|
تسعون عاماً على وعد بلفور-أين هم وأين نحن؟
سالم جبران
الحوار المتمدن-العدد: 2102 - 2007 / 11 / 17 - 10:34
المحور:
القضية الفلسطينية
في الثاني من تشرين الثاني الحالي أحيت المنظمات الصهيونية في إسرائيل وفي العالم الغربي ذكرى مرور تسعين عاماً على وعد بلفور الذي التزم به وزير خارجية بريطانيا العظمى (التي لم تكن تغيب الشمس عن مستعمراتها) للمنظمة الصهيونية العالمية في 2 تشرين الثاني 1917. المؤرخ الإسرائيلي البارز البروفسور زئيف تساحور نشر مقالاً في "يديعوت أحرونوت" 4/11/2007 يحاول فيه أن يدحض القول المألوف بأن بريطانيا أعطت هذا "الوعد" خدمة لمصالحها هي أولاً. ويقول إن بريطانيا "خسرت" من هذا الوعد، وتفسير تساحور للوعد هو أن بريطانيا كانت تحلم ببشرى جديدة، وكانت تقصد مساعدة "شعب الكتاب" وكانت ترى في "عودة" شعب الكتاب إلى فلسطين بشرى ونموذجاً أمام الأمم. إن الصهيونيين في العالم كله احتفلوا بهذه المناسبة احتفالاً يجمع بين النشوة وبين الهستيريا. فلم يكن أي زعيم صهيوني يصدِّق، قبل خمسين أو ستين عاماً، أن الصهيونية سوف تحقق كل ما حققته. يقول البروفسور تساحور إن السكان اليهود في فلسطين كانوا أقل من 5%، عندما صدر وعد بلفور، كما كانت أكثرية يهود العالم غير مؤيدة للصهيونية. ويقول : أنظروا أين كنا، وأين أصبحنا؟ إن زعم تساحور بأن بريطانيا دعمت الصهيونية انطلاقاً من عقيدة توراتية، هو زعم سخيف. فقد قال وزير خارجية بريطانيا للزعيم الصهيوني ماكس نوردو: نحن نريد فصل المشرق العربي عن المغرب العربي، ونريد مصر ممراً آمناً لنا إلى الهند، التي كانت درة التاج البريطاني. ولذلك يمكن القول إن بريطانيا رأت مصالحها الاستراتيجية متماثلة، وربما متطابقة، مع الأحلام الصهيونية، والحقيقة أن بريطانيا، وبعدها الولايات المتحدة ترى في إسرائيل أكثر من "حليف" أو "معاون" للغرب، بل ترى فيها وجوداً غريباً يشق المنطقة العربية، ويشكل قوة عسكرية ضاربة ضد العالم العربي. وعندما غربت شمس بريطانيا أصبح التحالف بين إسرائيل وأمريكا يقوم بنفس المهمة، القوة الضاربة عسكرياً وسياسياً ضد العالم العربي ومنعه من الوحدة ومن بناء دولة عظمى إقليمية في ملتقى آسيا وأفريقيا، حيث بالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي، ينابيع النفط أيضاً. لا يمكننا في هذه المحطة التاريخية، 90 عاماً على وعد بلفور، إلاّ أن نقارن بألم وتمزق، أين كانوا هم، وأين صاروا، وأين نحن الآن؟ إن المشروع الاستيطاني الصهيوني نما من 5% فقط من سكان فلسطين، في بداية القرن العشرين، إلى دولة عصرية، اقتصادياً وعلمياً وعسكريا، على أكثرية مساحة فلسطين، مع ستة ملايين يهودي، وبالمقابل، فإن الشعب الفلسطيني تمزق، منه شعب ما زال في الوطن تعيساً تحت الاحتلال، ومنه أكثر من خمسة ملايين من اللاجئين. ولعل الشعب الفلسطيني الآن أبعد منه قبل ثلاثين سنة، عن الاستقلال القومي والسيادة . هناك من يقول أن الأنظمة العربيةً هي التي خرَّبت بيت الشعب الفلسطيني ، بالشعارات العنترية التي ليس لها رصيد، ولكن لا يجوز إنكار الأغلاط الفظيعة للشعب الفلسطيني وعدم واقعية قياداته التي لم تكن قيادة قومية، بل قيادة عشائرية وقبلية، ومنطقية ودينية، الأبرز بينها الحاج أمين الحسيني الذي قال مرة إن اليهود في فلسطين "ذباب" وإذا نفخنا عليهم أغرقناهم جميعاً في البحر. كما تعاطف مع النازية الألمانية، وبهذا حرق الجسور مع شعوب العالم، بينما الصهيونية استغلت الكارثة اليهودية في ألمانيا، وما زالت تستغلها لكسب تعاطف العالم. لقد اقترفت القيادات العربية، بما فيها القيادة الفلسطينية، كل الأخطاء الممكنة مما ساعد الحركة الصهيونية على ترسيخ أقدامها، وجلب المهاجرين وإقامة دولة تعززت بعد كل حرب مع العالم العربي، بالتوسع الإقليمي وبتوطيد تحالفها مع الغرب. الغرب اليوم يعربد ضد ايران وضد كوريا الشمالية وضد سورية بحجة نوايا مبيتة للحصول على طاقة نووية. ولكن العالم الغربي كله لا يقول كلمة واحدة حول المفاعل الذري في ديمونة في إسرائيل، والعالم الغربي ينتقد كل دولة تمس حقوق الإنسان، بينما الغرب ساكت تماماً على الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني التي تصل إلى حد" التطهير العرقي" والاقتلاع الجماعي للفلسطينيين من أرض آبائهم وأجدادهم. منذ البداية، والحركة الصهيونية تخطط وتنفذ، وتلف مشاريعها بشعارات مسكينة ومعتدلة، بينما القيادة الفلسطينية والقيادات العربية كانت طول الوقت، تكتفي بالشعارات الطنانة الرنانة، التي لم تكن وراءها أية قوة. ولم يكن وراءها أي تخطيط منهجي للمقاومة العصرية. خلال خمسة عقود، كانت إسرائيل تقول إنها في الحرب التي نشبت في فلسطين، عام 1947، كان الجيش اليهودي قلة مقابل كثيرين. ونجحوا بأعجوبة شبه دينية على الجيوش "الجرارة" العربية. وها هي الآن مراكز الأبحاث الإسرائيلية، في العقد السادس لقيام دولة إسرائيل تعترف أن الجيش اليهودي كان أكثر عدداً وأكثر تدريباً وأكثر عدة، من الجيوش العربية التي جاءت لإنقاذ شعب فلسطين فسلَّمته للكارثة. إذا كانت إسرائيل تحتفل بوعد بلفور وتقارن الماضي بالحاضر وتبتهج وتعتز بإنجازاتها، فإن الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، اليوم، أضعف مما كانت، وتحاول التيارات الأصولية المتطرفة والتيارات القومجية المتطرفة كلامياً، أن تمنع القيادة الفلسطينية الشرعية من التعامل مع القضية بعقلانية إنقاذية بدل الجعجعة القومية التي دهورتنا من كارثة إلى كارثة أكبر، ومن احتلال ضيق إلى احتلال أوسع. إذا بقيت حالة الفلسطينيين والعرب، كما هي الآن، فيجب أن لا نستغرب إذا حلمت إسرائيل بالسيطرة على كل فلسطين وحلمت بالتوسع على حساب جنوب لبنان. وبالمناسبة، فإن نشيد حزب الليكود يقول: "ضفتان للأردن هذه لنا وتلك أيضاً". إذا لم يستيقظ العرب وإذا لم يوحدوا صفوفهم وينهضوا فعلياً لا بالشعارات فقط فقد تكون الكارثة التي ابتلينا بها حتى الآن ليست كل الخطر الممكن!.
#سالم_جبران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أصحاب الأرض غرباء
-
إسرائيل تخطط وتستعد والعرب.. يشاهدون -باب الحارة-!
-
فضائح في إسرائيل وفضائح في العالم العربي!
-
براك يساري نكتة
-
في ظل الأوضاع الظلامية- تذبل المبادرة والإبداع!
-
أكبر جريدة في إسرائيل: إسرائيل دولة عنصرية!
-
من حزب استيطاني كولونيالي- إلى حزب ..على الإنترنت!
-
التخلص من الدكتاتوريات
-
حالة الطقس في إسرائيل
-
كتب الدين والطبيخ
-
العالم العربي مستعمرة أمريكية أم وطن للعرب الناهضين؟!
-
دولة يهودية وعنصرية
-
ما الغرابة أن الأدب العبري أكثر رواجاً في العالم من الأدب ال
...
-
الديمقراطية وحرية الشعوب- شرط لنهضة العرب
-
كونوا على حذر من حكومة ضعيفة!
-
لماذا تراجع التنوير العربي وتقدّمت الظلامية الإرهابية
-
فضيحة إسرائيل كبيرة وفضيحة العرب- أكبر
-
القدس العربية: ساحات القدس فارغة؟!
-
العرب الفلسطينيون مواطنو دولة إسرائيل- نحو استراتيجية مبدئية
...
-
انتخاب الجنرال المليونير رئيساً لحزب العمل
المزيد.....
-
خبير عسكري يكشف سر زيارة زيارة نتنياهو لواشنطن
-
ترامب: لدينا مناقشات مخطط لها مع أوكرانيا وروسيا
-
المهاجم الدولي الجزائري أمين غويري يدعم هجوم مرسيليا
-
المكسيك ترفض البيان الأميركي وترامب يقر بتداعيات الرسوم الجم
...
-
تدشين معبد هندوسي ضخم في جنوب أفريقيا
-
سياسي بريطاني سابق يعلن انضمامه إلى المرتزقة الأجانب في أوكر
...
-
تبون: الجزائر تحافظ على توازن علاقاتها مع روسيا وأمريكا
-
رئيس كوبا: الضغط الأمريكي على المكسيك يهدد استقرار أمريكا ال
...
-
قادة الاتحاد الأوروبي يناقشون تعزيز الدفاع والإنفاق العسكري
...
-
توسك يعلق على تصريحات ترامب حول فرض رسوم جمركية على السلع ال
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|