|
نقد العقل المسلم الحلقة الثانية
سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 2106 - 2007 / 11 / 21 - 06:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
التـّشيــــــُّع تاريـــــخيـــــا .... التشيع Shiism اصطلاحا ، كلمة عربية تعني "التحزب" و تأييد رأي معين ، و الخلاف الرئيسي الذي جعل المسلمين الشيعة يختلفون مع "السنة Sunnism" هو موقفهم ، ليس من خلافة علي بن أبي طــالب للنبي محمد ، بقدر ما هو رفض أو قبول التاريخ الإسلامي ككل و أنظمته السياسية ، الدولة الأموية ـ الدولة العباسية ـ الدولة العثمانية ، فالشيعة ينتقدون هذا التاريخ الممتد إلى 1400 سنة مضت ، بينما السنة عموما ينظرون إليه بعين التقديس ، فالشيعة يعتبرون أن هناك انقلابا تم في صدر الإسلام و بالذات عند وفاة النبي محمد و نشوب النزاع بين القبائل العربية الرئيسية ، و خصوصا قبيلة قريش التي كانت الخصم اللدود للدعوة الجديدة و بين مرشح النبي محمد لخلافته و حسب الإيمان الشيعي ، أي الإمام علي ، هذا الانقلاب سمح لكل من طمع بالحكم أن يستولي عليه عبر الانقلاب ، إن المشكلة التي ظهرت في صدر الإسلام لا تزال كما هي إلى الآن ، و هي المشكلة نفسها التي نعانيها ، فكان الصراع الحقيقي الدائر في العالم الإسلامي هو صراع مفهومين متصارعين ، المفهوم الأول الذي حملته الفلسفة الشيعية هو أنه يجب أن يحكم "الأفضل" و "الأصلح" و إن لم يكن "الأقوى" ، بينما كان المفهوم الآخر "السني" يقول بأنه يجب أن يحكم "الأقوى" حتى لو كان "ظالما و مجرما"!! . إن هذا الصراع لا يزال موجودا ، لكن ليس بهذا الوضوح الفلسفي ، لأن كثيرا من القطاعات الشيعية تشوهت ثقافتها بفعل التراكم الثقافي و الاجتماعي و السياسي و جوانب أخرى يصعب تعدادها الآن ، و من أبرز هذه التشوهات هو ما يسمى بتيار "حـــزب الله" و ولاية الفقيه "النظرية الخمينية" التي تنسجم مع النظرية "السنية" في الحكم ، أكثر من التشيع ، و هي تشبه نظرية "الخلافة" أكثر من أي نظرية أخرى. إن معالم التشيع أصبحت أكثر وضوحا منذ اغتيال علي بن أبي طالب و قيام حكم بني أمية الذين كان شعارهم هو سب و لعن "علي" و كانوا يشنون الحملة تلو الأخرى لقتل و اضطهاد أنصار علي بن أبي طالب و التي بدأت بشكل عفوي في عهد الخليفة عثمان و أصبحت منظمة و مقصودة أيام معاوية بن أبي سفيان الذي استخدم أساليب وحشية مثل قطع الأطراف و الصلب و قلع الأعين و الموت البطيء عبر العطش ، و كان يكفي أن يقتل أي شخص لمجرد اتهامه بأنه من أنصار علي و آله ، كما أن فترة الاضطهاد الطويلة و التي لم تخف على الشيعة إلا في فترات متقطعة من القرنين التاسع و العاشر الميلاديين حينما قامت مجموعة دول شيعية ، كما لا يخفى على دارس التاريخ الإسلامي أن أحوال الشيعة كانت أفضل نسبيا في العصر العباسي ، و لكن عودة إلى العصر الأموي نقول ، أن بني أمية لم يكونوا على اختلاف مع آل علي لمجرد التصارع على السلطة ، بل كان الخلاف أعمق من ذلك بكثير ، فقد فسر الأمويون "الإسلام" على أنه دين خاص "للعرب" و أن هدف الدين الإسلامي هو فقط "إركاع العالم للعرب" و ربما كان الخليفة الثاني "عمر بن الخطاب" أول من روج لهذا المعتقد ، لذلك نجد أن غير العرب كانوا أسرع استجابة للمذهب الشيعي من العرب أنفسهم ، رغم أن مهد التشيع كان في العراق ، في الكوفة و كربلاء و البصرة و جنوب العراق عموما ، كما أن هناك وجودا شيعيا في شرق الجزيرة العربية و لبنان ، إن المذهب الشيعي يميل إلى المساواة بين مختلف الانتماءات العرقية و القومية أكثر من المذاهب الأخرى ، رغم أن أكثرية المرجعيات الحديثة تتبنى المنهج "القومي العربي" و ربما كان لعقدة الشعور بالنقص دور في ذلك ، بمعنى أنهم تخلوا عن أساسيات المذهب بفعل التأثير الإقليمي. و أوجد انعزال الأئمة عن السلطة ، ابتداء من الحسن بن علي و انتهاء بالحسن العسكري ـ والد الإمام الثاني عشر الغائب ـ أدى هذا الأمر إلى توجيه التشيع نحو التغلغل أكثر فأكثر بين الطبقات الفقيرة المسحوقة من قبل السلطة و الطبقات المترفة الحاكمة ، لذلك لا يحتاج الباحث إلى كثير تعمق ليكتشف أن الثقافة الشيعية ، بعكس تلك السنية ، تميل أكثر نحو البساطة و أن رجل الدين الشيعي كلما كان أزهد في الحياة و ملذاتها و ترفها و كلما ابتعد عن الحاكم و السلطان كان أكثر قبولا و شعبية بين الناس ، بعكس السني الذي يزداد حظوة كلما التصق بالحاكم و السلطة ، و نجد أن التشيع و بمرور الزمن لم ينجو ، كأي دين أو مذهب ، من أن تتغلغل إليه الخرافات و المبالغات العقائدية فيما يتعلق بالنبي و الزهراء و الأئمة ، و لكن يبقى التشيع رغم التراكمات سهل الإصلاح ، خصوصا و أن للعقل دورا أكبر في العقيدة الشيعية ، على عكس المذاهب الأخرى التي تشكك في قيمة العقل لا على سبيل "الفلسفة" أو "الحكمة" بل على سبيل تعطيل دور الدين في ردع "الحاكم" و "السلطة" . لم تتوقف العزلة على الأئمة ، بل امتدت إلى المراجع الدينيين و النقباء و الأشراف العلويين ، و لا زالت عزلة آية الله السيستاني و قبله أبو القاسم الخوئي و مراجع آخرين شبيهة بتلك المرحلة التي أخذت تنتهي منذ بداية القرن العشرين ، و إن كانت هذه النهاية إعلانا لظاهرة سلبية أخرى هي "حكم الفقيه" أو "ولاية الفقيه" ـ نظرية السيد الخميني التي سنناقشها في هذا البحث ـ فقد كان الشيعة ينظرون إلى السلطة على الدوام ، حتى في ظل الدول الشيعية ، على أنها عدو يجب الحذر منه ، و النصوص الدينية الشيعية كأصول الكافي للكليني و من لا يحضر الفقيه و .. غيرها من كتب الحديث المنقولة عن الأئمة و النبي ، كلها أو أغلبها يحذر من إتباع هوى السلطان و الحاكم . و الملاحظ أن الحضارة الإسلامية كانت تعيش أوج حالات الإبداع و خلق القيم الحضارية في الفترة الممتدة من القرن الثامن الميلادي و حتى القرن الحادي عشر ، و هي الفترة التي سادت فيه دول شيعية ، "الدولة البويهية" في إيران و العراق و "الدولة الحمدانية" في الموصل و شمال العراق و "الدولة الفاطمية" في مصر و شمــال أفريقيا ، "الدولة الإدريسية" في شمال أفريقيا ، و هذا طبيعي في ظل إيمان الشيعي أن على العقل أن يقرر ما هو حق و باطل و أن العقل مقدس إضافي للوحي ، بينما السني ـ حاله حال الخارجي ـ يؤمن بالوحي فقط و إن تناقض كليا مع العقل و الواقع ، فنجد أشخاصا مثل أبو العلاء المعرّي و الغزالي ـ فلو لا التشيع لما كان لهذا الفيلسوف السني وجود ـ و الفارابي و بن سينا و ابن الهيثم و ابن رشد و ابن خلدون ((راجع كتاب ـ منطق بن خلدون ـ للدكتور المرحوم علي الوردي)) ، كما أن الشيعة أنتجوا فيلسوفين كبيرين هما "الرازي ـ نحن ننسبه إلى التشيع كنتاج حضاري و إن كان متهما بالإلحادـ" و "الملا صدرا" ، و لكن التشيع أيضا شهد انقساما جذريا خلال القرون التالية ، و لربما كان هذا الانقسام واضح المعالم إلى الآن ، و هو أن التشيع يصنف الآن إلى قسمين ، فالأصوليون ـ و هم الذين يركّزون على أُصول الدين و رفض النصوص الآحادية غير المؤكدة ـ هم الآن يمثلون غالبية الشيعة ، يميلون إلى الملائمة بين النص و الواقع و أن هناك جانبا مهما يجب أن يلتفت إليه المجتهد و الباحث ، هو أن على النص أن يتعامل مع الواقع دون إغفال جانب التغيّر فيه و بالتالي إيجاد فلسفة واقعية اسمها "التأويل" ، و لربما كان على المجتهد أن يلائم النص مع الواقع لا الواقع مع النص ، فمن السهل إيجاد حل "فقهي" لكل مُستجد ، لكن أن يُرفض الواقع بحجة عدم ملائمته مع النص فهو أمر سلبي و فقه مقلوب . أما الطرف الآخر أو القسم الثاني فهم "الإخباريّون" الذين نستطيع أن نقول عنهم أنهم أشبه بالسنة منهم بالشيعة ، فقد كانوا يؤمنون أن على رجل الدين أن يتحرى في بحثه مراعاة "النصوص" و "الروايات" المنقولة عن النبي و الأئمة ، و أن على المجتهد العمل بالنص بمجرد أن يشتبه بصحة وروده عن المعصوم ، مهما كان هذا النص غير واقعي و مشكوك الصدور عن المعصوم . و عندما نقوم بمقارنة بسيطة بين كتب الفريقين ، نجد أن كتب الأصوليين أكثر قربا بالواقع و أسهل على التطبيق ، أما الإخباريون فقد استمروا بشحن كتبهم بالأحاديث و الروايات إلى حد أصبح للقصص الشعبي أيضا مكان في هذه الكتب ، فتجد فيها روايات و أحاديث يخال لك من خلالها و كأن الملائكة و الملأ الأعلى و الجن ليس لهم شغل غير خطبة "فلانة" للإمام الفلاني أو الاستبشار و الاحتفال بمولد الإمام الفلاني ، أنا لا أنكر أن الدين يؤمن بكثير من أمثال هذه الأشياء ، مثل مجيء المجوس الثلاث بحثا عن مولود اسمه المسيح ـ كما تنقل لنا كتب العهد الجديد ـ ، لكن من الواضح أن هناك نوعا من المبالغة جرى في هذا الجانب ، إن لم تكن المسألة قريبة من خرافة العشرة المبشرين بالجنة أو أسطورة الخلفاء الراشدين . النقطة المهمة الأخرى التي اتسم بها التاريخ الشيعي بدءا من الدولة الأموية و انتهاء بقيام الدولة الصفوية ـ التي كانت بداية خروج التشيع من عزلته ـ هذه الفترة تتميز بنمو التنظيمات السرية ، و هي حال كل الأديان و الآيدولوجيات الواقعة تحت الاضطهاد أو خطر الإبادة ، كالدين اليهودي مثلا ، و لأن التشيع تنوع بين "التشيع الجعفري الذي يؤمن باثني عشر إماما و هم أغلبية الشيعة في العالم" و "التشيع الفاطمي الإسماعيلي الذي يؤمن بالأئمة السبعة و هم الأقلية" و "التشيع العاطفي ـ و هم اؤلئك الذين ينتمون إلى مذاهب أخرى و لكنهم يتعاطفون فكريا مع الإمام علي و أبناءه المضطهدين" ، هذه التنوعات جعلت للتنظيم السري الشيعي يمتاز بأصناف ، فالتنظيم السري "الاثنى عشري" يختلف عن ذلك "الإسماعيلي" و بشكل كبير ، و كان التنظيم الإسماعيلي يتسم بالقدرة على المواجهة العسكرية كتنظيمات قادرة على القيام بعمليات اغتيال للشخصيات المعادية ، بينما كان التنظيم الاثنى عشري يقوم فقط بحشد الأنصار و تثقيفهم و تهيئة خلق مجتمع قابل للتغيير ، و حتى العباسيون ـ الذين كانوا شيعة في البداية ثم قرروا اعتناق المذهب السني لكونه أصلح لبقائهم في السلطة ـ استفادوا من خبرة الشيعة و نجحوا بفضلهم في الإطاحة بالحكم الأموي ، و يعزو بعض المؤرخين قيام المنصور الدوانيقي ، الخليفة العباسي الثاني ، بقتل كل من أبي مسلم الخراساني و أبي سلمة الخلال ، إلى أنهما كانا يؤمنان بالولاء لآل علي بدلا من آل العباس ، و بمجرد أن سقط بنو أمية عن الحكم ، تحول الاضطهاد من الأمويين إلى العباسيين ، لكن على الأقل و بمرور الزمن أصبح للشيعة حال أفضل من العهد الأموي بفضل بعض الخلفاء العباسيين ممن كادوا يعتنقون التشيع ، كالمأمون الذي كاد يسلم الحكم لآل علي لو لا أسباب كثيرة يطول شرحها ، و أعتقد أن المأمون ـ و هو يكاد يكون الفيلسوف الوحيد من بين الخلفاء ـ ظـُــلم من قبل الشيعة حينما اتهموه بأنه وضع السُّمّ للإمام الرضا "الإمام الثامن لدى الإثني عشرية" لكي لا يخلفه في الحكم و أظن أن المأمون كان شيعيا جادّا خصوصا إذا نظرنا إلى تقريبه للمـُعتزلة و هم المذهب الفلسفي الأقرب للشيعة .
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقد العقل المسلم الحلقة الأولى
-
حول برنامج -المصالحة- أو -التوافق العراقي-
-
الدين سلاح ذو حدّين!!
-
العراق و -جاره الصالح-
-
الولايات المتحدة و -المالكي- و -المؤامرة الأخيرة-
-
زيارة الرئيس -بوش-.. تقوية المركز العراقي.
-
من الشيعة من هو عالة على -التشيُّع-!!
-
-كردستان العراق-.. شريعة السراديب و الكهوف
-
حماس: الزرقاوي شهيد الأُمّة!!
-
-اجتثاث البعث- بين الفرد و المجتمع
-
-علي الوردي- و المجتمع الكردي
-
السلطات العراقية و مصطلحات -البعث-
-
-البعث الكردي- .. و أقبح دكتاتورية في التاريخ !!.
-
العراق .. ليس دولة عربية .. بل إنسانية
-
سجن الصنم
-
-الإرهاب- حاكما و معارضا
-
صراع الهويات الكاذبة..
-
-أكاذيب.. موروثة-
-
التحالف الكردستاني و إدارة -المطاعم-!!
-
إيران الوهابية مقنعة -بالتشيُّع-.
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|