تعددت الرؤى والمعتقدات حول ماهية افضل الانظمة التي تصلح لتسيير نظام يحكم الشعوب. وبمناسبة كلمة الرئيس الامريكي "جورج دبليو بوش" امام الصندوق القومي للديموقراطية في واشنطن, والخطاب موجه كنداء للاسراع في الاصلاحات الديموقراطية في الشرق الاوسط. فقد طالب الرئيس الامريكي بالاسراع في عملية الاصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لجميع الدول العربية والاسلامية في العالم والشرق الاوسط تحديدا, وعلى سياق هذا الطلب "الحميد" الذي يحسب لصالح الامريكان (في خضم معمعة الكراهية التي تسود العالم العربي ضد الولايات المتحدة) ترى ماهو النظام الذي يعد الامثل والاقرب الى توجهات وتطلعات الشعوب؟. لم يخلق بعد نظاما "يوتوبيا" او نظام مثالي لمدينة فاضلة, في حقب زمنية مضت, وما يعتقده اغلبية الناس /كلُ حسب مشربه/ في عصرنا عن بعض حضارات سبقت بانها كانت مثالية, انما يكمن في "المخيلة التصورية" لحاجة الانسان الملحة لتلك المثالية والتي هي غريزة وفطرة انسانية تتوق لتحقيقها, ولكون معنى الموت يضفي الرهبة والاجلال لمن سبقونا ودخلوا عالم الاموات يتصور انسان الحاضر ان هناك حضارات او انظمة ولت, تتصف بالمثالية اوافراد /اعلام/ قد قضوا, اٍتسموا بالمهابة والرفعة والقداسة في بعض الاحيان وخاصة اذا تأطرت هذه المفاهيم باطار ديني او ايديولوجي. وستكتمل فكرة "اليوتوبيا" وتتجسد واقعا عندما تنضج وتكتمل الظروف الزمنية الملائمة لتحققها, مستمدة من غزارة التجارب للافراد والجماعات في ارتقاء الفكر الانساني وصياغة وممارسة استخدام القوانين التي تحفظ للبشر حقوقهم وتنظم علاقتهم فيما بينهم وبين السلطة, ومن خلال الترقي والتطور الانساني على الامتداد العمر الزمني البشري.
تبقى تجربة الشعوب بتراكماتها التاريخية وترقي مفاهيمها ومنعطفاتها التاريخية واهمية الاختراعات العلمية التي انتقلت بالبشرية من حقبة زمنية الى اخرى هي الاساس في استشعار مدلول نظام الحكم الامثل. هناك تيارات تدعوا الى نظام الحاكمية لله, أو الشورى واخرى شيوعية او يسارية, وانظمة جمهورية ديموقراطية, وجمهورية عسكرية, وملكية دستورية اوملكية دكتاتورية. وهناك نظام هجين جديد /نكير الوجود/ "جمهوملكية" وراثية, وهناك انظمة علمانية ديموقراطية وعلمانية عسكرية. يظل السؤال الملح ماهو مقياس النظام الامثل او الافضل؟ للاجابة على هذا السؤال, لابد من مقياس يعتمد على, المثالية العليا كحد اعلى.. والافضل كحد ادنى. من الطبيعي ان كل تيار او فريق او مؤيد سينحاز لما يعتقد او يؤمن به. ولكن لفصل اللبس وبيان الاصلح, سنتخذ من /القيم الانسانية/ وسيادتها النقاط الاساسية التي سيرتكز عليها موضوع (النظام الاصلح والذي يعني البقاء للاصلح) في المرحلة المنظورة للعقد القادم, وقد اتفق مع "صمويل هانغتوتن" في صراعه مع الحضارات, كون /الانسان/ او الفرد هو المحور الاهم والمباشر في عملية النظام وحكم الشعب وحصيلة الحضارة والثقافة الارقى. ولتبسيط المسألة, اي نظام يعتمد المساواة على اساس المواطنة وقد يتجاوز الجغرافيا والمواطنة الى الاممية في مرحلة لاحقة, ويحتوي على قدر اوسع من التسامحية التعددية العرقية, الدينية, اللغوية, الثقافية, الفكرية, يكون نظاما اقرب الى المثالية او في دربها, ويتميز هذا النظام بصون واٍعطاء حقوق الاقليات والافراد ومنها (المرأة والطفل) ويحوي على هامش كبير من الحريات العامة والشخصية. وهذا مايتفق مع التوجه الغربي الحالي الذي يسود فيه قيم اٍحترام المواطنة وحقوق الانسان ويتمتع بنظام حكم ديموقراطي في وسط علماني يكفل للجميع المساواة ودينمو اقتصادي رأسمالي يمتاز بألية التغيير الذاتي وهذا اهم عنصر عجزت او خلت الشيوعية الشمولية منه فسقطت مبكرا كما توقع لها الرئيس الامريكي السابق "رونالد ريغان" كونها نظاما لم يحترم مواطنيه. الحرية تتناسب تناسبا طرديا مع مثالية النظام اي انه كلما زاد هامش الحرية المتاحة للافراد والجماعات والهيئات ومؤسسات المجتمع المدني, وانحسرت الشكليات في سن قوانين التفاصيل الشخصية "المملة" في علاقة الفرد بمعتقده ومظهره, كلما ترقى النظام نحو درب المثالية والذي هو طويلا دون شك وشاق. جميع الاديان تسعى الى تعزيز هذا المفهوم /المثالية/ وترسيخه في لب معتنقيها, فتعلن عن عودة (المسيح المخلص) ليعم الارض سلاما ويحكم بالعدل كخط نهائي حياتي /تعددت مسميات المخلص, المهدي, المسيا/ وكذلك الانسان فطريا يسعى الى ذات الهدف الى تعميم السلام وانتهاء الحروب وتحقيق العدل ويليه المثالية المتزامنة مع مفهوم "الترقي" والتطور البيولوجي والنفسي للانسان عبر الحقب والاجيال الممتدة الغنية بالتجارب. وكون الخير والشر لهما وجود قوي خفي يسود احدهما على الاخر وبنسب متفاوته من شخص الى أخر وفي حال الحروب من مجتمع الى أخر, اٍلا ان الجلي الواضح ان الخير له الغلبة والسيادة واٍلا لتحول العالم الى غاب شرس دموي فوضوي, وأدى ذلك تطبيقيا القضاء على استمرارية الحياة. /فالفرد وحدة قابلة للتنظيم والاطاعة/.
وماكانت خشية "الملائكة" من لحظة علمها بخلق الانسان ان يكون كسلفه الذي افسد في الارض وظلم وسفك الدماء, فهدم بذلك "حياة ما" كانت من قبل قائمة, ولم تكن نهاية "تلك الحياة" على اساس (الكفر) بل على اساس (الظلم وسفك الدم). وكان الله (عزوجل) يعلم مالاتعلمه الملائكة. ومنذ الخلقة الاولى للانسان وعجلة المسيرة الحثيثة نحو المثالية قائمة دون توقف زمني ولكن قد تتباطئ بفعل تفاوت هجمات ضربات الشر من وقت الى أخر. وخرت الملائكة ساجدة للانسان. فهي خلقت مثالية دون عناء ذاتي بينما يعاني الانسان ويكابد ليصل الى المثالية بفضل الحرية التي يتحرك من خلالها وبفضل تجارب الاخطأ يستنبط الصحيح, وهذا مايتمايز به الانسان على الملائكة. من اجل نظام اصلح يتوجب ان تتخلل ثنايا تشريعاته نوعا من التسامح المرن وتحمل في طياته مساحة حرة ذات مرونة تستوعب المتغيرات ومدى كافي لاستيعاب واحتواء بوادر سوء التطبيق كي لايفشل بسبب تراكمات مساوئ التطبيق البشري, فالقوانين والنصوص التي تعتمد على حرفية التطبيق تصبح ضربا من الخيال وقد يستحال تطبيق المنهج فيصبح في محل المعطل ويبقى حيا "طوباويا" في صدور مريديه, وعائقا في طريق احداث التقدم. والحرية ومداها اساس لاي نظام يسعى لان يكون في طور الحقبة العقدية القادمة والتي بلا شك ستنعدم معها انظمة ديكتاتورية او شمولية عديدة في المنطقة والعالم, واي نظام يفتقد للحرية العريضة واحترام قيم حقوق الانسان وأليته ضعيفة لتطبيق هذه القوانين ولاسيادة للقانون فوق الجميع, سيتهاوى وسيفقد الصلاحية والبقاء للاصلح. وعلى ذكر سيادة القانون فوق الجميع وكلنا يتذكر وضع الرئيس الامريكي السابق "بيل كلينتون" المحرج في قضية "مونيكا لوينسكي". حيث طاله القانون ولم يغفر له كونه رئيس اعظم دولة في العالم بسبب تهمة الكذب. يحضرني بعض التعليقات المختلفة في الفضائيات العربية لبعض العوام من العرب حول التحقيقات مع الرئيس حينها, علقت احدى السودانيات المتحمسات انه يتوجب جلد او رجم " بيل كلنتون" كونه محصن وزاني(!). واصولي مصري دلل /واهما/ على الحدث بانهيار النظام والدولة العظمى. وأخر سوري تشفى بالحدث. واردني اوعز السبب الى /نظرية مؤامرة/ مخطط صهيوني.. وهلم. لم يذكر احد من تلك الاراء ان عملية التحقيق الجادة مع رئيس دولة بهذا الشكل المهين التي قاربت خلعه, وفي دولة هامة في العالم, يعد قوة للنظام السليم ومصداقية لتفعيل ألية القانون وان القانون /حقيقة/ فوق الجميع. والتي تفتقر أليه اغلب دول العالم الثالث ان لم تكن جميعها.