مع أولى أطلالات القرن الواحد والعشرين والذي من المؤمل وبعيداً عن الرؤية اليسارية والظلامية المتشائمة أن تعم فيه الحرية والديمقراطية أرجاء العالم أنهار حكم أمارة طالبان في أفغانستان و بأنهيارها تخلصت البشرية من أشد و أكثر الأنظمة تخلفاً وظلامية وشمولية على وجه الأرض .. فقد حُكمت أفغانستان في نهايات القرن العشرين من قبل مجموعة من طلاب الشريعة الأفغان والباكستانيين ممن تلقوا علومهم على عجل أيام الغزو السوفيتي لأفغانستان في الباكستان ليشاركوا بعدها في الحرب التي كانت دائرة آنذاك بين السوفيت وما كان يعرف حينها بالمجاهدين وقد كان هؤلاء بقيادة شخص نكرة مجهول السيرة خرج فجأة من جحور و مغارات أفغانستان ليقود هذه الغوغاء و يقيم و في غفلة من الزمن و بالتعاون مع زعيم تنظيم القاعدة بن لادن أمارته الظلامية .
لقد حول هذا الرجل المعتوه ومعه حليفه في التخلف والظلامية أفغانستان و في أواخر القرن العشرين الى دولة لا ترتقي حتى الى مستوى الدول التي كانت قائمة في العصور الوسطى بسبب الفكر التسلطي والشمولي الذي كان يميز عقلية الرجلين حيث نصب الملا عمر نفسه و بتوجيه من وزيره بن لادن الحاكم بأمر الله على هذه الأرض وبالتالي أعطى لنفسه الحق في أصدار فتاوى دينية ما أنزل الله بها من سلطان منها على سبيل المثال منع المرأة من الخروج ومن الدراسة ومنع الناس من الأستماع الى المذياع ومشاهدة التلفزيون وأستحداث وزارة تتخذ على عاتقها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن طريق ضرب الناس بالعصي والهراوات والكرابيج وأحياناً بالرجم والجلد .. لذا كان أسقاط هذا النظام والقضاء عليه نهائياً من أهم الأحداث التي أنارت فجر القرن الواحد والعشرين .
وليس بعيداً عن أفغانستان وفي نفس هذه الجزء المعقد من الأرض والتي عشعشت فيها وتحكمت في مصائر شعوبها ومنذ زمن بعيد الكثير من الأنظمة الديكتاتورية والشمولية والتي أخرت هذه الشعوب أشواطاً وأشواط عن ركب الحضارة أنهار حكم نظام صدام وعصابته من القتلة والمجرمين ممن سطوا وفي غفلة أخرى من الزمن على مقدرات بلد من أغنى البلاد وأجملها وأعرقها علماً وحضارة .. ففي عام 1968 وبعد سلسلة من المغامرات العسكريتارية التي مهدت لظهور الطغاة في العراق تمكنت ثلة من المغامرين الفاشلين الحالمين بالسلطة من الأستيلاء على مقاليد الحكم في العراق لتدخله في دوامة من الضياع والدمار والهدم المنظم .. هدم الأنسان والطبيعة وهدم البنى التحتية .. هدم العراق بلداً وشعباً .. حتى جائت ظهيرة التاسع من نيسان 2003 والتي ورغم كل مايقال عنها فأنها أذنت بولادة فجر جديد ومستقبل زاهر لشعب فقد الأحساس بكل ماهو جميل في هذه الحياة من حب وسعادة ومستقبل وأمل .. ففي هذا اليوم سقط صنم طاغية العراق في ساحة الفردوس في قلب عاصمة العراق الحبيبة بغداد أمام مرئى ومسمع العالم أجمع .. هذا العالم الذي شاهد بشرقه وغربه وبيساره ويمينه العراقيين وهم يدوسون بأحذيتهم على صور الطاغية وبقايا أجزاء تماثيله .
لذا فبأمكاننا القول وبكل وضوح وأستطيع القول ( وبكل ثقة ) بأن عصر الطغاة قد أنتهى و ولى وبأن عصراً جديداً هو عصر الشعوب الحرة والمحبة للحرية هو الآت .. فأمريكا عقدت العزم ومعها كل الدول والشعوب المحبة للحرية والحياة على أنهاء الطغاة وهي ماضية في مسعاها هذا الى غير رجعة كما يبدو للمتتبع للأحداث ولسياسة الولايات المتحدة الجديدة في العالم والتي في حين يراها البعض سياسة أرهابية توسعية .. أراها ومعي الكثيرين بأنها سياسة تطهير من كل المساويء والسلبيات التي عمت العالم خلال االقرن الماضي والتي كانت الولايات المتحدة وغيرها من الدول سبباً رئيسياً في أيجادها وديمومتها الى وقت ليس ببعيد .. فليس من المعقول أن يستمر الجزء الحر والمتمدن من هذا العالم في الوقوف موقف المتفرج من جزئه الآخر الذي تسوده الحروب والديكتاتوريات وتتقاذف مصير شعوبه أهواء الطغاة من أمثال صدام والملاّ عمر وغيرهم ممن لا داعي لذكرهم فهم معروفون للناس ولأنفسهم ( واللّي على راسو بطحة يحسس عليهة ) .
و بالمناسبة فبقرب أمريكا نفسها وعلى بعد بضعة كيلومترات من حدودها هناك أيضاً من الطغاة من ينتظر يوم أحتضاره وسقوطه و الذي بات قريباً بأذن الله .. فبعد سكوت دام ما يقارب الأربعين سنة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على جارها اللدود كاسترو بدأت أمريكا الآن تفكر بجدية في أزالة هذا الورم السرطاني الذي يعشعش منذ ذلك الحين في جسد القارة الأمريكية و قد تبين هذا وبوضوح من خلال أشارة الرئيس الأمريكي و قبل فترة الى ضرورة وضع حد لمعاناة الشعب الكوبي الذي يعاني منذ سنوات من غياب الديمقراطية والحرية مما أثار حفيظة بعض المسؤولين المعتّقين في الحكومة الكوبية .. وقبل أيام وفي واحدة من سكرات الموت التي تنتاب الرئيس الكوبي بين الفينة والأخرى وصف كاسترو رئيس الوزراء الأسباني أزنار بوصف بذيء لأن الأخير كان في جولة في دول أمريكا اللاتينية تهدف حسب قول كاسترو الى " تجنيد شبان من أجل حرب غازية في العراق " وذلك في خطاب ألقاه المناضل الثوري الذي لم يفارق كرسيه منذ أربعين سنة أستغرق زهاء الأربع ساعات كعادة الطغاة من أمثاله في ( ثرم البصل ) برأس الشعوب المسكينة المبتلية بهم .
أنها الفرصة الذهبية التي لن تتكرر لكل الشعوب المضطهدة لنيل حريتها ولخلاصها من طغاتها الذين جثموا على صدور أبنائها ومن سيفوت هذه الفرصة لن يلوم ألاّ نفسه .. وفي العراق هذا البلد العريق بتأريخه وحضارته نجح العراقيون في أجتياز الخطوة الأولى من طريق الحرية والتي تمثلت بعدم دعمهم لجلاّدهم وبالتالي عدم الوقوف بوجه الجيوش التي جائت لتحريرهم بأستثناء طبعاً بعض القتلة من أزلام النظام وبعض الرعاع ممن أغوتهم هذه الأزلام ومن والاها من جرابيع القاعدة وهؤلاء حاولوا ومنذ الأيام الأولى لسقوط النظام وفي سكرات موتهم المحتم قتل فرحة العراقيين بهذا التحرير و وضع العصي في عجلة التحرر والبناء الذي يشهده العراق هذه الأيام .. كما نجح العراقيون وبشكل رائع في أسقاط جميع التوقعات والأدعائات التي كانت تراهن على حدوث حرب أهلية في حال سقط النظام المجرم والتي أثبتت خطئها بعدم حدوث أي نزاع طائفي أو ديني أو قومي بين أبناء الشعب الواحد .. فقد ظهر العراقيون بعد التحرير وعلى أختلاف أديانهم و قومياتهم وطوائفهم كجسد واحد وهمهم الوحيد هو بناء العراق بعد هذه السنين العجاف .
على العراقيين ألآن أجتياز الخطوة التالية من هذا الطريق الصعب والطويل والجميل والمتمثلة في تجاوز حالة المداهنة و التعامل السلبي مع الأحداث التي تدور على أرض العراق الحبيب والتي تؤثر أصلاً وفي الأساس على مستقبلهم ومستقبل أجيالهم القادمة .. فعلى سبيل المثال أن مسؤولية أشاعة الأمن والأستقرار وملاحقة المسيئين والمخربين من خريجي السجون وأزلام النظام ومرتزقته و ظلاميوا القاعدة الذين يتزاحمون لدخول العراق أملاً في تدمير ما تبقى من العراق مما لم يستطع ( صدامهم ) تدميره ليست فقط مسؤولية الشرطة العراقية والتي تستحق منا كل التقدير والأحترام بل أنها مسؤولية كل عراقي أفرحه سقوط الطاغية و يحلم بمستقبل مشرق و زاهر لأولاده وأحفاده .. فهؤلاء القتلة يعيشون بيننا ويختبئون في أرضنا ويقتلون أهلنا وأبنائنا وليس هناك من هو أقدر منا على أجتثاثهم وتنظيف العراق من قذاراتهم وجرائمهم .. كما أن مجلس الحكم ورغم سلبياته العديدة ليس المسؤول الوحيد عن ترتيب البيت العراقي بعد الخراب الذي لحق به خلال فترة حكم الطاغية .. فالبيت العراقي هو بيت جميع العراقيين بدون أستثناء وتقع على جميع العراقيين مسؤولية أعادة ترتيبه وتنظيمه وتنظيفه من بقايا قاذورات النظام المقبور ومن والاها من القتلة والمجرمين .
أن هذا السكون والركود من قبل العراقيين و غير العراقيين من الشعوب التي تسعى للحرية ستكون نتائجه وخيمة .. خصوصاً و أن البعض من هذه الشعوب قد أستعذب القمع والأضطهاد والذل على أيدي الطغاة حتى أصبحوا أمعّات و وعاضاً لهم .. لذا نرى الأمعات من هؤلاء وبدلاً من أن يفرحوا للعراقيين لتحريرهم و خلاصهم من جلادهم يتسللون كالسحالي والجرابيع الى العراق لتدميره و قتل أبنائه و لوأد تجربته الديمقراطية الجديدة في حين يُطبّل الوعاض من بعض المثقفين والأعلاميين والفنانين لهؤلاء القتلة و لسلاطينهم و طغاتهم .. لذا فأمام مثل هذه الشعوب والنخب التي تعشق الطغاة ولا تطيق عنهم فراقاً قد تقرر أمريكا وفي لحظة تقييم للربح والخسارة أن تلغي مشروعها الذي أعلنته وبدأت به والذي يسعى لديمقرطة المنطقة والعالم وأسقاط الطغاة .