مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2100 - 2007 / 11 / 15 - 11:37
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
لبرايان كرابتري ( 1992 )
يعود تاريخ رفض السلطة إلى عهد الرواقيين و الكلبيين* , و كانت هذه الفكرة موجودة لآلاف السنين . لكن لفظ الفوضوية و الفوضويين و الأناركي , المأخوذة من اللفظة اليونانية de archos ( من دون حاكم ) استخدمت بصورة سلبية تماما قبل القرن 19 .
برودون و التعاونيون
في 1840 في كتابه المثير للجدل : ما هي الملكية , أصبح الكاتب السياسي و الاشتراكي الفرنسي بيير-جوزيف برودون أول من دعا نفسه أناركيا . في كتابه قال برودون أن القوانين الفعلية للمجتمع ليس هناك أي شيء يجمعها مع الدولة , لكنها تصدر عن طبيعة المجتمع نفسه . كما تنبأ بانحلال السلطة الآتي و ظهور نظام اجتماعي طبيعي . "كما يبتغي الإنسان العدالة في المساواة , كذلك يبتغي المجتمع العدالة في الأناركي . الأناركي – أو عدم وجود سيد – كما في صيغة الحكومة و التي نقترب منها مع كل يوم" . كان برودون فوضويا مسالما , لقد آمن أنه داخل المجتمع القائم يمكن خلق التنظيمات التي ستحل مكانه في نهاية المطاف . ولد برودون عام 1809 , فلاح في الأصل , ابن مخمر للجعة , كان كتاباه "ما هي الملكية" و "نظام التناقضات الاقتصادية" قد رسخا مكانه في جماعة الاشتراكيين . في وقت لاحق تقدم ليكتب "المبدأ الفيدرالي " و "القدرة السياسية للطبقة العاملة" .
رغم أن قد أعلن أن في كتابه "ما هي الملكية" أن "الملكية هي سرقة" , فإنه لم يؤيد الشيوعية , و اعتبر أن حق العمال في السيطرة على وسائل الإنتاج جزءا هاما من الحرية . إنه لم يعتبر نفسه أبدا مؤسس حركة , لكنه اقترح نظاما فيدراليا للكومونات الذاتية الاستقلال . كان لديه الكثير من الأتباع , لكنهم فضلوا لقب "التعاونيون "- القائلين بتبادل المنفعة" mutulaists على "الأناركيين" , كانت الأناركية ما تزال تتضمن دلالة سلبية . أسس برودون و أتباعه التعاونيون مع النقابيين و الاشتراكيين البريطانيين الأممية الأولى منظمة العمال .
باكونين و الجماعيون
"إن عاطفة التدمير هي أيضا عاطفة خلاقة" – هذه الكلمات تلخص بدقة موقف ميخائيل باكونين و الجماعيين . آمن باكونين أن الأناركي ممكنة فقط من خلال ثورة عنيفة تطيح بكل المؤسسات القائمة . كان نبيلا بالولادة , لكنه أصبح ثوريا و انضم إلى الأممية في الستينيات من القرن التاسع عشر , بعد أن أسس التحالف الاشتراكي الديمقراطي و بعد تعديله لتعاليم برودون إلى مبدأ جديد سمي بالجماعية . علم باكونين أن حقوق الملكية وهمية و أن وسائل الإنتاج يجب أن تملك جماعيا . لقد عارض باكونين كارل ماركس بقوة , العضو الآخر في الأممية , و أفكاره عن ديكتاتورية البروليتاريا . لقد مزق هذا الخلاف في النهاية الأممية عام 1872 . توفي عام 1876 لكن الأممية التالية التي بدأها هو و الجماعيين عام 1873 استمرت لعام آخر بعد وفاته . فيما بعد قبل أنصاره لقب "الأناركيين" .
الأمير بيتر كروبوتكين
في 1876 عندما أصبح ثوريا تنازل بيتر كروبوتكين عن لقب الأمير و أصبح خليفة باكونين . و قام بتطوير نظرية الأناركية الشيوعية : ليس فقط يجب أن تكون ملكية وسائل الإنتاج جماعية , بل يجب أيضا أن تشاع المنتجات أيضا . هذه الفكرة المعدلة من يوتوبيا توماس مور عن المخازن , "من كل بحسب قدرته , و لكل بحسب حاجته" . كتب كروبوتكين "الاستيلاء على الخبز" في عام 1892 , التي رسم فيه مخططه لاتحاد بين مجموعات شيوعية حرة . في 1899 كتب "ذكريات ثوري" , عبارة عن سيرة ذاتية , و "الحقول , المصانع و المعامل" الذي وضع فيه أفكار لا مركزة الصناعة الضرورية للمجتمع الأناركي . فيما بعد أثبت بالدليل البيولوجي و الاجتماعي أن التعاون أكثر طبيعية من الإكراه ( المساعدة المتبادلة : عامل تطور – 1902 ) . أكملت كتابات كروبوتكين رؤية المستقبل الأناركي , و منذ ذلك الحين تمت إضافة جديدة محدودة لما كتبه .
الحركة الأناركية
حتى قبل أن يدخل برودون المشهد كان النشاط الأناركي واقعا . وضعت الخطط الأولى لتشكيل تجمع أناركي من قبل رجل إنكليزي يدعى جيرارد وينستانلي , الذي أسس مجموعة صغيرة من الحفارين . من منشوره عام 1649 : "الحقيقة ترفع رأسها عاليا أعلى من الأعمال المخزية " , كتب أن السلطة تؤدي إلى الفساد , أن الملكية لا تتوافق مع الحرية , و أن البشر يمكنهم أن يكونوا أحرار و سعداء فقط في مجتمع بدون تدخل الحكومة , حيث يتم التشارك في العمل و منتجاته ( الذي سيصبح أساس النظرية الأناركية في السنوات التي ستتلو ) . قاد جيرارد مجموعة من أنصاره إلى إحدى التلال حيث أقام قرية أناركية , لكن هذه التجربة سرعان ما تم القضاء عليها من قبل المعارضة المحلية . فيما بعد سيكتب رجل إنكليزي آخر هو ويليام غودوين "العدالة السياسية" حيث يقول أن السلطة هي ضد الطبيعة , و أن الشرور الاجتماعية توجد لأن الإنسان ليس حرا ليتصرف وفقا لعقله .
ساد اتجاه نشيط بين الفوضويين الإيطاليين . قال ايريكو مالاتيستا في عام 1876 : " الفعل الثوري المقدر له أن يثبت المبادئ الاشتراكية بالأفعال هو أكثر أشكال التحريض فعالية " . كانت أول هذه الأفعال عصيانات ريفية , قصد منها أن توقظ المواطنين الجاهلين في الريف الإيطالي , لكنها كانت غير ناجعة . فيما بعد اتخذ هذا النشاط شكل عمليات احتجاج فردية من قبل "إرهابيين" , الذين حاولوا اغتيال شخصيات بارزة في الحكم على أمل أن يكشفوا ضعف بنية السلطة و قابليتها للإسقاط و يلهموا الآخرين بتضحياتهم الذاتية . بين 1890 – 1901 نفذت سلسلة من الاغتيالات : الملك أمبرتو الأول , إيطاليا , الإمبراطورة إليزابيث , النمسا , الرئيس كارنو , فرنسا , الرئيس ماكينيلي , الولايات المتحدة , و رئيس الوزراء الإسباني أنطونيو نوفاس ديل كاستيلو . لسوء الحظ أن هذه الأفعال كان لها تأثيرا معاكسا لما قصد منها – لقد رسخت الفكرة عن الفوضوي كمدمر بلا عقل .
كما أنه في غضون العقد الأخير من القرن 19 تعرف كثير من الرسامين و الكتاب الفرنسيين و من بقية الفنانين على الأناركية و انجذبوا إليها بسبب أفكارها الفردية . في إنكلترا أصبح الكاتب أوسكار وايلد أناركيا و كتب في 1891 " روح الإنسان تحت الاشتراكية " .
كانت الأناركية أيضا حركة قوية في إسبانيا . الجريدة الأناركية الأولى "البوفينير" صدرت عام 1845 لكنها أسكتت بسرعة . تأسست فروع للأممية من قبل غويسبي فانيلي في برشلونة و مدريد . بحلول 1870 كان هناك أكثر من أربعين ألف أناركي إسباني و بحلول 1873 أصبحوا ستين ألفا , أغلبهم منضوي في جمعيات العمال , لكن في 1874 أجبرت الحركة على النزول إلى تحت الأرض . خلال الثمانينات و التسعينيات نزعت الحركة الإسبانية الأناركية إلى الإرهاب و العنف .
كانت الحرب الأهلية الإسبانية الفرصة المثالية لوضع أفكار الأناركية أخيرا في التطبيق على نطاق واسع . جرى احتلال المصانع و سكك الحديد . في الأندلس , كاتالونيا و ليفانتي استولى الفلاحون على الأرض . تم إقامة قرى تحررية ذاتية التسيير , كتلك التي وصفها كروبوتكين في "الاستيلاء على الخبز" . ألغي التعامل بالنقود , زرعت الأرض جماعيا و جرى بيع منتجات القرية أو مبادلتها بالنيابة عن المجتمع بأسره , و تسلمت كل عائلة حصة متساوية من الضروريات التي لا يمكنهم إنتاجها بأنفسهم . كثير من هذه الكوميونات ( المجتمعات التعاونية ) كانت أكثر فعالية من بقية القرى . رغم أن الأناركيين الأسبان فشلوا لأنهم لم يملكوا القدرة على شن صراع مسلح طويل الأمد لكنهم نجحوا في إلهام الكثيرين و أظهروا أنه يمكن للأناركية أن تعمل بفعالية .
رغم أن اثنين من أكبر القادة الأناركيين , باكونين و كروبوتكين , كانا روسيين , لكن الرقابة الشمولية تمكنت من قمع معظم الحركة , التي لم تكن قط قوية في روسيا . فقط ثوري واحد , نستور ماخنو , فلاح , تمكن من أن ينهض بجيش متمرد و بواسطة تكتيكات مذهلة لحرب العصابات فرض السيطرة المؤقتة على جزء كبير من أوكرانيا من أيدي كل من الجيشين الأبيض و الأحمر . مثل نفيه في عام 1921 علامة على موت الحركة الفوضوية في روسيا .
على امتداد التاريخ الأمريكي كان هناك تراث لكل من الأناركية العنيفة و المسالمة . هنري ديفيد ثورو , كاتب أناركي لا عنفي , و ايما غولدمان ناشطة أناركية هما مثالان على هذه الحركة . لكن الأناركية النشطة كانت تغذى بشكل رئيسي من المهاجرين من أوروبا . في أواخر 1800 كانت الأناركية جزءا من حياة الكثيرين . في 1886 أعدم أربعة أناركيين ظلما بسبب زعم مشاركتهم في انفجار قنبلة في هايماركت , الذي قتل فيه 7 من رجال الشرطة . اغتيل الرئيس ماكينلي عام 1901 بواسطة ليون زولغوز , أناركي بولندي .
خاصة منذ 1917 أثارت الأناركية إعجاب المثقفين . في 1932 كتب ألدوز هكسلي "عالم جديد شجاع" الذي حذر من وجود مادي غير عاقل يمكن للمجتمع المعاصر أن يؤدي إليه , و في مقدمة طبعة 1946 صرح أنه يعتقد أنه فقط من خلال اللا مركزة الراديكالية و سياسات "كروبوتكينية" ( نسبة للأناركي كروبوتكين ) و "تعاونية" يمكن تجنب أخطار المجتمع المعاصر . عادت المجموعات الأناركية للظهور بعد الحرب العالمية الثانية في معظم الدول التي وجدت فيها سابقا , ما عدا إسبانيا و الاتحاد السوفييتي . في السبعينيات اجتذبت الأناركية انتباها و اهتماما أكثر و شكل الطلاب الثائرون تعاونيات . ما تزال تصدر مطبوعة شهرية تسمى "الأناركي" تسعى لتطبيق مبادئ الأناركية على الحياة المعاصرة .
رغم أن الأناركية قد فهمت خطأ على أنها مدمرة أو عنيفة , فهي ليست كذلك أبدا . إن الأناركيين , رغم أن بعضهم يدافع عن ثورة عنفية و حاسمة فإنهم يتصورون مجتمعا سلميا و منسجما , يقوم على النظام الطبيعي للتعاون أكثر من نظام اصطناعي يقوم على النزاع .
* من المدارس الفلسفة اليونانية القديمة
ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن :
www.spunk.org/library/intro/sp000282.txt
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟