يقول كبار المسؤولين الأميركيين في واشنطن وبغداد ان القلق المتزايد الذي يشعر به الأميركيون من فشل مجلس الحكم العراقي في اتخاذ الإجراءات الضرورية الحاسمة جعل إدارة الرئيس جورج بوش تفكر في بدائل للمجلس للتأكد من أن الولايات المتحدة يمكن أن تنقل السلطة إلى العراقيين بنفس سرعة سحبها لقواتها من العراق. وقد بلغ الإحباط مداه لدى المسؤولين الأميركيين تجاه المجلس الذي اختاروه بأنفسهم، لأن الوقت الذي يقضيه بعض أعضاء المجلس في خدمة مصالحهم الخاصة الاقتصادية والسياسية أكثر بكثير من الوقت الذي يقضونه في التخطيط لمستقبل العراق، وخاصة فيما يتعلق باختيار لجنة لصياغة الدستور الجديد.
وقال مسؤول أميركي كبير آثر عدم الكشف عن هويته: « لسنا راضين عن أي منهم. فهم لا يتصرفون كهيئة تشريعية أو حكومية ونحن في أمس الحاجة للتحرك إلى الأمام. إنهم ببساطة لا يتخذون القرارات التي ينبغي اتخاذها».
وسيقوم السفير روبرت بلاكويل العضو الجديد في مجلس الأمن القومي والمشرف على عملية الانتقال العراقية، زيارة غير معلنة نهاية الأسبوع إلى العراق، ويلتقي هناك بالقادة السياسيين لإبلاغهم بالتوجه الجديد. وحسب المسؤول نفسه فان السفير سيناقش مع بول بريمر الحاكم المدني للعراق، الخيارات المتاحة للولايات المتحدة في العراق.
وفي تصريحات صدرت عن مسؤولين أميركيين وفرنسيين ورد أن الولايات المتحدة أخذت تفكر في اقتراح فرنسي كانت قد رفضته من قبل يرمي إلى إنشاء قيادة عراقية مؤقتة على غرار ما حدث في افغانستان. وكانت فرنسا ودول أخرى بمجلس الأمن، قد اقترحت قبل إصدار القرار الجديد حول العراق، في 17 أكتوبر (تشرين الاول) الماضي، عقد مؤتمر وطني، على غرار اللويا جيرغا الأفغانية، يقوم بدوره باختيار حكومة مؤقتة تكون حاصلة على حقوق السيادة وصلاحياتها.
ومن بين عدة خيارات، تفكر الإدارة كذلك في تغيير أولويات وترتيبات الفترة الانتقالية إذا اتضح أنها ستطول بصورة لم تكن الولايات المتحدة تتصورها في البداية. وقد ظلت الولايات المتحدة تصر دائما على أن صياغة دستور جديد هي الخطوة الأولى في عملية الانتقال، وأن إجراء الانتخابات واختيار الحكومة ستكون من آخر الخطوات في تسليم السلطة إلى العراقيين. ولكن المسؤولين الأميركيين يبحثون حاليا إمكانية تشكيل حكومة انتقالية لديها صلاحيات سيادية تمارس الحكم حتى إجازة دستور جديد وتكوين حكومة منتخبة.
ويؤيد الأميركيين في مسعاهم هذا أعضاء مجلس الأمن. وهذا سيكون شبيها ايضا بافغانستان، حيث كان الرئيس حميد كرزاي يمارس صلاحيات الرئاسة، في نفس الوقت الذي كان يصاغ فيه ميثاق وطني. وستجرى الانتخابات هناك في يونيو (حزيران) المقبل أي بعد عامين من سقوط حكومة طالبان. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية: «إذا رأينا أن فترة خروجنا من العراق ستكون أطول مما ينبغي وإذا اتضح أن إنجاز المهام كلها سيستغرق أكثر من سنتين، فإن ذلك سيكون حافزا على مراجعة الفترة الانتقالية والتفكير في آلية حكم جديدة».
وتجيء هذه الخطوة الأميركية بعد تحذيرات عديدة وجهتها واشنطن إلى مجلس الحكم. قد اجتمع بريمر قبل اسبوعين بأعضاء المجلس وقال لهم بمنتهى الوضوح: «لا يمكنكم الاستمرار على هذا المنوال». وقال إن أكثر من نصف أعضاء المجلس يكونون خارج البلاد في لحظة واحدة، وان اجتماعات المجلس اصبح يحضرها أربعة أو خمسة اعضاء لا أكثر. واضاف بريمر أن المجلس لم يفعل شيئا ذا بال بعد تشكيله مجلس الوزراء اواخر أغسطس (آب) الماضي. وقال إن المجلس كان مهملا جدا في الإشراف على الوزراء الذين عينهم وفي عقده جلسات الاستماع العلنية ووضع السياسات للوزارات والمصالح الحكومية المختلفة بل حتى في مخاطبة الوزراء. واصاب الولايات المتحدة إحباط كبير لأن المجلس الذي مولت الكثيرين من أعضائه عندما كانوا في الخارج ودعمتهم سياسيا، لم ينجح حتى الآن في مخاطبة الشعب العراقي، أو توسيع شرعيته بين الشعب. وقال المسؤول الأميركي ببغداد ان المجلس كان «عاجزا» في مخاطبة شعبه والوصول إلى مختلف قطاعاته.
وقال مسؤولون في واشنطن وبغداد، ان مصداقية المجلس حاليا أقل مما كان عليه لحظة تعيينه، وان ذلك هو الذي فاقم من عدم استقرار الأوضاع في العراق. ولكن الولايات المتحدة لم تصل بعد إلى مرحلة التخلي عن المجلس. وقد صرح مسؤول بالبيت الأبيض يوم السبت الماضي بأن «السفير بريمر ما يزال يعمل مع المجلس الحاكم. وأولويتنا الحالية في العمل مع المجلس هي الاستجابة للجدول الزمني الوارد في قرار مجلس الأمن رقم 1511، والذي يدعو المجلس إلى إصدار جدول زمني لصياغة الدستور ولإجراء انتخابات عامة على اساس ذلك الدستور على ألا يتجاوز إصدار ذلك الجدول الزمني 15 ديسمبر (كانون الاول) المقبل».
وقال مسؤول أميركي كبير انهم ما يزالون متفائلين بشأن الاستجابة لهذا الجدول الزمني. وقال إن بريمر مستعد لنقل مزيد من السلطات إذا مارس المجلس مسؤولياته الحالية. ولكن مع شعور الإدارة الأميركية بأن الوقت يفلت من بين يديها، فإنها تعكف حاليا على التفكير في البدائل في حالة فشل المجلس في تنفيذ واجباته في الوقت المحدد. وقال مسؤول بالإدارة: «سلطة التحالف الانتقالية لم تتخل بعد، بصورة كاملة عن مجلس الحكم العراقي. ولا يوجد أي سيف مصلت فوق رقابهم. ولكن من المؤكد إننا نتطلع إلى تغيير كبير العام المقبل، وإذا اتضح أنهم غير قادرين على انجاز ذلك التغيير فإن علينا أن نكون واقعيين».
ومن المفارقات أن أعضاء مجلس الحكم يردون على ذلك بالمطالبة بالتعامل معهم كحكومة انتقالية، وإعطائهم كل الحقوق بما فيها حقوق السيادة، لانهم بلا سلطات حقيقية حاليا طالما أن سلطة التحالف الانتقالية تحتل وتحكم العراق. وقال أحد اعضاء المجلس ان الولايات المتحدة لديها فكرة غير واقعية ترى أن القضايا الشائكة يمكن أن تحل في يوم أو يومين. وقال عضو المجلس ان هذا غير ممكن وغير واقعي. وأضاف عضو كبير بالمؤتمر الوطني العراقي أن غياب الأعضاء عن الاجتماعات لا يعني انهم لا يعملون. وقال عادل عبد المهدي، وهو ممثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق، ان الأمور في العراق يجب ألا تدفع بسرعة لا تحتملها. وقال: «التفكير في الطريقة التي نصوغ بها الدستور هي أهم خطوة سنقوم بها. ومن حقنا أن نستغرق كل الوقت الذي يجعلنا متأكدين من أننا أنجزنا هذه المهمة على الوجه الصحيح». واضاف ان أعضاء المجلس يواصلون اجتماعاتهم بالعراقيين ليناقشوا هذه القضية الحيوية. ولان العراقيين يخرجون حاليا من عقود طويلة من الدكتاتورية أو الملكية، فإنهم يحتاجون إلى بعض الوقت ليتعلموا كيف يمارسون السلطة وكيف يقتسمونها.
وقال موفق الربيعي، وهو طبيب اسنان شيعي معتدل الآراء عاد مؤخرا من منفاه ببريطانيا: «أعتقد أن المجلس يبذل كل ما في وسعه. وعليك أن تتذكر أن المجلس يتكون من 25 شخصية. ونحن لم نعمل مع بعضنا البعض مطلقا من قبل، ولا توجد اية سابقة لما نفعله الآن».
خدمات الواشنطن بوست / الشرق الأوسط