راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 2101 - 2007 / 11 / 16 - 12:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
طوبى وبشرى للعالمين 000 فقد أشرقت الأرض بنور ربها 000 النور الذى سوف يبدد ما أحاط العالم من دياجير الظلمة , وما طغى على قلوب الناس من غلظة , حتى استحالت كالحجارة, بل أشد قسوة , وسوف يغير هذا النور من طبائع البشر فيسلك بهم نحو الكمال , ويهديهم طريق المحبة والسلام ويؤلف بين قلوبهم حتى يحققوا الوحدة العالمية 0بل سيرشدهم إلى إرساء قواعد نهضة جديدة تؤدى الى تأسيس حضارة جديدة عصرية عالمية0
قد انبثق هذا النور من (بهاء الله) رسول هذا العصر 000 عصر الأنوار 000 والعلم والعرفان0 والذى بشر بظهوره مؤسسوا الأديان العظام , كرشنا , وبوذا , وموسى , والمسيح , ومحمد(عليهم جميعاً السلام)- وغيرهم من الأنبياء والأولياء 0 أعلن عنه الباب(المبشر بحضرة بهاءالله) والذى أثبتت متطلبات الأحوال العالمية ضرورة ظهوره والحاجة الى تعـاليمه وارشـاداته0
ولد ميرزا حسين على النورى الملقب(ببهاء الله) لوزير من عائلة كبيرة غنية بمدينة طهران عاصمة الدولة الإيرانية يوم 12 نوفمبر 1817م 0 ولم يتلق من العلم إلا النزر اليسير 0
ومع ذلك , فقد نشأ كريم الأخلاق حميد السجايا طيب الصفات حلو المعشر 0وكان يلوح عليه منذ الصغر انه مدخر لأمر خطير, وذلك لتلألؤ دلائل النجابة على وجهه0 وكان( لما ان أعلن الباب دعوته ), أحد المؤمنين به الثابتين , والذين قاموا لمساعدة البابية بصدق مبين 0وقد تحمل فى سبيل ذلك صنوفاً من الإيذاء لاتحصى , خصوصاً لما اعتدى أحد الشبان البابين على الشاه , وكان اعتداء جنونياً لايصدر إلا عن متهور معتوه 0 فقد سجن بهاء الله ثم حكم عليه واصحابه بالنفى الى بغداد , فمكث سنة بها ثم سافر الى صحراء السليمانية بشمال العراق وحيداً , وانقطع هناك مدة سنتين للعبادة والتأمل 0 وهو نفس الشئ الذى حدث للأنبياء والمرسلين ومحمد رسول الله(صلعم) من قبل0
وعندما عاد الى بغداد اشتد هياج العلماء ضده واتفقت الحكومتان الإيرانية والتركية على قمع هذه الحركة الإصلاحية , فأمرت الحكومة التركية باستدعائه الى الآستانة 0 عندئذ أعلن على أصحابه وهم يتجهزون للسفر يوم 21 أبريل 1863م فى حديقة الرضوان خارج بغداد 000 انه الموعود الذى بشر به الرسل والأنبياء , وتحدث عنه ( الباب) 0 ولما وصلوا الى القسطنطينية أسكنوه هو واتباعه بمنزل ضيق لايكاد يسعهم 0 ولما شاهد رجال الحكومة عظمته وسرعة انتشار امره وشهرته بين الخافقين , خاصة والآستانة حاضرة الدولة العلية العثمانية , وحلقة الاتصال بين الشرق والغرب , ويمر بها مشاهير الرجال0امروا بنقلهم الى منفى جديد,فى مدينة آدرنه بتركيا الأوربية,فمكثوا بها أربع سنين ونصف سنة0
ومن أدرنة بدأت التعاليم تنتشر , وتتجاوب بها الأندية والمحافل والصحف الأوربية , رغم ماقامت به بعض الطوائف من إيذاء وتجريح , واعتداء 0
أخيرً لم تجد الحكومة التركية بُداً من نفيه الى جهة قصية 000الى مدينة عكاء بساحل البحر بفلسطين , فوصل إليها بحراً فى 31 أغسطس 1868م , وقد ظل فى هذا المنفى تارة فى السجن وتارة تحت المراقبة وتارة تحت الاعتقال , مدة أربع وعشرين سنة تنوعت فيها الأحوال من شدة الى انفراج حسب أهواء حكام تلك الديار0
وفي هذه المدة جرى القلم سيَّالاً غزيراً , فدون تعاليمه ونشر كتاباته المقدسة , أرسل الى اغلب ملوك ورؤساء الدول رسائل وخطابات يدعوهم فيه الى إقامة العدل والسلام واصلاح الأحوال الاجتماعية والمعاشية والاقتصادية , لرعاياهم وابناء ديارهم واوطانهم0
لم تطل إقامة(بهاء الله) داخل سجن قلعة عكا0فقد انتقل الى منزل بحديقة البهجة خارج أسوار القلعة0وكان هذا بدء ارتفاع ضيائه على جبل الكرمل 0 واستمر على نهجه فى الحياة الريفية الهادئة الوادعة الخالصة من كل نعيم مادى 0 المنزهة عن كل ترف دنيوى , مُكرساً وقته للصلاة وتدوين الكتب المقدسة وانزال الألواح وارشاد وتعليم الأحباء0
وتتنوع كتاباته 000فطوراً فى صيغة المتكلم بأمر الله , وطوراً آخر فهى أقوال ذات الله 0ومن أسلوب علمى كالقرآن إلى آخر بيانى إلى ثالث فلسفى تعليمى إلى اخر تهذيبى فى فصاحة وبلاغة , بالعربية والفارسية 0
وامتازت هذه الكتابات بسعة إحاطتها , بأحوال العالم رغم انه لم يقابل أحد من رجال الغرب 0
وسجلت له الدقة واتساع الأفق بجميع مطالب الحياة الخاصة والعامة , المادية والروحية.
وقام على تدوين آثار قلمه كُتاب خصوصيون تحت إشرافه وختمت بخاتمه , فاصبح الدين البهائى لايضارعه أخر فى صحة النقل والتدوين 0
وتتلخص تعاليم بهاء الله فيما يلى:
1-تحرى الحقيقة والصدق فى كل الأمور
2- وحدة العـالم الإنسـانى
3-الارتقاء بالجنس البشرى بكل الوسائل
4-رسالة الدين يجب ان تكون الدعوة للألفة والمحبة بين الناس جميعا
5-وحدة جميع الأديان فى مبادئها الأساسية وأهدافها ومراميها
6-اتفاق الدين والعلم والعقل
7-نبذ جميع أنواع التعصبات حيث انها هادمة للبنيان الإنسانى
8-نشر السلام الحقيقى فى جميع ربوع العالم
9-تأسيس محكمة عدل دولية وبرلمان عالمى
10- اتخاذ لغة عالمية تعلم فى المدارس بجانب اللغة القومية لتكون سبباً للتفاهم العالمى
11- إجبارية التعليم للذكور والإناث
12- المساواة التامة بين الرجال والنساء فى جميع الحقوق والواجبات
13- المواساة والتسوية لجميع البشر
14-اتحاد المدنيتين الروحية والمادية
15-حرية الإنسان وتخلصه من اسر الطبيعة بالترقى الروحى المعنوى
16- تحقيق العدل
17- الاعتراف بوحدانية الله والإيمان بأوامره التى علم بها كل مؤسسوا الأديان
18-الإيمان بان الدين هو الحمى الحقيقى للهيئة الاجتماعية
19-إيجاد نظام اقتصاد عالمى 0 يكفل عدالة التوزيع وتوفير السلع 0وتقريب الفوارق بين الطبقات فلا يكون هناك فقر مدقع ولا غنى فاحش 0ويجعل العمل فرضاً واجباً على الجميع 0 ويشرك العمال فى الأرباح 0 ويقرر ضرائب تصاعدية وتكافل اجتماعى.
20- الاقتصار على الزوجة الواحدة والتنفير من الطلاق.
كان لهذه التعاليم التى تبحث جميع مشاكل الإنسانية , وتضع الحلول الملائمة لها اعظم الأثر في تجديد أحوال العالم 0 فنشاهد ان العالم قد انتقل من شتاء طويل الى ربيع حياته ودبت فيه روح جديدة وماجت الدنيا بآراء جديدة تحكى عن آمال جديدة للبشرية0
ويرجع هذا الى الفيض اللامتناهى وروح القدس المنبعثة من الكلمة الإلهية والحقيقة الجامعة المكنونة0
يرجع هذا كله الى ( بهاء الله ) الذى يبث الروح فى كل الكائنات , جالباً إياها من العالم الروحانى ماتحتاجه تلك الكائنات من الحياة والإنعاش 0 وقد حركت هذه الروح أطراف العالم من أدناه الى أقصاه , وسوف تحركها الى تحقق النبوءات , ويتأسس السلام الذى ننشده 0
وبذلك يصير حقيقة واقعة 000 ماتخيله الفلاسفة والمفكرون فى أمانيهم لإرساء قواعد ( المدينة الفاضلة ) ومنذ انتشرت التعاليم البهائية بدأت فى العالم حركة صوب تنفيذ هذه التعاليم 0 وفى بعض الأحيان تكون تلقائية, رغم عدم معرفة صاحب هذه المُثل والآراء 0 وباتت جموع الناس تتشوق الى الاتحاد واشتدت الحركة الفكرية تطوراً , أعيد تنقيح التاريخ على ضوء العلم 0وازدادت الكشوف العلمية اتساعا ,وكاد الإنسان ان يصبح سيد الكون بعد ان سيطر على المادة وسيَّرها لأغراضه , وأوغل فى الفضاء وارتفع النداء فى كل الآفاق بضرورة إصلاح أسس الهيئة الاجتماعية وإعادة بنائها على قواعد وطيدة ثابـتة سليـمة0
ألقى بهاء الله بمسئولية رعاية هذا الدين الوليد الى اكبر أنجاله(عبد البهاء عباس) فقام بهذه المهمة الخطيرة بعد مفارقة والده هذا العالم خير قيام , فهو مبين التعاليم وناشر النفحات 0
ولد عبد البهاء في طهران يوم23 مايو1844م ولازم والده طوال حياته , واستنار بعلمه وفضله منذ الصغر 0وكان يقوم بخدمة والده وعموم الأحباء مدة السجن وسـمَّاه والده بالغصن الأعظم (وسر الله الأكمل) وقد لاقى بعد وفاة والده بعض الصعوبات , أعيد للسجن عام 1900م الى ان افرج عنه عام 1908م حين قامت ثورة تركيا الفتاة التى عزلت السلطان عبد الحميد ألقت به فى غيابات السجن , فاختار عبد البهاء مدينة حيفا القريبة من جبل الكرمل بفلسطين مكاناً لاقامته 0
وبمجرد خروجه من السجن بدأ أسفاره الى مصر وأوروبا وأمريكا , وقابل شخصيات عديدة , وخطب فى أماكن كثيرة بما كان يناسب مقامها 0 داعياً إلى دين أبيه ومبادئه المنطوية على خير الإنسانية 0 ثم عاد إلى حيفا فى ديسمبر1913م , ومكث مدة الحرب العالمية الأولى يعمل على نشر تعاليم والده ويقوم على تربية جمهور الأحباء ويكاتب من هم فى الخارج غير متناس سكان البلاد والنزلاءمن الجند المحاربين 0 فكان يحبو الجميع بعطفه ويغمرهم بفضله حتى صار له مكانة ممتازة فى قلوب جميع القاطنين بالبلاد 0 واستمر على هذا النشاط رغم ضعفه وشيخوخته إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى يوم 28 نوفمبر1921م وورى ضريحه المقام على جبل الكرمل0
إن هذا العمل الذى قام به هؤلاء الثلاثة العظام , ليقوم فى نفسه دليلاً ملموساً على سر عظمتهم وصدق دعوتهم رغم مالاقوه من صدوف , وما عانوه من ازورار الجهلاء وامتهان المغرورين 0
وأما تلك النفوس الصافية المستنيرة والقلوب المستضيئة والعقول الصافية فقد قامت على نصرة أمرهم من كل حدب ناشرة تعاليمهم فى كل أطراف العالم0ذلك لان العالم متعطش لما يشفى غلته ويعمل على بنائه من جديد ولما لتعاليمهم من إحاطة بكل مشاكل الإنسانية , اجتماعية كانت او اقتصادية , او روحية او مادية , وإيجاد الحلول لها بروح عالمية تعمل لخير البشرية لقرون طويلة 0
وقد وعد بهاء الله بان هذه المبادئ التى بنى عليها هذه الدين العالمى ستسود قريباً رغم الاعتراض الظاهر الآن من بعض الفئات 0
وسوف يتنبه أولئك الغافلون الذين أعماهم التعصب أغوتهم الشهوات , أصمتهم صرخات مصالحهم الخاصة 000الى عظمة هذه الرسالة 000وسوف تبهر أنظارهم أنوار شمس بهاء الله 000 نــور العـالم الجـديـد0
والدين البهائى يعتبر الأديان جميعاً , نوراً واحداً متسلسلاً سطع فى درجات متفاوتة على مر التاريخ وبتطور مستمر , لديـن إلهـى واحـد أزلـى لا يتـجزأ 0
وان الدين البهائى نفسه يكون مرحلة من هذا النمو المطرد وهذا الدين لايطمس الحقائق المقدسة فى الأديان السابقة , ولا يقلل من آثارها العظيمة القدر , ولا يقر اى محاولة يفهم منها تشويه مقاصدها النبيلة وحقائقها الثابتة او إضعاف قواعدها المدعمة 0
أما غرضه الأساسى : فهو توسيع قواعد هذه الأديان وإحياء مبادئها والتوفيق بين أغراضها وبعث روح الحياة فيها وإظهار جمال وحدتها وسمو تعاليمها وصفاء طهرها والعمل على تحقيق غاياتها النبيلة 0 من هذا نفهم ان الحقيقة الدينية دائمة الاتصال وان الدين الإلهى متعاقب مستمر لا انقطاع له ولا توقـف ولا نهـاية0
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟