|
نقد العقل المسلم الحلقة الأولى
سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 2104 - 2007 / 11 / 19 - 10:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مـــــــــقـــدِّمة العالم المسلم أو العالم الإسلامي كما يُسمّيه آخرون هو بحاجة فعلية إلى إنقاذه مما هو فيه من دكتاتورية و ثقافة إرهاب و عنصرية "فاشيّة" و من فقر و جهل و أُمِّيّة ثقافيّة ، و للأسف فإن الطبقة المثقّفة في عالمنا الإسلامي ، و هذه الطبقة في طريقها للإنقراض ، مقصرة فعلا لأنها وضعت نفسها في سجن عقلي يتناقض مع نفسه عبر نظريات المؤامرة و التّبرير و العاطفة الجياشة الّتي لا تنتج إلا المزيد من الألم و المشاكل ، الإشكاليّة التي طرحها حامد نصر أبو زيد حول النّص المُقدّس في كتابه المُهم "نقد الخطاب الدّيني" و كيفية التعامُل مع الطابع التاريخي للنص المقدس و بعديه الماضوي التاريخي و التحليلي التركيبي المعاصر لاستخراج "مفاهيم" الجدّة و الحداثة ، يشكل هذا الأمر جزءا مهما في طريقة البحث ، بمعنى أنّ علينا طرح أفكار و تأويلات و حلول جديدة لظاهرة تناقض النصوص الدينية مع نفسها ثم مع واقعها و أخيرا مع التطور! فالديمقراطية و التعدد و حُريّة التعبير لم تعد مسألة "فقهية = إسلاميّة" بقدر ما أصبحت ضرورة عقلية و اجتماعية لا يتم حفظ إنسانيّة الإنسان إلا من خلالها. مثالا على ذلك كان المسلمون في القرون الوسطى يُفسِّرون الأحاديث الّتي تحُظُّ على طلب العلم و أن العلم فرض "حالُهُ حال الصلاة و الصوم"! كانوا يفسرون المعني بكلمة علم على أنه "التفقه في الدِّين أو الشريعة" ، لكن منذ الحملة الفرنسية التي قام بها نابليون في نهاية القرن 18 الميلادي و تأثُّر المسلمين بالحداثة الأوروبيّة ، راح رجال الدين المسلمون يُفسِّرون كلمة علم في منطوقها العام و الشامل بحيث تشمل كل العلوم الحديثة الّتي يحتاجُها طلاب الجامعات الحديثة ، و هكذا كان التحول في التفسير و فَكِّ رموز النَّص نتيجة لضغظ الواقع المُلّح الّذي جعل العقول التقليدية تضطر إلى تغيير أو تطوير معنى ديني بحيث لا يكون نقيض الواقع المتغيِّر و المُتحوِّل ، و لم يكن هذا التغيير نتاج تطور عقل فقهي من داخل ، بالرغم من أنّ الفقه نفسه عليه أن يتلائم مع الواقع لا أن يصطدم بحيثُ يكون نقيضه فلا يكون من الممكن بعدها إلاّ أن يلغي أحدهما الآخر ، ففي تركيا العلمانية قام "العقل" بإلغاء "النَّص" و في "أفغانستان طالبان" كان العكس فكان أن "فهم النّص" لا ـ النَّص ـ ألغى "نتاجات العقل" إذ لا يمكن بحال من الأحوال أن يستطيع أيُّ نصّ مقدس إلغاء العقل و المنطق البشري ، إلاّ بمعنى أنه يجبر العقل على الإنكفاء على نفسه بسبب الإرهاب الّذي يستهدف حُرّيّة التفكير. يتركز بحثنا حول النقاط التالية: آ ـ أهمّيّة مراجعة أصول التّشيع ـ و هي تجربة إسلاميّة نشأت خارج السلطة الزّمنيّة و لم يتعامل التّشيّع مع الدّولة إلاّ في القرون الأخيرة كَرَدِّ فعل على انعزال شيعي دام 11 قرنا. ب ـ أنّ أصول التّشيّع ، حالها حال المسيحية الإصلاحيّة و اليهوديّة الحديثة ، لا تتناقض مع أساسيات المجتمع المدني و الحريات الفردية و الديمقراطية ، بالتالي يفقد النّظام الإيراني شرعيته الدّينية و الوطنيّة. ج ـ حول فهم مسبّبات الإرهاب في العالمين السُّنّي و الشِّيعي و سُبل مواجهتهما و احتواء هذا الإرهاب. د ـ الخروج بفلسفة تؤمن بالفرد كأساس لبناء الدّولة و أنّ هذه الحريات لا تتناقض مع أصل الدّين ـ أيّ دين ـ بما فيه الإسلام. و أرجو من القرّاء أن يعذروني إن كان هناك جانب موضوعي يحتاج مزيدا من التوضيح لأنني فعلا كنت أود أن أُحرج مئات الصفحات في بحثٍ تفصيلي و لكن صحتي المتدهورة حالت دون ذلك. أخيرا أود أن أشكر كل من ساهم في ترجمة و نشر و توزيع هذا الكتاب. الكاتب العراقي سهيل أحمد بهجت العراق 2007-10-21 Website: http://www.sohel-writer.i8.com التّشيُّــع و الديمقراطـــية
خلال هذا البحث ، و الذي سأحاول فيه جهد الإمكان أن أكون منصفا فيه ، أن أطرح دراسة و بحثا كنت أود أن أكتبه بشكل أكثر تفصيلا لولا بعض العوائق الصحية و الظروف المادية الصعبة كقلة المصادر البحثية و المراجع و الموسوعات ، لكن مستقبل دراسة العلاقة بين "التشيع" كمذهب أساس في الإسلام ، و "الديمقراطية" كإنتاج حضاري إنساني و نظام للحكم ، يستحق منا البحث و التنقيب لإظهار فرص النجاح أو الفشل في تطبيق الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط ، حيث يتركز الوجود الشيعي . إن دراسة تعامل أي دين أو مذهب مع السياسة و أنظمة الحكم يجب أن تتم عبر دراسة "النص المقدس" و تعامل هذه الفئات ـ عبر مراحل تاريخية ـ مع أنظمة الحكم المتعددة ، و مدى تقبل الدين أو المذهب "متمثلا في رجالاته و مرجعياته الدينية" ، مع ممارسات و آليات الديمقراطية و النظم الانتخابية ، و لا بدّ ها هنا من دراسة "تاريخ التشيُّع" و "تاريخ النظام الديمقراطي" لكي نستطيع مقارنة صورتين و إيجاد علائق الصيرورة بين الحالتين . كما أن هنالك إشكالية كبيرة حينما نقول "التشيع" أو "الإسلام" ، و نقصد به "الشيعة" و "المسلمين" ، و العكس صحيح ، فالتشيع الذي سيتكرر اسمه خلال هذا البحث هو ما نعني به "التراكم الإنساني التجريبي المتغير" لهذا المعتقد ، و بالقدر الذي يكون فيه هذا "الدين" أو "المذهب" سماويا مقدسا ، فإن التراكم و التداعي التجريبي الذي يتحول في صيرورة مستمرة ، هو تراكم إنساني قابل للبحث و النقد و التمحيص الفلسفي التاريخي ، و ما دام كذلك فهو قابل للتغيير و الإبداع و خلق مفاهيم جديدة تتناسب و التحولات الحضارية و القيمية التي يشهدها العالم ، و طبعا فإن "الشيعة" هم في قلب هذا العالم ، و من حسن حظهم أن مذهبهم يمتلك هذه القدرة على التحول ، غير أنه لا شكّ أن هذا العمل صعب و شاق و يحتاج إلى تعاون الجانبين "الديني و العلماني" في الوسط الشيعي ، و بدون ذلك فالإصلاح و التحول مستحيلان. و الجانب المهم الذي ينبغي لدارسي "التشيع" ، سواء كان الباحث شرقيا أو غربيا ، ملاحظة ظاهرة "الاجتهاد" المستمرة في الوسط الشيعي ، رغم أن طبقة المجتهدين و الحوزات تعاني من كثير من القصور و الأساليب القديمة في التدريس و التعليم و يبدو أحيانا أن غالبية دارسي و طلاب الحوزة يعانون من ضعف في الإطلاع على الحداثة و فهم الفلسفة الحديثة التي خلقتها البيئة الديمقراطية الغربية ، لكن الأمر المميز هو أن كلمة "اجتهاد" في القاموس الشيعي لا تزال تحفل بالأمل رغم أننا هنا بحاجة إلى نقد حقيقي لهذه الكلمة ، بحيث نستكشف من خلال هذا النقد مناطق الفراغ و اللا مـُفكّر فيه في قواميس المجتهدين ، كما أن كلمة "مجتهد" رغم أهميتها في الوسط الشيعي ، إلا أنها بحد ذاتها لا تمنح العصمة "للمجتهد" كونه يُجهد نفسه للوصول إلى مــُـراد النص المقدس و كشف "الشيفرة" التي يحتظنها النص بين جوانحه. يقول آية الله الصادق الحسيني الشيرازي في كتاب "بيان الفقه في شرح العروة الوثقى ـ الاجتهاد و التقليد ج 1 ص 17 " و ما ذكره بعضهم : من أن الإجتهاد قوة قدسية ، أو نور يقذفه الله في قلب من يشاء ، و نحو ذلك ، فالظاهر من تأمل أمثال ذلك ـ و لو لمناسبة الحكم و الموضوع ـ أنه لا يريد الاجتهاد المصطلح بل يريد الآثار الآخروية المترتبة ، أو الإجتهاد الذي يجوز رجوع العامي إليه و تقليده ، و إلا فالإجتهاد الذي هو محل البحث ممكن الحصول للفاسق و العادل ، و المنافق و المؤمن ، بل و الكافر و المسلم ، و المرائي و المخلص ، و غيرهم ، لتسببه بإعمال القوة النظرية المذكورة..". نهاية الاقتباس. الملاحظ في هذه العبارات ذات المغزى الكبير ، أن هناك وعيا و فهما داخل الحوزة ، و إن استثنينا من ذلك البعض ، من أن "الإجتهاد" هو مسئولية و ليست عباءة مقدسة يرتديها من يشاء ، كما أن الاجتهاد يُمثل إذنا إلهيا يستند إلى جواز التجديد الديني بما يلائم العصر و الزمان ، إن مشكلة الحوزة هي أن أصول الفقه هي أكثر تطورا من الفقه نفسه ، خصوصا في جانبه السياسي. و الخمينية "الأصول الفقهية" أكثر حداثة و تطورا من نظيرها الآخر "الخمينية في فقهها السياسي" ، ففي أصول الفقه تقوم نظرية السيد الخميني على دور و بعدي الزمان + المكان = الزمكان ، في تأثيرها على المتغير الفقهي في أصوله الثابتة ، بمعنى أن "مسألة معينة" تختلف أحكامها بين الظروف الزمكانية المتغيرة ، بمعنى أن شيئا ما "حراما" يتحول بفعل "الزمكان" إلى "حلال" و "مباح" بل و ربما مرغوبا فيه ، و حسب هذه الأصول فإن أمريكا التي كانت "شيطانا أكبر" حسب مصطلحه ، تصبح "الملاك الأكبر و الأعظم" إذا ما توفرت أسباب التحول ، مع ملاحظة تحفظي الكلي على مواقف السيد الخميني السياسية و التي أراها خاطئة و مناقضة في تطبيقها الفقهي لهذه الأصول الفقهية القابلة للتطوير ، من هنا كان لا بد للحوزات الدينية من مراعاة الفارق بين "النص" كمقدس ثابت و الواقع غير المقدس و "المتحول", "المتغير" ، فمن دون ملائمة النص "الثابت" كتفسير و حتوى للواقع المتغير ، فإن كليهما "النص" و "الواقع" الذي ينتج منهما التطبيق ، يصبحان جامدين ، النص يصبح "تقليدا سلفيا جموديا" و "الواقع متخلفا ماضويا" ، من هنا لا بد من خلق مغزى أعمق لمسألة الاجتهاد ، خصوصا و أن الشيعة لم يسدوا باب الاجتهاد كما فعل السنة في القرن الثاني عشر الميلادي. كما يجب أن نلاحظ أن هناك أقسام و تيارات حتى داخل "التشيع" تختلف و تتباين و تتفاوت فيما بينها تطرفا أو اعتدالا ، و لا بد من الإشارة إلى أن التشيع كأي فكر أو منهج في الحياة البشرية يؤثر و يتأثر في الوقت نفسه ، كما أن التشيع يختلف عن المذاهب الإسلامية الأخرى في كونه يمتلك فلسفة تجعله يتكيف بسرعة مع المتغيرات ، فالتشيع مرّ بعدة تحولات و تغيرات ، التشيع في العصر العباسي يختلف عنه في العصر العثماني ، كذلك الحال مع التشيع في بداية القرن العشرين و التشيع في العقود الثلاثة الأخيرة و ظهور "فلتة ـ ولاية الفقيه" و الفوران الذي شهده الشرق الأوسط و إيران خصوصا. و الحقيقة أن أحداث 11 سبتمبر ، التي لم تهز الولايات المتحدة فحسب بل العالم بأسره ، كانت حافزا أساسا في طرح التساؤلات التي سنناقشها في بحثنا هذا ، خصوصا و أن "التشيع"يكاد يكون هو الخصم العقائدي الوحيد للوهابية "السلفية" التي اتسعت مع النفط السعودي و أذرعه الأخطبوطية ، رغم أن هناك خلافا شيعيا ـ أمريكيا أعتقد أنه في طريقه للذوبان تحت الشمس العراقية الجديدة .
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول برنامج -المصالحة- أو -التوافق العراقي-
-
الدين سلاح ذو حدّين!!
-
العراق و -جاره الصالح-
-
الولايات المتحدة و -المالكي- و -المؤامرة الأخيرة-
-
زيارة الرئيس -بوش-.. تقوية المركز العراقي.
-
من الشيعة من هو عالة على -التشيُّع-!!
-
-كردستان العراق-.. شريعة السراديب و الكهوف
-
حماس: الزرقاوي شهيد الأُمّة!!
-
-اجتثاث البعث- بين الفرد و المجتمع
-
-علي الوردي- و المجتمع الكردي
-
السلطات العراقية و مصطلحات -البعث-
-
-البعث الكردي- .. و أقبح دكتاتورية في التاريخ !!.
-
العراق .. ليس دولة عربية .. بل إنسانية
-
سجن الصنم
-
-الإرهاب- حاكما و معارضا
-
صراع الهويات الكاذبة..
-
-أكاذيب.. موروثة-
-
التحالف الكردستاني و إدارة -المطاعم-!!
-
إيران الوهابية مقنعة -بالتشيُّع-.
-
مبادرة تكريم الوردي الكبير.. في المحطة الأخيرة
المزيد.....
-
لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور
...
-
-لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا
...
-
-بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا
...
-
متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
-
العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
-
مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
-
وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما
...
-
لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
-
ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|