سامي كليب
الحوار المتمدن-العدد: 102 - 2002 / 3 / 27 - 09:07
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
لم يمض أسبوعان على صدور الكتاب الفرنسي اLصeffroyable impostureب (الخداع المرعب) حتى فقدت نسخه من الأسواق محدثا ظاهرة في مجال النشر. وهو يفند بالوثائق والتحليل رواية اعتداءات 11 أيلول لينفي الكثير من صحتها ويؤكد مثلاً ان انفجار البنتاغون لم يكن بفعل طائرة وأن أسامة بن لادن بقي عميلاً لل((سي آي إيه)).
ويثير الكتاب جدلاً شبه يومي منذ صدروه، أولاً بسبب حجم المعلومات المشككة التي فيه، ثم لأن صاحب الكتاب Tierry Meyssan ليس من ذوي الشهرة في فرنسا ولكن روايته جذبت الكثير من الفرنسيين الذين بدا أنهم يشككون فعلاً في كل ما قيل، أميركياً، بشأن مخططي ومنفذي الاعتداءات، فالكاتب متخرج من معهد العلوم السياسية ومؤسس جمعية للدفاع عن الحريات الفردية.
ويستند الكتاب الى الوثائق الصادرة عن البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأميركية وتصريحات المسؤولين العسكريين والمدنيين الأميركيين والروايات والتصريحات الأخرى التي صدرت على لسان مسؤولين عرب أو دوليين، إضافة الى تفنيد تصريحات أسامة بن لادن ومحاولة إعادة قراءتها من منظور آخر.
والكتاب الذي يبدو قريبا من التحقيق الصحافي أو الرواية البوليسية يقدم تفجير البنتاغون وكأنه مؤامرة حاكتها أطراف متعددة وذلك نظرا لصعوبة الوصول أولاً الى هذا الصرح الأميركي المحمي من كل جانب بترسانة ضخمة، ولا يتردد مثلاً في القول إن المؤامرة قد تكون جمعت أسامة بن لادن ((العضو الناشط في الاستخبارات الأميركية)) والذي يقوم بمهمة المصرفي ومجند العملاء لصالح الجهاز الأميركي، ومحمد عطا العضو في الاستخبارات الباكستانية، وجورج بوش الخاضع لعدد من رؤوس اللوبي العسكري الأميركي.
ومن الأسئلة التي يطرحها الكاتب في هذا المجال ذلك المتعلق مثلاً بالرغبة الأميركية الفعلية بالقضاء على أسامة بن لادن، فلو كانت تلك الرغبة موجودة فعلاً، فلماذا قام أحد رجال ((سي آي إيه)) بزيارة بن لادن في مستشفاه في باكستان في 10 أيلول، وكيف نجح الملا عمر بالهروب على دراجة نارية تحت أنظار الأقمار الصناعية الأميركية، فهل في الأمر حرب فعلاً بين واشنطن ((محور الخير)) وأسامة بن لادن ((رأس محور الشر)) أم ان الأخير يعمل لصالح الولايات المتحدة بغية الحد من النفوذ الروسي والصيني في آسيا الوسطى.
وينشر في الكتاب صور تفجير البنتاغون ليؤكد بالصورة والوثائق وتضارب التصريحات الأميركية أن من المستحيل أن تكون طائرة بوينغ هي التي فجرت وزارة الدفاع، فلا وجود لحطام طائرة ثم إنه لو كان رأسها هو الذي انفجر فعلاً فأين ذهب وقود الجناحين ولماذا ضرب الجناح الأقل أهمية في البنتاغون أي الذي كان يخضع لعمليات تجديد وصيانة.
ويتساءل في المجال نفسه ((كيف يمكن لطائرة بوينغ أن تضلل طائرتي ((اف 16)) انطلقتا في أعقابها من القاعدة المواجهة التي تتولى عمليا حماية البنتاغون، وكيف يمكن لطائرة بوينغ أن تحلق على ذلك العلو المنخفض جدا ثم تهبط عموديا على موقف البنتاغون مع الحفاظ مسبقا على تحليقها الأفقي، فهي لو فعلت لكان ينبغي ان تصطدم بالطابق السفلي، وكان ينبغي لوقودها أن يحرق المكان...)) إذاً كل قضية الطائرة مختلقة، وهذا ما يفسر التخبط في التصريحات الأميركية الأولى.
والتشكيك نفسه يقود الصحافي الفرنسي الى الانتحاريين الآخرين الذين فجروا الطائرتين في مركز التجارة العالمي، فكيف يمكن لمن يريد القيام بعملية كهذه أن يبقي على هويته الشخصية ثم أن يحمل معه أشرطة فيديو.
ويخلص الكاتب الى النتيجة التالية ((إذا كان لوبي الطاقة هو المستفيد الأول من حرب أفغانستان، فإن اللوبي العسكري الصناعي هو المستفيد الأساس من 11 أيلول، فقد حقق أبرز آماله، فقبل كل شيء هناك معاهدة الحد من انتشار الأسلحة ((اي بي ام)) التي انتهت بفعل شجبها من قبل الرئيس بوش، ثم ان مدير سي آي ايه الذي كان يفترض أن يعزل إذا ما افترضنا أنه يتحمل المسؤولية بعد تلك الاعتداءات استقبل مكافأة وصلت الى زيادة ميزانيته بنسبة 42 في المئة... والميزانية العسكرية للولايات المتحدة التي كانت في انخفاض مطّرد منذ تفكك الاتحاد السوفياتي تشهد تطورا كبيرا.. ويمكن الحديث اليوم عن إضافة 24 في المئة الى هذه الميزانية في أقل من عامين على تولي بوش الرئاسة وسوف تصل الميزانية في خلال 5 سنوات الى ألفي مليار دولار ما يعني ان هذه الميزانية تساوي ميزانيات أكبر 25 جيشا في العالم...)).
ومنذ صدور الكتاب الذي فُقد سريعا من المكتبات، كان لافتا أن مصدقي روايته يتخطون بمرات عديدة أولئك المشككين، وغالبا ما يقول الفرنسيون الذين يُطرح عليهم السؤال عن رأيهم بهذه الرواية، ما مفاده أنهم للوهلة الأولى كادوا يصدقون الرواية الأميركية ولكن اليوم عاد الشك الى قلوبهم ويعتقدون ان ميسان على حق أو أنه على الأقل وضع الإصبع على الجرح. أما المشككون فهم يربطون ذلك باسم الصحافي نفسه الذي لا يعتبرونه من كبار صحافيي التحقيقات، رغم تأكيده أنه عمل مع نخبة من المحققين وصل عددها الى 20 شخصا.
يبقى ان الكتاب يعتبر أول تشكيك فرنسي حقيقي في الرواية الأميركية إذا ما استثنينا كتاب ((الحقيقة الممنوعة)) الذي كان ربط جزءا كبيرا من الحرب على أفغانستان بالمصالح النفطية للولايات المتحدة مؤكدا هو الآخر ان الاتصالات الأميركية بحركة طالبان استمرت حتى ما قبل الاعتداءات.
وإذا كان ذلك يشير الى شيء فإنما إلى ان العرب والمسلمين ليسوا وحدهم من لا يريد تصديق كل الرواية الأميركية حتى ولو ان ظاهرها يمكن أن يلغي خفاياها عند البعض.
©2002 جريدة السفير
#سامي_كليب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟