يا هِندُ قد ألِفَ الخميلةَ بُلبل يشدو فتصطفق الغصونُ و تُطربُ
هو شاعرُ الأطيارِ لا مُتكبر صلف , و لا هو بالإمارةِ مُعجبُ
بين القرى التي تمتد على طول الساحل اللبناني و تتسلق المنحدرات الصعبة حتى تعتلي صهوات الجبال ,هناك طرق ريفية مألوفة كشرايين تربط الساحل السوري بالساحل اللبناني و تخربش على سلسلة جبال لبنان الغربية و تلتف حولها مارة بجبال العلويين و تميل مع انحدار الأرض إلى وادي النصارى لتصب في قلب سورية في المنطقة الوسطى .
في هذه الدروب الريفية البسيطة هناك روح واحدة و هوية واحدة و و حيدة يؤمن بها الجميع و يقر بها الجميع و يفرح لها الجميع ,لها سلطان على قلوبهم دون ان تطلب الإمارة.
هوية عذبة رقيقة كرقة الجداول الطفولية الضاحكة , هوية تحِن لشيء عريق بداخلها لا تعرف كنهه فتغني (أنا عندي حنين ما بعرف لمين ) , هوية شجيَّة مع ( أنا يا عُصفورة الشجن مثل عينيكِ بلا وطن ) مندفعة و صادقة (يا حجل صنين بالعلالي ) و دافئة كرائحة الكستناء (قلت لجارتي ألا جئت نسهر فعندي تين و لوز و سكر , ليالي و بيتي نار و يمضي الشتاء رقيقا كغابة ورد ) , حنونة (طلعلي البكي يا دلي من كتر الهنا ) متحدية (حبيتك و الشوق ان قال ) , ودودة و بسيطة ( خليك بالبيت ) تقدم الماضي عذبا (ارجعي يا ألف ليلة ) و تمنح الحاضر إيمانا ( عندي ثقة فيك ).
لتلك الملايين المتنوعة دينيا و إثنيا هناك صلاة واحدة يصليها الجميع صباحا و لا يتصورون أن تُصلى صباحا على أي صوت آخر .
في سوريا و في لبنان لا يطرح احد سؤال مثل (هل تحب فيروز ؟ او هل تعجبك أغاني فيروز ؟) فهذا السؤال لو طرح يبدو غريبا جدا و مستهجنا مثل السؤال ( هل تعجبك نجوم السماء ؟ هل الورود شيء جميل ؟) ,ففي هذه الخميلة المتنوعة هناك بلبل واحد تصطفق لإنشاده كل الغصون .
شموخ دون صلف و لا تكبر .لا تملك أي نفوذ تستطيع به محاربة أحد أو سد الدروب على أحد و مع ذلك لها سلطان واسع على وجدان الجميع ,و لو خرجت يوما و خاطبت الملايين لتدعوها لشيء ما فإن الملايين سوف تستجيب لندائها بكل صدق و عفوية .
إنها هوية وطن و أوطان تعبر الحدود بكل يسر و سهولة ,هوية قرى بسيطة وديعة تحيا على الزيتون و الكروم و الحنطة هوية قرى صغيرة لكنها و سِعت (الدني) و صارت هوية عالمية ,تلك هوية الذين يزرعون و يحصدون يبكون ويفرحون يتألمون و يضحكون و كل أغنية هي قصة عميقة بوجدانهم و كل عبارة موقف مروا به و عواطف تأججت فيهم ,فتأتي كي تعلمهم تهذيب أرواحهم و تنظيف نفوسهم من الشوائب العالقة بها ما أمكن .و لذلك صارت هويتهم قبل عصر الفضائيات و استمرت قوية في عصر الفضائيات و بقيت ثقافة و هوية صامدة برغم ثقافة شلة حسب الله المسترزقة على حساب تجهيل الشعوب و تخدير الشعوب , هذه الشلة الغير قادرة على التعبير عن هوية الشعوب بتلقائية أو التعبير عنهم بعفوية إنما كل ما تقوم به هو نشر نماذج ترضي أمراض و عقد و انحرافات الرجال و النساء المخصيون روحيا و إنسانيا و فكريا , بفعل تربية استبدادية متسلطة و لذلك فان ثقافتهم ثقافة مخصية تاريخيا و إنسانيا و روحيا و هؤلاء فقط هم من تقدم لهم شلة حسب الله و تصيغ ثقافتهم و تقدمها على أنها ثقافة الملايين لأن هؤلاء و منذ أن أصبحوا محدثي النعم هم وحدهم القادرين على الإنفاق على المسترزقين من مدعي الفنون و مدعي الفكر و مدعي الحقيقة و على حسناتهم تحيا شلة حسب الله و تعمم ثقافتهم المشوهة على الجميع و تفرضها فتشوه أرواح و عقول الملايين بفعل التكرار و الاجترار .
و آخر النماذج المصنعة هو نموذج الطفلة المثيرة, و هذا النموذج هو المفضل عند الرجل المخصي , لان الإنسان السوي و المرأة السوية تثير في نفسه مخاوف شتى.
قيل عن قال بأن أحد أغبياء شلة حسب الله سأل إحدى الفتيات القاصرات المثيرات عن هوية وطن , عن دروب الجبال عن قصص السهول و الكروم عن دير القمر عن ميس الريم عن صنين ,فأجابت إنها دقة قديمة .
طبعا أنا لم اكتب كلماتي هذه كي أدافع عن هوية وطن لأنها لن تكون في موقف الدفاع عن نفسها يوما ,كما أني لم اكتب من أجل التنديد أو التشهير بالدقة الجديدة القاصر الحمقاء , و أنا لا أعرف من هو الرجل الوصي على جسدها .
لكني حين سمعت بذلك تأملت في ثقافة شلة حسب الله و تعاضدها و تعاونها مع محدثي النعم الذين حظهم من الرقي الروحي و النفسي و الإنساني صفرا و كيف تعاضدا من أجل فرز عدد من النساء كي يكُنَّ نساء الجلابيب و نساء المنازل المطيعات دوما ليقمن بدور الزوجة الولود ضمن الإطار الشرعي , و فرز عدد آخر من النساء من أجل إرضاء الرغبات الشاذة خارج الإطار الشرعي و هذه الشلة تعمل على ذلك و يمكن تأمله من خلال التناقض الصارخ في نمازج نسائها .
و تأملت ما هو اخطر و هو هذا الصراع الداخلي الذي يجري في البلدان المتخلفة و على كل الأصعدة بين مفاهيم و أخلاقيات و ثقافة محدثي النعم و تساندهم شلة حسب الله و معهم في نفس الماهية و الثقافة و إن اختلف الشكل الخارجي رجال دين العصور الوسطى و أشخاصا فاقدي الهوية و رجال مشوهو الذكورة قُطبهم المؤنث مصاب بالعطب و قطبهم المذكر مشوه و مريض بمرض القمع التربوي المستبد و الحرمان العاطفي و إرهابيون مصابون بهوس الاضطهاد و عقدة المؤامرة و رجال دين العصور الوسطى في كل ذلك الجمع و الخليط يحملون بيمناهم صكوك الغفران و بيسراهم الجحيم الأبدي لإخافة المرضى و المشوهين و في جعبتهم الثواب و فتاوى الجهاد و الاستشهاد و الجنة و فتاوى الزنا الشرعي و الجنس النفعي الرخيص و معهم تائهون و فقراء منهكون .
و على جانب آخر هوية الشعوب و الأوطان و معهم الشرفاء و الصادقون من رجال دين متنورين على ندرتهم و مثقفات و مثقفين حقيقيين على قلتهم يُوضعون على لوائح الموت كل يوم من كاتبات اليمن إلى مبدعات السعودية إلى مفكري مصر ---الخ ,و مازال المتشدقون يتشدقون عن خطر العولمة على الثقافة الوطنية للعربان , و أتساءل أية ثقافة تلك التي يتحدثون عنها ؟ ثقافة الرعاع و محدثي النعم التي تمحي كل يوم هوية الأوطان ,ثقافة ( من يتزوج أمي أقول له يا عمي ) ثقافة ( اليد التي لا تقدر عليها قبِّلها و أدعو عليها بالكسر )ثقافة (مد ايدك على عبك حتى ربك يحبك) و (برقبتي بولادي).
ان إلغاء الهوية الطبيعية الصادقة الحقيقية و فرض هوية مريضة مشوهة عقيمة يجري كل يوم بيد هذه الشعوب و من داخلها و ليس بقرار أمريكي ,و حين ستصل العولمة إلى سهولنا و برارينا لن تجد ما تعولمه ,فثقافة الرعاع و محدثي النعم و المرتزقة ثقافة منحطة مريضة و غير قابلة للعولمة لأنها ثقافة مخصية تافهة عدوانية لا تملك القدرة على المحاورة و التعاطي بثقة مع الثقافات العالمية الراقية للوصول بنفسها لتحقيق العالمية عن طريق العولمة كما يمكن أن يحدث مع هوية الوطن الصادقة و الواثقة فيما لو فُكَّ أسرها و أتيح لها جزء مما يتاح لثقافة الانحطاط .
و مازال بكل خبث مرضى هوس الاضطهاد و عقدة المؤامرة و مرضى الهجمة الإمبريالية الشرسة و الغزو الثقافي الغربي يلوكون على مسامع البسطاء و الجهلة أفكارا عقيمة لا حظ لها من المعرفة و العلم و لكنها قادرة بسهولة على الانتشار و السيطرة لأن أداتها التهويش و قادرة على التلاعب بالضعفاء و التعساء و البائسين جنسيا و نفسيا و روحيا لأنها لا تخاطب عقولهم البليدة و المعاقة عن التفكير إنما تُخاطب الجانب المريض في لا شعورهم المكبوت و المحتقن بهوس الجنس و الشذوذ و مخاوف الجحيم و الضرب و الجوع الموروث و الخصاء . و تبدو كل الامكانات المادية بين أيديهم مع شلة حسب الله . و هم يربحون جيدا جدا بتجارتهم بللا شعور المرضي و المكبوت هذا.
إنّّ العولمة في عصر الإسكندر الأكبر لم تؤدي إلى فقدان الهوية كما يجري اليوم بدون عولمة لأن تلك الشعوب لم يكن لديها مرض يمنعها من التحاور و التعاطي الحر و لذلك استطاعت الحضارات الشرقية من مصر إلى فارس مرورا بالهلال الخصيب التفاعل مع الحضارة اليونانية دون أن تلغي ثقافتها الشرقية فأعطت الحضارة الهلنستية بل و تمكنت من نقل عاصمة العالم الثقافية و العلمية و الفكرية في ذلك العصر من الغرب إلى الشرق من أثينا إلى الإسكندرية بفعل التحاور ,و استطاعت تلك الشعوب أن تنتصر على الجيوش الرومانية حين غزت روما عدة أديان و آلهة شرقية كان آخرها الديانة الشرقية المسيحية و فلسفة بولس الرسول بكل تاريخها الشرقي العريق .
لان الحضارة هي المحاورة و إن الثقافة التي حظها من تطور القطب المؤنث فيها الذي يساعدها على الاستماع و التقبل و الأخذ هي التي سيكون حظها من الانتشار و الانتصار في زمن العولمة أكبر .,و نشكر الله أن ثقافة الرعاع التي تُفرض كل يوم علينا مع شلة حسب الله ثقافة أحادية قطبها الأنثوي مصاب بالعطب و لذلك ليست قادرة على الانتشار في عصر العولمة و إلا لدخل العالم كله غي عصر الانحطاط و لتحققت نبوءة الأديان حول الجحيم الأبدي.