|
العطالة وإقالة العقل العربي !!! المغرب نموذجا
يوسف هريمة
الحوار المتمدن-العدد: 2105 - 2007 / 11 / 20 - 10:21
المحور:
حقوق الانسان
قال المعطلون على ساحة موت الضمير بصوت واحد:" دَرْبَالَةْ العَطالَة ما يَلْبَسْها مَنْ وَالاَ "، ليسمعوا ما تبَقَّى من ضمير صوت الواقع المتردي الذي يعيشه المعطل العربي في مجتمعات ما زالت سائرة في طريق النمو، وهي تخطئ كل مرة هذا الطريق بمقارباتها الأحادية والترقيعية في الكثير من الأحيان. قالوها لأن لباس الجوع والخوف الذي يتلبس به المعطل العربي، لا يمكن فهمه من خلال كتابات صحفية مبثوثة هنا وهناك، ولا من خلال شعارات جافة لا تجاوز الحناجر تنديدا أو مؤازرة. ولكن واقع العطالة العربي ونموذجه المغربي، أكبر من أن يكون مجالا للمزايدات أو المناقصات السياسية يكون ضحيتها العقل العربي بشكل عام والتنمية بشكل خاص. اخترت موضوع العطالة لأنه يلامس جانبا من جوانب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة في مجتمعاتنا، وينبئ بتحول جذري في بنية هذه المجتمعات التي أصرت أن تبقى سائرة في طريق النمو إلى أبد الآبدين. كما أن إثارته من زاوية علمية تحاول توصيفه ومقاربته بعيدا عن منطق البيع والشراء، كفيلة بأن تُعَرِّفَ الناس على الواقع الفعلي للمعطل العربي والمغربي على وجه الخصوص، باعتباري واحدا ممن مسهم هذا الداء إلى حدود كتابة هذه الموضوع. إذ أن موضوعا في حجم ما نحن بصدده لا يمكن أن يفهم إلا في إطار الشارع وقد قالوا قديما:" ليس الخبر كالمعاينة ". نعم ليس الخبر كالمعاينة، لأن أزمة العطالة ظلت حبيسة رؤيتين اثنتين أولاهما: رؤية سياسية كانت دوما تهدف إلى إسكات الصوت المعطل، عبر مقاربات ترقيعية لا تكاد أن تكون مقاربات فعلية تنزع قناع الجوع والخوف عن الأجيال المقبلة، وثانيهما: رؤية ثقافية مثلتها كل طبقات المجتمع الثقافي من إعلام وحقوقيين ومجتمع مدني ونخبة مثقفة، وكانت دائما تستهدف المعطل باعتباره ورقة ابتزاز سياسي تحركه كلعبة كلما سنحت لها الفرصة بذلك. إن هاتين الرؤيتين لم تشعرا يوما بحقيقة ما يقع على أرصفة الموت، واليأس من حياة الذل كما يعاينها المعطل العربي، وليس كما ترسمهما أقلام مَنْ على منابر الراحة والابتزاز. كما لم يكن في حسبانها أن تستشرف المستقبل لتضع لبنات معينة للخروج من هذا الأفق المظلم الذي قد يأتي عليها نفسها، باعتبارها جزءً من هذه المجتمعات التي تخلف الفقر، وتصدر الخوف كأهم مواردها التنموية في استقبال الغد المشرق. من هنا نفتح هذا الملف الهام والإنساني في الوقت نفسه على كل المقاربات الحقيقية والجادة في إيجاد ما يمكنه أن يكون حلا، أو بوادر حل ممكن لعلاج تداعيات موت الشواهد، وفي حسباني أن ما ستجود به الأقلام المعراجية سيجاوز القنطرتين السابقتين، ليقول للرؤية السياسية بأن المعراج ليس منبرا لإفراغ الكلام من محتواه، واصطناع المقاربات القمعية في الحل الاجتماعي، وليقول أيضا لرؤية مثقفنا العربي بأن صوتك لن يجاوز حنجرتك سواء تضامنت أو لم تتضامن، ما لم تضع قضية المعطل في إطارها الإنساني بعيدا عن الابتزاز السياسي، وما لم تعذر أخاك بين شوارع الضياع واصفا إياه بكل أوصاف السلبية والجمود الفكري:" واللي ما يعذر دابا يتبلى " كما يقول المثل المغربي. *- الكفاءة بين الاستفادة والهدر !!!: إن الكثير من الدول التي قطعت أشواطا في التحرر الفكري والاقتصادي، تجعل من الكفاءة أحد أكبر أولوياتها للخروج من أزماتها الاقتصادية وما يحوم حولها من معضلات تنموية. وهذه الرؤية نابعة من اختيارات واقعية حقيقية تتجاوز حدود الذات والمصلحة الآنية، لتضع المصلحة العليا للمجتمع فوق كل اعتبار. ولا شك أن المتتبع لهذا الخط التصاعدي الذي راكم تجاربه ومصالحه في خدمة قضاياه الكبرى، يرى بأن الحل الوحيد في البناء المجتمعي هو في الاستفادة من الطاقات الخام الفكرية منها وغير الفكرية في تأسيس لبنات تقدم منشود، ولعل أهمها الأطر العليا في مختلف تخصصاتها وتوجهاتها. إذ أن تخصيص الدولة لميزانيات مهمة في مجال التربية والتكوين، ومتابعة هذه الأطر في مختلف مراحلهم التكوينية ترغمهم على الخروج بالعملية من منطق العبث، الذي سيجني على الدولة هدر أموال الشعب، وعلى الإطار العلمي في قتل كفاءته والدفع به نحو الشارع، بدل توظيف كفاءته بمختلف مستوياتها لتحقيق هدف تنموي معين. ولكن بالرغم من هذا المستوى الذي يقر به القاصي والداني، لا زالت منطقتنا تخرج الآلاف من الأطر المعطلة، بدل الاستفادة منها لتوجيه الاقتصاد والتنمية الاجتماعية إلى حيث يمكن أن تفيد كل مكونات المجتمع.
*- المجتمع السياسي العربي ومنطق الترقيع: إن مشكلة العقل العربي أنه عقل مقلد في الكثير من جوانب بنيته التكوينية، ولا يستطيع في الكثير من الأحيان أن يخرج عن هذا الواقع المؤزم إلا في حالات نادرة. ولعل الثقافة الدينية بسلبياتها وإيجابياتها ساهمت في تشكيل هذا المعطى، وتم سحبه على باقي القطاعات بما في ذلك السياسية منها. إذ العقل العربي يمكنه أن يقلد كل شيء فيه رائحة الغرب من ملبس ومأكل ونمط حياتي معين، إلا أن يقلده في جوانبه التنموية ومقارباته الشاملة في حل المشاكل الاجتماعية في حجم ظاهرة العطالة. فكل ما يمكن أن يقوم به الواقع العربي في ملامسة هذا المعطى، هو أن يجعل من العملية مشروعا للابتزاز السياسي بين الأحزاب والمتدخلين والفاعلين السياسيين. وللتأكد من صحة كل المعطيات والمؤشرات الدالة على حجم هذه الهوة والفجوة الاجتماعية، تأتي الانتخابات العربية وبرامج الأحزاب لترسخ فكرة الإنشاء العربي، حيث تتحول البرامج من معطيات وأرقام وتحاليل مبنية على دراسة الواقع والموارد وحجم الدولة وأولوياتها، إلى عرض الحالة الاجتماعية بأسلوب خطابي لا يقدم ولا يؤخر من عمق الإشكالية شيئا. وربما لا زالت أيضا رواسب الثقافة الدينية الإنشائية في العقل العربي تدغدغ مشاعر العوام، يتلقاها السياسي الحائز على أصوات الشعب والمسؤول عن مصيرهم بدرجة من الدرجات، ويستفيد منها في إطار مشروعه الخاص وبرنامجه الخاص ولو على حساب المصلحة العامة. أقول هذا لأن المقاربات العربية لم تخرج يوما عن إطارها الأمني، ولم تكن إلا نادرا تهدف إلى خلق فرص للاستفادة من طاقات الوطن، الذي سينعم فيه الكل بما سيجني من خير، أو سيكتوي بناره إذا انحدر إلى عمق الفجوة الطبقية الصارخة بين مكونات المجتمع. وسياسة الترقيع هذه لم ولن تكون حلا إلا في إطار مشروع خاص يكرس الهيمنة البرجوازية على طبقات المجتمع، بما يوسع الهوة والفجوة التي ستغرق الجميع عاجلا أو آجلا، حينما تتحول هذه الطبقية إلى مانع من موانع التواصل الإيجابي بين مكونات المجتمع الواحد، ورافدة من روافد التخلف بمستوياته المتعددة. *- الشواهد بين الموت والحياة: إن أي فرد من أفراد المجتمع يحلم بأن يضمن ضمانات العيش الكريم والمستقبل المنير، وتفتح الدولة كل إمكانياتها البشرية والمادية لتحقيق هذا المبتغى. ولعل الشواهد العلمية أحد هذه الضمانات القانونية الضامنة لكل فرد مكانا آمنا من الخوف على المصير، أو الضياع بين محطات هذا الواقع المتشعب. ولكن الواقع العربي يجري بما لا تهواه وتشتهيه أطماع الناس ومواطنيه، حين يميِّع العملية التعليمية بشكل فادح، فتتحول مؤسسات ضمان المستقبل، إلى مولدات لقتل العقل والفكر وتفريخ العطالة بمختلف مستوياتها. ويبقى الحدث الأبرز داخل هذه المعادلة المستعصية على الفهم هو تحول الشواهد من شواهد الكفاءة والحياة إلى شواهد الوفاة والتشرد بمختلف مستوياته. ومن الطبيعي جدا أن نظاما تعليميا لا يراعي أولويات مجتمع معين، ويخلق الفجوة بين متطلبات الواقع والنظام التعليمي، سيكرس الأزمة بدل أن يدفع بها نحو أفق الحل الممكن. وتتحمل الدولة جزءً كبيرا من الأزمة لغياب تأطير وتوجيه واضح نحو أولويات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية في فترة أو حقبة زمانية معينة، والدفع بمؤسسات التعليم المختلفة واستمرارها في التفريخ العاطل. فتعبئة المواطن عبر الأحزاب السياسية الغائبة وووسائل الإعلام الموجهة، لا تكون إلا لخدمة أغراض أخرى يصبح فيها المواطن سلعة للبيع والشراء، بدل أن يكون رافدة من روافده الأساسية. *- والخَدْمة حق الإنسان...؟ هذا شعار من الشعارات التي يرفعها المعطلون أمام قبة البرلمان المغربي، ليبلغوا صوتهم للجهات المسؤولة بأن حقوق الإنسان كلٌّ لا يتجزأ، وأن مؤسسات الدولة الشرعية والحقوقية لا يمكن أن تتعامل مع أبنائها تعاملا تجزيئيا يجعل من حقوق الإنسان شعارا جافا يتم التلويح به لضرب اتجاهات معينة. فمن أبسط حقوق الإنسان حقه في العمل الكريم، وتأسيس استقلاليته بعيدا عن ضنك العيش وذل السؤال. ولعل استفهاما استنكاريا لعمق الأزمة عبر هذا الشعار ينبئ بأن مجتمعاتنا لا زالت تجعل من شعاراتها السياسية واقعا غير موجود على أرض الواقع، وكأني بسؤال الطبقة المعطلة رحمها الله بشهادتها:" والخَدْمة حق الإنسان؟ " يجاب عنه بلسان الحال أن عملكم ليس تنمية هذا البلد الكريم، ولا المساهمة في بناء مستقبله، ولكن عملكم أن تجوبوا الشوارع بدل أن تركنوا إلى ظلام بيوتكم، وتقطعوا أحذيتكم وألبستكم حتى تضيق بكم هذه الشوارع وتضيق بكم أنفسكم. وإن لم تجدوا إلى ذلك سبيلا فهناك حق إنساني آخر لا يعرفه إلا المعطل، حينما تهوي عليه عصا البوليس من كل جهة قائلة له:" والهراوة حق الإنسان؟ ". أما العيش الكريم والمستقبل الآمن فلا مكان لها إلا في برامج أحزاب سبتَتْ ولم تَصْحُ بعد من سباتها إلا في مواسم الانتخابات، أو على محطات إذاعية وتلفزية لا تغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصتها باستثناء حالة المعطل. فلا غرو أن جريمته هي أن حارب جهله وطالب بأفقه الحقوقي في العيش الكريم بمختلف مستوياته، فقوبل بالصمت من أطراف المسؤولية، والتجاهل لمطلبه العادل والمشروع في حق إنساني صادرته منه يد الخفاء ومنطق الترقيع.
#يوسف_هريمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المعراج وأزمة فكر الأنثى!!!
-
أنا وقلم التمرد!!!
-
أُحِبُّكِ لَكِنْ أَخَاف؟!!!
-
نحو تأسيس مفهوم الكهنوت
-
قلمي ومعركة الاستبداد
-
دمعة على أعتاب جسد: الجزء الأول
-
دمعة على أعتاب جسد: الجزء الثاني
-
محراب الحرية
-
في محراب وردة...!!!
-
وَهْمُ سُورٍ...؟
-
أنا ومستنقع العربان...!!!
-
بلاد الوهم...!!!
-
القرآن وأزمة التأصيل: حوار صحفي...
-
الباحث يوسف هريمة التديّن إذا اصطبغ بالفكر الشمولي انتهى.. آ
...
-
عين على منهج إبراهيم ابن نبي في قراءة القرآن*
-
القرآن ومنطق الإقصاء
-
إبراهيم النبي وأزمة الثقافة الروائية
-
إبراهيم النبي وأزمة الثقافة الروائية
-
الشفاعة المحمدية والامتداد العقدي المسيحي
-
الفكر الإسلامي وأزمة البنيات المُؤَسِّسَة
المزيد.....
-
الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
-
-الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
-
مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا
...
-
اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات
...
-
اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
-
ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف
...
-
مايك ميلروي لـ-الحرة-: المجاعة في غزة وصلت مرحلة الخطر
-
الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانية
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|