أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - -فتنة الحنابلة- بين الأمس و اليوم















المزيد.....

-فتنة الحنابلة- بين الأمس و اليوم


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 2099 - 2007 / 11 / 14 - 10:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


" فتنة الحنابلة " بين الأمس و اليوم
أطلق المؤرخون القدامى أسم " فتنة الحنابلة" على أعمال العنف و التخريب التي كان يقوم بها أتباع الإمام أحمد ابن حنبل مؤسس المذهب الحنبلي المتشدّد، انطلاقا من اليقين الذي كان لديهم بأنهم وحدهم الفرقة الناجية التي على الدين الصحيح، و أنّ غيرهم من الفرق في حالة زيغ و ضلال، و لم يكتف الحنابلة بمقارعة غيرهم الحجّة بالحجة، و مناظرتهم بالبراهين العقلية و النصّية، بل عمدوا إلى محاولة تغيير ما سمّوه بالمنكر بأيديهم مباشرة، أي باعتماد العنف و الإكراه البدني، فكانوا يخرجون إلى الأسواق فيصادرون الكتب التي تخالف مذهبهم و يحرقونها، و يمزّقون القماش المزخرف و الموشى بالذهب أو بأبيات الشعر الغزلي، و يعبثون بالأواني الملونة و التي تحمل رسومات لحيوانات أو طيور أو أشجار، و يكسرون دنان الخمر و يقتحمون الخمّارات شاهرين سيوفهم و حاملين الهراوات و الأسلحة المختلفة، كما كانوا يعمدون إلى الإضرار بالنساء اللواتي في مشيتهنّ غنج و أنوثة ظاهرة، و يعتدون على الشباب المياّل إلى الطرب و الغناء و مغازلة الحسناوات من الجواري، ووصل بهم الهياج العقائدي و الهذيان المذهبي حدّ أن نبشوا قبور الموتى من معارضيهم و مخالفيهم في الرأي، و أخرجوا جثثهم ليجلدوها و يحرقوها.
لم يكن الحنابلة حزبا حاكما أو أعضاء في الحرس أو شرطة الخلافة، كانوا أفرادا يربط بينهم لحام المذهب الديني و يؤلّف بين قلوبهم التطرّف الأعمى، و النقمة على المجتمع و على مظاهر التحوّل التي اجتاحته بعد قرن و نصف من ظهور الإسلام، حيث سمحت الغزوات الكثيرة بتراكم الثروة و العبيد و الجواري من كلّ جنس في دار الخلافة، التي أصبحت ملتقى للقوافل التجارية، فازدادت مظاهر التمدّن و الترف، و تعمّق التثاقف و التبادل الحضاري بين المسلمين و الحضارات القديمة المجاورة لهم، و خاصة منها الفارسية واليونانية و الرومانية، مما أذّى إلى البعد التدريجي عن نموذج المجتمع النبوي البسيط الذي ظلّ يلهب مخيال الحنابلة و كلّ الفرق المتشدّدة، و ظلوا يعتبرونه النموذج الذي ينبغي إعادة المجتمع إليه عند كلّ مرحلة.
و ما أشبه اليوم بالأمس، فظهور فرق المتطرفين الدينيين لم ينقطع على مدى تاريخ الإسلام، حيث لكلّ عصر حنابلته، إلى أن شاء الحظ العاثر للإسلام و المسلمين أن يظهر أحد تلامذة ابن حنبل ببادية نجد القاحلة في جزيرة العرب يدعى محمد بن عبد الوهاب، سمّي مذهبه باسمه، و هو المذهب الذي سيقترن بعد قرن من ظهوره بلعنة النفط، ليبدأ مسلسل تسويقه عبر العالم بدعم سعودي و تحت إشراف أمريكي لمواجهة المدّ الشيوعي آنذاك، و النتيجة هي فتنة حنابلة اليوم الذين عادوا بمجتمعات المسلمين إلى الوراء قرونا، و أجهضوا كلّ أحلامها في النهوض و الإلتحاق بالعالم المتقدّم، فمن إرسال اللحى إلى تقصير الثياب إلى كراهية المجتمع و الدولة و القانون، إلى ترويج أشرطة الدّعاة و الوعاظ من المرضى النفسيين، إلى تخريب المنشآت ثم زعزعة الإستقرار بالنزعة الإنتحارية و تفجير الذات. مسيرة مظفّرة تنبئ بانهيار مشروع النهضة الإسلامي و اندثاره، فحنابلة اليوم لا يتوقّفون عن "الجهاد لإعلاء كلمة الله" و مع كلّ حركة منهم أو خطوة يخطونها ينهدم ركن من صرح النهضة الذي شيده على مدى القرن العشرين كلّه نخبة من المفكّرين التنويريين من مختلف بلدان المسلمين، و الذين بذلوا قصارى جهودهم لملاءمة الإسلام مع العصر دون أن يرفّقوا، فكانت فتنة الإخوان في مصر التي قضت على مشروع قرن كامل من محاولات التحديث بمصر، و حولت مدن مصر إلى قرى كبيرة، و نشرت بداوة الفكر و السلوك في كل مكان. ثم كانت فتنة الجبهة الإسلامية بالسودان التي هدمت المشروع الديمقراطي الذي كان سيضع السودان على سكّة التنمية الحقيقية، و أعادت الإستبداد العسكري بالتحالف مع الإنقلابيين، و أشاعت فتنة الحرب بالجنوب المسيحي الذي سعت إلى إرغامه على الخضوع للشريعة الإسلامية. ثم كانت فتنة حزب النهضة بتونس الذي تحوّل من النشاط الدعوي إلى ضرب النساء في الشوارع و إلقاء ماء النار على و جوه خطباء المساجد الذين لا يقبلون أن يقرأوا خطبة الحزب في منابر الجمعة، و أعطوا للسلطة مبرر إحكام القبضة الحديدية على المجتمع و إعادة دولة الرقابة البوليسية. ثم كانت فتنة جبهة الإنقاد الجزائرية التي دخلت الإنتخابات و نظمت في نفس الوقت مسيرة ضخمة تدعو فيها إلى "إقامة دولة إسلامية بدون انتخابات" و دعا خطباؤها إلى ضرورة حلّ الأحزاب عند قيام الدولة الإسلامية، ووقف طلبتها عند أبواب الجامعات يفرضون شروطهم على الأساتدة و الطلبة جميعا قبل الدخول، و أعطى ذلك كلّه للجيش فرصة التدخل باسم حماية الديمقراطية، ليعود الإستبداد العسكري و يفشل مشروع الإنتقال نحو الديمقراطية بالجزائر التي دخلت حمام دم ذهب ضحيته مثقفون و صحفيون و مبدعون و نساء و أطفال من عامة الشعب البريء. ثم كانت فتنة الشبيبة الإسلامية بالمغرب، و التي كانت تكوّن شبابها اعتمادا على كتاب "معالم في الطريق" لسيد قطب، فكان اغتيال المعارض اليساري عمر بن جلّون لتتفكك الجماعة إلى مشتقاتها الحالية التي منها من يسعى إلى إقامة "الخلافة الثانية على منهاج النبوة"، و منها من دخل البرلمان ليساهم في نهضة البلاد بإثارة الزوابع حول اللباس العصري لإحدى الصحافيات و حول المهرجانات الفنية و الأفلام السينمائية، و بصوغ أسئلة تتعلّق بالمصالح الشخصية للأتباع و المريدين، و منها من اختصر الطريق فسعى إلى إدخال كميات من السلاح إلى المغرب عبر الحدود، و شكّل الخلايا النائمة و اليقظة و انتهى بتدمير الذات بالأحزمة الناسفة.
هذه هي الحصيلة الجهادية للحنابلة الجدد في شمال إفريقيا، أما عالميا فقد قامت القيامة بتخريب القاعدة لبرجي مركز التجارة العالمي في 11 شتنبر بالولايات المتحدّة، مما أعطى فرصة ذهبية لأمريكا لتنتقل بثقلها العسكري إلى الشرق و لتقضي على نظام الطالبان و النظام البعثي و تمحوهما من الوجود و تفتح باب الجحيم في أفغانسان و العراق، و تضع قواعدها في بلدان عرب الإمارات النفطية، و تحاصر إيران و تهدّدها و تطلق يد إسرائيل من جديد في المنطقة فتوقع بحماس في فخ الإنتخابات و لعبة السلطة التي لا تفقه فيها شيئا و التي أوصلتها إلى ذبح ذوي القربى و الإنتقال من مقاومة المحتلّ إلى التصفيات الداخلية. هكذا حوّل الحنابلة الجدد قضية شعب محتلّ إلى طائفية بغيضة و فكر خرافي لا ينتج غير الكوارث.
و لم يستطع الشيعة بدورهم أن يبقوا خارج المشهد الدموي، فكان الخميني بنظامه القروسطي المغلق، و كان جيش المهدي بالعراق و كان حزب الله اليد الطولى للنظام المخابراتي السوري في لبنان، و الذي حقّق انتصارا كاريكاتوريا على إسرائيل بخراب نصف لبنان و اختباء زعمائه تحت الأنفاق. الكل يتسابق على الجهاد و التضحية و الإنتحار، هذه هي الثقافة الحنبلية الوهابية التي أصابت العالم بالسعار و الهذيان، و هو ما يسمّيه إخواننا الملتحون "صحوة" و "نهضة مباركة"، و الحقيقة أنّنا أمام مشهد ينبئ بالأسوأ و يضع العالم على أبواب المجهول.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمازيغية و التعديل الدستوري بالمغرب
- حكومة حزب الاستقلال ( بالمغرب ) ، هل يعيد التاريخ نفسه ؟
- صورة الإسلام بين محاضرة البابا وأفعال المسلمين
- العرب وتغيير الثقافة


المزيد.....




- تأثر مارتن لوثر بالإسلام.. تمرد على الكنيسة والثالوث ورفض ال ...
- إسرائيل.. أوامر فورية للجيش بتجنيد 3 آلاف شخص من يهود -الحري ...
- كيف ترى الصهيونية الدينية الضفة الغربية والقدس؟
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع حيوي في إيلات ...
- حرب غزة: قرار إلزام اليهود المتشددين بأداء الخدمة العسكرية ي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تضرب هدفاً حيوياً للاحتلال في إ ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن استهداف موقع حيوي في إيل ...
- إلى جانب الكنائس..مساجد ومقاهٍ وغيرها تفتح أبوابها لطلاب الث ...
- بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س ...
- أمين سر الفاتيكان: لبنان يجب أن يبقى نموذج تعايش ووحدة في ظل ...


المزيد.....

- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - -فتنة الحنابلة- بين الأمس و اليوم