|
الإخوان المسلمون بين مرونة السياسة وتشدد المذهب
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 2097 - 2007 / 11 / 12 - 12:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
على الحركات الإسلامية في العالم العربي "القبول بنتائج الانتخابات الديمقراطية في بلادها، حتى عندما تفرز امرأة أو مسيحياً رئيساً للجمهورية، ما دامت قد قبلت الدخول في اللعبة الديمقراطية". هذا ما قاله المحامي علي صدر الدين البيانوني، المراقب العام للإخوان المسلمين السوريين، متحفظا على توجهات وردت مشروع برنامج الحزب الذي يزمع الإخوان المسلمون المصريون تشكيله، تنكر تولي النساء وغير المسلمين هذا المنصب. وفي مؤتمر مخصص لقراءة مشروع الإخوان المصريين، عقد في لندن في 27 من تشرين الأول الماضي، عبر البيانوني عن "خشيته من أن يُنظر إلى الإسلاميين على أنهم يصنفون المواطنين في بلدانهم إلى درجات، بحيث يظن البعض أن المسلمين الرجال مواطنون من الدرجة الأولى، يليهم المسيحيون في الدرجة الثانية، فالمرأة في الدرجة الثالثة". وطالب الإخوان المصريين بالتحلي بـ"الواقعية"، إذ "أننا في مصر أو سورية لسنا في حاجة لأن ينص على أنه لا يجب أن يكون رئيس الدولة أو الحكومة امرأة". ودعاهم إلى أن "يتجاوزوا هذه النقطة أو يسكتوا عليها" لرد اتهام الإسلاميين بالتمييز بين المواطنين على أساس الجنس (موقع "أخبار الشرق" المقرب من الإخوان السوريين، 29/10/2007). كذلك اعترض "القائد الديني" السوري، حسبما وُصِف في نص انكليزي للخبر من موقع "أخبار الشرق" نفسه (1/11/2007")، على فكرة "هيئة منتخبة لكبار العلماء تراقب التشريعات ومدى مطابقتها للشريعة الإسلامية"، معتبرا أن قيام مثل هذه الهيئة يعني "ممارسة الوصاية على البرلمان"، ويؤدي إلى حصول "شبهة الدولة الدينية". ورأى أن المحكمة الدستورية تكفي لذلك، مادام الدستور المصري يقرر في مادته الثانية أن الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع. تتوافق هذه التصريحات مع تطور المواقف المعلنة للإسلاميين السوريين كما دونت في وثائقهم التي صدرت في السنوات المنصرمة من هذا القرن. هذا سجلته بالخصوص وثيقة ذات اسم دال: "مشروع ميثاق الشرف الوطني" أصدروها في أيار 2002 تفاعلا مع "ربيع دمشق" (هوامش أوسع للتجمع والتعبير العلني عن الرأي خلال العام الأول من العهد الحالي، انتهى باعتقالات في أيلول 2001). الوثيقة تنطلق من افتراض مضمر بوجود أزمة ثقة بين الأطراف السياسية السورية، وتدعو إلى بناء الدولة الحديثة التي توصف بأنها تعاقدية ومؤسسية وقانونية وتداولية وتعددية، ويلتزم المشروع بمبدأ المواطنة ونبذ العنف ويحيل إلى الإسلام كـ"مرجعية حضارية". الروح العامة للوثيقة منفتحة، يبرز فيها السياسي ويكاد يتوارى العقيدي. وفي آب 2002 وقع ماركسيون وعلمانيون، فضلا عن الإسلاميين، على صيغة معدلة قليلا للوثيقة، بعنوان "الميثاق الوطني لسورية"، قرر فيها أن "الحريات الأساسية والحقوق السياسية" لم تعد "مسالة فيها نظر"، وأحيل إلى "احترام المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان". ثم أصدر الإخوان منفردين وثيقة موسعة (140 صفحة) بعنوان "المشروع السياسي لسورية المستقبل" صدرت في مطالع عام 2005 (كان عنوان صيغة أبكر منها "المشروع الحضاري..."، وقد طرحت للتداول في أواخر عام 2004). تبسط الوثيقة هذه أفكار "مشروع ميثاق الشرف.." وتعمل على "تأصيلها"، أي عرضها على "أدلتها" في "الشريعة الإسلامية" وفي فكر السلف الإخواني الحديث. وفي تصريحاته الأخيرة ذاتها عن مشروع الإسلاميين المصريين، أحال البيانوني قبول الإخوان بالديمقراطية إلى ما يفترض أنه سند أصيل لهذا الموقف في كتابات حسن البنا ومصطفى السباعي، لا إلى اعتبارات اجتماعية وسياسية وطنية. هنا، في "المشروع السياسي.."، وبصورة أوسع من ذي قبل أخذ ينتأ توتر بين التطلع التغييري السياسي للإسلامين والنزعة المحافظة اعتقاديا واجتماعيا وتربويا المنبثقة من مرجعيتهم المذهبية؛ ومن جهة أخرى التنازع بين شرعيتين: الأممية الإسلامية (على ظهر نص "المشروع السياسي.." تعليقات تثني عليه للشيخ يوسف القرضاوي والشيخ فيصل مولوي وآخرين) والوطنية السورية، أي بين وحدة المرجعية التي تتأسس عليها الأممية الإسلامية وتميز الواقع السوري الذي هو موضوع العمل السياسي. والواقع أن المزج بين براغماتية سياسية ومرجعية دينية ثابتة هو الخاصية البنيوية الجوهرية للإسلام الإخواني في كل مكان. قد تبرز البراغماتية عند الإسلاميين السوريين أكثر من غيرهم لأسباب ربما تتصل بتكوين المجتمع السوري، وسابقة صراعهم العنيف مع النظام، وإرادة مواكبة الحراك السياسي والفكري الداخلي في سورية، وكان هيمن عليه علمانيون في السنوات المنقضية من القرن. لكن المزيج غير المستقر مشترك بين الجماعات الإخوانية، وهو ما يميز "وسطية" الإخوان عن "السلفية الجهادية" من جهة، وعن الإسلاميين الليبراليين الأكثر انفتاحا على الأفكار والقيم الحداثية. ويتبدى التوسط الإخواني في استصلاح مفهوم إجرائي للديمقراطية، ينزع إلى ردها إلى "صندوق الاقتراع الحر والنزيه" (مرفوض طبعا من السلفيين الجهاديين الذين يعتبرون الديمقراطية كفرا). والصندوق هذا له وظيفة وليس له شخصية، ووظيفته إظهارية وليست بنائية: إظهار الأكثرية، أي في الواقع "إخراج" ديمقراطي لواقع إحصائي يتمثل في أن المسلمين (في سورية: السنيين) أكثرية السكان، بافتراض أنهم جمهور مضمون للإسلاميين. أما الشخصية أو الروح المبثوثة في الصندوق فهي لـ"الأمة". والتباس مفهوم الأمة (أمة سياسية أم أمة دينية، أمة مواطنين أم أمة مؤمنين، متكونة حول الشريعة أم الدستور؟) يتيح حجب المزج غير المستقر بين السياسي والمذهبي. لسنا في معرض التشكيك في نيات الإسلاميين السوريين أو لومهم على ازدواج توجههم، فهم لا يستطيعون تجاوز أفق الجمع بين انفتاح تجريبي على الواقع وتشدد مبدئي، وبالأصح مبدأ متشدد وما قبل حديث. يقتضي الأمر قفزة في الفكر الإسلامي بما يجعل منه أكثر توافقا مع عصرنا دون أن يخون نفسه. وهذه مهمة لا تنجز في بلد واحد، ولما تنجز عربيا وإسلاميا، ولا مفر من إنجازها من أجل إسلامية ديمقراطية. غرضنا بالأحرى إظهار وحدة النموذج الإخواني وحدوده البنيوية، فيما وراء تفاوتات سياسية ملحوظة بين الجماعات الإخوانية العربية، كما عبرت عنها انتقادات البيانوني للإخوان المصريين. وليس من هذا الغرض تزكية سياسة عملية تدفع نحو عزل الإسلاميين وتدافع عنه، أو "سياسة نظرية" تمتنع عن نقد نموذجهم. قد يكون هذا خارج سياقنا، لكننا ننحاز إلى إدماج الإسلاميين في الحياة العامة في بلدانهم دون التخلي عن نقد فكرهم ومذهبهم الاجتماعي والسياسي. في الشرط الراهن تبقى نصائح البيانوني للإخوان المصريين محكومة بحدود هذا النموذج. هي نصائح تعكس شعور زعيم الإسلاميين السوريين بالواقع، واقع بلده قبل غيره، دون أن تمس في شيء المرجعية الإسلامية المفترضة، وبالتحديد مبدأ "تطبيق الشريعة" أو العمل على ترقيتها إلى مقام السلطة العمومية. والمشكلة أن الجمع الذي تحفزه الإرادة الطيبة أو الشروط القاسرة بين مرونة سياسية وتشدد عقيدي سيتفكك حتما عند التطبيق العملي. وكفة "نيات المرجعية" (غير الديمقراطية) سترجح على النيات الذاتية (الديمقراطية) للسيد البيانوني أو الشيخ مهدي عاكف. سبق لمثل ذلك أن حصل في الثورة الإيرانية، وقبلها في الثورة الروسية عام 1917.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسرائيل والمشكلة الإسرائيلية و..المشكلة العربية
-
نظام ثلاثة مارقين أو أربعة: من أين تأتي العدالة؟
-
وضعيةُ معاصَرةٍ: من النبي محمد إلى المثقف المعاصر
-
في توازي التفكك الوطني وانقسام الطيف الحداثي في سورية
-
العلمانية كوعي ذاتي لدنيوية الدولة
-
في إيديولوجية المواجهة ووظيفتها ومآلاتها
-
في نقد الردح والردح الذاتي
-
حوار شخصي وصريح مع إسلامي سوري في شؤون الإسلام والحرية والعق
...
-
في النموذج الإخواني وتناقض الإسلامية المعاصرة
-
نحو إعادة هيكلة الدور الإقليمي لسورية
-
خواطر مرسلة في شأن السياسة والثقافة
-
في أن الليبرالية الاقتصادية سياسة الجيل البعثي الثالث
-
في أصول المشكلة الثقافية العربية وجوهرها
-
في أزمة الهيمنة ومصير العروبة في سورية
-
قضية محمد حجازي وحرية الاعتقاد الديني
-
صراع مطلق فصنع طوائف فتقسيم دول..
-
تأمل في شأن الحرية ونقد الدين
-
العلمانية أهم من أن تترك للعلمانويين!
-
العرب أمام المشكلة الغربية
-
سورية والدول العربية بين ما دون الدولة وما فوقها
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|