|
الأزمة الإمبريالية في جذورها وفي محاولات حلها
المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)
الحوار المتمدن-العدد: 2098 - 2007 / 11 / 13 - 11:26
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
في أتون أزمات السودان والعراق وغيرها من الأزمات الوطنية وعلاقاتها بالتنظيم الرأسمالي العالمي للعلاقات المالية والتجارية والسياسية بين الدول وما يتصل بها من حرمان الشعوب من مواردها وحقوقها العامة وحقوقها في التنمية يحاول هذا المقال الإشارة إلى بعض النقاط في موضوع الإمبريالية وطبيعة أزماتها وحلولها، ويطرح إلى الأذهان بعض الإمكانات الموضوعية لخروج العالم من هذه الأزمات المتصلة بطبيعة التنظيم الرأسمالي لموارده وأموره وتطفيفه لهما.
1- ماهي الإمبريالية ؟
أ- في التاريخ القديم : "الإمبريالية" Imperialism إصطلاح سياسي يوناني ورومي منسوب لمفردة الإمبراطورية وسؤدد الملك على ما يزيد عن مملكة واحدة، وقد نشأ هذا الإصطلاح من حالة سيطرة القرية أوالمدينة المتمركزة على تجارة وأمور القرى المحيطة بها نتيجة موقعها الطبيعي ووضعها العسكري وتحكُم هذه القرية والمدينة فيما بعد بسطوة القانون وتملكاته وضرائبه وشرطته وجيوشه وما يتصل بهم ثقافة وإعتقادات في أمور بقية القرى وحياة آهليها وإنقلب حاله حاضراً من الدل إلى المجد إلى دالة إلى الطغيان.
ب- في التاريخ الحديث والزمان الحاضر: أما الإمبريالية كوجود وإصطلاح حديث فهي حالة طبقية إقتصادية-سياسية-إجتماعية ثقافية تتواشج بنشاط الرأسمالية العالمية (الأوربية-الأمريكية) في كينونة إستثمار لموارد العالم ومجتمعاته وإستغلالها أو تهميشها لأجل ربح الكيانات القائمة بهذا الإستثمار. وهي كأعلى شكل للرأسمالية تتصل في جذورها وأشكالها بطبيعة التقسيم الرأسمالي لموارد العالم منذ عهود الإستعمار وكيفية تنظيمه لتوزيع قوى وأدوات وأساليب الإنتاج ومنافعه على نطاق دول العالم في نظام إقتصادي مجحف مبخس مطفف لأغلبية المجتمعات والدول ومربح للقوى الأمبريالية بشقيها الأوربي والأمريكي وتوابعهم في القارات الأخرى.
وقد نشأت الحالة الإمبريالية بتنسيق وتضافر رؤوس الأموال المصرفية والتجارية والصناعية الدولية النشاط كقوى رئيسة والقوى المسيطرة في كيانات الدول الأوربية والأمريكية وهيئاتها في مجالات القانون والإعلام والحكومة والمخابرات والجيش وتخديمها -بتأثير رأس المال ونفعه لأفرادها- كقوى لإدارة وتنفيذ أفكار رأس المال ومشروعاته العامة المتعلقة بطبيعة وجود الدولة ونشاطها في مجتمعها والعالم لغرض تحقيق أقصى الأرباح للهيئات الرأسمالية الكبرى. وقد عبر أحد الرؤساء الأمريكيين عن هذا الوضع صراحه بقوله: (( مصلحة شركة جنرال متورز = مصلحة أمريكا)) وهو قول خطل لا يرعى منطقه تفاوت الحاجات والمصالح والقدرات بين الطبقة العاملة المنتجة لسيارات هذه الشركة في المجتمع الأمريكي وإختلافها عن حاجات ومصالح وقدرات الأفراد المسيطرين على مجلس إدارة تلك الشركة الحائزين الأعظم على أعظم أرباحها. وكذا على المستوى العالمي لتحقق هذه المصلحة الأمريكية بالنظر إلى تفاوت المصالح والحاجات والقدرات بين القوى المسيطرة في جنرال موتورز والدولة الأمريكية وحاجات ومصالح المجتمعات والدول المُستثمرة بمفاعيل الوضع الإمبريالي وتجارته المطففة المبخسة حيث تؤخذ منها الموارد والطاقات المكونة لأرباح تلك الشركة ودولتها مقابل خسائر بيئية وإقتصادية ومالية وسياسية وإجتماعية باهظة تنوء بها تلك المجتمعات والدول تتجاوز العائدات المالية البخسة التي نالتها وتكلفها معيشة ضنكاً.
وقد نشأت الإمبريالية الحديثة مواشجة للإستعمار ونهب وتبخيس موارد الشعوب وتطفيف جهودها وقدراتها تطوراً من شركات غرب وشرق الهند الهولاندية والبريطانية والفرنسية والأوستيرية والسويدية وشركات أفريقيا المتنوعة في القرون الماضية وإلى الشركات الخمسمائة الأكبر في عالم اليوم. ولم تزل الإمبريالية حتى الآن تحقق نشاطها عبر العالم وحدوده وحقوقه مرتبطة بشكل عضوي وظاهري بحالة الإستعمار: حيث تطور وجود الإمبريالية والإستعمار بداية من النشاط الأول لرؤوس الأموال ضمن حالات الإستعمار القديم القائم على الوجود والقهر العسكري المباشر للبلاد والمجتمعات المستعمرة ثم تولي رؤوس الأموال للشركات (المحلية) لإدارة تجارة تلك المستعمرات بحق إسهامها في تكاليف حملات الإكتشاف والفتح ثم تحول وجود الإمبريالية ونشاطها من ذلك الطور البدائي مع إمتلائه بالخسائر السياسية والثقافية وتعرضه للثورات، راقيةً منه إلى حالة أربح لها جسدتها في نظام الإستعمار الحديث القائم على السيطرة المصرفية النقودية على عملة الدولة والإستغلال التجاري وقهر المجتمعات والشعوب والطبقات الكادحة بشكل غير مباشر لاجل تحقيق أقصى الأرباح الممكنة ثم ظهرت إلى العيان مؤخراً حالة تطوير لهذا النظام بجمعه بشكل متنوع بين أسلوب الإستعمار القديم وأسلوب الإستعمار الحديث.
2- أسس وأشكال العمل الإمبريالية:
أ- من ناحية الأسس النظرية : تقوم الإمبريالية كحالة وطور عملي طبقي ودولي وعالمي لحق التملك الخاص للموارد وحرية التقويم النقودي للمنافع وحيازتها وتملكها بواسطة الأفراد وفق قدراتهم المالية ورغباتهم المجردة. فيما يعرف أيديولوجياً بالإسم الرنان "حرية السوق". ولحيوية النشاط الإصطفائي والإستئثاري لوجودها تعلي الإمبريالية حق التملك الخاص وحرية سوقه ومتطلباته المادية والنظرية على جميع الحقوق الإنسانية والدولية الأخرى، فيما يعرفه بعض الإسلاميين بإصطلاح الإستكبار العالمي وهم ينسون بذوره وجذوره في حقوق وحريات التملك والتجارة والفضل في قياسه على سُنة: (( ما أسكر كثيره فقليله حرام)).
ب- أشكال العمل الإمبريالية: يتجسد النشاط الإمبريالي بشكل دائرة تتركز الأنشطة والأرباح في مركزها وتنتشر الأعمال والخسائر في محيطها. ولكن بوصف قد يكون أكثر موضوعية ودقة فإن النشاط الإمبريالي يشكل كياناً ونوعاً منظوماً من التطوير المتفاوت بين المجتمعات والبلدان التي يمارس ضدها نشاطه وبين المجتمعات والبلدان التي يركز فيها سلطة أعماله وأرباحه، وذلك لطبيعة حياته القائمة على التطور المتناقض بين تركيز الأرباح والإختصاص بها في جهة وتوزيع الأعمال والخسائر في محيط المجالات التي تعمل لصالح تكوين هذه الأرباح في جهة أخرى . وإذ تحقق الإمبريالية نشاطها فبواسطة عمليتين مترابطتين متلازمتين هما: 1-عملية الإستغلال و2- عملية الإستلاب وهما عمليتين معقديتين يمكن توضيح أبرز معالمهم على النحو الآتي:
1- بعض ملامح عملية الإستغلال: يُكون رأس المال أرباحه بداية من إستغلال العمل المأجور وذلك بربوه المستثمر للعمل المنتج وإعطاءه قيمة لهذا العمل المأجور في مجال الإنتاج تقل عن قيمة نفس هذا العمل في مجال تداول البضاعة والسلعة التي أنتجها العمل وذاب متجسداً فيها.
2- بعض ملامح عملية التغريب والإستلاب: تتشكل عملية تغريب الفرد والكيان الإجتماعي المنتِج عما ينتجه وتتصل بعملية وحالة إستلاب وتطشيش وعيه: ففي حالة التغريب يعزل المنتجين عن إتخاذ القرارات الأهم في تحديد مجال ونوع وطبيعة إنتاجهم وأهدافه وأسلوبه وأدواته وتقنيته وتوزيع موارده وقواه كما يعزلوا في كل هذا التغريب عن قسط جهود الإنتاج وثمراته على أنفسهم حيث يضحى المنتِج مادة خام لا رأي لها في النشاط الذي يكون به حياته، التي تتجرد بهذا الوضع من مقومات الكرامة والحرية والإستقلال وكذلك يتحول الأمر من الفراد والعاملين إلى مجموع الطبقة العاملة والكادحين وإلى عموم المجتمع حيث يضحى مطية الإستغلال الرأسمالي لموارده وقواه لأجل تحقيق الربح مع بعض الجهود العامة واللمحات الخيرية والإنسانية لتخفيف عنائه وشقائه.
أما الإستلاب فيحول به الإنسان إلى مجرد أدآة عمل ووسيلة إنتاج ضمن الكيان الرأسمالي لتنظيم المجتمع والدولة. وهو حالة من كيانين مادي وذهني: المادي هو عملية سلب القيم الفائضة أو المستفاضة بعملية الإنتاج والحساب الرأسمالي لأجرة العمل وتجريدها من كل القيم الزائدة عن الضرورات الأدنى لحياة العامل وفي كثير من الأحيان تجريده من كثير من القيم الضرورة لحياته، وإبقاء شيء مما يسد الرمق له قبل الإستغناء عن خدماته. حيث يعرف هذا التجريد المادي بالإستغلال والتغريب، الذي أشارت له الفقرة السابقة أما الإستلاب الذهني فهو تغريب لعقل المنتج أوالمستخدم وتطشيش حسابه للفوائد والخسائر وينشأ هذا الإستلاب بإزاحة المماسك المجتمعية والإجتماعية من ذهن الفرد وقصر وجوده وتفكيره على اللحظة الإنتاجية التي يعيشها في يحموم طول ساعات العمل أو كثافته، وتجريد الفرد بهذا الرهق في من خصائص تركيبته التاريخية وسيمياء وجوده كبشر له إحتياجات وأحاسيس وكينونات عددا في ذاته وفي أسرته وفي مجتمعه وفي بلاده، وعزل تفكيره مقدماً عن تناول الأفاق الموضوعية لعمله وطبيعة مستقبله. وتحويل التنظيم الإجتماعي إلى نوع من السوم يعرف للبهائم في مزرعة الحيوان.
وإذ تتم إزاحة المماسك المجتمعية والإجتماعية من ذهن الفرد برهق طول وضغط العمل، فكذلك أيضاً تتم هذه الإزاحة بحرمانه من العمل وموارده فتقل مقدراته على التفاعل الإجتماعي وتنعدم، وتنحدر إمكاناته على الفعل المفيد والمثمر،وقد تقل ثقته بنفسه وقدراتها على الخلق والإبداع، بقلة كرامة وحرية وضعه في عملية الإنتاج وتحوله إلى مجرد رقم او شيئ فيها فيما يعرف بإصطلاح "التشيئي" وتدريجياً ينحدر الفرد والمجتمع المُستغَل أو المُهمَش إلى دوائر العجز والفشل والإحباط. بيد إن الإدهى والأَمر من ذلك هو تصميم نظام المجتمع كله بحيث ينتج الفرد الذي يتراوح وضعه بين الإستغلال والعبودية الحديثة في جهة أو التهميش والإهمال في جهة موازية حيث لا خروج له من هذا الحصار إلا بالنشاط الطفيلي في التجارة والأعمال وما فيها من خداع وإستغلال، أو بالجرائم ومخالفة القوانين، أو بالثورة التي تتطلب وعياً عاماً وتنظيماً دقيقاً وهمة عالية، مما تحاول الإمبريالية تجنبه عبر الرشاوى الإجتماعية ووسائل التربية والتعليم والثقافة العامة حيث تقع في تناقضات أخرى أشد.
3- الدعاوى السياسية للإمبريالية: أ- منطق المصلحة: تتواشج الإمبريالية بشكل طفيلي بعدد من الأفكار والدعاوى السياسية، وهو سلوك طبيعي منها ككيان بشري حيث يعمل الذهن دوماً على تنظير المواقف والخيارات التي يجد نفسه فيها وينظم هذا التنظير بالمنطق المفيد لسلامة وضعه من المنقصات النظرية والعملية بل والمفيد كذلك لنمو وزيادة هذا الوضع وتحسينه.
ب- هيمنة قوى وقيم السوق ومصالح قواها الأعظم على كافة الحقوق والدعاوى السياسية: ومن هذه الأفكار والدعاوى ما تبنته الرأسمالية في نشؤها الحديث من مبادئي الحرية والإخاء والتعاضد والمساوآة، ودعاوى نشر الحضارة والتمدن والإستعمار، أفكار التقدم والإشتراكية، مكافحة العنصرية، حق المجتمعات والدول في تقرير مصيرها، الإتحاد العالمي والحكومة الدولية، الحرية، والسلام والأمن، مكافحة الديكتاتورية، توازن القوى، تقديس الدين، مكافحة المخدرات، حقوق الإنسان، مكافحة الفساد، الديمقراطية والمجتمع المدني، مكافحة الإرهاب، حماية البئية والوقاية من تغير المناخ، وغير ذلك من شعارات عامة نتجت أصولها في مختلف المجتمعات بنضالات الإنسان ضد القهر والتمييز العنصري والإستعمار لكن القوى الإمبريالية تتبناها بشكل متنوع في الزمان والمكان وتسوق هذه الشعارات تحت سيطرة وهيمنة مبادئي وقيمة عليا وهي مبادئي وقيم التملك الخاص للموارد والمنافع وحرية قوى السوق ونشاطها لتكريس هذه التملكات والمنافع لأصحاب القدرات الأقوى. وهي مبادئي وقيم تعارض كل القيم الإنسانية يطبيعة عملها الإستغلالي وتكوينها للأرباح بالتغريب والإستلاب وتجريدها الآخرين من مواردهم وطاقاتهم بثمن بخس وخسارات عظمى في وجودهم وبيئتهم
4- مصادر القوة والضعف الإمبريالية:
ككل الأشياء في الطبيعة وفي الطبيعة الإجتماعية لم تتكون القوة الإمبريالية دفعةً واحدة، بل نشأت وتطورت أطوارا وإرتقت في ذلك من التكوين الرأسمالي المفرد والبسيط الى الكثير والمعقد العالمي معتمدة على العناصر والعمليات الآتي بيانها: 1- الإستعمار القديم ومخلفاته 2- التحكم في العملات والتمويل والتصنيع والنقل العالمي والإتصالات والتجارة الدولية 3- الحماية الديبلوماسية والدعم العسكري وتجارة السلاح 4- الديون الدولية ونتيجة للتطورات السياسية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية في العدد الغالب من دول العالم وكذا في الدول التي تتمركز فيها القوى الإمبريالية قلت فاعلية هذه المصادر في الزمان الحاضر وإضمحلت وأضحت الإمبريالية من جديد في حاجة إلى إيجاد موارد وأرباح حقيقية أكثر تعمل على تلبيتها وتحقيقها تحت شعارات سياسية جديدة كالإنفتاح وحماية الإستثمار، والتسهيلات، والتعاون الدولي، وحرية التجارة الدولية، والشراكة وعبر عمليات سياسية متنوعة منذ السلام الأخضر ومكافحة الشيوعية إلى عمليات السلام، وحقوق الإنسان ودعم الديمقراطية ومكافحة الإرهاب.
وقد كانت التطورات في أكثر دول العالم المستعمَر القديم وليدة من تفاعلات النشاط الشيوعي لدعم نشاط حركات التحرر الوطني والدول المتحررة حديثاً والنشاط الإجتماعي والنقابي والثوري في هذه الدول ضد الميز الطبقي والعنصري والإستعمار الحديث ولأجل التقدم المتناسق والسلم العالمي، والتناقضات الداخلية للتنظيم الرأسمالي العالمي القديم للموارد والسلطات:
فالتفاوت بين تصنيع الخامات في المستعمرات وفي مراكز الإستعمار الأوربية والأمريكية ومصاعب ولوازم وقواعد التنافس فرضت ضرورة إستقلال المستعمرات، والإفادة من الثروات التي كونها الإستعمار في تكوين سيطرة وهيمنة شاملة على موارد العالم بداية من تحديد قيمة العملات ومحاولات تقوية أو إضعاف بعض الدول مما أثار توترات دولية تم إستثمار جانب منها في صناعة وتجارة الأسلحة والسيطرة شبه المباشرة على مراكز القرار السياسي، وقد أدت هذه السيطرة ومتطلباتها من مشاريع تنمية زائفة وفساد إلى زيادة الديون الدولية والتحكم غير المباشر ولكن تفاقمها ضعضع إمكانات السداد وسبب أزمات مالية دولية إنعكست على السياسة الإمبريالية بزيادة في إتجاهات خصخصة وعولمة الموارد والثقافات مما سبب زيادة في حالات الفقر والامية والجهل والتخلف وزاد التوترات والحروب، وبتزامن مع ذلك إرتفعت أسعار المواد الخام والطاقة، وأسعار المنتجات والخدمات بمعدلات أكبر من إرتفاع الأجور وقدرات الإستهلاك مما يزيد ضعف إمكانات الإنتاج والتوزيع .
5- طبيعة الأزمة الإمبريالية:
تعبير وإصطلاح "الأزمة" يعني التناقض الجذري بين عناصر الشيئ أو مكونات الحالة حيث يصير وجود أحدها ضداً لوجود الآخر وتضحى طبيعة حياته ونشاطه خصماً على طبيعة حياة ونشاط العنصر أو المكون الآخر مما لا يمكن تجاوزه وتحقيق الحرية منه إلا بغلبة واحد من العنصرين على الأخر بتطور في قدراته أو بإجتماعه مع عناصر أو مكونات اخرى ضد العنصر أو المكون النقيض والحد من نشاطه وإضعاف جذور حيويته وتعطيل مصادر حياته.
وأزمة الأمبريالية أزمة بنيوية لها أشكال تتراوح بين الأزمات الإنتاجية والتجارية والمصرفية والأزمات الإجتماعية والدولية والحروب الأهلية والدولية والعالمية وهي تتصل ببنية النشاط الإمبريالي وطبيعته فبينما تميل القوى الإمبريالية إلى توسيع نشاطها وتأليله لتحقيق أقصى ما يمكن من أرباح فإن هذا النشاط والتوسع وما يتصل بطبيعته من تحكم أوتركيز وحذف للموارد وتزاحم وإزاحات وإستغلال وتهميش يسبب بدوره ضيقاً في الموارد المتاحة وضعفاً في القدرات الضرورة لتجديد نفسه على المستوى العام مما يستوي أمره في حالة زيادة تخديم الآلآت أو تقليها وفي حالة رفع الأسعار أو خفضها. ويقوم التنظيم الرأسمالي للموارد بإجحافه في توزيع الموارد والجهود والثمرات بتوليد تناقضات إجتماعية وسياسية شتى طبقية وعنصرية المنحى تمس الأعصاب والأوتار الحساسة في التشكيلات الإجتماعية المختلفة مثيرة لكثير من القلاقل والإضرابات والإنتفاضات والثورات والحروب مما بدفع القوى الإمبريالية إلى الخروج من دوائرها والإرتقاء من هذه النشاطات العملية ومشكلاتها إلى نشاطات أخرى في المجالات التقنية المعقدة ومجالات الإقتصاد الرمزي بالمضاربة على الأسهم، والتجارة في التمويلات والعملات، وتدوير الأموال، وتأمين الخدمات السياسية والسمسرة في العقود أو إلى الإنعزال من كل ذلك والإكتفاء ببعض النشاط في ظل التدهور العام للموارد والأرباح الحقيقية، مما يزيد بكساده من وتائر الأزمة ويجددها ويفاقمها.
ومن مظاهر الازمة الرأسمالية العالمية التحولات المختلفة في التاريخ الإقتصادي بين نظم الحماية السياسية للإنتاج والتجارة الوطنية ونظم حرية الإنتاج والتجارة والتسويق وما بينهما من حروب أهلية ودولية وعالمية، وكذاالدعوة الكثيفة المعاصرة إلى حرية التجارة والدعوة لحرية الإستثمار والدخول إلى السوق الصينية ثم التضجر الكثيف من النشاط الصيني والخسارة منه.
6- الحلول التي تقدمها الإمبريالية لعلاج أزماتها:
تتقدم الدوائر السياسية والعلمية والثقافية المرتبطة في تمويلها بالنشاط الرأسمالي إلى الجهات العامة والخاصة المتصلة بتسيير النشاط الإمبريالي وقوانينه ونظمه واعماله بعدد من (الحلول)، لعل أهمها ما لخصه خطاب رجل المال والإستخبارات المتحدر من أصول الطبقة الحاكمة الرومية والألمانية الأمريكية الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب في هيئة الأمم المتحدة حيث أعلن للقضاء على (مشكلات العالم) قيام ماسماه "نظام عالمي جديد" New World Order. وهو تعبير روماني قديم بعثته النازية وخدمته لمصلحة حربها العالمية ضد المظالم الإمبريالية القديمة لألمانيا ومحاولة قيادتها النازية آنذاك بناء نظام عالمي جديد يتحكم فيه راس المال الألماني، حيث حدد الرئيس الأمريكي أقانيم هذا النظام (العالمي) بأنها: 1- إنهاء الإيديولوجيا [ومقومات التفكير المنظوم بمصالح الطبقة العاملة والمجتمع] 2- الإعتماد على العلم والتكنولوجيا [في علاج المشكلات الإجتماعية] 3- حرية قوى السوق 4- تعزيز المجتمع المديني والديمقراطية
فحص الحلول الإمبريالية:
قد تشكل هذه الأقانيم تفصيلاً سياسياً لميثيولوجيا "نهاية التاريخ" التي روجتها مؤسسات البحث والعلوم السياسية الإمبريالية آوانذلك الإعلان فهي في شرطها الأول تتطلب عقلاً خالياً من التاريخ وخبراته ومُرَكَزات علومه الإجتماعية، كما تهمل في شرطها الثاني الأوضاع الطبقية والظروف الإجتماعية والسياسية لإنتاج وتطبيق المعارف العلمية وتوسيع التعامل بها وآثار إحتكارها بـ"حقوق الملكية الفكرية" وطبقية التعليم لمصلحة القوى الرأسمالية والتطور المتفاوت، كما تتجاوز هذه الأقانيم في شرطها الثالث الحقائق الموضوعية لتفاوت قدرات قوى السوق ومصالحها وإختلافها جملةً عن تفاوت حاجات وقدرات المجتمعات البشرية ومصالحها، كما تتجاوز في شرطها الرابع عن المجتمع المديني والديمقراطية حالة التحكم الفعلية في الحقوق والحريات التي تفرضها طبيعة حرية السوق وقواها وميلها المستمر للإنفراد بتقرير شؤون موارد المجتمعات، وما في ذلك من تقرير لطبيعة حياة تلك المجتمعات ومستويات عيشها ومستقبلها دون أن يكون لها حق في تغيير أسس هذه الحالة .
الطبيعة العملية هذه لنفاذ هذه الحلول وتطبيقها في العالم: لم تبقى الحلول الإمبريالية طي أدراج كاتبيها فقد توسع في إنجازها طوال ما يقرب من عقدين من الزمان وقد زادت نتيجة لها الأرباح الظاهرية في المراكز الإمبريالية مقاربة أعداد فلكية تتجاوز الأصفار فيها الخمسة عشر صفراً وهي تتجه إلى السادس عشر، ولكنها في الجانب الأكبر من العالم إرتبطت بكل النتائج السالبة التي وردت عنه في تقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية فزادت أو تكثفت معدلات الفقر والأمية وسوء التغذية والأمراض والإنقسامات والأزمات الإقتصادية-الإجتماعية والتوترات والحروب، وهي أمور تعرقل النشاط الإقتصادي العام بأشكاله
وبناء على هذه النتيجة وتوكيداً لها يمكن الإتجاه إلى القول بأن هذه الحلول تسهم في تجديد الأزمة الرأسمالية العالمية بإنعاش جذورها وتنويع أشكالها أكثر من إسهامها في حل هذه الأزمة وعلاج ظواهرها، ومن هذه التفاقمات تجدد الزيادة في إنتشار وتكثف حالات الفقر والأزمات الإقتصادية الإنتاجية والمالية والتجارية والتوترات السياسية والمجاعات والحروب وتفشي الأمراض ونشاط حالة الديكتاتورية الدولية والإستعمار والزيادة في العسف بحقوق الإنسان ومايرافقها من حالات القمع والإعتقالات والتعذيب والإعدامات والإغتيالات وإتساع في نطاق وأنواع الجريمة من المخدرات والسرقات والرقيق الأبيض وليس نهاية بجرائم الحروب والتطهير العرقي والثقافي، إضافة إلى ما تكلفه مقاومة هذه الأوضاع.
7- الحل الموضوعي للأزمة الإمبريالية:
عمق الأزمة الإمبريالية وتشعبها يجعل علاجها بطرق ووسائل الإسعاف والإصلاح عبثاً وأمراً سفها، فلابد من تناسب الحلول بما هي حلول مع مسببات الأزمة ومكوناتها وبعدها عن التعلق بعوارضها وأشكالها السطحية. ومادامت الأزمة في أصلها أزمة طبيعة تملك موارد المجتمعات والدول وتراكماته وحرمانها بهذا التملك من السيطرة عليها، لأجل مصالح الرأسمالية الدولية وتحقيقها الربح فإن الحل الموضوعي لهذه الأزمة لا بد أن يتصل بطبيعة هذه التملك وآثاره وذلك على النحو الآتي:
1- قيام المجتمعات والدول بتأميم جميع موارد الإنتاج ووسائله الضرورة لحياتها وعيشها وسيطرتها عليها سيطرة تامة 2- تنظيم أمور الإنتاج والعيش في هذه الدول بصورة ديمقراطية تخضع لقوى ومصالح العدد الغالب من الناس حيث تدار الوحدات الإقتصادية-الإجتماعية للإنتاج ومؤسساته وفق قواعد الشراكة والتعاون. 3- تنظيم أمور الحكم السياسية وتنظيمه لمعيشة الناس وفق التنظيم الديمقراطي السابق، بشكل تعاقدي إتحادي بين مكونات المجتمع يقيمون به الأسس النظرية والعملية لكياناتهم الإدارية الريفية والمدينية ودولتهم. 4- تدعيم ثقافة التنمية المتوازنة والإشتراكية والسلام
وعلى هذه الحلول يمكن أن يلاحظ سمات الإتساع والعمومية، ولكنها كذلك لحكم تنوع الوضع الإمبريالي وإشكالات أزماته وضرورة مراعاة تباين القدرات الوطنية والمحلية في التصدي له.
بيد إن الإساس في تحقيق هذه الحلول وإنجازها هو تأسيس وتدعيم سلطة الشعب وديكتاتوريته المطلقة على موارده وأموره وتوجيه إستقلال المجتمعات والدول إلى مصلحة سكانها وشعوبها بدلاً عن وجهتها الحاضرة لمصلحة حكامها وأغنياءها حيث تكون ديكتاتورية البروليتاريا (= سلطة الشعب) بديلاً لسلطة وسيطرة رأس المال وهيمنته وتمييزه بين الناس أقاليماً وأجناس محظوظة وأقاليم وأجناس منحوسة ملعونة، فللخروج المتناسق من دائرة الإستغلال والتهميش الرأسمالي المنتج لهذا الوضع فإن إنجاز هذه الديكتاتورية والظفر بها يتصل بهمة الحزب الشيوعي ونشاط قيادته وأعضاءه في تنظيم القوى المستغلة والقوى المهمشة في المجتمع تنظيما طليعياً دقيقاً متنوعاً يكرس أفيد الطاقات المبددة والمهملة وينظمها في عملية تغيير إجتماعي شامل لقواعد البنيان الطبقي وهرمية تملكاته الإقتصادية الإجتماعية ويدفع بالتحول عن هذا الأسلوب الرأسمالي المجحف للنشاط والبناء الإجتماعي إلى أسلوب أكثر إشتراكية وديمقراطية وعدالة وسلام يرتبط بقوى الطبقة العاملة وعموم الكادحين وتحولهم من حالات النقص والتكالب على موارد الإنتاج ووسائله وعائداته إلى حال الإشتراكية فيهم والإشاعة لخيراتهم شيوعية متقدمة بالنساء والرجال خارجة من مجتمعات الإصطفاء والإستئثار والتملك الخاص المفرد للمنافع العامة والتمييز الطبقي والعنصري إلى مجتمع غزير العطاء وافر الكرامة والحرية كينونته الإنسان، وقد يكون ذلك هو أحسن ختام لتطور مجتمعات البشر بكل تكالباتها وثوراتها وبداية رقي مجتمع الإنسان بكل إبداعاته وجمالياته وإشراقاته شمساً للخلق والسكينة والمحبة والسلام.
#المنصور_جعفر (هاشتاغ)
Al-mansour_Jaafar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف تعزز السوق الحرة ضرورة ديكتاتورية البروليتاريا لحياة الن
...
-
نقاط في مشروع دستور ولائحة وبرنامج الحزب
-
بعض مفارقات حقوق الشعوب وحق الدول في الحفاظ على وحدة أراضيها
-
ثلاثة أخطاء قاتلة
-
تخلف الأحزاب عن طبيعة الصراع الوطني يفاقم العنصرية والإستعما
...
-
حُمرة أنغام الخريف
-
نقاط في تاريخ الماسونية... من السودان وإليه
-
عن أزمة النظام الرأسمالي ودولته السودانية في الجنوب
-
التأميم والمصادرة ضرورة للوحدة والتنمية ومكافحة العنصرية
-
الكلمات المتقاطعة والطرق الفرعية
-
شذرات
-
أطلقوا سراح البلد
-
نقاط من تاريخ الثقافة الرأسمالية في بريطانيا، بعض تفاعلات ال
...
-
دراسة لأحد ملخصات المناقشة العامة
-
الأزمة العالمية و الأزمة السودانية في دارفور
-
أهمية العملية الثورية في تكريب القيادة وأهمية القيادة في تكر
...
-
مشارق الأنوار... نقاط عن الحركة الإسماعيلية وجماعات إخوان ال
...
-
ثلاثة أسئلة
-
الماركسية الجديدة وصناعة تجميد الإشتراكية في القالب الفطير ل
...
-
مشروع دراسة: -نقاط في تاريخ أمريكا الجنوبية وبعض المعالم الس
...
المزيد.....
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع
...
-
صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|