كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 646 - 2003 / 11 / 8 - 02:20
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تحاول العديد من المقالات والأخبار الصحفية وبعض مراسلي الفضائيات العربية والأجنبية التحدث والتساؤل عن احتمال تكرار أوضاع الحرب الفيتنامية في العراق وعن احتمال نشوء مستنقع عراقي للقوات الأمريكية مشابه للمستنقع الفيتنامي الذي وقعت فيه تلك القوات. ويبدو لي أن بعض هؤلاء الكتاب والصحفيين لا يتجاوزون بهذا التشخيص على وقائع التاريخ وأحداث وعوامل الحرب الفيتنامية فحسب, بل ويسعى إلى تزوير وتشويه الحقائق إلى أبعد الحدود, وإعطاء الانطباع وكأن العراق يعيش حالياً مقاومة شعبية عارمة ضد قوات الاحتلال ومجلس الحكم الانتقالي. ونظرة سريعة على الحرب الفيتنامية ستبين لنا الفارق بين الحالتين.
ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية, أي في عام 1945, وبعد سقوط اليابان, أعلن هوشي منه تحرير فيتنام وإقامة الجمهورية الديمقراطية. وفي عام 1946 حاولت فرنسا إعادة استعمار فيتنام وخاضت حرباً دموية استمرت حتى عام 1954. وفي هذا العام تعرضت قوات فرنسا لأكبر هزيمة عسكرية في معارك ديان بيان فو, حيث حسمت الموقف لصالح فيتنام الديمقراطية. وبدأت مفاوضات جنيف, إذ تم الاتفاق فيها على تنظيم انتخابات عامة في كل فيتنام. ولم تلتزم بعض القوى المتعاونة مع الولايات المتحدة في جنوب فيتنام بهذا القرار وشنت في عام 1956 حملات عسكرية بقيادة نجو دنه ديم. وأعلنت سايغون عاصمة لجنوب فيتنام. ومنذ البدء قدمت الولايات المتحدة المعونات العسكرية, وخاصة الأسلحة والذخيرة, إضافة إلى الخبراء العسكريين والأموال لقوات جنوب فيتنام. إلا أن القوات الفيتنامية بدأت تتعرض لانتكاسات كبيرة مما دفع بالولايات المتحدة إلى توسيع دعمها ومشاركتها في الحرب الدموية, التي استمرت حتى عام 1975, إذ بلغ عدد القوات الأمريكية في فيتنام في عام 1966 حوالي 400000 جندي أمريكي ثم ارتفع في عام 1968 إلى 543000 جندي أمريكي. أدى التدخل العسكري الأمريكي إلى تشكيل جبهة وطنية مناضلة ضد قوات الولايات المتحدة في جميع أرجاء فيتنام منذ عام 1960, كما تشكلت لها قيادة سياسية وعسكرية مشتركة. وكانت نهاية الحرب الفيتنامية اندحاراً كاملاً للولايات المتحدة وتوحيد شطري فيتنام تحت قيادة قائد الثورة ورئيس فيتنام الشمالية ورئيس الجبهة الوطنية الموحدة هو شي منه. وتحملت الولايات المتحدة وحليفها فيتنام الجنوبية في هذه الحرب خسائر بشرية بلغت 57000 قتيل أمريكي و250000 قتيل فيتنامي جنوبي. وبلغت خسائر فيتنام الشمالية أكثر من مليون قتيل. وكانت الخسائر المادية للولايات المتحدة كبيرة جداً, إضافة إلى خسارتها المعنوية والنفسية التي ما يزال الشعب الأمريكي يعاني من آثار تلك الهزيمة الماحقة. وما تزال تعاني فيتنام من آثار الجرائم المرعبة التي ارتكبت فيها من جانب القوات الأمريكية والأسلحة المحرمة التي استخدمت ضد القوات الوطنية, وما تزال الطبيعة والبيئة في فيتنام تعانيان من جراء التلوث الذي تسببت به تلك الحربين المتتابعتين, الفرنسية والأمريكية.
فالشعب الفيتنامي كان يناضل من أجل حريته واستقلاله ووحدة بلاده في ظروف خاصة وتضاريس جغرافية مساعدة لنضال حركة أنصار متينة ومدعمة بقوات عسكرية نظامية من فيتنام الشمالية, وإذ كانت في البداية تقاتل في فيتنام الشمالية, فأنها نقلت المعركة فيما بعد إلى داخل فيتنام الجنوبية. وفي هذه الحرب حصلت قوات الجبهة الوطنية على دعم عسكري وسياسي كبيرين ومتميزين من جانب الاتحاد السوفييتي وبقية البلدان الاشتراكية ومن حركة دول عدم الانحياز وقوى السلام في العالم, بما في ذلك قوى السلام والديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية, والتي كان لها دورها المهم في إنهاء الحرب.
أما في العراق فالوضع يختلف تماماً. فقد عاش الشعب العراقي تحت وطأة نظام حكم استبدادي وعنصري مارس الأساليب الفاشية والتمييز والقهر السياسي ضد الشعب العراقي وقواه السياسية ودفع بالشعب في أتون ثلاث حروب دموية خارجية وتسبب في فرض حصار قاس طويل الأمد علي الشعب, كما خاض الحروب الداخلية ضد الشعب الكردي وسكان الأهوار والجنوب وضد الغالبية العظمى من الشعب العراقي بكل قومياته وأديانه ومذاهبه واتجاهات الفكرية والسياسية. وكان النظام قد صادر جميع الحريات الديمقراطية والحقوق الأساسية للفرد والمجتمع وتسبب في موت أكثر من مليوني إنسان عراقي خلال فترة حكمه وفرض التهجير القسري أو الهجرة على أكثر من ثلاثة ملايين إنسان, كما تسبب في خراب اقتصاد العراق وبنيته التحتية وتدهور مستوى معيشة سكان العراق إلى حد البؤس والفاقة. وكان النظام مكروهاً ومرفوضاً من غالبية الشعب العراقي ومعزولاً عنه. وكانت كل القوى السياسية الوطنية من كل القوميات والأديان والمذاهب والأفكار تقف ضد النظام وتسعى إلى إسقاطه وإقامة البديل الديمقراطي على أنقاضه. ولكنها لم تكن تملك القوة الكافية لإنزال الضربة بهذا النظام الاستبدادي المطلق.
وأسقط النظام عبر حرب خارجية شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانية ضده. فخلال أقل من ثلاثة أسابيع انهارت مقاومة النظام لقوات التحالف الأمريكي-البريطاني, بعد أن كان النظام يتوعد أمريكا بالويل والثبور ويعتبرها "معركة الحواسم", بعد اندحاره المريع في "أم المعارك". وكان سقوطه السريع متوقعاً بسبب عدم التكافؤ في القدرات العسكرية, إضافة إلى عدم تأييد الشعب له وانتظار الخلاص على أيدي قوات التحالف الأجنبية. علماً بأن لم يكن لهذه الحرب أي غطاء دولي أو موافقة دولية لخوضها, بل كانت تجاوزاً على الشرعة الدولية ولائحة الأمم المتحدة وحقوق الإنسان. ولكنها في الوقت نفسه وجدت التأييد والدعم من جانب الغالبية العظمى من الشعب العراقي ومن قواه السياسية, رغم وجود بعض الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية التي رفضت الحرب, وكانت ترى ضرورة إسقاط النظام بقوى الشعب ذاته ومن الداخل لضمان التطور الديمقراطي للبلاد وبعيداً عن أي احتلال أجنبي وكان انهيار النظام وهروب قادته موضع ارتياح وفرح كبيرين لدى المواطنات والمواطنين العراقيين في الداخل والخارج وإزاحة أثقل نظام فاشي جثم عقوداً على صدور ورؤوس العراقيات والعراقيين.
ويختلف العراق, إضافة إلى ما ذكر في أعلاه, عن فيتنام في واقع اختلاف القوى التي تعمل اليوم ضد الوضع القائم في العراق بالمقارنة مع القوى التي كانت تناضل ضد الاحتلال الأمريكي في فيتنام أولاً, وأن أقلية ضئيلة حقاً تساهم في العمليات التخريبية والإرهابية ضد الوضع القائم حالياً ثانياً, وأن التضاريس الجغرافية في العراق تختلف تماماً عن تضاريس فيتنام المساعدة لحرب الأنصار وأسلوب أضرب وأهرب ثالثاً, خاصة وأن شعب كردستان العراق, بقوميته الكردية الرئيسية والأقليات القومية والدينية, يقف صفاً واحداً في النضال ضد فلول النظام الصدامي ومع الغالبية العظمى من الشعب العراقي رابعاً. وأن النظم العربية والنظم المجاورة تقف, من الناحية الرسمية المعلنة, إلى جانب مجلس الحكم الانتقالي ولا تسند أو تقدم الدعم إلى تلك القوى التخريبية التي تعيث في البلاد فساداً, بعد أن ساهمت بسياساتها السابقة دفع العراق إلى الواقع المزري الراهن وتجويع الشعب وتقديم الحجج للحرب وإلى احتلال العراق من قبل القوات الأجنبية.
إن العمليات التخريبية التي تقوم بها قوى التخريب والظلام في الداخل وتلك التي جاءت من وراء الحدود من متطرفي وإرهابيي الإسلام السياسي والقوميين الشوفينيين سوف لن تدوم طويلاً وسيتمكن الشعب العراقي من إيقافها بسرعة فائقة لو كفت الإدارة الأمريكية وسلطة الاحتلال وقواتها عن سياساتها الراهنة وابتعدت عن ارتكاب المزيد من الأخطاء الفاحشة, ولو أصغت بعناية إلى صوت العقل, صوت الشعب العراقي بنسائه ورجاله, ولو سلمت ملفات الأمن والسياسة والاقتصاد والسلطة عموماً إلى مجلس الحكم الانتقالي, ووقفت مساندة له في إجراءاته السياسية والأمنية وقراراته الاقتصادية دون تدخل في شؤونه, ولو كفت عن الاحتكاك غير المبرر بالجماهير وحافظت على المهمات العسكرية التي يتم الاتفاق عليها مع مجلس الحكم الانتقالي, لو تم كل ذلك لانتهى العراق بسرعة فائقة من جيوب التخريب والإرهاب ولأمكن تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد. عند ذاك سيعجز الحالمون والراغبون عن تحويل العراق إلى فيتنام ثانية وستنهار أحلامهم السادية, وعند ذاك ستسقط أوراق كل المغامرين الراغبين في إعادة الأوضاع السابقة والحكم الاستبدادي المطلق إلى العراق, وعند ذاك ستجد القوى التي حررت العراق من الطاغية وجلاوزته واحتلت العراق أن فترة إقامتها في العراق ستكون قصيرة وستعود إلى بلدانها بأقل الخسائر البشرية والمادية وسيستعيد الشعب العراقي حريته وكرامته وسيادته على بلاده وثرواته واستقلال قراراته.
إن هذه الحالة لا تقتصر على موقف الولايات المتحدة وحدها, بل تعتمد على موقف الشعب العراقي وموقف مجلس الحكم الانتقالي والحكومة المؤقتة في ما يتخذ من مواقف وسياسات وسبل تعامل مع سلطة الاحتلال في العراق. إن احترام المجلس من جانب الشعب ينشأ من احترامه للشعب ولنفسه ومن علاقته اليومية بالشعب وشفافية ومجاهرة وصراحة تلك العلاقة, من مواقف المجلس وسياساته وإجراءاته ورفض القرارات التي تفرض عليه أو تلك التي تتناقض مع مصالح الشعب العراقي.
وتقع على عاتق كل المناضلين في سبيل قضية الشعب أن يعملوا المستحيل من أجل إقناع الجميع بصحة هذا الموقف وبسلامة وضرورة نقل السلطة إلى الشعب العراقي من خلال مجلس الحكم الانتقالي حالياً وحكومته المؤقتة وإصرار الأمم المتحدة على هذا الموقف.
برلين في 7/11/2003 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟