متى يتطور التوكل القدري إلى توكل عقلاني...؟

مصطفى حقي

الحوار المتمدن-العدد: 2099 - 2007 / 11 / 14 - 10:53
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

يبذر الفلاح البسيط الحبوب من قمح أو شعير في أرضه الجدباء متوكلاً على الخالق أن يرسل إليه غيوما محملة بالأمطار وتقصد أرضه لتسقيها بفيض رعاية إلهية ولعدة مرّات في العام ، وعيون الفلاحين المؤمنين ترقب السماء بتوسل عن الإله الرحيم الذي سيؤمن لهم ولعوائلهم القوت والمال وأن يرعى مواسمهم من البداية من النبتة الصغيرة إلى السنبلة وحتى الحصاد وأن يحميهم من عوامل الطبيعة من أعاصير عاصفة وسيول جارفة أو من اجتياح قوارض أو حشرات مثل الجراد وعند الحصاد أن يحميهم من اللصوص والحرائق .. وعند التسويق أن يحميه من غش التجار وجلاوزة الحكومة ومن عصابات النهب .. ودوره في كل ذلك هو الابتهال والتضرع والصلاة بخوف وخشوع .. والنتيجة وفق الواقع هي الحصول على مواسم متباعدة من بين أعوام من الشح والفاقة والحاجة وعدم الاستقرار والهجرة والرحيل وبدون أن يفكر يوماً الاستعانة بعوامل عملية على أرض الواقع بدلاً من التعلق بآمال مبنية على الأقوال دون الأفعال في رحلة مغامرة في غالب الأحيان تكون غير محمودة النتائج والانتقال إلى الأفعال وبتخطيط من العقل الذي وهبه الخالق للإنسان ليتجاوز بواسطته مصاعب الحياة ليضمن مواسم الخير والعطاء وضمن عطاء العقل والتفكير وليس في أحلام التوكل والاستجداء ’ ولكن ثقافة هذا الإنسان البسيط تنحصر فيما تلقاه وفهمه من خلال تعاليمه الدينية من وعظ وإرشاد تحتم عليه اللجوء إلى الخالق في كل صغيرة أو كبيرة واتباع فارضي التعليمات من شيوخ وفقهاء حتى في دخول المرحاض بالقدم اليمنى بدلاً من اليسرى والخضوع التام في دنياه للحكام وطاعتهم وعدم مجادلتهم وممانعتهم وحرمانه من التفكير وحجب عقله عن الماديات وإغراقها في عالم الروحانيات والاكتفاء بالنقل والتقليد الببغاوي ، والإغراق في التوكل القدري في كل مناحي الحياة الروحية والعملية بل طغيان الروحانيات على الماديات وإعطاء العقل إجازة إجبارية وركنه في خانة الخمول والكسل والغرق في التقليد المباشر والذي ينصرف إلى كل المجالات من زراعة وتجارة وصناعة ... والنتيجة المذهلة كانت في انحدار وتراجع إلى درجة الصفر في كل شيء .. ومنذ يومين استمعت إلى إذاعة لندن البيبي سي وهو يوجه سؤالاً إلى مستمعيه عن مشاهداتهم لأي اختراع عربي من حولهم .. وكنت قد طرحت ذات السؤال في مداخلة لي منذ عامين في المركز الثقافي وسألت الحضور إن كانوا يلاحظون أي اختراع أو إبداع عربي في تلك الصالة .. ؟ وحتى هؤلاء الشيوخ ومن على منابرهم وفي مساجدهم يتحدثون إلى الناس ويلقون خطبهم عن طريق الميكرفون أو مكبر الصوت وهو اختراع غربي والمصابيح التي تنيرهم من اختراع الغرب والسجاد الذي يصلون عليه تصنعها مصانع من ابتكار الغرب وحتى المسابيح التي يسبحون بها حبّات الخرز التي تضمها من صنع آلات غربية والمؤذن الذي يقلق الراحة العامة عند صلاة الفجر خاصة ينطلق بصوته المدوي الخارق عبر مكبر الصوت الأجنبي الصنع والثياب بدءاً من العمامة ومروراً بالجلباب والألبسة الداخلية وحتى السروال والجورب في قدمه صنعت عبر مصانع من ابتكار بلاد الكفر والحذاء الذي ينتعله كذلك وإذا كان قد استعان بأسنان صناعية لضرورات مرضية فهي أيضاً منتجات غربية أما الأدوية فحدث ولا حرج وابتداءً من حبّة الأسبرين إلى حبّة الفياغرا والتي أدمن عليها العرب أكثر من الغربيين حيث تستمر الرجولة العربية انتصاباً وشموخاً يغزونا بها الغرب ولكن في هذا المجال لنا أن نفخر بمعجزات حبة البركة وبول البعير ...؟ من اختراع عربي إسلامي صرف ، أما في مجال الأغذية يالله ..! تصوروا لو أن الغرب أوقف حليب الأطفال ومشتقات أغذيتهم ومن ماركات عالمية عن عالمنا العربي لمات معظم أطفالنا ونحن بلاد الشاة
والجمال والأبقار والمراعي .. ولكن على التوكل أيضاً والنتيجة تخلف غذائي رهيب ومن المؤسف ان شعوبنا تعتمد وبشكل أساسي على السمون والزيوت الأجنبية وتصور أن كثيراً من الشعوب العربية ومنها مصر تعتمد على القمح الأمريكي في صنع الرغيف العربي .. ؟ ماذا نعدد لنعدد اننا حقاً نعيش في مآساة حقيقية من التخلف المريع وعلى كافة الأصعدة .. أما في مجال الثقافة سأكتفي بإيراد مثل واقعي واحد لندفن رؤوسنا في الرمال خجلاً .. تصور يا رعاك الله أن اسبانيا عام 2002 ترجمت من الكتب أي في عام واحد أكثر مما ترجمه العرب والمسلمون لأكثر من 1400 عاماً والسلام عليكم كما هي نهاية مقالات الكاتب شاكر النابلسي ..وأرجو المعذرة ..

#مصطفى_حقي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات