|
موجز عن الحزب الشيوعي والتنظيم العمالي
احمد معين
الحوار المتمدن-العدد: 2108 - 2007 / 11 / 23 - 11:59
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تعتبر الطبقة العاملة بنضالاتها في شتى ميادينها وأشكالها وحركتها النضالية اليومية الجارية وأهدافها البعيدة والقريبة ودرجة الوعي الطبقي المترسخ في صفوفها ومستويات تنظيمها وغيرها من الشؤون والشجون التي تحيط بحياة ونضال تلك الطبقة ، جوهر العمل والممارسة والفكر والسياسة الشيوعية . ولا مراء بأن الحزب الشيوعي ، اي حزب كان وأينما كان ، يولد ويتطور في شكل جدلي تام من خلال علاقتها بالطبقة العاملة . وليست تلك العلاقة ، إبتداءَ ، علاقة كمية ، بالرغم من أهميتها وأهمية نفوذ الحزب الكمي بين الطبقة العاملة التي تعتبر جوهر وجودها وعملها ، بل هي في الأساس ، وقبل أي شيء آخر علاقة عضوية وجوهرية متلاحمة تنسف أساسات وجود أي حزب شيوعي بدونها . كما إن تلك العلاقة ليست علاقة في حيز النضال العملي اليومي للعمال أو لا ينحصر في حدود ذلك بل تتخطاها نحو علاقة أكثر رسوخاَ حيث يلعب الحزب دوراَ محورياَ في رسم آفاق ليس فقط نمو نضالاتها اليومية الجارية بل في ربط ذلك النضال بالتحرر النهائي للطبقة العاملة بوصفها القوة القادرة لوحدها ، بحكم مكانتها في النظام الرأسمالي ، في دحر سلطة الطبقات المالكة ودك أسس وبنيان المجتمع المذكور . وهكذا تقاس درجة نمو وتطور الأحزاب الشيوعية ودنوها من الظفر بأهدافها بمدى قدرتها ، وفق تقاليد طبقية سليمة ، بمساعدة الطبقة في تنظيم نفسها ورفع العوائق الفكرية والعملية والتنظيمية التي تحول دون ذلك . ومن الطبيعي أن لا ينحصر تلك المهمة ضمن علاقة الحزب _ الطبقة بل تتشابك مع كم هائل من القضايا التي تحيط بالمجتمع الذي آل الحزب كما الطبقة على نفسهما تغييرها . فالطبقة العاملة ليس معزولة بسور صيني عما يدور في المجتمع من تفاعلات عميقة وهي ليست محصنة من طغيان أفكار وسياسات وتقاليد الطبقات الحاكمة والشرائح الأخرى بشتى تلاوينها وأشكالها . ففي العراق على سبيل المثال ، ليس العمال بمأمن من صورة مموهة عن التنظيم العمالي سادت في صفوفهم لعقود طويلة كنتيجة مباشرة لسيادة النهج المشوه للحزب الشيوعي العراقي . كما ليس عمال العراق بمنأى عن تأثير الفكر القومي والإسلامي بل تشظى صفوفهم لعقود نتيجة لسياسات تلك القوى والآحزاب التي رفعت راية القومية والدين وغيرها من الآيديولوجيات ولازالت وحقنت بها الطبقة العاملة العراقية لتحقيق مآرب لا تربطها صلة مع العمال وأمانيهم بذرة . التنظيم العمالي مقدمة
يتمتع التنظيم العمالي في الوضع الراهن في العراق بأهمية فائقة بل يمكن القول بأن بناء التنظيمات العمالية يعتبر المهمة الجوهرية للنضال الطبقي وشرط مسبق لتصعيد نضالات تلك الطبقة . لقد تركت الأوضاع التي تلت الإحتلال وإقامة السلطة الراهنة عمال العراق في ظروف معيشية وإجتماعية صعبة وبات صفوفهم متشظية ينخرها الإنقسام الطائفي والمذهبي والقومي . وهنا يتمتع دور طلائع العمال أو العمال الطليعيين ، كشريحة متقدمة ومجربة في صفوف عمال العراق ، بأهمية إستثنائية وبارزة حيث بوسع هذه الشريحة رسم ملامح الحركة المطلبية والجماهيرية وشعاراتها ومطاليبها وتحديد بوصلة تحركها . وكمقدمة لبناء منظمات عمالية جماهيرية واسعة النفوذ فإن رص صفوف العمال الطليعيين وقادة الحركة العمالية في منظمات نقابية أو ما شابهذلك ، لها الأولوية القصوى . وهكذا فالمنظمات العمالية تعتبر بحكم الضرورة والواقع العملي ، كمرحلة أولى لابد منها ، منظمات تحشد تحت لوائها بصورة أساسية قادة وطلائع الطبقة العاملة العراقية . وبالنظر للوضع الراهن في العراق حيث يغيب دور الدولة بمعناها التقليدي وفي ظل ضعف السلطة الراهنة فإن بمقدور العمال وشريحتها المتقدمة والطليعية فرض منظماتها ونقاباتها على السلطة كأمر واقع . إلا إن المهم في هذه المرحلة بشكل خاص هو إستقلالية المنظمات النقابية والجماهيرية العمالية . وهكذا فإن المس بهذه السمة الجوهرية للتنظيم العنالي ، مهما كانت النوايا والمبررات ، لهو ضربة موجهة لجهود العمال الطليعيين في مجرى سعيهم الحثيث لبناء منظماتهم الجماهيرية والنقابية . وتتمتع هذه القضية أي إستقلالية التنظيم العمالي ، بأهمية إستثنائية بالنظر لسعي سائر القوى السياسية لبناء إمتدادات وزوائد (( عمالية )) تخدم تكريس توجهاتها ومصالحها والتي هي على نقيض مباشر مع مصالح ومطالب الطبقة العاملة .
إن السبل والآليات التي تتبعها الحركة الشيوعية لمساعدة العمال في تنظيم أنفسهم وبناء مؤسساتهم التنظيمية تختلف من حيث منطلقاتها وأهدافها وأشكالها وآلياتها عما هو متبع لدى الأحزاب البرجوازية التي تسعى من خلال تدخلها في هذا المجال لبناء زوائد وملحقات (( عمالية )) التركيب ولكنها تلعب دورها في خدمة إشاعة أهداف وشعارات تلك الأحزاب ليس إلا . ولا تختلف السبل والآليات التي تتبعها بعض القوى اليسارية ( الحزب الشيوعي العمالي العراق مثلاَ ) ، في جوهرها وما تؤول إليه من نتائج على مصالح العمال ، عن تلك التي تمارسها الأحزاب البرجوازية واليمينية إذ تنطلق تلك القوى اليسارية ايضاَ في نشاطها في ميدان التنظيم العمالي من بسط هيمنتها وفرض سياساتها وتوجهاتها وشعاراتها بصورة فوقية من خلال إدعائها بمساعدة العمال في بناء منظماتهم النقابية والجماهيرية . وتتجسد السمة المشتركة بين كلا الطرفين ، اليمين واليسار ، وعلى الرغم من التناقض الظاهر في مراميهم ، في مسخ الجهود والخطوات التي تبذلها الطلائع والكوادر العمالية في مضمار بناء لبنات نقاباتها ومنظماتها . إن كلا النهجين يلتقيان في تعميم الصورة التي يريانها مناسبة على الجهود العمالية في هذا المجال ويسعيان لجعل التنظيمات النقابية العمالية جسراَ لنقل وإشاعة برامجها وسياساتها بين صفوف جماهير العمال وكأن الطبقة العاملة ونضالاتها مختبر يجري فيها تجربة صحة أو سقم أفكار وسياسات تلك القوى . والنتيجة المنطقية لتلك المساعي هي سلب العمال وقواهم الطليعية أحد الأسلحة الحيوية في نضالهم اليومي من أجل قوتهم اليومي ومطالبهم الطبقية . إلا إن ذلك لا يعني بأن على الشيوعيين الوقوف محيايدين أمام جهود العمال في ميدان بناء التنظيم العمالي . فالحزب الشيوعي والمنظمة الإشتراكية ملزمان بجعل عملية بناء التنظيم العمالي الجاري أصلاً بين طلائع وكوادر الطبقة نفسها ، شفافة وممكنة من خلال دعم تلك الجهود والمساعدة في توفير متطلباتها ومؤازرة العمال في بناء لبنات نقاباتهم ورفع العوائق التي تحول دونها ودعوة المنظمات الحزبية للمساهمة في تلك العملية ولكن كل ذلك شرط إحترام إرادة العمال وخياراتهم والتمييز بين العمل النقابي والجماهيري وبين العمل والنشاط الحزبي وعدم جعل التنظيم العمالي سلماً لتحقيق مآرب حزبية ضيقة وأهداف لا تمت بصلة مباشرة بالعمل العمالي وعدم التضحية بالمكتسبات المنجزة في ذلك المجال من أجل جملة من المكاسب الحزبية وعدم التعاطي مع العمل النقابي بمعايير آيديولوجية حسب تقاليد فئوية بحتة بذريعة الأهمية القصوى والمركزية للعمل الشيوعي والهدف الاستراتيجي والإشتراكي مقارنة بالنضالات اليومية والمكاسب المطلبية والجزئية وغيرها من الذرائع المتهافتة . إن بناء النقابات والمجالس العمالية هي مهمة العمال وطلائعها المتقدمة أنفسهم أساساً .إ ن حاجة العمال للتنظيم هي كحاجة كل آلة ميكانيكية لمحرك يدفع بحركتها الى الأمام . فالتنظيم العمالي ، سواء كانت نقابة أو مجلساً عمالياً ، هي الوسيلة الأساسية لنضال العمال من أجل المطالبة بزيادة الأجور أو الوقوف بثبات بوجه محاولات خفضها من قبل الدولة وأرباب الأعمال أو في النضال من أجل خفض ساعات العمل وتقصيرها أو في الوقوف أمام مساعي مستغليهم لزيادتها وفي سائر ميادين النضالات المطلبية اليومية المتواصلة . فالنضال العمالي من أجل لقمة العيش والحياة الكريمة اللائقة بهم وبأسرهم والتمتع بحقوقهم وثمار عملهم هي عملية يومية جارية على قدم وساق حتى في الدول والمجتمعات التي لم يتأسس فيها يوماً حزب شيوعي أو إشتراكي . وهي في الوقت ذاته مدرسة ومركز للتدريب النضالي وميدان لرفع مستوى وعي العمال وإدراكهم لجوهر ومكامن إستغلالهم كطبقة ومن أجل وحدة أهدافهم وتطلعاتهم . كما إن النضال من أجل الإصلاحات اليومية المتواصلة في حياة ومعيشة العمال هي ركن أساسي من أركان النضال الطبقي الشامل بوجه الرأسمالية . فالثورات تحدث في تاريخ المجتمعات والمجتمع الرأسمالي تحديداً بشكل إستثنائي ولكن النضال اليومي هي القاعدة الجارية والمتواصلة التي تحتمها وتفرضها وضع الطبقة العاملة كطبقة أجيرة لا سبيل أمامها سوى الإنخراط في نضال مطلبي إقتصادي _ جماهيري متواصل من أجل حقوقه ومطاليبه اليومية بمثابة جزء من حياته . وليس ذلك فحسب بل إن الثورة الإشتراكية وحتى بناء المجتمع الإشتراكي في مرحلة ما بعد الثورة ، لا تستقيم بدون وجود وقوة وعظمة المنظمات النقابية والجماهيرية العمالية وحتى في ظل نفوذ وقيادة أقوى الأحزاب الشيوعية وأكثرها نفوذاً بين العمال . وبالمناسبة ، لقد كان أحد مواقع الخلل والضعف الجوهرية للتجربة البلشفية وثورة أكتوبر في 1917 وما بعدها في روسيا ، هو ضعف التنظيم الجماهيري العمالي وعدم إيلاء الإهتمام الكافي بهذا الجانب الحيوي في قضية الإشتراكية حيث مكن تشتت الطبقة العاملة وضعف تنظيمها من خطف الثورة وثمارها من قبل طغمة ستالين . ولا يمكن هنا التذرع بضغوطات التدخل الخارجي ومؤامرات القوى المطاحة بها وغيرها بالرغم مما ولده كل ذلك من قيود كبيرة على النظام الإشتراكي إذ إن حشد صفوف العمال في منظمات جماهيرية واسعة كان بوسعها المشاركة بصورة أكثر فاعلية وقوة في إحباط تلك المؤامرات والتدخلات الخارجية أيضاً .
#احمد_معين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل بتنا في زمن الفتوى ؟
-
العراق : مثلث الإحتلال وسلطة الطوائف وصولات الإرهاب
-
العدالة أم الإنتقام في إعدام صدام !
-
ذكّرني الريس !
-
الحراك في صفوف الحركات الأسلامية
-
الهولوكوست الكردي ، هل بات مادة للتندر ؟
-
الانتخابات في العراق : بين الوهم والواقع
-
المغزى الحقيقي لإعادة إنتخاب بوش
-
بوش : حكومة إسلامية في العراق وإن على مضض !
-
هل يصلح العطار ما أفسده الدهر ؟ بصدد عملية نقل الساطة في الع
...
-
نص الافتتاحية التي القاه الرفيق -احمد معين- في الكنفرنس الرا
...
-
عبدالعزيز الحكيم, لمن ولائه؟
-
احتلال العراق: نتائج وافاق
-
فتن العراق : من ايقظها ؟
-
الحركة المطلبية وسبل الإرتقاء بها
-
التنظيم هي القضية الجوهرية لعمال العراق
-
مجلس الحكم الإنتقالي: من يحكم من؟
-
حذار من بعض المتعاونين مع الشعب العراقي !!
-
أزمة النظام السياسي في العراق
-
ماذا وراء دعوة المرأة العراقية إلى إرتداء الحجاب ؟
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|