سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 2097 - 2007 / 11 / 12 - 08:27
المحور:
حقوق الانسان
الاحتباس كإطار مصطلحي متعارف عليه, كاحتباس حراري وخطر داهم يهدد البشرية, تسببت به الغازات الحرارية المنبعثة من سطح الأرض, وتلوث أدى بالمحصلة إلى ارتفاع درجات الحرارة بأعلى من معدلاتها الفهرنهايتية الكونية,مما نجم عنه مايسمى بثُقب الأزون , الطبقة المغلفة للكرة الأرضية التي نحيا عليها, وما لذلك الغلاف الآزوني من أهمية مصيرية في حياة الكائنات الحية, لحفظ توازنات الطبيعة ,وقد تناولته العديد من مراكز الدراسات الإستراتيجية العالمية, وأظهرته بعض الوثائق التي كانت بالأمس القريب سرية تؤرق حسابات وزارات الدفاع وما يتبعها من مراكز بحوث إستراتيجية, لدى الدول الثمانية الكبرى, ولعل نائب الرئيس الأمريكي السابق((آل جور)) سلط بعض الأضواء المخيفة على تداعيات ذلك الاحتباس الذي جاء بفعل عدم الانضباط البشري وسعي البعض في سباقهم للقمة حتى لو على حساب زوال نصف كائنات الكرة الأرضية,وكان ذلك بسبب التنافس المنفلت , في المجالات الصناعية وانتشار آلاف المفاعلات النووية, وما لكل ذلك الطوفان من آثار مدمرة على المستوى القريب والبعيد, فيذهب البعض في توقعاته وقراءاته البرجماتية, إلى احتمالية غرق ولايات بكاملها نتيجة الذوبان المستمر للجليد في الدول الغربية قبل الشرقية,إضافة إلى التلوث البيئي الخطير جراء فقدان الضوابط على ضخامة الصناعات وما تفرزه من تلوث, تسبب في انتشار العديد من الأمراض المستعصية الخطيرة والتي وقف العلم عاجزا أمام اكتشاف المضادات لها حتى وقتنا هذا, فكان وقودها ملايين البشر ومازالت تحصد المزيد من الأرواح, ولعلي أشير هنا ضمن هذه المقدمة في سياق لاينفصل عن الاحتباس السياسي المرتبط بظاهرة الاحتباس الحراري, فان الولايات المتحدة الأمريكية حتى وقتنا هذا ورغم نتائج الدراسات الإستراتيجية بالخطر الداهم على الكون جماده وإنسانه,طيره وحيواناته, أشجاره ومياهه ,فترفض الولايات المتحدة الأمريكية التوقيع على اتفاقية(كيوتو) للحد من مؤشر الاحتباس الحراري المتصاعد والتلوث البيئي الخطير, لان التوقيع سيلزمها بخفض أو حتى تقليص بعض الصناعات, وفي مقدمتها االبترو كيماوية , والعسكرية وإنتاج الطاقة النووية, والعديد من الصناعات التي تعتبر عناصر رئيسية في ذلك الاحتباس الحراري والتلوث الذي يهدد البشرية وأجيالها.
وكما هو الحال في الدول الراعية للاحتباس الحراري, سعيا إلى الموقع السياسي العالمي, من خلال التنافس الغير منضبط كي تتصدر المكانة الاقتصادية والعسكرية المتقدمة , مما يقوي من شانها السياسي والسباق المحموم للسيطرة على العالم, لكنها بالمجمل متميزة بالاستخفاف بحياة البشرية, وعنوان ذلك الاحتباس الحراري , والذي بدوره يؤدي إلى احتباس سياسي((الدول الثماني الكبرى)) فالعالم الذي يتعرض اليوم في زمن الألفية الثالثة , والثورة العلمية, الاقتصادية, أصبحت ثمانيته وحوش ضارية, تسببت بالفقر والمجاعات وصناعة الحروب, والعولمة هدف سياسي للتسابق الاحتباسي, لجعل العالم قرية كونية صغيرة من منظور وضعها تحت وصاية كبار الشرور, والتنافس للسيطرة على تلك القرية الصغيرة, وما يتسبب به ذلك التنافس المحموم دون رحمة بالإنسانية, من اجل بلوغ قمة الهرم السياسي في العالم, بواسطة المراثون الاقتصادي, وزيادة حجم الصناعات, بغض النظر عما يسببه الانفلات الصناعي اللا أخلاقي واللا إنساني, من إبادة للجنس البشري , وتهديد مستقبله بالكامل تحت عنوان((مصائب قوم عند قوم فوائد, وفوائد قوم عند قوم مصائب)) واليوم ونتيجة الصناعات المنفلتة صنيعة تلك الدول, أصبحت مسخا يطال عقر دار أصحابها قبل غيرها, لكنه يخدم فئة دون الاعتبار لمصير مجموع سكانها, ولو امتثلت الولايات المتحدة قبل غيرها للاعتبارات الأخلاقية الصناعية, لما كانت اليوم تملك اكبر اقتصاد عالمي, يجعلها في مقدمة الدول التي تنتهك حقوق الإنسان مما يحررها من الانضباط والالتزام بالقوانين العالمية والمسائلة, امتلكت القوة بفعل فوقتها فوق القانون العالمي الذي هو صنيعتها, تتصرف بشكل إرهابي دموي في العراق وأفغانستان, وتتجه إلى فلسطين وسوريا ولبنان ومصر والسودان, وتحاول بأي ثمن الامتداد للسيطرة على الكرة الأرضية, بقوة الاقتصاد والمكنة العسكرية, التي هي إفراز للاحتباس الحراري, الذي يؤدي إلى احتباس واضطهاد وابتزاز وإرهاب سياسي منظم, حتى أصبحت الولايات المتحدة صاحبة امتياز في صناعة الأزمات في العالم عامة وفي منطقتنا العربية خاصة, وصولا إلى خلق حالة من الاحتباس السياسي الوطني , ومن ثم تنشط في عروضها المباشرة وبواسطة الوكلاء لإيجاد مخارج لازمات الاحتباس , بأثمان تحقق لها التمدد ومزيدا من السيطرة على الإرادة السياسية, وامتلاك مفاتيح خزائن الثروات الوطنية وفي مقدمتها النفط تلك النعمة العربية النقمة, فتطلب ذلك صناعة حروب عربية وإقليمية بل والأدهى والأخطر هي صناعة الأزمات والانشطار والاحتباس السياسي داخل القُطر الواحد, ودعمت كل قوى الاستعمار والاحتلال, حتى حازت بجدارة يوبيل الانحطاط العالمي, واحتكار صناعة الاحتباس السياسي, وامتياز مفاتيح التحكم بوتيرته.
لم تسلم منطقة وللأسف في العالم المُحتضر وليس المُتحضر, من صناعة الاحتباس السياسي, المصدر عنوة, والمستورد طواعية من دول القمة على سلم الاحتباس الحراري, لقتل ملايين الكائنات قربانا لآلهة الشر الغربية وفي مقدمتها رأس الآلهة الأمريكية, والاحتباس الاقتصادي المقيت ليخلف ببشرى العولمة الوضيعة غول البطالة والفقر والمجاعات والحروب,وبالتالي بلوغ ذروة الاحتباسات ذات التسميات المتعددة, سياسيا واقتصاديا وعلميا, وحاجة العالم السفلي في قانونهم إلى دول الشر للخروج من أزمات الاحتباس, مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تتربع على عرش الدول المصنعة والمصدرة للاحتباس السياسي, والعبث بمصير البشرية كلعبة شطرنج , ليس للرحمة رديف في معاجمها, ليس للضعفاء اعتبار في لوائحها, ليس لعدالة وجود في دساتيرها, ومعايير تلك الشعارات تحددها المصالح العليا لدول السيطرة على دول الخنوع.
وقد تميزت الولايات المتحدة, بخلق مزيدا من حالات الاحتباس السياسي في معظم دول العالم, بالغزو والتعدي المباشر تارة,وباستخدام وسطاء سوق الاحتباس السوداء, لإثارة الفتن والصدامات السياسية, بواسطة سلع الطائفية والتطرف العرقي تارة أخرى, كي تخلق لها موطئ قدم صلبة لإدارة مناطق الاحتباس عن بُعد أو مباشرة, تلك الدول كما حددتها الأولويات الإستراتيجية الأمريكية, النفط أولا, امن الكيان الإسرائيلي ثانيا, وعلى المستوى العالمي لأهداف السيطرة بواسطة خلق حالات الاحتباس والتأزم الاقتصادي والسياسي , بدء من أمريكيا الشمالية ودول أمريكيا اللاتينية مرورا بدول الشرق الأوسط, وصولا إلى آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين, لما تملكه تلك المناطق من ثروات طبيعية وبشرية, فتخلق طيف من الاحتباسات الشريرة, وتُشغلها بواقعها التعيس, فتصبح صاحبة الأولوية في إدارة تلك الأزمات, في المربعات المتفجرة, حسب خارطة الاحتباس السياسي لدول الاحتباس الحراري, وبالتالي مزيدا من تلويث الأجواء السياسية والاجتماعية في تلك الدول, وصناعة الكراهية والفتن الدموية, ومزيدا من استئثار أقلية على مقدرات البلاد, وإسقاط الأغلبية من الشعوب لتترنح في ثغر شبح البطالة, وتقطع بأنياب الفقر, وتطحن بدواليب التخلف, ومن ثم تحريك تلك الأزمات صعودا وهبوطا, بما يخدم المكانة الاقتصادية والسياسية لدول محور الاحتباس,وتحقيق مصالحها العليا بعيدا عن أي معايير أخلاقية.
ومزيدا من انبعاث وتلويث وتسخين الأجواء العربية والإسلامية, بجراثيم بيولوجية سياسية, وصولا إلى مزيدا من التبعية المطلقة, تصدير الأزمات من اجل اختراق غلاف آزون اللحمة الوطنية,وتهتيك النسيج الاجتماعي, وتحطيم بل تدمير كل محددات الأخلاق, وحرمة الدم الوطني في خدمة آلهة الاحتباس السياسي الغربي.
ولعلنا في فلسطين هذه الأيام, أكثر من أي وقت مضى, نتعرض إلى اكبر عملية جراحية لاستئصال مضادات الاحتباس السياسي, بجراثيم وافدة من محاور إقليمية ودولية, من اجل تسويق منتجات مشوهة ومشبوهة, تؤدي إلى احتباس دموي سياسي غريب على ثقافتنا, يؤدي بالتالي إلى مزيد من التبعية الرخيصة, من اجل تامين عقارات هي مضادات صناعية, بعد تدمير خلايا المضادات الوطنية الطبيعية, خدمة للذات الفئوية والصدامات الحزبية ,وإفراز طائفية وعرقية سياسية, داخل الطائفة والعرق الواحد, ومن ثم احتباس فانفجار فاستغاثة , بكل الأشرار وصناع ذلك الاحتباس السياسي المفتعل, من اجل المس بأزون الوحدة الصلب, وغلاف الخندق الواحد,وبالتالي تطرف وتعطش مهووس للسيطرة السياسية وإراقة الدماء, لتوظيف كل ما يفترض أن يكون وطنيا لكل ماهو غير وطني, وللأسف انتقلت مرحلة التخطيط في فلسطين التي كانت عصية بوحدة كل ألوان الطيف السياسي فيها ,على اذرع إخطبوط الاحتباس السياسي البغيض, إلى مرحلة التنفيذ كي يوقعنا الأغبياء ومتحشرجي العقول والاعتقادات السياسية العقيمة, إلى مستنقع ذروة الاحتباس السياسي, مما جعلنا نتخبط يمينا ويسارا, نلهث خلف تامين أمصال خارجية ملوثة, بل استيراد مزيدا من أدوات الاحتباس السياسي, معتقدين أنها أطواق نجاة , ولا اشك أن وكلاء محترفين يدفعون الجميع إلى مزيدا من الاحتباس, والزج بالكل الوطني إلى نفق مغلق, وبالتالي الحاجة إلى محور الاحتباس الحراري لإخراجنا من مأزق الاحتباس السياسي, وان أيادي عابثة هم خُدام ووكلاء الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني تعبث حاليا بمصيرنا, ولن يصلح حالنا إلا عندما نعرف أعدائنا الحقيقيين, ونتراجع عن السذاجة في تقبل ذلك الاحتباس التدميري ورفض تقبل تلك الصناعة الأمريكية لأنها الهلاك بعينه.
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟