين وتحت رحمته، يستطيع أن يفعل بهم ما يشاء لو أراد، ويعاملهم بما يستحقون على جرائمهم وخطاياهم، لكنه كان كريم النفس، رفيع الخلق، ظاهر الرحمة، لم يُسلِّم نفسه للتشفي والانتقام، وارتفع بسلوكه فوق شهوة الثأر، ما جعله موضع الإجلال والتقدير.
الاتجاه إلى عكا
بعد حطِّين لم يتجه صلاح الدين إلى بيت المقدس لتحريره، وكان ذلك أمرًا ميسورًا، بل اتجه إلى عكا أولاً، ليحرم الصليبيين من قاعدة بحرية هامة تصلهم بأوروبا، ويقطع عنهم العون الذي يأتيهم منها، وكان في عزمه أن يستولي على المدن الصليبية التي تقع على ساحل البحر المتوسط، حتى يسهل عليه القضاء على الصليبيين في الداخل. لم يَكَد صلاح الدين يقترب من عكَّا حتى دَبَّ الفزع والهلع في نفوس الصليبيين، وسارع حاكمها إلى تسليم المدينة في مقابل تأمين أهلها على أرواحهم وممتلكاتهم، دخل صلاح الدين المدينة في (2 جمادى الأولى 583هـ = 10 من تموز / يوليو 1187م)، وعامل أهلها معاملة كريمة، وغنم المسلمون في عكا غنائم طائلة.
عكا قاعدة حربية
اتخذ «صلاح الدين» من عكَّا قاعدة حربية ومركزًا لعملياته العسكرية لتحرير المدن من قبضة الصليبيين، واستدعى أخاه «الملك العادل» من القاهرة، ليعاونه في استكمال الفتح، ونجحت جيوش صلاح الدين في استرداد الناصرة، صفورية والفولة داخل فلسطين، وحيفا، قيسارية وأرسوف التي تقع على الساحل. توجه صلاح الدين إلى «صيدا» فاستسلمت له من دون مقاومة، ثم اتجه إلى بيروت وكانت مدينة حصينة، وأدرك أهلها عدم الجدوى من الدفاع والصمود، فاستسلمت هي الأخرى، في (29 جمادى الأولى 583هـ = 6 آب / أغسطس 1187م)، ثم قصد صلاح الدين «جبيل»، وكان حاكمها «هيو الثالث» أسيرًا في دمشق منذ انتصار حطِّين، فعرض عليه فكَّ أسره مقابل تسليم جبيل فأجابه إلى ذلك.
قبل أن يتجه صلاح الدين لتحرير بيت المقدس قرَّر أن يستولي على عسقلان، وكانت مركزًا مهماً اتّخذه الصليبيون قاعدة لتهديد مصر، وقطع المواصلات بينها والشام، استمات الصليبيون في الدفاع عن عسقلان، ولم تفلح محاولاتهم في دفع الحصار، فطلبوا التسليم مقابل تأمينهم على أرواحهم فكان لهم ما طلبوا.
تحرير بيت المقدس
استعدَّ صلاح الدين لاسترداد بيت المقدس، وجهَّز قواته لهذه المهمة، وكان يرغب في أن تستسلم المدينة وفق الشروط التي استسلمت لها المدن الصليبية الأخرى من تأمين أهلها على أنفسهم وأموالهم، والسماح لمن شاء منهم بالخروج سالمًا، لكن العزّة أخذت بحاميتها، ورفضوا ما عرضه صلاح الدين عليهم، ولم تُجْدِ محاولاتهم للصمود والثبات، فطلبوا الأمان وألحُّوا عليه، وكان صلاح الدين قد أقسم ليفتحنَّها بحد السيف بعد رفضهم عرضه العادل الرحيم، ولكن صلاح الدين استجاب لطلبهم بعد مشاورة أصحابه، ووافق على أن يغادر المسيحيون المدينة مقابل فداء قدره 10 دنانير للرجل، وخمسة للمرأة، ودرهم واحد للطفل. دخل صلاح الدين مدينة بيت المقدس في ليلة الإسراء (27 رجب 583هـ = 12 من تشرين الأول / أكتوبر 1187م)، وكان في صحبته أخوه «الملك العادل»، وأظهر تسامحًا كبيرًا مع فقراء الصليبيين الذين عجزوا عن دفع الجزية، ورفض هدم كنيسة القيامة، ومعاملة الصليبيين بمثل ما عاملوا به المسلمين عند استيلائهم على المدينة.
- الحملة الرابعة 1202- 1204م
أخذ البابا «إنوسنت الثالث» (1198- 1216) على عاتقه مهمة الدعوة إلى حملة صليبية جديدة على مصر، لإصلاح أوضاع الصليبيين في الشرق بعد انتصارات صلاح الدين، وبدلا من أن تتجه الحملة إلى مصر اتجهت صوب القسطنطينية (سُكّانها مسيحيون أرثوذكس)، واقتحموا المدينة في (10 من شعبان 600هـ = 13 من إبريل 1204م)، وأزاحوا الإمبراطورية البيزنطية، وأقاموا مكانها إمبراطورية لاتينية غربية؛ أدان البابا إنوسنت الثالث انحراف الحملة عن هدفها، ولم يعد أمام الصليبيين في عكا سوى عقد هدنة مع «العادل الأيوبي» الذي خلف أخاه «صلاح الدين» في حكم الدولة الأيوبية سنة (600هـ = 1204هـ). لماذا هاجم الصليبيين القسطنطينية؟
كانت فكرة مسيحيين يهاجمون مسيحيين حساسة جداً، بَيْدَ أن وقوع الكنيسة الشرقية تحت السيطرة السياسية الإسلامية عَجَّل في احتلالهم لها. هنا أبرز الأسباب التي دفعتهم إلى ذلك:
1- اتحدوا مع صلاح الدين في معاهدة مع صلاح ضد الفرنجة في حملة الفرنجة الثالثة. 2- لم يمدوا حملة الفرنجة الثانية بالغذاء والمأوى لمساعدتهم، لهذا يجب أن يعاقبوا على تخليهم عن مساعدتهم للمسيحية الغربية.
لسوء الحظ اكتشف «ألكسيوس أنجيلوس» خطأً تكتيكياً في فكرته بالهجوم على القسطنطينية، إن البيزنطيين يفضّلون إمبراطوراً يحكمهم، على إمبراطور يضعه اللاتين مسيحيي الغرب الذين يكرهونهم، لهذا قرّر الفرنجة أخذها بالقوة وجعل «أليكسيوس» إمبراطوراً عليها. في العام 1203 م بدأ الهجوم البري والبحري، وكان من غير المتوقع أن يهرب الإمبراطور البيزنطي «أليكسيوس الثالث» Alexius III من القسطنطينية، واتفق أهلها على تتويج أليكسيوس أنجيلوس إمبراطوراً باسم أليكسيوس الرابع IV Alexius وأبيه «إسحاق الثاني» Isaac II كمُساعدٍ له.
اعتمد أليكسيوس على نمو الروح العدائية في القسطنطينية تجاه اللاتين الفرنجة، وبدأت عمليات الهجوم عليهم في العاصمة نفسها، فنصح أليكسيوس حلفائه الفرنجة ليغادروا القسطنطينية ويُعَسْكِروا في القرن الذهبي Golden Horn (تركيا)، قاتل الفرنجة داخل الجوامع التي فوجئوا بوجودها في مدينة لها باع عريق في نشر المسيحية، في النهاية احترق جزء كبير من المدينة، وبدأ المعارضون لحكم الإمبراطور أليكسيوس الرابع يزدادون يوماً بعد يوم، ثم تمرد عليه أحد المشيرين، واسمه «أليكسيوس دوكاس مورتزوفموس»، فاستولى على العرش البيزنطي وقتل الملك تعذيباً، وأصبح هو ألكسيوس الخامسAlexius V، أما إسحاق - والد الإمبراطور السابق - فمات بطريقة طبيعية.
لما وصل إلى الفرنجة وقائدهم فينيشنز قتل حليفهم أليكسيوس، هاجموا القسطنطينية مرة أخرى، لكن الإمبراطور الجديد خرج لقتالهم بجيش كبير مجهز، انزعج الفرنجة، وليظهروا عددهم الكبير ألبسوا الطباخين والطهاة وحاملي السلاح والذين يرعون الأحصنة ملابس الحرب؛ حارب الإمبراطور أليكسوس الخامس من وراء جدران القسطنطينية ومن الجائز أن قيادة الجيش البيزنطية خافت من فرسان الفرنجة المدربين على القتال.
لجأ فينشين إلى الهجوم عن طريق البحر في الوقت الذي أرسل فرقة لتحطيم حائط القسطنطينية من البر، وكان أليكسيوس الخامس يحارب من وراء الجدران بحرسه الخاص الـ فارانجيانزVarangians، ونجح الفرنجة في تدمير السور، وعندما اقترب القتال من نهايته هرب الإمبراطور البيزنطي ليلاً تاركاً المعركة، وعلى الرغم من دخولهم المدينة فقد واجهتهم مقاومة دموية شديدة مع الحرس الإمبراطوري، واستطاع الفرنجة الاستيلاء على قسم من المدينة يدعى بلاتشيرين Blachernae يقع في الشمال الغربي تجمعوا فيه واستعملوه كقاعدة للهجوم منه على باقي أجزاء المدينة؛ بعد الانتصار قام الأهالي باستقبال الفرنجة كمسيحيين ومحررين لهم وليس كمحتلين، استباح الفرنجة المدينة قتلاً لمدة ثلاث أيام وسرقوا تحفاً قديمة جمعها الأباطرة طيلة قرون، كما نهبوا تحف الكنائس، عدا الحريق الذي الذين أشعلوه عمداً ودمّر جزءاً كبيراً من المدينة، أما أملاك الإمبراطورية فقسمت بين القسطنطينية وقواد حملة الفرنجة مُنشِئين الإمبراطورية اللاتينية في القسطنطينية؛ في المقابل، أنشأ البيزنطيين الهاربين من الحرب إمبراطورية في نيقية تحت حكم ثيودور Theodore Lascaris وديسبوتيت الـ إبيري Despotate of Epirus.
- حملة أطفال الفرنجة
في العام 1212 كان «ستيفن دو كلويس» Stephen de Cloyes - وهو طفل فرنسى يبلغ 12 عاماً - وقال هذا الطفل إن السيد المسيح زاره وأمره بأن يقود حملة لإنقاذ الأمكنة المقدسة، وتبعه 20 ألف طفل، وقاد أتباعه الأطفال إلى مرسيليا، وقال لهم إن البحر سيتحول إلى أرض عندما يصلوا إلى القدس وهذا ما لم يحدث، لكن أثنين من التجار أعطوهم سبعة مراكب لنقلهم، وحدث قتال بين الأطفال ليرحلوا على هذه السفن وفي النهاية نقلهم التجار إلى تونس وبيعوا كعبيد هناك. طفل آخر من ألمانيا اسمه «نيقولاوس» Nicholas، كان راعياً من بلدة من كولونيا Cologne، قاد نحوَ 20 ألفاً من الأطفال عابرين جبال الألب المليئة بالثلوج في جسارة لم تحدث في التاريخ من قبل، وساروا في أراضي إيطاليا في طريقهم نحو القدس، ومات هؤلاء الأطفال في الطريق من الأمراض والجوع والبرد والاختطاف والعصابات التي قتلت بعضهم، وقبض المسلمين الأتراك على الباقين عند وصولهم إلى الأراضي المقدسة، وباعوهم كعبيد للجنس والنكاح.
- الحملة الصليبية الخامسة.
عاود البابا إنوسنت الثالث الدعوة إلى حملة صليبية جديدة لتدارك ما فات، وفي الوقت نفسه طلب «جون دي بريان» ملك القدس في عكا من البابا إرسال حملة على مصر، وفي مجمع «اللاتران» الكنسي الذي عقد في روما سنة (612هـ = 1215م) حرص البابا على ضرورة إيفاد الحملة لتوفير الحماية الصليبية في الشام، وقبل أن تبدأ عجلة الحملة الصليبية في التحرك توفى البابا «إنوسنت الثالث» في العام (613هـ = 1216م)، وخلفه «هونريوس الثالث» الذي باشر إعداد الحملة. بدأت القوات في التوافد على عكا، واستمر ذلك أربع سنوات إلا شهراً، حتى إذا اكتملت صفوفها وعتادها اتجهت صوب مصر، وكانت خطة «جون دي بريان» تستهدف دخول مصر عن طريق الإسكندرية أو دمياط، ولقيَت الخطة قبولاً من الصليبيين في الشام.
- التوجه إلى دمياط
خرجت الحملة الصليبية من عكا تحت «جون دي بريان» في (ربيع الأول 615هـ = مايو 1218م)، واتجهت إلى دمياط، ونزلت على الضفة الغربية للنيل المواجهة لدمياط، وأقامت معسكرها على الشاطئ، انتظاراً للهجوم ومواصلة السير عبر فرع دمياط إلى داخل البلاد. كانت مدينة دمياط محصنة تحصيناً قوياً، تحميها سلسلة عظيمة تمتد عبر النيل وتحول دون دخول السفن المعادية من البحر إلى داخل مجرى النهر، بالإضافة إلى برج السلسلة الموجود وسط مجرى النهر عند مصبه، لحماية دمياط، ودفع أي عدوان يقع عليها. خرج «الملك الكامل» أكبر أبناء السلطان العادل وخليفته للدفاع عن دمياط، ونصب معسكره جنوبي دمياط، وقد عُرف هذا المكان منذ ذلك الوقت بمنزلة العادلية؛ حتى يكون على اتصال بالمدينة، ويمنع الصليبيين من العبور إلى الضفة الأخرى.
قضى الصليبيون ثلاثة أشهر كاملة يهاجمون برج السلسلة حتى تمكنوا في نهاية الأمر من الاستيلاء عليه في (جمادى الآخرة 615هـ = آب / أغسطس 1218م)، وقطع السلسلة التي تعترض مجرى النهر، وكان ذلك نذير خطر للقوات المصرية.
في أثناء هذه الأحداث تُوفِّيَ السلطان العادل، ويُقال إنه لم يحتمل سماع تلك الأخبار السيئة فمرض مرض الموت، ثم لم يلبث أن تُوفِّيَ في (جمادى الآخرة 615هـ = آب / أغسطس 1218م).
الدفاع عن دمياط وسقوطها. أدرك السلطان الكامل - الذي خلف أباه - خطورة الموقف، فتحرك سريعاً لإعاقة حركة عدوِّه حتى لا يتوَغَّل في البلاد، فأقام جسراً ضخماً بعرض النهر، لكن الصليبيين تمكنوا من قطعه، فأسرع الكامل إلى إغراق سفن كبيرة في مجرى النيل لتعوق حركة السفن الصليبية، لكن ذلك لم يَحُلْ دون تقدم الصليبيين بعد أن حفروا خليجاً هناك كان النيل قديماً يجري فيه، وانتهى الأمر بدخول السفن الصليبية النهر حتى موقع مقابل لمنزلة العادلية حيث معسكر السلطان الكامل. ولم يكن أمام أبناء السلطان العادل سوى التعاون الكامل والعمل معاً في مواجهة هذا الخطر المُحْدِق الذي حلَّ بهم، فكان على الكامل طرد الصليبيين من مصر، وأن يقوم السلطان المعظم عيسى - الذي خلف أباه في دمشق - بحراسة جبهة الشام والضغط على الصليبيين لإجبارهم على ترك مصر، وأن يهبَّ ملوك الشام من بني أيوب لنجدة السلطان الكامل في مصر، وتقديم يد العون والمساعدة له.
حاول السلطان الكامل القيام بهجوم مفاجئ على المعسكر الصليبي فعبَر نهر النيل وانقض عليهم، لكنهم صمدوا في وجهه وأجبروه على التراجع، وفي الوقت الذي كان فيه الكامل أحوج ما يكون إلى التماسك وتوحيد الهدف إذا به يتعرض لمؤامرة فاشلة من أحد قادته لعزله وإحلال أخيه مكانه في حكم مصر. ألقت هذه المؤامرة فقدان الثقة في قلبه، فغادر معسكره ليلاً وجنوده في إثره، فلمَّا أشرق الصباح وجد الصليبيون معسكر المسلمين خاوياً من الجند، فعبروا إلى الضفة الشرقية وهم لا يصدّقون ما حدث، وغنموا ما وجدوه من سلاح ومؤونة. ازداد موقف المسلمين سوءاً، وكاد اليأس يحلّ في قلب الكامل وتضعف عزيمته لولا أن تداركه أخوه المعظم الذي وصل بقواته، فأعاد الثقة في نفس أخيه، وبدأ في تنظيم الجيش الإسلامي الذي رابط عند فارسكور، وتمكنت دمياط من الصمود تسعة أشهر، لكنها لم تقوَ على الاستمرار بعد أن شدّد الصليبيون هجماتهم عليها، فسقطت دمياط في أيديهم في (27 من شعبان 616هـ = 5 من تشرين الثاني / نوفمبر 1219م).
العرض السخي.
وفي أثناء حصار الصليبيين لدمياط قبل سقوطها كان السلطان الكامل قد يئس من إمكان صمود المدينة بعد علمه بوصول نجدة قوية للصليبيين من قبرص وغرب أوروبا، فأرسل إلى الصليبيين بعرض سخي يقترح فيه أن يجلوا عن مصر مقابل أن يمتلكوا مدينة القدس ووسط فلسطين والجليل، أي يعيد لهم مملكة بيت المقدس، على ما كانت عليه قبل معركة حطين التي خاضها جدّه صلاح الدين في العام (583هـ = 1187م). كان العرض الذي تقدم به السلطان الكامل في غاية الكرم والسخاء والتخاذل المُهين، فقبله الملك «جون دي بريان» وأمراء مملكته في حين رفضه الكاردينال بلاجيوس الذي أرسله البابا لتزعّم الحملة الصليبية كلها، وتابعه فرسان المنظمات الرهبانية العسكرية من الداوية والإسبتارية.
الزحف إلى القاهرة.
كانت الظروف قد تهيأت لصالح الصليبيين عقب سقوط دمياط، لكن الأهواء والنزاع حول الزعامة عصفا بوحدة الحملة وتماسكها، فعاد الملك «جون دي بريان» بقواته إلى عكا في (المحرم 617هـ = آذار / مارس 1220م)، تاركا الأمر لـ «بلاجيوس» الذي ركن إلى الراحة والهدوء في دمياط، وظل نحو العام ونصف العام من دون تحرك أو عمل جاد، فلما قرر الزحف بعث إلى «جون دي بريان» يسأله العودة لمساعدة الصليبيين، فلبَّى على الفور حتى لا يُتَّهم بالتخاذل أو التفريط في مصر، وهو صاحب الاقتراح بغزوها، ولما اكتملت القوات الصليبية شرعت في الزحف جنوبا بمحاذاة نهر النيل في (جمادى الآخرة 618هـ = تموز / يوليو 1221م). لم يضيع أبناء السلطان العادل وقتهم وبذلوا ما في وسعهم من طاقة لإنقاذ البلاد، فأقام الكامل قبالة طلخا منزلة على الضفة الشرقية أطلق عليها اسم «المنصورة»، واستعدوا للمعركة الحاسمة، كان السلطان الكامل لا يفتأ يكرر عرضه السخي على الصليبيين في مقابل جلائهم، وكانوا يكررون رفضهم. واصل الصليبيون زحفهم وسط مثلث من الأرض تحيط به المياه من ثلاث جهات، كما هو مبين في الخريطة: بحيرة المنزلة شرقا، وفرع دمياط غربا، وبحر أشموم طناح جنوبا، فلما وصل الصليبيون إلى نقطة تفرع بحر أشموم طناح البحر الصغير من فرع دمياط قطع المسلمون السدود، وكان النيل مليئا بماء الفيضان فأغرق الأرض من تحت أقدامهم، وعاق الوحل حركة سيرهم. في الوقت نفسه أبحر عدد من السفن الأيوبية في بحر المحلة - كان يخرج وقتذاك من النيل قرب بنها الحالية ويلتقي به جنوبي فارسكور- فحالت هذه السفن بين الصليبيين والنجدة التي تصل إليهم من دمياط، وقطعت خط الرجعة على السفن الصليبية.
فشل الحملة والجلاء عن دمياط.
انحصر الصليبيون وتبددت آمالهم في الزحف جنوبا نحو القاهرة، ولم يبق لهم سبيل سوى أن يشقوا لأنفسهم طريقاً نحو قاعدتهم في دمياط، فحاولوا في استماتة، لكن الماء وعسكر المسلمين حالاً دون تحقيق آخر أمل لهم في النجاة من المصير المحتوم، أصابهم اليأس، ولم يبق أمامهم سوى طلب الصلح والجلاء عن دمياط من دون قيد أو شرط، وهم الذين رفضوا من أشهر قليلة عروض السلطان الكامل المتكررة. كان موقف الصليبيين حرجاً، ولو صبر عليهم الكامل من دون أن يجيب عليهم لأخذ برقابهم جميعاً ولَمَا نجا منهم أحد، لذلك عارض المُعظَّم عيسى والأشرف موسى أخوا السلطان الكامل إجابته للصليبيين إلى الصلح، ورغبا في تركهم بمأزقهم، حتى تنفد أقواتهم، وتنتشر بهم المجاعة، ويأكل بعضهم بعضاً، لكن الكامل مال إلى الصلح، وكان معروفا بسماحته، واتفق الطرفان على هدنة مدتها ثمانية أعوام، وتمّ جلاء الصليبيين عن دمياط في (19 من رجب 618هـ = 8 من سبتمبر 1221م) التي دخلتها القوات المصرية عصر ذلك اليوم.
- الحملة الصليبية السادسة.
بدأت الحملة الصليبية السادسة عام 1228 كمحاولة لإعادة السيطرة على القدس، بعد سبع سنوات فقط من فشل الحملة الصليبية الخامسة. ترأس هذه الحملة الإمبراطور «فريدريك الثاني هوهنشتاوفن» الألماني، الذي نذر النذر الصليبي للحملة السابقة ولم يفي به، وأراد الإمبراطور أن يحقق مقاصده من دون سحب السيف من غمده، فتزوج في صيف 1225 من ابنة ملك القدس «جون دي بريان» (يولاندي المعروفة أيضا باسم إيزابيلا) وتزوج كذلك من ماريا من مونتفيرات، وأخذ يطالب بعرش مملكة زالت من الوجود في فلسطين، واستغل الحرب بين مصر ودمشق ودخل في مفاوضات مع السلطان الكامل، الأمر الذي أثار غضب روما، وقيّم البابا مسلك «فريدريك الثاني» بكل قسوة واتهمه بإهمال (قضية الربّ)، بل هدّده بالحرم الكنسي وفرَض غرامة مقدارها 100 ألف أوقية من الذهب إذا لم تقم الحملة الصليبية في آخر المطاف، وقد أرجِئ البدء بها إلى آب / أغسطس 1227، وبدأ فريدريك الثاني بناء السفن واستأنفت روما الدعوة إلى الحرب المقدسة، لكن الدعوات قوبلت باللامبالاة، ولو أراد فريدريك لما استطاع جمع ما يكفي لأجل بعثة ما وراء البحار، في هذه الأثناء، وقبل خمسة أشهر من الموعد المُحدَّد توفي البابا أونوريوس الثالث. في صيف 1227 تجمع بضع عشرات من الآلاف المجندين، معظمهم من ألمانيا والبقية من فرنسا، إنجلترا وإيطاليا، بعضُهم أبحر إلى صقلية، لكن الأمراض وقلة المؤن ومرض فريدريك الثاني أدّت إلى إرجاء الحملة، وتشفياً لحرم البابا الجديد «غريغوريوس التاسع» من الكنيسة، أبحر الإمبراطور فريدريك الثاني إلى سورية في صيف 1228، فمنعها البابا ووصف فريدريك بأنه قرصان يريد سرقة مملكة القدس، وهي أول حملة صليبية لا يباركها البابا، لكنه لم يأبه، فاستولى على قبرص ووصل إلى عكا، حيث بدء المفاوضات مع السلطان الكامل أسفرت في شباط / فبراير 1229 عن صلح لمدة 10 سنوات تنازل بمقابله السلطان عن القدس باستثناء منطقة الحرم، وبيت لحم والناصرة وجميع القرى المؤدية إلى القدس، وقسم من دائرة صيدا وطورون (تبنين حالياً)، وعزَّز الإمبراطور الألماني بعض الحصون والقلاع وأعاد تنظيمها، ووقع مع مصر اتفاقيات تجارية عدّة، وتعهد فريدريك الثاني بمساعدة السلطان ضد أعدائه أياً كانوا، مسلمين أم مسيحيين وضمَن عدم تلقي القلاع الباقية خارج سيطرته أيّة مساعدة من أيّ مكان. في 18 آذار / مارس 1228 توّج فريدريك الثاني نفسه في كنيسة القيامة، بعد أن رفض رجال الدين تتويج الإمبراطور المحروم من الكنيسة، وفرضت البابوية منعاً لممارسة الطقوس الدينية في القدس، كما دفع البابا مُواليه نحو ممتلكات الإمبراطور في إيطاليا، غادر فريدريك سريعاً، ونشب صراع مسلح ضد الحبر الأعظم، وألحَق به الهزيمة، في العام 1230 ألغى البابا الحظر عنه وصادق في العام التالي على معاهداته مع المسلمين.
- حملة صليبية سابعة. كان التعارض بين مصالح البابا والإمبراطور الألماني سبباً في الدعوة البابوية المستمرة إلى حملة صليبية جديدة ، وكان الإمبراطور الألماني يعارض البابا في تلك الحملة؛ تحركت فصائل قليلة في ليون بقيادة الملك «تيبو دي نافار» والدوق «هوغ الرابع البورغوني» وغيرهما من الأمراء، وأبحر القسم الأكبر في خريف 1239م من دون حماسة كبيرة إلى سورية، حيث حاولوا بإصرار من فرسان المعبد عقد حلف مع دمشق ضد مصر، فهزمهم المصريون في جوار عسقلان في تشرين الثاني / نوفمبر 1239، وبدأت المخاصمات بين الصليبيين؛ استغلت حكومة مصر هذه الظروف وقضى الملك «الصالح نجم الدين أيوب» في أيلول / سبتمبر عام 1244 مع 10 آلاف من الفرسان الخوارزميين على القدس، على الصليبيين فيها أبيهم وانتقلت المدينة إلى المسلمين. كانت الحملة التي رتبت كردّ على هذه الحادثة هي ما يتفق عليه بين العديد من المؤرخين بتسميته بالحملة السابعة، ولكن هذه المرّة لم تكن البابوية على قدر كبير من التشجع لهذه الحملة، فالخلافات مع «فريدريك هوهنشتاوفن» كانت تشغلها أكثر، وكان «لويس التاسع» ملك فرنسا من بدأ هذه الحملة حين أعلن نيّته في القيام بحملة صليبية جديدة العام 1245، ولثلاثة أعوام جمع الأموال التي كانت أساساً ضريبة العشر من الكنيسة، ليبحر في 1248 مع زهاء 20 ألفاً من الجنود الأشداء بينهم 3 آلاف فارس بسفن استأجرها من جنوه ومرسيليا، أبحر من الموانئ الفرنسية ليصل قبرص في 17 أيلول / سبتمبر 1248، وبقيَ هناك حتى 30 أيار / مايو 1249 يتفاوض مع صليبيي الشرق ، حيث انطلق بعدها إلى احتلال دمياط، فوصلوها في أوائل حزيران / يونيو 1249، فنزلوا في مصب نهر النيل وأشاعوا الذعر بين سكان دمياط واحتلوا المدينة عنوة من دون قتال، واستكمل الزحف نحوَ إلى الإسكندرية، فحوصرت قلعة المنصورة واستُوليَ عليها في أوائل شباط / فبراير 1250، لكن سرعان ما أفلح المسلمون في حصر الغزاة في المدينة، وعلى رأسهم الملك «المعظم طوران شاه»، آخر ملوك الأيوبيين، لقيَ الكثير من الفرسان الصليبيين ممن لم يتسنّ لهم اللجوء إلى القلعة حتفهم، وبعد فترة أغرق المصريون الأسطول الصليبي الراسي قرب المنصورة، وقطعوا اتصال الفرسان مع دمياط التي كانت قاعدة التموين لديهم، وتحت طائلة الموت جوعاً فرّ الصليبيون من المنصورة وفتكت بهم قوات المسلمين فزال جيشهم من الوجود كقوة مقاتلة، ووقع منهم الآلاف في الأسر، وكان ملك فرنسا لويس التاسع بين الأسرى، حيث أسر في قرية «منية أبي عبد الله» (حالياً: منية الخولي عبد الله) في محافظة دمياط؛ انتشرت الأمراض سريعاً بين الأسرى كالملاريا والدزنتاريا والأسقربوط، حتى أن الملك سقطت أسنانه وتعيَّن حمله لقضاء حاجته؛ في أيار / مايو 1250 أخليَ سبيل لويس مقابل فدية ضخمة 800 ألف بيزتط أو 200 ألف ليرة، شرط أن يغادر الصليبيون دمياط ، فوصلت بقاياهم إلى عكا كيفما اتفق. بقي لويس في عكا أربع أعوام، دعا فيها البارونات إلى حملة صليبية جديدة تجاهلوها تماماً، غادر بعدها لويس التاسع عكا في نيسان / أبريل 1254 إلى فرنسا. كانت المستعمرات الصليبية في الشرق يمزقها الصراع الاجتماعي / السياسي، وكانت تُبدي المزيد من العجز أمام أعدائها من السلاجقة، العرب والمغول، وعندما هزم المغول الخليفة العباسي العام 1258، سيطروا على المناطق الداخلية من سورية، وفي الفترة نفسها وصل المماليك إلى الحكم في مصر، واستطاعوا إيقاف طليعة الجحافل المغولية في أيلول / سبتمبر 1260 في معركة «عين جالوت» بقيادة «الظاهر ركن الدين بيبرس بندقداري»، وعندما وصل إلى الحكم وحَّد مصر وسورية وأعاد بناء الحصون وأسَّس قوات بحرية وبرية كبيرة وضبط المراسلات البريدية المنتظمة، بعدها وجه بيبرس اهتمامه نحو الصليبيين في الشرق (الفرنجة) فاستولى على قيسارية وأرسوف العام 1265، على يافا العام 1268 وفي مايو 1268 وعلى إنطاكية أغنى المدن الصليبية.
- حملة صليبية ثامنة... أخيراً. الحملة الثامنة أطلقها لويس التاسع ملك فرنسا، في أواسط الخمسينات من العام 1270، تُحتَسَب الحملة الصليبية الثامنة أحيانا بأنها السابعة، إذا عُدَّت الحملتان الخامسة والسادسة كحملة واحدة، ويُُشار إلى الحملة التاسعة أحيانا بأنها جزء من الثامنة. انزعج لويس من الأحداث التي جرت في سورية، حيث كان السلطان المملوكي بيبرس يهاجم بقايا الممالك الصليبية، واستغل بيبرس فرصة أن التحريض على الحرب بين مدينتيّ فينسيا وجنوَه ضد بعضها خلال الأعوام 1256 و 1260؛ بحلول 1265 كان بيبرس قد سيطر على الناصرة، حيفا، طورون وأرسوف، نزل «هوغ الثالث» القبرصي، ملك مملكة القدس اللاتينية في عكا لحمايتها، بينما تحرك بيبرس شمالا حتى وصل أرمينيا، التي كانت في ذلك الوقت تحت الحكم المغولي. قادت هذه الأحداث لويس للدعوة إلى حملة جديدة العام 1267، على الرغم من قلة الدعم في ذلك الوقت، إلا أن «جين جونفيلييه»، المؤرخ الذي رافق لويس في الحملة السابعة رفض مرافقته، واستطاع أخ لويس تشارلز من آنيو إقناع لويس بمُهاجَمة تونس أولاً، ما يُعطيه قاعدة قوية لبدء الهجوم على مصر؛ علاقات سلطان تونس الجيّدة بإسبانيا المسيحية جعلته مُرشَّحاً قوياً للإرتداد، فأبحر لويس العام 1270 من كاغلياري في صقلية ووصل السواحل الأفريقية في تموز / يوليو، في موسم سيئ للرسو، مرض العديد من الجنود بسبب مياه الشرب الملوثة، وفي 25 آب / أغسطس مات لويس بالكوليرا أو الطاعون على ما يبدو، بعد وصول تشارلز بيوم واحد، ويُرْوى أن آخر ما تلفظ به لويس كان (القدس)، فأُعلِن «تشارلز فيليب الثالث» ابن لويس الملك الجديد، وبسبب صغر سِنِّه، كان الملك تشارلز القائد الفعلي للحملة الصليبية. نتيجة تفشي الأمراض، تمّ التخلي عن حصار تونس في 30 تشرين الأول / أكتوبر بالاتفاق مع السلطان، حصل الصليبيون بفضله على اتفاق تجارة حرة مع تونس، والموافقة على وجود القساوسة والرهبان في المدينة. شَكَّلَت هذه الحملة نصراً جزئياً، تحالف تشارلز مع الملك إدوارد الإنجليزي، وعندما ألغى تشارلز الهجوم على تونس، توجه إدوارد إلى عكا، بما يعرف أحيانا بالحملة الصليبية التاسعة، التي كانت آخر تَوَجُّه صليبي إلى سورية.
- محطّات تاريخية للحملات الصليبية: 1095 م اجتماع ديني مسيحي للصليبين في كليرمونت في فرنسا. 1095- 1101 حملة الفرنجة الأولى. 1099 استيلاء الصليبين على القدس. 1144 استيلاء المسلمين الأتراك مرة أخرى على مدن مسيحية وذبحوا كل من فيها من المسيحيين. 1145 - 1147 بداية حملة الفرنجة (الصليبية) الثانية التي قادها ملك فرنسا لويس السابع. 1188 - 1192 بداية حملة الفرنجة (الصليبية) الثالثة بقيادة فيليب أوغستس وريتشارد قلب الأسد. 1187 صلاح الدين يستولي على القدس. 1202 - 1204م الحملة الصليبية الرابعة التي استولوا فيها على القسطنطينية. 1212 حملة الأطفال الصليبية.
سمير . م . أبو شقرا
#سمير_مالك_أبو_شقرا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوبرمان- و-الرجل الوطواط- بعد الحادي عشر من أيلول...
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|