" علامات " في عددها الأول . . شجرة واحدة لا تصنع ربيعاً، ونجمة واحدة لا تضيء السماء!
صدر العدد الأول من " علامات " وهي مجلة نصف سنوية، تُعنى بالأدب والفن والفكر، تصدرها رابطة الرافدين الثقافية في أمستردام. وقد إشتمل العدد الأول على عشر أبواب، إذ كتب رئيس التحرير إفتتاحية العدد تحت عنوان " نجمة واحدة لا تضئ السماء ". وفي باب بحوث ودراسات نقرأ " القانون في حضارة وادي الرافدين " للدكتور أكرم كسّار، ونقرأ أيضاً موضوعاً في التراث العراقي بعنوان" السعلاة في حضارة وادي الرافدين " للدكتور جمال السامرائي. وفي باب قصائد نقرأ " إنهم مزعجون حقاً " لحسن الصحن و " تعاويذ للزمن الأبيض " لحسن النوّاب، و " الهروب إلى الموت " لذياب الطائي، و " أمريكا " لطارق حربي، و " عطالة " لعبد الرحمن الماجدي، و " إمرأة من زجاج " لفينوس فائق، و " عوالق " لناجي رحيم. وفي نافذة القصة القصيرة كتب عزيز التميمي قصة " وجه يعرفني " وكتب علي الحربي قصة " لا بأس "، بينما كتبت شيرين كمال قصة " إختلاطات الزمن " وأتحفنا موفق السواد بقصة " الطفل. . الحصان ". وفي حقل المواجهة حاور محمد الأمين الكاتب والصحفي الهولندي إيلدر مولد. وفي حقل الدراسات النقدية كتب أحمد الشرجي موضوعاً بعنوان " عروض مسرحية مفخخة "، بينما كتب المخرج المسرحي حازم كمال الدين دراسة قيمة أسماها " كيمياء الحكي " ترجمها إلى العربية أحمد الركابي، وراجعها صلاح حسن. وفي مضمار الدراسة النقدية نفسها كتب عدنان حسين أحمد موضوعاً أسماه " قصائد باسم فرات بين تقنية النص المفتوح وبنية التبئير ". وفي زاوية وجهات نظر كتب الباحث والمفكر سليم مطر رداً مثيراً إنضوى تحت عنوان " عن الشاعر أدونيس والحجاب: حنابلة الحداثة، وأكذوبة المجتمع العلماني الحنيف ". وفي حقل السينما كتب الناقد برهان شاوي موضوعاً مطولاً عن المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي" من وعي الحياة إلى وعي الموت " محاولة لفهم عالم تاركوفسكي السينمائي "، أما كريم جثير فقد خصَّ علامات بمسرحية " النافذة "، وحاول الباحث حميد الهاشمي فك الإلتباس بين مفهومي الثقافة والمثقف. كما تضمن العدد نشاطات رابطة الرافدين الثقافية خلال الأشهر الثمانية المنصرمة، والفعاليات الثقافية والفنية المزمع إقامتها في النصف الأول من السنة الجديدة. وإشتمل العدد أيضاً على ببليوغرافيا المساهمين، وثبت بأعمالهم الأدبية والفنية والفكرية. وقد ترجم المستشرق يان تيكيلن بيرخ إفتتاحية العدد، والنشاطات الثقافية للرابطة. أما لوحة الغلاف الأول فهي للفنان ستار كاووش، ولوحة الغلاف الأخير للفنان صدر الدين حمه. تتألف هيأة تحرير المجلة من الباحث حميد الهاشمي، والمخرج المسرحي صالح حسن، والشاعرة فينوس فائق، وفنان الكاريكاتير كفاح محمود، والمترجم محمد الأمين، والمشرف الفني الفوتوغراف إنتشال التميمي. ويرأس تحرير المجلة الناقد عدنان حسين أحمد. ولتوضيح أهداف المجلة، ومشروعها الإبداعي نقرأ إفتتاحية العدد التي جاء فيها:
( لكي لا تلتبس الدلالة، ويتشوّش المعنى، فـ " عَلامات " أو عَلاَمٌ هي جمع لمفردة " عَلامَة " ونعني بها " السِّمَة، والأمارة، والإشارة، والدلالة، والأثر، أو ما يُنصَبُ في الفَلوات لكي تهتدي به الضالَّةُ. ونقصد بالضالة الذين أضاعوا الطريق، وفقدوا الأثر في خضَّم حِلَّهم وترحالهم في غابات الأدب والفن والفكر. وكل الذي تبغتيه " علامات " هو أن تكون " إصبع الدلالة " الذي يقود القارئ في متاهة الإبداع إلى النص الناجح فنياً، قصة، وقصيدة، ورواية، ومسرحية. كما توجِّه عناية القارئ إلى المقال العميق، والبحث المُمنهج، والدراسة الرصينة. وتلفت إنتباهه إلى الشهادة الإبداعية التي يُدلي بها الأديب، والمفكِّر، والفنان، والناقد، والمترجم، والمؤرِّخ، والمشتغل في حقل اللغة، وتسعى إلى الإهتمام بالثقافة السمعية والبصرية كالموسيقى والتشكيل والسينما والفوتوغراف، وكل ما يتعلق بثقافة الصورة التي تحتاج إلى خبرة بصرية، ودربة عيانية، وذائقة فنية قادرة على إستنطاق المعطيات الجمالية الكامنة في متن الثيمة أو النص البصري. لا تطمح "علامات " أن تكون العلامة الفارقة الوحيدة في المشهد الثقافي العراقي سواء في المنافي المتعددة أو في الداخل المتنوّع لإيمان القائمين عليها بأن الثقافة العراقية ولودة، ومبدعة، وغزيرة الإنتاج حتى في الظروف العصية الشاذة التي لم تستطع أن تلوي فيها أعناق المبدعين العراقيين من مختلف القوميات والطوائف والأديان والأعراق والتوجهات السياسية المتنوعة المشارب والأهواء. هنالك سؤال يتبادر إلى الأذهان دائماً مفادهُ: هل هناك حاجة ماسة فعلاً لإصدار مجلة ثقافية تُعنى بالأدب والفن والفكر؟ وماذا عن المجلات الأدبية العراقية تحديداً، والعربية بشكل عام التي صدرت أو تصدر في المنافي الأوربية، والأمريكية، والكندية، والأسترالية؟ هل أن هذه المجلات تلبّي حاجات المثقف العراقي الذهنية والروحية، أم أن هناك حاجة إلى المزيد من المجلات ذات الطابع النوعي الذي يُرضي تطلعات المثقف، ويروي ظمأه المعرفي الذي لا يتوقف عند حد؟ بعد الهجرات الثلاث للمثقفين العراقيين في الأعوام 1958 و 1968 – 1978 و 1991 ظهرت في المنافي العالمية العديد من المجلات الثقافية أبرزها مجلة " البديل " التي رأت النور في بيروت، ومجلة " الإغتراب الأدبي " في لندن، و " ألواح " في مدريد، و " المنفى " في كولن والتي تحولت لاحقاً إلى " عيون " و " الهامشيون " و " تبريز " في طهران، و " ضفاف " في النمسا، و " تموز " في مالمو، و " الرصيف " في بيروت، و" جسور " في سدني، و " نصوص " في الدانمارك، و " قصص " و " القمة العربية "، و " الزمان الجديد " ، و " ألف ياء " و " اللحظة الشعرية " في لندن. و" فراديس " و " الرغبة الإباحية " و " النقطة " في باريس. هذا فضلاً عن المجلات التي ظهرت في هولندا مثل " الموسم " و مجلة " واحد " و " غجر " و " الطاحونة " و " ألواح بابلية معاصرة " غير أن أغلب هذه المجلات إن لم أقل كلها قد وُلدت لتموت في إطلالتها الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة في أفضل الأحوال. البعض من هذه المجلات تفتقر إلى التخطيط بعيد المدى، ولا ترتكن إلى مشروع ثقافي ذي رؤية محددة، وإنما تكتفي بزخم الهاجس الإبداعي، والرغبة في تأسيس مشاريع ثقافية لإشباع نزوة ما لدى صاحب المجلة أو رئيس تحريرها. البعض الآخر من المجلات تنطفيء جذوتها لأن نسغ الدعم المادي ينقطع عنها فتموت بهدوء موتاً بطيئاً، وتتلاشى في زوايا النسيان بعد حين. البعض من أصحاب هذه المجلات لا تتوافر لديه الخبرة في العمل الصحفي، فالصحافة الثقافية لوحدها لا تؤهل صاحب المشروع لأن يواصل مشواره الثقافي الذي يحتاج لنوع من المزاوجة والتلاقح بين الصحافة كمهنة، والصحافة الثقافية التي تشكل جزءاً مهماً من العمل الصحفي، ولكنها ليست الجزء الأهم. البعض الثالث من أصحاب هذه المشاريع لا يمتلك ما يسمى بـ " النيت وورك " التي تُديم إتصاله بذوي العلاقة الحقيقيين من أدباء، وفنانين، ومفكرين، وباحثين، ودارسين، ومشتغلين في الحقول اللغوية، والنقدية، والإجتماعية. هناك مجلات لا تعتمد على هيأة تحرير، أو شبكة مراسلين، ولا تعير بالاً لما يسمَّى بمستشاري التحرير الذين يقدمون النصح والمشورة من خلال خبراتهم الصحفية المتراكمة. هناك أكثر من مجلة يرأس تحريرها إثنان الأمر الذي يربك رؤية المجلة، ويشتت توجهاتها الفكرية والثقافية. هناك قائمة طويلة عريضة من الملاحظات السلبية التي تحتاج إلى مساحة كبيرة ليس هذا مجالها، ولكن دعوني أقدّم تصوّراً عن هذه المجلة الوليدة " علامات " التي تسعى لأن تكون مجلة محترفة تنشد الوصول إلى المراحل القريبة من الإكتمال، ولا تنشد الإكتمال نفسه، لأنه مسألة عصية على حدود الجهد البشري المعروفة. تطمح " علامات " لأن تكون حاضنة حقيقية للإبداع بغض النظر عن الأسماء المشاركة، فقد يكون هناك كاتب مغمور، لكن نصه سيجد طريقه إلى النشر إذا كان صالحاً للنشر، ويمتلك شروط ومقومات النص الناجح. وقد تستقبل المجلة نصاً ركيكاً من كاتب مشهور فلا تجد ضيراً في أن تُسقطه من قائمة حسابها ضماناً لحق القارئ في أن يقرأ مادة راقية، وإحتراماً لذائقته الفنية التي نفترض دائماً أنها عالية، ومرهفة، وشديدة الحساسية.
تحاول " علامات " أن تبحث عن الأسماء الأدبية والفنية والفكرية التي غُيّبت لأسبابٍ سياسيةٍ غامضة، وملتبسة، بحيث نتجاوز عقدة صناعة النجوم الأدبية التي أسهمت فيها أحزاب عراقية عن قصد مسبق أو جهل مطبق. الشخص المبدع في " علامات " يتقدم على النجم الأدبي الذي صنعته السياسة، ومهدت له الطريق إلى الندوات، والمهرجانات إلى الدرجة التي كرَّست فيها أسمه من دون وجه حق في الذاكرة الجمعية للناس. كما تحاول " علامات " أن تعوّض بعض الخسائر التي لحقت بالثقافة العراقية المهمَّشة، والمقصية، والمحجوبة، كالثقافة الكردية، والتركمانية، والكلدوآشورية، والأرمنية وحتى من جانب ديني كالثقافة الإيزيدية، والصابئية، والمسيحية، واليهودية.
لا تعتمد " علامات " في دعمها المتواضع الآن إلا على مؤسسات ثقافية هولندية لا تفرض أي قيد أو شرط يحد من حرية القائمين على هذه المجلة، أو يجيّرها لصالحه. ومصادر الدعم التي ننتظرها إن توفرت لاحقاً فإنها لن تكون خارج الجهات الثقافية الرسمية في هولندا وبعض المنظمات الخيرية التي تضع الثقافة الوافدة في سلّم أولوياتها.
المجلة كما هي الآن في العدد الأول مقسَّمة إلى أبواب عديدة وهي دراسات وبحوث، سينما، قصائد، قصص قصيرة، حوارات، شهادات، نصوص مفتوحة، دراسات نقدية، نصوص مسرحية، ببليوغرافيا، ولكن هذا التبويب ليس مكتملاً فهناك أكثر من باب ننتظر أن نجد له مساحة مناسبة في الأعداد القادمة مثل باب الترجمة، وباب الثقافة البصرية، وباب الوثائق الأدبية والفكرية، وباب الرسائل الثقافية الذي سيظهر في العدد القادم مشفوعاً بأسماء عدد من المراسلين في أبرز العواصم العالمية. " علامات " تتمنى أن تعيد ترتيب المشهد الثقافي العراقي بما يضمن عودة الحق الممغموط، والمسروق، والمختطف إلى أصحابه الحقيقيين الذين أُزيحوا من الواجهة الأمامية في ظل الظروف الشاذة، أو أُجبروا على الإنزواء في الصفوف الخلفية، أو لاذوا بقوقعة الصمت مُكرَهين في السنوات السود للنظام البائد. وفي الختام تَعِدكم " علامات " بأن تكون منبراً حراً، وفضاءً للكتابة الإبداعية الطليقة التي تؤمن بحق الإختلاف، وأهمية التنوّع لأن شجرة واحدة لا تصنع ربيعاً، وأن نجمة واحدة لا تضيء السماء.).