صادق إطيمش
الحوار المتمدن-العدد: 2093 - 2007 / 11 / 8 - 12:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من خلال التجارب السلبية التي ترتبت على إنضمام رومانيا وبلغاريا إلى ألإتحاد ألأوربي أوائل عام 2007 , قرر الوزير ألأوربي المسؤول عن إجراءات توسيع ألإتحاد ( أُولي رَن ) تشديد الشروط وتكثيف المراقبة التي تخضع لها الدول المتقدمة بطلباتها للإنضمام إلى ألإتحاد . لقد تقدمت تركيا منذ سنين بطلب رسمي إلى ألإتحاد ألأوربي طالبة ألإنضمام إليه . وقد واجهها ألإتحاد بجملة من المطالب التي يجب تنفيذها على واقع الحياة اليومية في تركيا كي تتناسب هذه الحياة ومثيلاتها في دول ألإتحاد . وكانت مشكلة القومية الكوردية هي المشكلة ألأساسية في تركيا والتي لم تعترف بها الشوفينية التركية بالرغم من تعاقب حكومات مختلفة على السلطة , إذ ظل مصطلح " أتراك الجبل " هو المصطلح السائد في ألأوساط الرسمية التركية , وللأسف الشديد , حتى لدى بعض الأوساط الشعبية حينما يجري الحديث عن القومية الكوردية في تركيا . وانطلاقآ من الدفاع عن حقوق ألإنسان واحترامها والمحافظة عليها والتي يضعها الإتحاد ألأوربي في مقدمة الشروط التي يجب تحقيقها في الدول الراغبة للإنضمام إلى هذا ألإتحاد , حاولت الحكومات التركية في السنين ألأخيرة , مُكرَهة لا راغبة , على ألإعتراف بوجود القومية الكوردية والشعب الكوردي على أراضيها . إلا أن مصطلح كوردستان ظل بعيدآ كل البعد عن مصطلحات السياسة التركية المعروفة بالتعصب ألأعمى ليس تجاه ألقومية الكوردية فقط , بل وتجاه القوميات ألأخرى سواءً تلك التي تواجدت أو لا زالت تتواجد على أراضيها , أو تلك التي خارج حدودها إلا أنها خضعت إلى سيطرتها في حُقب تاريخية مختلفة , وسياسة التتريك التي مارستها الدولة العثمانية ضد القوميات التي إكتوت بنارها معروفة لجميع منتسبي هذه القوميات .
واليوم حين يجدد ألإتحاد ألأوربي ويشدد من إجراءاته لمراقبة ألوضع السياسي والإقتصادي في تركيا , فإنه يُثبت عدم وجود أي تحسن ملموس في هذا الوضع , حسب ما جاء في تقرير الوزير المسؤول عن توسيع ألإتحاد . وعلى هذا ألأساس فإن تركيا لم تقترب من هدفها بالإنضمام إلى ألإتحاد , بل إبتعدت عنه أكثر وأكثر وذلك بسبب إستمرارها بسياستها تجاه الشعب الكوردي في تركيا والتي أثبت ألإتحاد ألأوربي على أنها سياسة تعصبية لا تلبي متطلبات إحترام حقوق ألإنسان والمحافظة عليها . هذا بالإضافة إلى ما توصل إليه ألإتحاد ألأوربي من إنتشار الفساد ألإداري والبطئ في تنفيذ ألإصلاحات التي يضعها كشروط لا مناص من تنفيذها لطالبي ألإنضمام إليه .
لقد جاء التقرير ألأوربي الذي نُشر في بروكسل يوم أمس متضمنآ تقييمه لسياسة الحكومة التركية خلال العام الماضي والذي إنطلق من تفهمه " لحرص الحكومة التركية على حماية شعبها من ألأعمال ألإرهابية التي يقوم بها حزب العمال الكوردستاني " كما ورد في نص التقرير الذي يضع هذا الحزب ضمن التنظيمات الإرهابية , شأنه في ذلك شأن حكومات الولايات المتحدة ألأمريكية وتركيا وسوريا وإيران والحكومة العراقية أيضآ بعربها وكوردها . إلا أن التقرير ألأوربي حذر في نفس الوقت النظام التركي من التدخل العسكري في ألأراضي العراقية الذي سيعتبره ألإتحاد ألأوربي , في حال وقوعه , إنتهاكآ لمبادئ السيادة الوطنية التي يتمتع بها كل بلد ضمن حدوده الجغرافية المُعترَف بها دوليآ . وطالب التقرير الحكومة التركية أيضآ بأن تتخذ ألإجراءات ألسلمية المعقولة , وبالإتفاق مع الحكومة العراقية , لحل هذه المشكلة . إن هذا المأزق الذي تورطت فيه الحكومة التركية يجعلها لا تعرف كيف تتصرف أمام ألعنجهية العسكرية التي تريد إنقاذ سمعتها التي سعت إلى تركيزها في أذهان الشعب التركي على أنها صاحبة القول الفصل في أي إجراء عسكري يتم في المنطقة من جهة , وأمام الشروط التي يضعها ألإتحاد ألأوربي لإنضمامها إليه وفي مقدمتها نبذ العنجهية العسكرية والتهديد بها من جهة أخرى . إن العسكرية التركية ستجد نفسها مهزومة أدبيآ إذا لم يُسمح لها بتنفيذ ولو عملية عسكرية واحدة داخل الحدود العراقية في كوردستان الجنوبية والتي إستباحتها مسبقآ ولعدة مرات من خلال ألإتفاق الذي تم بينها وبين البعثفاشية المقبورة .
بالإضافة إلى ذلك فقد أثبت التقرير من خلال دراساته للعام المنصرم من أن رغبة الشعب التركي للإنضمام إلى ألإتحاد ألأوربي قد إنخفضت كثيرآ . لقد جعلت الحكومة التركية من هذه الرغبة الشعبية عصاها السحرية التي تلوح بها في نقاشاتها مع ألإتحاد ألأوربي باعتبارها تحترم رأي الشعب التركي وهي تعمل على تحقيق هذه الرغبة . والآن وبعد أن توضح للإتحاد ألأوربي أن ألأمر لم يعد كذلك , كما تدعي الحكومة التركية , فإن ذلك سيشكل مأزقآ آخر لهذه الحكومة التي تبتعد كل عام مسافات أكثر عن تحقيق هدفها كعضو في ألإتحاد ألأوربي , بعد أن بدأت تفقد مفعول عصاها السحرية .
إستنادآ إلى هذا التطور الذي خلقته التحشدات العسكرية التركية على الحدود العراقية في كوردستان الجنوبية , وانطلاقآ من المآزق السياسية والعسكرية التي تمر بها الحكومة التركية الآن , فقد أصبح أمر مناقشة أسلوب العمل النضالي الذي يخوضه حزب العمال الكوردستاني في تركيا من الواجبات المهمة التي لا يجب أن يغفل عنها كل من يِؤمن بحقوق الشعب الكوردي القومية على أراضيه في عموم كوردستان .
ليس هناك من حركة تحرر وطني لم تقع في أخطاء من خلال ممارستها للنضال اليومي , إذ أن القاعدة تقول : إن من لا يعمل فقط هو الذي لا يخطأ . وهذا هو ديدن حركات التحرر الوطني في مختلف أساليب النضال وفي الحُقب التاريخية المختلفة من عملها النضالي ولدى جميع الشعوب . ولا يشذ حزب العمال الكوردستاني عن هذا التراث في العمل الوطني . إلا ان المؤشر الرئيسي الذي قاد ولا يزال يقود سياسة هذا الحزب وعمله على سوح النضال الذي يتواجد عليها هو العمل على تحقيق الحقوق القومية للشعب الكوردي في كوردستان تركيا , مستخدمآ في ذلك السبل التي توصل إليها ضمن قناعاته في مراحل مختلفة من تاريخه . وكان النضال العسكري , إلى جانب النضال السياسي , واحدة من القناعات التي تبلورت في سياسة هذا الحزب الذي ظل يواجه حكومات تركية عنصرية لا منطق لها غير منطق العنف والقوة تجاه كل من لا يخضع لسياساتها الشوفينية وعنجهيتها العسكرية . إن ألتطورات السياسية والعسكرية التي حدثت في المنطقة وخاصة بعد سقوط البعثفاشية في العراق خلقت ظروفآ معقدة جدآ ينبغي على كل من له علاقة بها أن يدرسها بعناية ودقة ليتسنى له إتخاذ ألإجراءات المناسبة لهذا التطور. وبالنسبة لحزب العمال الكوردستاني في تركيا يستجد وضع لم يكن متوفرآ من قبل والذي يؤثر في نضاله الوطني والقومي سلبآ أو إيجابآ , وذلك حسب تقييمه لهذا الوضع ومن ثم التعامل معه . إن جميع مؤيدي النضال الوطني والقومي للشعب الكوردي على جميع ربوع كوردستان ينظرون إلى تقييم حزب العمال الكوردستاني في تركيا للأوضاع المستجدة في المنطقة بقلق وحذر , خاصة فيما يتعلق بالوضع القائم الآن في كوردستان الجنوبية التي يمكن أن تشكل تجربتها , إذا ما تم الحفاظ عليها والمساهمة في تطورها تطورآ ديمقراطيآ حقآ بعيدآ عن العشائرية والتعصب مهما كان نوعه دينيآ أو قوميآ , إن ألحفاظ على تجربة كهذه سيشكل خطوة مهمة وواسعة نحو تحقيق الدولة القومية الكوردية على جميع ربوع كوردستان لأكبر شعب في العالم بدون دولة .
#صادق_إطيمش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟