(( تعافت جروح المارد، وسيتولى أمر نفسه. فلا داعي للزحمة ! ))
بضغوط معلومة وغير معلومة انعقد مؤتمر لدول الجوار العراقي في دمشق، قاطعه وزير خارجية مجلس الإمعات هوش زيباري متحججا بتأخر الدعوة إليه، أو أنها وصلت ليس بأقل من الشكل الدبلوماسي المحترم،، أو شيء من هذا القبيل. لكن رئيس الدورة الشهرية الحالية لمجلس الإمعات مامه جلال أوضح قائلا: (( إن هذا المؤتمر يعتبر تدخلا في الشأن العراقي وأن سوريا تساعد في إدخال العناصر الأجنبية إلى العراق )).
وشعوب الجوار العراقي عربها وعجمها وقفت مع الشعب العراقي في محنته وقدم كل منها ما استطاع. والشعب العراقي بدوره قدم لهذه الشعوب ما استطاع، ولا الشعب العراقي ولا الشعوب الجوار تتنكر، أو تفكر أن تكف يوما عن مد يد العون لبعضها البعض.
فإن تحدثنا عن الحكومات، فالدور الأكثر بروزا في القضية العراقية للعقد الأخير كان للحكومتين السورية والكويتية. وكان دورا على طرفي نقيض، حيث ناصرت الحكومة السورية العراق بينما الكويتية ناصرت العدوان عليه بكل المعايير. وعائلة الصباح هي التي شرت الذمم وعن طريقها تم تجنيد الكثير من العملاء العراقيين والخونة، وهي التي دربت ودفعت تكاليف إنشاء العصابات التي سرقت الآثار العراقية وسلمتها لإسرائيل والتي قامت بالفرهود أول أيام سقوط بغداد، وهي التي كانت قد دفعت الأموال الطائلة لبعض الصحف للعزف على مقطوعات حرام من قبيل: (( الامثتال للشرعية الدولية )) و((أسلحة الدمار الشامل العراقية )) و(( الأسرى الكويتيين )). تلك المعزوفات التي صمتت حال غزو العراق وكأن شيئا لم يكن، بالأخص قضية الأسرى، التي وكما يلاحظ المتابعون اختفت من الإعلام وواجهات الصحف وحديث الحكومة الكويتية بعد ثلاثة أشهر فقط من احتلال العراق. بينما استمرت تبكيها الليل والنهار وتنادي بالويل والثبور وعظائم الأمور عنها 13 عاما. فإن أردنا اختصار وصف دور الحكومة الكويتية أو حقيقة دور عائلة الصباح في القضية العراقية، فبكونها القناع الأوسخ لإسرائيل وأمريكا والوجه الأقبح لليمين الأنجلوصهيوني في المنطقة والقضية العراقية حصرا.
والقباحة والتقنّع أمران منكوران، وربما لن يطول ذلك اليوم الذي تجد عائلة الصباح نفسها تئن تحت وطء العقاب المشروع العادل.
وحكومات إيران وتركيا والأردن والسعودية، لم يختلف دورهم عن الدور الكويتي سوى أنه أقل حدة وأكثر حياءً فلا يتهافتون تهافت العبيد كعائلة الصباح خدمة للمخطط الأمريكي.
بينما ناصرت الحكومة السورية القضية العراقية قبل الحرب، وهي أيضا أكثر من ناصر الشعب العراقي طوال السنين الماضية. لكن موقفها يكاد يكون تراجع أو أصابه الوهن وبالتحديد قبيل الغزو، حين وافقت على قرارات الغزو والتفتيش وما بعد الغزو، الأمر الذي حاول الخطاب السوري جزافا تجميله أو تحميله على غير محمله.
والمحنة التي يمر بها العراق الآن والمنطقة ككل، تقتضي مراجعة، ليس بالضرورة لكشف حسابات، إنما تحسبا إلى ما هو قادم. خصوصا والمستهدف، أو ما كان مخططا له أن يستهدف، بعد العراق هو سوريا بالدرجة الأولى.
وكما تقول الوقائع، فالمقاومة العراقية، مقارنة بكل المقاومات قبلها في التاريخ، هي الأشرس أو واحدة من بين الأشرس والأكبر زخما والأوعى قيادة وقواعد، وهي أيضا الأشد في ضرباتها والأثقل على عدوها المحتل. والمقاومة المسلحة العراقية تعرف أهدافها جيدا، بحيث وصلت درجة عالية من السيطرة على مجريات العمل القتالي فصارت تحذر قبل أن تضرب، ثم تضرب بالموعد المحدد الذي حذرت منه؛ بشهادة العمليات الأخيرة على مراكز الشرطة في الخضراء وغيرها وعلى مستشفى السامري* الإسرائيلي في شارع السعدون، وكذلك اختطاف ما سمي بالحاكم الشرعي في النجف الذي عينه عبدالعزيز حكيم، بعد تحذيره، فتمت محاكمته ميدانيا وصفي، وما جرى للحاكم الآخر في الموصل.
والمعادلة على أرض الواقع في العراق بسيطة جدا، وتقول: (( إن انتصار أمريكا على المقاومة المسلحة العراقية يعني سقوط العالم الثالث كله ولقرون عديدة قادمة بيد الوحش اليميني الأنجلوصيهوني، بينما انتصار المقاومة العراقية المسلحة على أمريكا يعني انتصار كل شعوب العالم الثالث على هذا الوحش، وفكاك البشرية ولو لحين من دمار أخلاقي وعرفي واقتصادي وموت محقق ))
ومن هنا، فليس من مجال للوصاية على المقاومة المسلحة العراقية، وهذه المقاومة ليست في حاجة إلى مساعدة أيا كانت، وفي يد هذه المقاومة حصرا مصير دول الجوار ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها، وهي التي توجه سير الأحداث، وهي تحت قيادة أمينة واعية لأهدافها، وهي بالتالي في حول على إتمام مهمتها – التحرير الكامل، خير قيام.
وإن عدنا إلى مؤتمر دمشق وراجعنا مواقف الحكومات المشاركة فيه، فستسقط من النوايا الطيبة ومباشرة حكومات الكويت والسعودية وتركيا والأردن. ليس من باب كونها جميعا مهدت للغزو وساعدت به ومنحت للغزاة القواعد والأجواء وحسب، بل من باب أنها جميعا تريد سلخ الجلد العراقي فلا يعود بعدها يثير الصداع. بقيت حكومتا إيران وسوريا. ومن ناحية الغزو، فللأسف كان للحكومتين دور، لكنه أخف بكثير من حكومات الجوار الأخرى، فبعض الصواريخ كانت تخترق الأجواء السورية من البحر الأبيض المتوسط لتسقط على بغداد، وبعضها كان يخطأ هدفه، صدفة، ليأتي من القواعد الأمريكية في باكستان والخليج مارا فوق إيران صدفة، فيقع على بغداد. لكن، يبقى دور الحكومتين السورية والإيرانية أهون من غيره، وتبقى الحكومة السورية معتوبة أكثر من جميع الجوار.
بقيت حقيقة غير منكورة تتمثل في أن مؤتمر دمشق انعقد في الكثير منه، خوفا من أمريكا، وإبداءً لحسن النوايا تجاهها وتبرؤا من تهمة السماح لدخول مجاهدين عرب ومسلمين إلى العراق عبر الحدود.
هذا، ولقد بينت الأحداث أن كل ما قدمته الحكومة السورية لأمريكا قبيل غزو العراق وخلاله، من دعم للفرارات الممهدة للغزو، إلى غلق الحدود بوجه المواطنين العراقيين لحين، إلى مؤتمر الجوار هذا، ناهيك عما يحتمل أنها قدمته في السر، كل هذا لم يشفع لها. وها هو بوش، وفي خطابه عن إحلال ما سماه بالديمقراطيات في المنطقة، يوم أمس قال بالحرف: (( إن القادة الدكتاتوريين في العراق وسوريا تركوا إرثا من القمع والتعذيب والبؤس والخراب ،،)). بما معناه أن سوريا حتى لو حرقت نفسها شمعا لدرب الغزو الأمريكي في المنطقة فهي مستهدفة، وليس بينها وبين أن تغزى سوى أن تكتمل المبررات.
وربما اكتملت تلك المبررات. فالضربات التي يئن تحت وطئتها الأمريكان في العراق قد تدفعهم، أو ستدفعهم حتما، لمهاجمة سوريا كمعادل نفسي لطردهم الوشيك من العراق.
وكان على الحكومة السورية دخول الحرب إلى جانب العراق وعلنا وإشراك جيشها بالعمليات القتالية. فلو فعلت هذا في وقته لجنت الآن الثمار ذاتها التي يجنيها المقاومون العراقيون، حيث، لو تم لهم طرد أمريكا، وسيتم، فلن تعود أمريكا تفكر بشيء من قبيل مهاجمة العراق، بل سيكون اسم العراق وحده غصة على صقور وحمائم اليمين الأنجلوصهيوني ولأجيال.
المهم إن ما كان كان، ولنعد للوقائع، التي بتاءً عليها، وباختصار شديد نطرح الثوابت التالية:
- إن علاقة عراقية سورية كالتي بين سوريا ولبنان، مرفوضة كليا. أو هي علاقة تخطاها الزمن ولم تعد مناسبة. وليس من المفروض أن يحارب العراقيون وفي هذه الظروف حفاظا على صمود سوريا بينما بلادهم ترزح تحت الاحتلال. وسوريا أولى أن تحارب دفاعا عن صمودها، وعن حدودها أيضا. والشعب السوري ليس أقل وطنية من باقي الشعوب ولا أدنى حماسة في الدفاع عن أرضه. مجرد أن تتخلى الحكومة السورية عن بعض مخاوفها، أو أنانيتها، تجاه القوى الوطنية السورية، لتأخذ هذه القوى المبادرة فتهب لتحرير الأجزاء المحتلة من سوريا، وتبادر بالوقوف ضد الغزو الماثل.
- لا يجوز أن يتذاكى الأمريكان والحكومة السورية بالتربص لبعضهما البعض على الساحة العراقية! ولا تتقي سوريا غزوها بتكتيك ما على أرض العراق!
- نعم! التضامن مطلوب ومد يد العون للمقاتلين العراقيين، إن احتاجوه، مطلوب أيضا! لكن ليس بالصيغة التي تمت على الساحتين اللبنانية والفلسطينية.
- لا قوات سورية على أرض العراق تحت أي ظرف من الظروف!
- لا تدخل بسير العمليات ولا إملاء شروط ولا إرسال مقترحات!
- لا يحق لأحد التكلم باسم المقاومة الوطنية العراقية غير المقاومة الوطنية العراقية نفسها!
- ممنوع على القوى الوطنية العراقية منعا باتا إشراك أية دولة كانت أو جهة بالقضية العراقية لا سلبا ولا إيجابا. القرار العراقي يجب أن يكون عراقيا خالصا ولا يقبل القسمة على اثنين ولو مع المدلل من الأشقاء!
- أحسن وأثمن تضامن ومساعدة تقدمها حكومات المنطقة إلى الشعب العراقي هي أن تحارب أمريكا على أراضها. وهناك الكثير من الأهداف الأمريكية العينية وغير العينية. ولا نعني بذلك التفجير أو القتال، فسماح هذه الحكومات بالنضال السلمي الاجتماعي في حد ذاته ليس قليلا!
- نعم لحسن الجوار! نعم لرد الجميل! نعم للتضامن بين الشعوب المحبة للسلم والمعادية لأمريكا!
- نعم للتنسيق بين المقاومات! نعم لتبادل الخبرات! نعم للتوافق الإعلامي! نعم للمتطوعين العرب وغيرهم وكل مجاهدي العالم من أجل العدل والسلام والحرية، إلى هذه الحرب المقدسة! طالما أمريكا ذاتها دعتهم لأن تقاتلهم على أرض العراق، وقالت صراحة أنها تعتبر العراق ساحتها الرئيسية ضدهم!