|
قناة شيعية سعودية .. هل تكفي ؟
علاء الزيدي
الحوار المتمدن-العدد: 2105 - 2007 / 11 / 20 - 06:19
المحور:
الصحافة والاعلام
تناقل بعض المواقع والصحف نبأ ً عن عزم اثنين من الكتـّاب والإعلاميين الأحسائيين المعروفين، وهما حمزة الحسن وفؤاد إبراهيم ، على إطلاق قناة تليفزيونية فضائية من لندن قريبا ً ، لدعم جهود الإصلاح في الجزيرة العربية ، والتعبير عن آراء ومتبنـّيات ومصالح المجتمع الشيعي ، الذي يشكل الأغلبية السكانية في إقليم الأحساء والقطيف ، أو مايعرف بالمنطقة الشرقية ، التي تحتوي على أكبر إحتياطي للنفط في العالم . وليس ثمة شك ، في أهمية الإعلام ، وخاصة الميديا التليفزيونية الجبارة ، التي تستحوذ على العقول والأذهان خلال فترات قياسية ، يعجز عن تحقيق نجاحات مماثلة فيها مفكرون وكتـّاب وباحثون يقولون الفكرة نفسها ، في آلاف الكتب ، لكن بعدهم عن دوائر الضوء التليفزيونية يخنق أفكارهم ويحول دون وصولها إلى الجمهور العازف عن القراءة ، لكن الإعلام التليفزيوني وحده ، ودون فعل سياسي أو تعبوي على الأرض ولانقول عسكريا ً لئلا نرمى بالتحريض على العنف ، يظل قاصرا ً عن مقارعة نظام أوتوقراطي شرس ، مثل النظام الوهابي السعودي ، المعبـّأ بكل كراهية التاريخ ، لكل ماهو إنساني وتعددي وحضاري . وإذا أردت أن أعود في " فلاش باك " سريع ، إلى تجربة المعارضة الأحسائية ذاتها للحكم السعودي ، خلال ربع القرن الأخير ، فيمكنني التأكيد على أن كل المحاولات الإصلاحية أو الترقيعية أو التسووية التي بادرت إليها هذه المعارضة ، خلال التعاطي مع النظام السعودي ، قد باءت بالفشل الذريع ، الأمر الذي تعني معه العودة إلى الصفر ، ضربا ً من ضروب البلاهة السياسية ، التي لم تكن ( وليست هي الآن ) من العلامات الفارقة للسياسي والمثقف الأحسائي ، المستند على تراث زاخر من التجارب الفكرية والسياسية المعمقة ، طوال تاريخه . لقد استطاعت – على سبيل المثال – حركة مثل الحركة الرسالية ( أو ماعـُرفت باسم منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية ) خلال نهاية عقد السبعينات وبداية عقد الثمانينات من القرن الماضي ، ببراعة ، تعبئة الشارع الأحسائي للمطالبة بحقوقه المشروعة ، التي لاتتجاوز حرية التعبير والمشاركة في القرار والاستفادة من ثرواته التي يبتلعها آل سعود وحدهم ، وحققت الحركة في ذلك الإتجاه العديد من النجاحات ، رغم العديد والكثير من التضحيات أيضا ً . وجاءت الحركات الجذرية الأخرى ، مثل حزب الله في الحجاز وغيرها ، لتصعـّد سقف المطالب ، وترفع من مستوى المواجهة ، لكن عدم التنسيق بين أذرع المعارضة الموزعة هنا وهناك ، حرم شعوب الجزيرة العربية في أقاليم الحجاز والأحساء والقطيف وعسير وجيزان وحتى نجد وحائل من أية إمكانية للتلاقي والتفاهم والتنسيق ، بعد أن فضـّل النظام السعودي القمعي اتـّباع سياسة الإستفراد والقضم التدريجي للحركات السياسية من إصلاحية وراديكالية وحتى متطرفة وإرهابية ، كلا ًّ على حدة ، ونجح في مسعاه هذا نجاحا ً باهرا ً . وربما كانت الحركة الرسالية الأحسائية قد أ ُصيبت في مقتل فعلا ً ، حينما فضـّلت الشخصية الدينية المعروفة ، الشيخ حسن الصفار ، إنهاء وجود التنظيم الرئيسي المعارض ، والعودة إلى البلاد ، والاكتفاء بالدور التقليدي للمؤسسة الدينية ، مطمئنا ً إلى الوعود التي قطعها أقطاب النظام لهذا التنظيم الذي كان قويا ً و كان يشكل عنصرا ً أساسيا ً ورئيسا ً في خارطة التحدي ، تلك الوعود التي لم ينفـّذ آل سعود منها شيئا ً ، أو على حدّ تعبير الدكتور فؤاد إبراهيم ( مؤلف كتاب : الشيعة في السعودية ) نفسه في لقاء عابر له مع كاتب هذه السطور قبل سنوات : " لم يتغيـّر شيء على الإطلاق " ! فلماذا العودة ، والتنازل ، وإيقاف النشاطات إذن ؟ تعوّدنا ، في الغرب ، أن يتطرّق الكاتب والباحث إلى أي شأن يعجبه التطرّق إليه ، من شؤون المجتمعات والشعوب والدول . فليس لدينا ، في الغرب وأوروبا بالذات ، شؤون داخلية يـُحظر علينا التدخل فيها . أضف إلى ذلك أن النظام الوهابي السعودي يعتبر اليوم من الأعداء الرئيسيين للواقع السياسي الجديد عندنا في العراق ، إن لم يكن العدو الأول ، ومن هنا فنحن معنيون فعلا ً بالتعاون مع خصومه السياسيين والفكريين ، ومن أبسط صور هذا " التعاون " تذكيرهم بتجاربهم الناجحة . لقد كان السبب الأساس ، في تصوّري ، الذي دعا النظام السعودي إلى " التفاهم " والتنازل الشكلي مع وللحركة الرسالية في الأحساء ، هو الرغبة في الخلاص من " شرّها " الثقافي التعبوي ضده . فهذا النظام قادر على مواجهة كل ّ شيء بالزعيق الوهابي المعهود ، وبالسيف الأثيوبي البتار ( معظم جلادي النظام أحباش ) غير أنه عاجز عن مواجهة الكلمة التعبوية بمثلها . وهو إذا كان استطاع وأد الأصوات التعبوية المعروفة ، مثل المناضل الحائلي المعروف ناصر السعيد ( مؤلف كتاب تاريخ آل سعود ) ، الذي اختطفه الإرهابيون الفلسطينيون لحساب المخابرات السعودية عام 1979 و تتوفر بعض المعلومات عن أنه تم قتله في السعودية ، بحضورعدد من أمراء العائلة المالكة ، عبر إلقائه حيا ً من مروحية إلى صحراء الربع الخالي ، بعد تعذيبة بوحشية . ومثل الكاتب والصحفي البريطاني الفقيد ديفيد هولدين ( مؤلف كتاب آل سعود – ذا هاوس أوف سعود - ) الذي اغتاله عملاء المخابرات السعودية بعد مغادرته مطار القاهرة ، ذات مساء من مساءات شهر كانون الأول ( ديسمبر ) عام 1977 ، قبل أن يتمكن من إتمام كتابه ، الذي أتمـّه فيما بعد زميله الكاتب والصحفي ريتشارد جونز عام 1981 ، لكن النظام السعودي غير قادر على متابعة وملاحقة مئات الكتب الرصينة والموضوعية والدعائية أيضا ً ، والمضادة لحكم آل سعود وأيديولوجيتهم الرجعية ، التي كانت تصدرها دار الصفا للنشر والتوزيع في لندن ، التي يـُعتقد أن لها صلة ما بالحركة الرسالية الأحسائية . لذلك فقد ارتأى هذا النظام أن يلعب لعبته الثعلبية مع الحركة ، تلك اللعبة التي نجحت للأسف ، ومكـّنته من جمع وإتلاف آلاف النسخ من تلك الكتب التعبوية الثمينة ، دون أن يقدم للمتنازلين – في المقابل – شيئا ً ، كما مر ّ . ومن خلال تجربتي البحثية الشخصية ، أستطيع أن أقول ، إن البث التليفزيوني لايؤثر في النظام السعودي كثيرا ً . فالفضاء مليء بالقنوات ، والكلام كثير ، ولو استطاع أحد أن يؤثر أكثر من غيره في هذا الإتجاه ، لكان ذلك الأحد قناة الجزيرة القطرية ، المعادية لآل سعود تبعا ً لصراع آل ثاني معهم . بيد أن العودة إلى نشر الكتب والإبحاث المعمقة على أكبر نطاق ممكن ، خاصة تلك التي تفضح تاريخ آل سعود وآل وهاب ومؤامراتهم ضد الجميع بأساليب توثيقية وعلمية ، تعتبر أفضل أسلوب من شأنه التفتيت التدريجي لهذا النظام القمعي . ذلك لأن أخوف مايخافه نظام آل سعود هو الكتب ، ولو أتيحت للقراء مثلي فرصة البحث عن كتب مناوئة للسعودية والوهابيين بالعربية والإنكليزية والفارسية ، للاحظوا الندرة التي تثير الاستغراب لهذه الكتب ، رغم صدورها بمئات الآلاف من النسخ . فالمخابرات السعودية تشتري من مكتبات لندن وبيروت والقاهرة ودمشق وطهران وقم وكل مكان ، كل الكتب المقصودة ، ثم تتلفها بعد ذلك في محارق أو " مفارم " جماعية كما يبدو ! وإذا طـُلـِب مني أن أدل ّ أحدا ً من المعنيين على الخط المستقيم الممتد بين الهدف والغاية ، فسأجيبه بأن ماتركـّز عليه الباحثة الحجازية الدكتورة مي أحمد زكي يماني ، في كتاباتها ولقاءاتها ، باللغة الإنكليزية خاصة ً ، هو نقطة ضعف آل سعود بكل تأكيد . إنه ، التركيز الموثـّق على التمايز الذي ينبغي أن يدعم دستوريا ً وسياسيا ، واستقلاليا ً ، بين شعوب الجزيرة العربية ، المختلفة فيما بينها ، في كل شيء ، من اللهجة إلى التاريخ إلى المذاهب إلى العادات . إنه اختلاف الحضري عن البدوي ، اللذين لايمكن أن يجتمعا على صعيد واحد ، مهما توازيا مع بعضهما البعض !
#علاء_الزيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدعوة التكنوقراطية .. أو مرگتنه بزياگنه !
-
الحزب الوهابي ( 9 ) شِركة المملكة السعودية مع الشيطان !
-
مطلب جماهير الفَجِر .. سيمات للطبگة تِجُر !
-
تَيْم حسن يعيد الحياة إلى الملك فاروق !
-
الحزب الوهابي ( 8 ) دعوة إلى مناهج السلف الاستعماري الصالح !
-
الحزب الوهابي (7) سياحة وهّابية في الديار الرافضية !
-
الحزب الوهابي ؛ دعوة إصلاحية أم حركة يهودية ؟ (6) محمد بن عب
...
-
الحزب الوهابي (5) حقد تاريخي على العراق ومصر !
-
الحزب الوهابي ؛ دعوة إصلاحية أم ... ؟ - 4
-
الحزب الوهابي ؛ دعوة إصلاحية أم حركة يهودية ؟ - 3
-
الحزب الوهابي ؛ دعوة إصلاحية أم حركة يهودية – 2
-
خلافات - الدعوة - الداخلية ومصالح الناس المتوقفة !
-
الحزب الوهابي ؛ دعوة إصلاحية أم حركة يهودية ؟ - 1
-
هذا المنتخب الوطني الرمز ...
-
لماذا غابت قناتا - شهرزاد - و - كنوز - ؟
-
ماذا لو بقيت مالطا مسلمة !
-
مفاهيم بالية لن تتقدموا قبل كنسها
-
تاريخنا المجيد ليس تاريخنا !
-
الزعيم مداحا
-
لطم وحدوي
المزيد.....
-
الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية: إعلان الأحكام العرفية وحالة
...
-
عقوبات أميركية على 35 كيانا لمساعدة إيران في نقل -النفط غير
...
-
كيف أدت الحروب في المنطقة العربية إلى زيادة أعداد ذوي الإعاق
...
-
لماذا تمثل سيطرة المعارضة على حلب -نكسة كبيرة- للأسد وإيران؟
...
-
مام شليمون رابما (قائد المئة)
-
مؤتمــر، وحفـل، عراقيان، في العاصمة التشيكية
-
مصادر ميدانية: استقرار الوضع في دير الزور بعد اشتباكات عنيفة
...
-
إعلام: الولايات المتحدة وألمانيا تخشيان دعوة أوكرانيا إلى -ا
...
-
نتنياهو: نحن في وقف لاطلاق النار وليس وقف للحرب في لبنان ونن
...
-
وزير لبناني يحدد هدف إسرائيل من خروقاتها لاتفاق وقف النار وي
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|