|
تمويه سياسات التوحش بالتبذل الإيديولوجي
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 2093 - 2007 / 11 / 8 - 11:51
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
في ظل السعار المحموم للتوحش الرأسمالي تسفر إسرائيل وحلفاؤها عن غطرسة للقوة تنزع للاستحواذ على فلسطين كاملة في دولة يهودية نقية من أصحابها العرب. وإذ يتغافل البعض من القادة الفلسطينيين والخارجية الأميركية عن هذه السيرورة التي تحفر مجراها عميقا في الواقع الفلسطيني ويمضون في عملية تتمظهر بالتسوية السياسية فإنهم بذلك يخدرون وعي العالم عن سيرورة الاستحواذ على كامل الأرض الفلسطينية. فعلى النقيض من هدف السلام يجري ترسيخ تبريرات إيديولوجية تسف وتنحط إلى هذيان غيبي لاعقلاني. أولا انتزعت المشكلة الفلسطينية من إطارها المتعين بالوقائع كمطمح تحرري ، لتقذفها في ميدان صراع الحضارات. ثم انثنت تقارب القضية من منطلق غيبي خالص يتمحور حول لا سامية أزلية تتمظهر حاليا، كما يزعم، في صور تعاطف اليسار مع الفلسطينيين. فأين تنظيرات التحرير "الاشتراكي" لفلسطين من هذا الواقع المفتوح على النهاية المأساوية؟! كلما ابتعدنا زمنبا عن الأحداث التي أعقبت مؤتمر كامب ديفيد في آب (أغسطس)2000، وتأملنا العواقب التي لا تزال تتداعى، يتضح أنها في جوهرها عدوان إسرائيلي مسلح استهدف الإجهاز على جنين الدولة الفلسطينية. وهناك إجماع على أن ما سمي الانتفاضة الفلسطينية الثانية انتهت بهزيمة تامة للجانب الفلسطيني، بعكس الانتفاضة الأولى التي مضت حركة نضال جماهيري أفضت إلى إقرار بالكيان الفلسطيني . ثبت عمليا ان العنف المسلح الذي ميز فعاليات ما بعد كامب ديفيد ورط السلطة الوطنية الفلسطينية في مجابهة غير متكافئة، أوردتها متاهة منهكة أصر باراك وشارون من بعده على أن يدفع الفلسطينيين في بيدائها. لنراجع ونتذكر مقولتي" العنف غير المبرر" و"الإفراط في العنف"،اللتين شاع استخدامهما لدى تقييم العمليات العسكرية التي بادر إليها باراك وثابر عليها خلفه من بعده إثر انتخابات شباط 2001. حتى بيانات الأمم المتحدة ودول أوروبا لاحظت الإفراط في عنف لا مبرر له، وقلة فطنت إلى أنه أكمة تنطوي على مكمن خطير. انشغلت الفصائل الفلسطينية في تنافس محموم على الشعبوية وتوسيع النفوذ في الشارع. ودخلت الفضائيات تسد فراغ الحكومات العربية وتشيد بهبة الجماهير الفلسطينية وتعظم من شأن العمليات المسلحة، وتجري "مقارنات" بين نسب الضحايا على جانبي الصراع بما يبرر وقوف العرب متفرجين ويؤيد الاندفاع غير المحسوب نحو كارثة جديدة. كان مهرجانا استعراضيا حوى من طقوس الموت وتقديم الأضاحي لم يخف عقابيله. لم يفطن المتنافسون على الشعبوية أن الكثير من الأقطار تحررت من خلال التحرك الجماهيري، وأن إسرائيل أفلحت مرارا من قبل في استدراج الفلسطينيين إلى منازلة مسلحة غير متكافئة، ونفذت على الإثر عملية توسع جديد في الوطن الفلسطيني. كان واضحا أن الجانب الإسرائيلي بصدد نصب مصيدة للفلسطينيين. فقد تأكد أن باراك وضع جيشه على أهبة الاستعداد قبل توجهه إلى كامب ديفيد؛ وسخر باراك كتّاب " اليسار" الصهيوني لشن حملة علاقات عامة في الغرب تطرح الفلسطينيين وعرفات ضد السلام ؛ وشرع بيريس "شريك اوسلو" جولة حول العالم روج خلالها أكذوبة رفض عرض باراك السخي وتهرب عرفات من السلام؛ ثم رفع شارون من وتيرة العنف المسلح وابتكر خطة اغتيال المناضلين وسط الأسواق وفي بيوتهم بغض النظر عن الخسائر البشرية . تباهى دان حالوتس أنه أنزل قنبلة تزن طنا من المتفجرات ولم يشعر" سوى بهزة خفيفة لطائرته"! بلغ فجور الإصرار على فرض منازلة العنف المسلح حد تدبير المجازر الجماعية ضد المدنيين بهدف جر الفصائل إلى عمليات انتقامية على شكل تفجيرات ضد المدنيين. كانت التفجيرات في مناطق المدنيين مادة أساسية في الحرب الدعائية المناهضة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. لجأ شارون أكثر من مرة إلى الاغتيالات كلما توقفت التفجيرات، وذلك كي يوفر الغطاء لاجتياح مناطق السلطة في 28 آذار 2008، وكذلك لتوفير غطاء لتشييد الجدار وتوسيع الاستيطان وأخيرا لتنفيذ خطة تمزيق ما تبقى من الضفة إلى كانتونات متصلة بواسطة أنفاق يتحكم بها بضعة جنود إسرائيليين، ومن ثم تأمين احتلالها بأرخص كلفة. والأشد مضاضة أن مسار الأحداث ، كما عرضته الميديا الغربية، دعم الرؤية الأيديولوجية لصراع الحضارات، والجانب الإيديولوجي للإعلام بارز حتى في صياغة الخبر، ومن العسير إخفاؤه. روى باتريك أوكونر، الناشط في "الحركة الدولية للتضامن" مع الشعب الفلسطيني(ISM)، كبف جري التعتيم على حركة النضال غير المسلح في فلسطين ضد الجدار والاستيطان المماثلة لحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة ومناهضة الأبارتايد في جنوب إفريقيا، وكيف " لا يعرف معظم الأمريكيين عن هذا الكفاح القاعدي الذي لا يمارس العنف، لأن كربورشن وسائل الإعلام في الولايات المتحدة فضل قصص الهجمات ’الإرهابية‘ الفلسطينية المبسطة والمغلوطة وأغفل قصص ردود الفعل الانتقامية الإسرائيلية". وفي تقرير مطول نشرته مجلة "كاونتر بانش" الإليكترونية في أيلول 2005، إثر زيارة إلى فلسطين قام بها بيل وكاثلين كريستيسون قالت كاثلين، التي عملت ثلاثين عاما محللة للأخبار لدى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي أيه) ان كتاباً صدر في العام الفائت عنوانه " اخبار سيئة من إسرائيل" عن دراسة أجراها أستاذان بجامعة غلاسكو ذكرا فيه، كما جاء في عرض للكتاب قدمه الصحفي تيم لليويلين، مراسل "بي بي سي" في الشرق الأوسط طوال عشر سنوات، أن الراديو والتلفزيون البريطانيين قدما تغطية للانتفاضة جاءت غير صادقة في جوهرها، من حيث المفهوم والمقاربة والتنفيذ. وقال الصحفي، تيم للويلين، أن لغة البث الإذاعي جاملت المحتلين على حساب الشعب المقهور ووصفت النشرات الإخبارية العرب بأنهم "قبائل تشكل خطراً على إسرائيل". وفي تقريرها لفتت كاثلين كريستيسين أنظار قرائها إلى الطابع المحافظ للثقافة الشعبوية التي تحاصر الجمهور من خلال المدرسة والجامعة والصحافة المرئية والمسموعة والمقروءة، إلى جانب منتجات مراكز الأبحاث والفنون وقنوات الثقافة الشعبوية. قالت الباحثة الأمريكية: "يجمع علماء السياسة والأعصاب ممن درسوا أنماط التفكير ان من الصعب للغاية تغيير التفكير المختمر في الذهن. فالبنية الأساس للفكر متجذرة عميقاً في تلافيف الدماغ، ولا يغيرها مجرد عرض وقائع مغايرة. وإذا لم تتطابق الوقائع مع نمط التفكير المسبق فإنها ترفض بكل بساطة، الأمر الذي يجعلك تصادف أناسا من أنصار إسرائيل يجيبونك ببساطة أنك تغلظ على إسرائيل لو فردت أمامهم الخارطة وأريتهم كيف تتغلغل المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وكيف يتلوى الجدار كالأفعى بين القرى العربية في فلسطين". حقا، فالميل الأمريكي للتماهي مع العبرانيين القدامى عقيدة ماثلة في تدين الأمريكي، وكذلك عقيدة همجية السكان الأصليين ثم عقيدة الرسالة، حيث الأمريكيون يعتقدون أنهم يحملون رسالة تبشيرية على المستوي العالمي، خصوصا إزاء غير المتحضرين. هنا تنتصب الدعامة الأساسية لإيديولوجية المحافظين الجدد، والتي فرضت انحيازهم المطلق للمشروع الصهيوني في صيغته المتطرفة الداعية لتحويل فلسطين إلى دولة يهودية خالصة. القاعدة التي ينهض عليها التفكير الأمريكي الدارج تجزم أن إسرائيل هي حليفة الغرب والحامية لمصالحه وقيمه في المنطقة العربية، وإسرائيل هي القاعدة المتقدمة للحضارة المسيحية الإسلامية بوجه البربرية، وإسرائيل وانتصاراتها حدثت بمشيئة ربانية.. حققت نبوءة الأصوليين المسيحيين، ومهدت للألفية بفعل أحداث وتداعيات تحدث بمشيئة الرب. المسيحية الأصولية ، كما الصهيونية، ترى في عودة اليهود لفلسطين جزءا من البرنامج الإلهي لنهاية الأزمنة. وقد حدث بين الأصوليتين زواج منفعة كان وعد بلفور وليده البكر. هكذا إذن، بموجب خطة استراتيجية متكاملة انتهي مهرجان الدم بتقدير دولي رفيع لشارون، "رجل السلام" ولإسرائيل "دولة تدافع عن حياة سكانها". حدث انقلاب شامل في رؤية العالم للصراع الدائر من شعب تغتصب حقوقه الوطنية إلى "صراع قيم" بين حضارتين: إنسانية وبربرية. بموجبه ارتقت مكانة إسرائيل الدولية وجهاً لحضارة الغرب يتصدى للبربرية الإسلامية، وأشهرت أطماعها في مكانة دولة إقليمية شريك عضوي في الهيمنة على الشرق الأوسط الجديد.
لا يمكن فصل النتيجة الكارثية لأحداث العقد الأخير عن اعتلاء المحافظين الجدد سدة الحكم في الولايات المتحدة. فقد وفرت عوامل دمج إسرائيل في خطة أمريكا تجاه الشرق الأوسط. وكما بادرت النزعة الكولنيالية الأوروبية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لبناء المستوطنات والتبشير بهجرة اليهود إلى فلسطين قبل قيام الحركة الصهيونية فقد بادر المحافظون بالدعوة لشرعية الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وضم القدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل، ثم حرضوا حزب الليكود على إعلان رفض الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة. ثم بات الرفض قاسماً مشتركا لأحزاب الصهيونية كافة. وحظيت زيارة شارون إلى حرم الأقصى بدعم المحافظين الجدد والمسيحيين الأصوليين. وعندما اجتاح الجيش الإسرائيلي أراضي السلطة الفلسطينية وطالب الرئيس بوش بالانسحاب الفوري انهالت رسائل من شتى الأنماط على البيت الأبيض تلح على العدول عن مطلب الانسحاب. آنذاك ، وبحبور المنتصر، أعلن جيري فالويل أحد أقطاب المسيحية الأصولية أن إسرائيل قد أحيطت بحزام واق من التوراة. انحاز الأكاديميون في الولايات المتحدة إلى جبهة الحرب الإعلامية. انبرى بيرنارد ليويس، الأستاذ الجامعي الذي سبق صمويل هنتينغتون بعقود في إغفال الطابع القرصني لكولنيالية الغرب ودمغ نضال العرب التحرري بطابع " العداء لقيم الغرب". فأثناء تأميم قناة السويس ادعى بيرنارد ليويس أن الإجراء وكل المشاعر العدائية تجاه الغرب إنما هي مواصلة لصراع حضاري قديم بين الإسلام والمسيحية. فمصدر النزاع كامن في كراهية المسلمين لحريات الغرب وإنسانيته. فضح هذا التشويه آلان غريش رئيس تحرير لوموند ديبلوماتيك الفرنسية، إذ كتب تحت عنوان "ليويس و’جينات الإسلام‘" يقول "منذ وصول جورج والكر بوش الى سُدّة الرئاسة الأميركية، أصبح برنارد لويس مستشاراً مسموع الرأي ومقرّباً من المحافظين الجدد، لا سيّما منهم السيد بول ولفويتز. وقد خصّه هذا الأخير، عندما كان مساعداً لوزير الدفاع، بتحيّة مُدويّة، خلال حفل تكريميّ أُقيم للويس في تلّ أبيب في آذار/مارس 2002: ’علّمنا برنارد لويس كيف نفهم التاريخ المعقّد والمهمّ للشرق الأوسط واستخدامه، ليقودنا نحو المرحلة الجدّية من أجل بناء عالم أفضل للأجيال الصاعدة‘". ثم مضى غريش إلى القول :" بعد عام، ’قاد‘ لويس الإدارة نحو ’مرحلتها الجديدة‘ في العراق. وكان أوضح أنّ اجتياح هذا البلد سيخلق فجراً جديداً، بينما ستُستقبَل القوّات الاميركية كقوّات تحرير، وإنّ ’المؤتمر الوطني العراقي ، برئاسة صديقه المنفيّ والفاسد والقليل النفوذ، سيُعيد بناء العراق الجديد." وبيرنارد ليويس جاوز التسعين من العمر، وكتبه تنشر على الجيش الأمريكي، وكتب عنه الدكتور إدوارد سعيد يفضح ادعاءاته ومنها أنه العرب يعادون حتى الموسيقى الغربية، فهو لم يسمع موسيقى غربية خلال تجواله في شوارع القاهرة، فيرد إدوارد سعيد بالقول ، "هناك عدة عواصم عربيّة تملك معاهد جيدة للموسيقى، منها القاهرة وبيروت ودمشق وتونس والرباط وعمّان وحتى رام الله. وقد خرّجوا فعليّاً آلاف الموسيقيين الممتازين، على الأسلوب الغربي، وهم يؤدّون في العديد من الاوركسترات السمفونية والاوبرات التي تغصّ بالمستمعين. فهناك العديد من مهرجانات الموسيقى الغربية تُنظَّم في العالم العربي". إن لبرنارد ليويس أتباعا كثرا من بين العرب على رأسهم فؤاد عجمي الذي طالما تغزل بالعسكر الأميركيين في العراق وتباهى بجولاته بينهم. هناك كنعان مكية ضمن جوقة المروجين للتقدم العربي عبر استيراد الليبرالية الجديدة من الولايات المتحدة ونزع الثوب الإسلامي، "حامل فيروس التخلف". ولا تخرج كتابات وقاء سلطان عن هذه الحرب الإيديولوجية. ويمعن في التوجه ذاته دانيال بايبس من غلاة الحافظين الجدد ومناصري نهج العدوان التوسعي لإسرائيل. وبايبس هو الذي نظم شبكة من المخبرين يتجسسون على أساتذة الجامعات ويراقبون أي عرض "مشوه" لأخبار الشرق الأوسط، ويقصد انتقاد تصرفات إسرائيل. ويصعد التشويه الإعلامي درجة جديدة في سلم التزوير وقلب الحقائق. بهدف تبرير اغتصاب الأرض الفلسطينية بكاملها. فقد عرضت ديانا جونستون في مجلة كاونتر بانش الإليكترونية، كتاب برنارد هنري ليفي الصادر عن دار نشر غراسيت في باريس هذا العام. عنوان الكتاب بالفرنسية " سي غراند كادارفير آلا رينفرس" وترجمتها الحرفية ، "الجثة الضخمة تستلقي على ظهرها".ويقصد جثة اليسار. الكتاب، كما تقول الناقدة، حظي بأضخم تغطية إعلامية، يدعي تناول اليسار الفرنسي لكنه لا يتحدث عن يسار، وليس كتابا في السياسة، وخلاصته السياسية أن "كل تفسير للأحداث الدولية يخرج عن كراهية اليهود الأزلية مرفوض ويعتبر لاسامية.. يخاطب برنارد هنري ليفي اليسار بقوله: أوقفوا الحديث عن إسرائيل والفلسطينيين، أو بالتحديد ضعوا حدودا لهوس إلقاء اللوم على إسرائيل، بمعنى بدلاً من ذلك تحدثوا عن دارفور اوالشيشان. فكل الكلام عن محنة الفلسطينيين لاسامية. استبدلوا "العلمانية" ب التسامح. بمعنى لا تسامح مع الفاشيسلاميزم ، ومنهم النساء المحجبات والمحتجون على الرسوم الكاريكاتيرية التي عرضت النبي محمد إرهابيا. والثالثة تقديم الإسلام أحد أشكال الفاشية. هذا ما يقدمه برنارد هنري ليفي لليسار ولليهود." الكاتب كما تقول الناقدة من " أسوأ رجال الدعاية، في الوقت الراهن. برز قبل ثلاثين عاما ضمن من عرفوا ب ’الفلاسفة الجدد‘، المدافعين عن التورط الأمريكي في فيتنام". في تلك الأثناء ارتكزت دعاية هذا الفريق في تبريرها للعدوانية الأمريكية إلى حكايات الجولاج السوفييتي الذي انكشف بعد عشرين عاما من وفاة ستالين، ثم مجازر الخمير الحمر في كمبوديا، فوصمَ ’الفلاسفةُ الجدد‘ بالشمولية كلَّ حركة يسارية ترمي لتغيير الواقع. وباسم الكفاح ضد خطر الشمولية راحوا يروجون لعودة الولايات المتحدة باعتبارها حامي حمى الديمقراطية والمدافع عن حقوق الإنسان. انقضت ثلاثون عاما، وعلى حين غرة اقتفى أثر يرنارد كوشنار، الذي تبنى فكرة حماية حقوق الإنسان بواسطة الحملات العسكرية، ليعلن انضمامه إلى معسكر ساركوزي وزيرا للخارجية. "لم يضيع بيرنارد ليفي الفرصة فانضم إلى الحشد معلنا قيام الشمولية الجديدة. ودمغ العداء لأميركا بأنه مرادف للعداء للسامية". يوجه برنارد هنري نقده الشديد في كتابه لكل من جين بيير تشيفينمان، روني براومان و الفيلسوف ألين باديو والكاتب ريحيه دوبريه من بين الكتاب الفرنسيين العديدين ممن يهاجمهم ليفي بسبب آرائهم في القضايا الدولية. الأول وزير دفاع فرنسي في إدارة ميتران استقال عام 1991 احتجاجا على قرار الالتحاق بالولايات المتحدة في الحرب ضد العراق. خاض الانتخابات الرئاسية مستقلا عام 2003ودعم سيغولين رويال في انتخابات عام 2007، والثاني عمل رئيسا لحركة أطباء بلا حدود من عام 1982حتى 1994، ينتقد إسرائيل بحدة ونهج التدخل العسكري لأهداف إنسانية الذي يسير عليه كوشنير. ورغم انفجار فقاعة الفلسفة عن هذا الهوج السياسي فقد رفض الكاتب برانرد هنري ليفي الوقائع المجردة واستقر عند الزعم بأن الأفكار هي التي تشكل العالم للأفضل أو للأسوأ. ومن المثال الذي قدمته السيدة كاثلين كريتسن يتضح ان المتعصبين المتحجرين هم ممن تناطح فكرتهم المسبقة الوقائع العيانية.ينادي برنارد هنري ليفي " يجب تأويل الحقيقة كي تلائم الأفكار، وليس العكس". وقع اختياره على فكر لافيناس، وهو فيلسوف يهودي- فرنسي- ليتواني ، اعتبره النبي المعاصر، وأنشأ في القدس مركزا لدراسة فكره. ولرفض التحليل في الدراسات أكثر من حيلة بلاغية، فهي تقع في صميم الرؤية الكونية للمحافظين الجدد. برنار هنري ليفي، من أمهر دعاة المحافظين الجد لرفض تفسير أحداث التاريخ بالسببية المادية او السياسية. إن رفض التحليل يقبع في مركز التوجه الديني للمحرقة أوالشواه( التعبير الديني لمذابح اليهود على أيدي النازية). وبالنسبة للمدافعين عن الدين المعاصر من الخطأ البحث عن تفسير مادي لأحداث يجب أن تبقى " غير مفهومة". اللاسامية هي موضع الاهتمام الرئيسي للافيناسيين، مثلما كان الموت الأسود موضع اهتمام الأوروبيين في القرن الرابع عشر. وهي تكافح النظرات الموضوعية. هاجسهم الوحيد هو وجود اللاسامية أو انبعاثها. ويسخّرون مقاربتهم الدينية – حتى بعد إقرارهم بإلحادهم- (ص405) للتهرب من تحليل الأسباب بطريقة قد تحول دون تكرار اللاسامية في المستقبل. فمجرد تفسير بروز هتلر بعوامل مادية مثل هزة الإذلال نتيجة الهزيمة العسكرية عام 1918، او فقدان المستعمرات أو التضخم أو الكساد العظيم أمور مرفوضة.ويطال رفض تحليل العوامل المادية للظواهر الإيديولوجية الأحداث المحيطة. فلدى تفسير هبوط الحماس للوحدة الأوروبية لا يأتي برنارد ليفي على ذكر الحقيقة البادية للعيان، والمتمثلة في تسخير الاتحاد الأوروبي لفرض سياسات اقتصادية لا تحظى بالشعبية، مثل فرض خصخصة الخدمات العامة على رؤوس الناخبين. كلا فالسبب الرئيس يراه في هبوط المثال الأوروبي، والكامن في " الفراغ المتبقي بعد إبادة ستة ملايين يهودي"(ص232). في الفصل المكرس للمستقبل "التقدمي" للاسامية يقارب ليفي المقولة كنوع من شيطنة سادت التاريخ متنكرة في أشكال شتى. " صرخة طويلة من الكراهية" تخللت عصور " شعوب العالم "من غير الممكن سؤال’ لماذا‘، وعلى المرء أن يسأل’ كيف؟‘ ". وبصورة عابرة يتناول برنارد هنري ليفي الفلسطينيين، الذين " وقفوا بجانب هتلر ، وهم بذلك ليسوا ضحايا بريئة للصهيونية، وأن تذمرهم مظهر للاسامية الجديدة". وهذا يتفق مع القول أن اللاسامية لا تفسر إلا "بالطبيعة الأزلية للاسامية ذاتها. وقبل كل شيء ما من سبب يمكن لليهود أنفسهم، وفي هذه الحالة دولة إسرائيل، أن يكونوا بطريقة ما مسئولين".حقا فالإيديولوجيا في حالات معينة وعي زائف! بدلا ًمن التحليل يقوم برنارد ليفي بالتنبؤ. فهو يرى الموجة الجديدة من اللاسامية تتكون من اتحاد" التضاد، العداء للصهيونية والتنافس على دور الضحية". فما العمل؟ المزيد من الانحدار "الفاشي" الجديد يدخلنا في منازلة معه: "الفاشية الإسلامية" أو "فاشيسلاميزم" ،كما يحبذ ليفي أن يطلق عليها. تختتم الناقدة الفرنسية توصيفها لمقولات ليفي بأنها نوع من الترويع يجري الإعداد له.... من الواضح أن من الأفضل بالنسبة لليسار ولليهود ولكل شخص قهر هذه التخرصات الدينية والتحديق في واقع العالم ومنه إسرائيل والعراق وفلسطين وإيران، اجل والولايات المتحدة والتجمع الصناعي- العسكري، المنطلق بلا كابح، والذي يجد العذر للجوء إلى القوة في هيستيريا المحافظين الجدد بصدد الفاشية الإسلامية". أليس الأجدر بالمثقفين المشغولين بالهم الفلسطيني مواجهة هذا الهذيان بدل الاهتمام بمضمون التحرر الفلسطيني بوجود دولة يهودية ام بدونها؟ أل يصب الحديث عن التهجير إلى خارج فلسطين اولئك الذين يملكون الإمكانات والمساعدة الدولية لتنفيذ الترانسفير؟ أليس أجدر وأكثر واقعية تقديم معونة معنوية او مادية لحماية بيت من الهدم او حقول من التجريف او أرض من المصادرة؟!! أحترم الماركسية ومنهجيتها الجدلية، ولكن أحترم قول لينين أمام المؤتمر الثاني لشيوعيي الشرق " انكم ستواجهون مشاكل لن تجدوا حلولها في أي كتاب شيوعي ، وعليكم ابتداع حلول لها من تجربتكم" . واعتقد ان فتوى محكمة العدل الدولية تؤطر الحقوق الفلسطينية في قالب حقوقي يسهل الإقناع به. المقاربة التنبؤية التي ينتهجها برنارد هنري ليفي هي بالتحديد لاعقلانية انفعالية لا تختلف عن اللاسامية . إنها احد أنماط الهذيان الديني وحتى الفاشية. وهي إحدى مستنبتات التوحش الرأسمالي في عصر العولمة. ولا بد من جبهة فكرية مضادة يقف الفكر المدافع عن عروبة فلسطين في متراسها المتقدم.
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكم القانون
-
من المتآمر في تفجيرات نيويورك
-
اكتوبر شمس لا تغيب - مبادئ أكتوبر شبكة الإنقاذ من وحشية العو
...
-
ثقافة الديمقراطية ـ ديمقراطية الثقافة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|