أماني أبو رحمة
الحوار المتمدن-العدد: 2097 - 2007 / 11 / 12 - 12:26
المحور:
ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين
قد يكون من الغريب مناقشة الحلول الممكنة للصراع العربي الإسرائيلي : هل نفضل وصفة الدولة الواحدة أو دولتان متجاورتان , أي الحلين ممكن .
تبدو هذه الأسئلة وكأنها بعيدة عن الحقائق على الأرض .حيث من الواضح أن حل الصراع لم يكن في يوم ما بعيدا كما هو الآن .
في الوقت الحالي غيرت إسرائيل بصورة أحادية و دراماتيكية وجه المنطقة. ذلك أن المشروع المسمى خطأ "جدار الأمن " والذي يبدو وكأنه يضحي بعدد من المستعمرات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة بعيدة في وفي مناطق مأهولة بالسكان الفلسطينيين , ليس إلا توسعة أبدية لإسرائيل الكولونيالية على الأراضي التي احتلتها العام 1967 , إضافة إلى كونه يتمم نظام الطرق المخصصة لليهود فقط, , ويكمل نقاط التفتيش التي تفتت الضفة الغربية, انه يركز الفلسطينيين في مناطق مأهولة عالية الكثافة فقيرة وبلا موارد ويضمن بذلك سيطرة إسرائيل التامة على موارد البلاد الثمينة ويمنحها أرضا مفتوحة وماء.
كثيراً من التجمعات الفلسطينية في الضفة الغربية محاصرة اليوم بالجدار من كل الجهات بنظام أنفاق وجدان إسمنتية وأسلاك شائكة بل "وفي بعض الأحيان يخترق الجدار بعضها " وغزة أيضا مغلفة. والحركة بين الجيوب الفلسطينية صعبة للغاية ,الحصول على الرعاية الصحية والتعليم والعمل محدودا إن لم يكن مستحيلا, الفقر في كل مكان. 60,% من السكان تحت خط الفقر بأقل من دولارين يوميا , وفي غضون أشهر قليلة سيكتمل المشروع وسيحشر الفلسطينيون في غيتوهات صغيرة موصولة بطرق غير ظاهرية تسيطر عليها إسرائيل. لن يكون هناك مطار أو ميناء والسفر الأرضي إلى دول الجوار سيتحكم به جنود إسرائيليون و النتيجة النهائية, كما في غزة الآن وكما في بعض مناطق الضفة الغربية, هي قطاعات: نظام سجون مفتوحة ومكتظة وإذا ما حاول النزلاء الخروج أو التمرد فان السجان سيلاحقهم بغارات جوية وبسلاح المدفعية .
ومع ملاحظة أن ما يحدث في المناطق المحتلة عام 1967 ليس جديدا بالضرورة. وان عمر الصراع العربي الإسرائيلي ليس 40 عاما, بل يذهب بعيدا إلى 120 عاما. خلال هذه الفترة فان اليوشاف الإسرائيلي الذي تحول إلى دولة لم يوفر طريقة للحصول على الأرض وان يطرد السكان الأصليين أو يخنقهم.
كان التحول الكبير في هذا الاتجاه هو ما حدث العام 1948 حين اجبر ما يزيد على 700.000 فلسطيني على مغادرة أرضهم وقراهم تحت وقع العدوان الهمجي الصهيوني . لقد سوت الدولة الحديثة منازلهم بالأرض ومنعتهم من العودة
أما الفلسطينيون الذين بقوا في أرضهم بعد 1948 , وقاموا محاولة الطرد عام 1950, فقد منحوا المواطنة الإسرائيلية , وأصبحوا اليوم يشكلون 20% من سكان إسرائيل إلا أن سياسة التهجير وقضم الأرض لازالت مستمرة تمارسها إسرائيل ضد مواطنيها العرب. ففي النقب على سبيل المثال يعيش 80.000 بدوي في قرى غير معترف بها من قبل السلطات التي ترفض تزويد هذه القرى بالماء أو الكهرباء أو المدارس الكافية أو الرعاية الصحية . وكما قلنا فان السلطات الإسرائيلية تسعى بجدية إلى إرغام هؤلاء السكان على العيش في مناطق مزدحمة وغير لائقة ولا يكاد يمر يوم بدون أن يهدم منزل وأحيانا قرية بأكملها مع مصادرة لقطعان الماشية وتجريف للحقول فيما توزع السلطات الأراضي في المنطقة بكرم على المستوطنين اليهود.
هذا جانب واحد من سياسة الشد والجذب التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية وفوق ذلك فان الرأي القائل بضرورة نزع المواطنة عن السكان العرب ومحاصرتهم أو حتى طردهم إلى الخارج أصبحت رائجة بين اليهود الإسرائيليين .
في نهايات القرن التاسع عشر , حملت الهجرات الصهيونية إلى فلسطين شعار" ارض بلا شعب لشعب بلا ارض" ويبدوا أن الحركة الصهيونية لم تيأس من محاولات إفراغ الأرض من سكانها الأصليين كما جرى تداول شعار آخر هو" قيراط من هنا وقيراط من هناك ", هذا الشعار الذي علمونا إياه في المدرسة , يدلل على الرؤية التاريخية المبتكرة والقاسية للمشروع الصهيوني . قطاعات مختلفة من الأرض يمكن الحصول عليها بطرق متنوعة : الشراء, الاغتصاب , والقوة اذا لزم الأمر . قد لا تكون الأرض التي نحصل عليها متصلة في البداية , بعضها هنا وبعضها هناك , ولكن في النهاية قيراط فوق قيراط وسنحصل على الأرض كاملة .
لا يوجد في الشعار ما يشير إلى الناس اللذين يقيمون على الأرض. وبعد ذلك في العام 1970 قالت رئيسة الوزراء غولدا مائير انه لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني. وبعدها قال اريئيل شارون, صاحب البصمة الواضحة والقوية على الاستيطان في الضفة الغربية منذ العام 1970, "اذا ما أراد الفلسطينيون دولة سيجدونها في الأردن "والغريب أن شارون نفسه تبنى بعد ذلك و بخطاب بلاغي محترف حل الدولتين ودعا إلى تأسيس كيان فلسطيني في المناطق التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 .
أن يأتي هذا الطرح من العقل المدبر للاستيطان.. من الرجل الذي خنق قرى الضفة الغربية بالجدار. فان ذلك يسجل علامة تاريخية فارقة . ثمار 120 عاما من" قيراط من هنا وقيراط من هناك" أصبحت أخيرا على مرمى البصر. العرب في فلسطين التاريخية أصبحوا أخيرا مشتتين ومطرودين . المقاطعات الهشة بلا ارض في الضفة الغربية أصبحت محكمة وسيقومون بتوسيعها . شارون و المرت وباراك بإمكانهم الآن أن يغيروا لغتهم لكسب استحسان الإدارة الأمريكية والعالم الغربي. اذا ما أراد الفلسطينيون أن يرفعوا علمهم على هذه الغيتوهات المعزولة وإذا ما أرادوا أن يجروا انتخابات فان ذلك سيسعد إسرائيل وإذا ما سموا السجن المفتوح على الهواء دولة فإنهم سيساعدونها على غسل يديها وإخلاء طرفها من هؤلاء النزلاء البائسين .
لذلك هل هناك حل ممكن ؟ قد يقول البعض إن ما أوجدته إسرائيل على الأرض من حقائق غير قابل للتغير أو الإزالة ولذلك فان تقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين أمر غير ممكن فيما يجادل آخرين بان حل الدولة الواحدة هو الذي لا يمكن تطبيقه لان إسرائيل لن تقبل المشاركة في السلطة على غرار النموذج في ايرلندا الشمالية .
كلا الرأيين خاطئ حيث لا شيء مستحيل . لقد سحب ديغول مليون مستوطن فرنسي من الجزائر عندما كان قليلون فقط يعتقدون انه سيفعل . ولعقود قريبة كان البيض في جنوب إفريقيا يرفضون مشاركة الأغلبية السوداء لهم في السلطة!! وماذا بعد؟؟ لقد وافقوا أخيرا على هذا الطرح بالذات بين عشية وضحاها . سقط الجدار الحديدي وكذلك حائط برلين .ولأننا لا نعلم الغيب لا يمكننا القول عن أمر ما انه مستحيل .
ولكن اذا ما كان للصراع الإسرائيلي الفلسطيني أن ينتهي على أساس العدل والاستقرار بأي صيغة كانت ,دولة واحدة أو دولتان أو حل آخر, فلا بد أن يتضمن ذلك التشارك في الأرض والماء والسلطة بالطبع .سيكون ذلك حتما نتيجة مفاوضات ثنائية بين طرفين متعادلين وبحيث يضمن الحل المنشود لكل طرف ممارسة ثقافته وحقوقه السياسية وان يتمسك بروايته ولغته وتراثه الديني والحضاري .
لن توافق الحركة الصهيونية على طرح المشاركة هذا مطلقا .قد يقول البعض أن خطة التقسيم العام 1947 تضمنت عرضا جديا للتشارك في الأرض. إلا أن قارئ التاريخ سيعلم أن النسخة اليهودية للخطة تعني ببساطة مصادرة قيراط من الأرض هنا وانتظار القيراط الأخر هناك لضمه. اذ لم يكن لدى اليوشاف نية من اجل تسوية على أساس الشراكة. قد يقول آخرون انه في أوسلو قصدت إسرائيل التشارك في الأرض مع الفلسطينيين ولكن اسأل أي فلسطيني في الضفة الغربية : ضاعفت إسرائيل الاستيطان منذ العام 1990 وضاعفت عدد سكان المستوطنات وبنت كولونيالات جديدة وأنشأت قواعد عسكرية لقد كان العقد من 1990 إلى 2000 هو الأسوأ في تاريخ الاحتلال .
ماكينة الشد والجذب المزودة بالوقود تعمل بفاعلية عالية منذ عقود بلا توقف . في الواقع لقد أصبحت تمتلك قوتها الذاتية الكامنة التي تمكنها من الاستمرار بذاتها . لقد صمت إسرائيل آذانها ولم يعد يطربها إلا هدير المحركات التي تقتلع الأشجار وتهدم البيوت وتبني المستوطنات . لا يمكن لإسرائيل أن تحتمل الهدوء القاتل الناتج عن وقف آلات الهدم والبناء . وبذات الوقت لا زالوا يرددون النغمة المشروخة عن رغبتهم بالسلام يسمعون فقط الرصاص الذي يطلق عليهم.
لقد شهدت بنفسي وعايشت منظر الجرافات التي لا تكل ولا تلين , لقد خضت مع أصدقائي في تعايش وغيرها من القرى المشتركة كيف تطحن هذه الجرافات البيوت من القاعدة ثم يعود أصحابها لبنائها ثم تهدم وهكذا أربع أو خمس مرات .حدث ذلك في قرى جنوب الخليل وبذل السكان جهودا مضنية في رفع دعاوى قضائية وفي مخاطبة الإعلام ومع كل الوضع الهش لقد تشبثت الأسر بمساكنها المتواضعة وهم يعلمون أن الجرافات ستعود عما قريب لتطهر المنطقة من اجل مستوطنين جدد .
اله التهجير والإحلال لا تكل أبدا إنها تواصل عملها في المناطق المحتلة وفي إسرائيل من رفح وحتى النقب ومن الخليل حتى القدس ومن بدرس إلى بلعين ومن جنين إلى سخنين . إنها تقضم قيراطا من هنا وقيراطا من هناك
سأكون واضحا الآن: لا حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني طالما تواصل هذه الآلة عملها . أوقفوها وعند ذلك سيكون كل شيء ممكن
يغال برونر: مدرس أدب جنوب آسيا في جامعة شيكاغو ناشط في تعايش : الشراكة العربية اليهودية
معارض امضي العقد الماضي يناضل من اجل السلام وضد الظلم في إسرائيل /فلسطين
ترجمة : أماني أبو رحمة هيئة تحرير أجراس العودة
#أماني_أبو_رحمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟