خلف علي الخلف
الحوار المتمدن-العدد: 2103 - 2007 / 11 / 18 - 11:55
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
شغلني بعض الأصدقاء برواية التلصص لصنع الله إبراهيم.. إذ لم يكتفوا بتوزيع نسخ مصورة منها بل جعلوا رأيك فيها فيصلا في الحكم على من تكون.! إذ شكلوا ما يشبه اللجنة، تقرر بعد سماعها لرأيك في الرواية، في أي مقام يتم "تصنيفك"، هل تفهم بالادب أم " كلا ". حتى لتحسب أن صنع الله قد تعاقد معهم للترويج إعلامياً للرواية! وقبل إنهائي للرواية ببضع صفحات وبسبب أن احدهم الذي هو خريج شريعة سيسافر إلى دمشق سمحوا لي بإبداء رأيي، وحين أدليت بدلوي كنت حذرا من حكم الإعدام! وتقرير مصيري النهائي بخصوص أرائي في الادب وربما الحياة أيضاً. وللتذكير " والمعلومية " فقط فإن عضوي اللجنة الآخرين هما فنان تشكيلي و ضابط متقاعد!
وقد أجمعت هذه اللجنة على أن هذه الرواية يمكن تقييمها باختصار " خذوا .. هكذا تكتب الرواية أيها الكتاب البائسون " وشكل هذا الرأي هراوة فما عاد أحد في المقهى يجرؤ على الكلام بعده، خصوصاً أنهم ممن يُسمع رأيهم " في المقهى بالطبع ". ولم تكن لدي رغبة في الكتابة عن هذه الرواية لولا إجهادي في تأسيس رأيي الشفوي نقديا للنفاد من حكم الإعدام.
تفاصيل الحكاية في الرواية:
تقوم التلصص على حكاية بدون نمو، وتسرد علاقة طفل بابيه من خلال يوميات معيشية. الطفل فيها هو الرواي. وترد كل حكايات الرواية وشخوصها من خلال ما يرويه الطفل أو من خلال عينه. إذ تدخل عين الطفل كذلك كأحد التقنيات التي لجأ إليها الروائي لتقديم المكان والحياة في ذلك المكان. وقد تحولت عين هذا الطفل في مفاصل كثيرة من الرواية إلى كاميرا متحركة ترصد ما تشاهده ( شوارع ملصقات كتابات على الجداران ... الخ ) وتقدمه لك كأنك تجلس أمام شاشة عرض سينمائية، وهذه العين تكمل ما يقوله الراوي الذي هو الطفل نفسه. ولم يتخذ الطفل دور الراوي العالم بل إنه يتحدث عم يقع أمامه أو يشارك فيه أو يراه، ومن خلاله تم تقديم الحكاية التي يمكن تلخيصها بعلاقة طفل بابيه، يعيشان في منزل مشترك مع عائلات أخرى. الطفل تلميذ في الابتدائية ولد من زواج ثاني لأب متقاعد. هذا هو المحور الحكائي للرواية التي لا تريد أن تقول أكثر من ذلك. فهي غير مشغولة بمقولات خارج هذه العلاقة أو علاقتهما بالمحيط القريب والبعيد. وقد رصفت الحكاية من قطع صغيرة من فسيفساء الحياة اليومية المعاشة بما فيها من مفارقات وعادية كذلك. إنها رواية تتحدث عن عادية الحياة ليس أكثر.
البناء الفسيفسائي كمدخل:
قامت الراوية بنائيا على تجميع قطع الحياة المتشكلة من علاقة الابن بابيه ونظمها في لوحة كبرى تتشكل منها الرواية. لكن هذه الطريقة في البناء لم تجعل الرواية تتشكل من مجموعة أحداث. وكذلك أبعدتها عن حدث رئيسي ناظم لها. إذ يمكن القول أن الرواية تخلو من حدث أساسي ما، فالأحداث تتجاور على مستوى واحد من الأهمية. إذ لا يوجد حدث متصاعد أو حدث مفصلي أو حدث ينعطف بالرواية إلى مناخات غير متوقعة، أو حتى متوقعة.. وقد تسببت طريقة البناء في جعل زمن الروي رتيبا وستاتيكيا بل مملا في بعض مفاصل السرد. وقاد هذا البناء الفسيفسائي للرواية إلى تشكل النص من كتل سردية متجاورة قامت على تجاور في الجمل أساسا.
التكنيك السردي في الرواية :
يقوم البناء السردي على مايرويه ويشهاده الطفل إذ أنه قام على بناء افقي للحكايا ولم يقدم السرد في أي من مفاصله أي نمو عمودي سواء للزمن أو الشخصيات أو حتى للحكاية نفسها التي هي (لا حكاية ) كما اسلفنا، بل مجموعة من " الحكايات " الصغيرة والهامشية. وقام السرد على تداخل زمنين في الرواية زمن يرويه الطفل يحدث الآن وزمن من ذاكرته، ويمكن تشبيه هذا التقطيع السردي بتداخل حياتين واحدة تحدث الآن هي بالألوان الطبيعية وأخرى يستدعيها الطفل من ذاكرته بالأسود والأبيض ويقوم استدعاء الذاكرة في الغالب على استحضار الطفل لحياته مع أمه الغائبة عن حياتهم المشتركة، والتي سنعرف في آخر الرواية انها في مشفى للامراض العقلية.
لغة الرواية وطريقة بناء النص:
يبدو منذ السطور الأولى للرواية أنها رواية مكثفة خالية من الفائض السردي، رواية على درجة عالية من التشذيب والاقتصاد في اللغة. وقد قامت اللغة على استعارة البناء الشعري لجملتها، فقد قدم النص مقترحا أسلوبيا مستعارا من بناء قصيدة النثر والقصة المتداخلة مع النص الشعري. إذ يتضح منذ بداية النص أنه قرر حذف كل حروف العطف والربط بين الجمل المنفصلة وجعلها وحدات متجاورة تفصل بينها نقاط تنهي كل جملة لتبدأ جملة جديدة مما سرع الوتيرة السردية بشكل عالٍ، إلا أن النص يبدو متعسفا في كثير من المفاصل في حذف حروف العطف والربط والوصل مما يعني أن الرواية بنيت بهذه الطريقة بقصديه عالية وفق تنظير نقدي ما، لتقول في النهاية إنها رواية تخلو من فاصلة!! وهو يعني أن الرواية مشغولة بمراقبة نقدية سواء على هذا المستوى أو في مستويات أخرى من البناء. ولا ينجو القارئ من السؤال: هل هذه هي الطريقة الأمثل لبناء الجملة؟ إذ تبدو بعض الجمل تعطي أريحية أكثر في انسياب السرد فيما لو تم استخدام أحرف العطف وكلمات الربط بين الجمل، ويتبدى التعسف النقدي واضحا من خلال هذا الحذف التي تعرض له النص...
تدخلات الروائي في النص:
لا تخفي الرواية عن القارئ تدخل الروائي في النص! ليس فقط من خلال تقديم نصاً خالياً من الفواصل وأداوت الربط بل من خلال بناء الإشارات ودلالات بعض الجمل إذ بالقدر الذي كانت فيه الإشارات لبعض الجمل موحية وذات دلالة واسعة ومفتوحة، بالقدر ذاته نجد أن بعض الجمل بنيت دلالاتها نقديا لتحمل مقولة ( هي بالتأكيد صغيرة وهامشية ) يريد إيصالها الروائي. وإذا كانت القصدية سمة غالبة في السرد الروائي، فإنها بدت في بعض الأحيان قصديه انتهكت مقولة الرواية الأساسية التي هي الحياة العادية من خلال حياة وعين طفل، ووصلت الى ايديولوجيا لكنها خافتة.
إن هذا لا يقود إلى استنتاج أن الروائي أثقل النص برؤاه بالتأكيد، إذ أن احد أهم ميزات العمل أنه ترك الطفل وكل شخوص الرواية الذين وردوا من خلاله أحرارا ولم يثقلهم ( بالعموم ) بأي مقولة لا تتسق مع عمر الطفل وطريقة نظره للأشياء، بل لم يكن شخوص الرواية بالمجمل إلا أنفسهم بمختلف مستوياتهم المعرفية والإدراكية، لكن الروائي لم يتركهم سالمين من رؤاه الايديولوجية في بعض الاحيان
إشارات سالبة عن العمل :
- لا يخرج قارئ العمل الذي تقوم بنيته الحكائية على تقديم طريقة حياة أسرة مكونة من الطفل وأبيه بأي إضافة تذكر عن طريقة الحياة المصرية ( القاهرية ) في تلك الفترة إذ هي تناولت حياة عادية في محيط عادي ولم نخرج بمعرفة أكثر عن المجتمع المصري في تلك الفترة ( نهاية النصف الاول من القرن السابق ) الذي أصر الروائي على تسريب الخلفية التاريخية أو الزمن الخارجي للرواية من خلال جمل واضحة لتقول إن الرواية تجري في الفترة التاريخية كذا وهي طريقة موجودة في اغلب الروايات المصرية حتى ( الكلاسيكية ) منها .
- يدمج الروائي حكاية الشاطر حسن في جسد الرواية في طريقة بنائية كانت فائضة متكئا على أن الراوي هو طفل. وكذلك حكاية الرجل الذي تزوج جنية التي بنيت على أساس فرويدي في تعامله مع " شهواتنا " الجنسية في لقطة شديدة التصنيع وكذلك انفضاح دلالتها
- أصر الروائي على التنويع الاجتماعي ببعده الديني للحياة في مصر من خلال الاشارة الى الديانات الثلاث الرئيسية في مصر ( اليهودية – المسيحية – الاسلام ) إلا أن هذا التنويع بدا قصدياً. فالمدرسة البهودية على سبيل المثال يمكن أن تكون غير ذلك أن تكون مدرسة وحسب، ورجل الدين المسيحي الذي كان يجلس في الدكان يمكن أن يكون أي رجل آخر...
- ينطق الطفل في بعض الجمل بمفردات لا تتسق مع مدركاته العقلية وذخيرته اللغوية
إنها رواية مشغولة بمهارة فنية رغم هذه الملاحظات، التي كان من الممكن إهمالها في مقاربة عمل آخر لا يصل الى هذا المستوى.
#خلف_علي_الخلف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟