بعدما عقد الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية مصر وسوريا والسعودية وخرج ببيان القاهرة, مصرحا ان مجلس الحكم المحلي في العراق ليس منتخبا من قبل الشعب العراقي وبالتالي انسحبت عليه تبعات وطيات سلبية من جراء عدم اٍعلان الاعتراف "الميمون" بالمجلس. يتعجب المرء من مواقف تلك الدول أن تصيغ قرارها بهذا الشكل, فيتبادر سؤال بديهي الى ذهن المواطن العربي.. وهل قادة الدول العربية تمتلك الشرعية من شعوبها؟!
قبل سقوط نظام صدام حسين تعاونت اغلب الدول سرا وجهرا على الانقلاب الدولي ضد العراق وتحريره لان "ريجيم" صدام حسين كان يشكل خطرا على جيرانه وكان متسببا رئيسيا في شق الصف العربي تحديدا حين غزى دولة الكويت, وظل المصدر لتوتر الاوضاع على الصعيدين الاقليمي والدولي وكان لابد من قلبه دوليا.. وهذا ما يتفق ورغبة الدول العربية. قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة اصبحت امرا واقعا ومن نسيج المنطقة لسنيين قادمة فوجودها في العراق حقيقة يختلف عن وجودها في المملكة السعودية او قطر او البحرين او غيرها, فالتحالف في العراق لديه مخطط مسبق تم الافصاح عنه بوضوح وهو العنصر الرئيس من ضمن مجموعة عناصر بعد اٍزالة النظام العراقي, وهو عنصر (النظام الديموقراطي) ويعد الاول, باستثناء -اسرائيل- في الشرق الاوسط تحتذى به دول الجوار. من المنظور السياسي لابد وان تنتقل عدوى الديموقراطية لدول الجوار واي اٍستعصاء جراء تسرب وتشرب الديموقراطية الجديدة لجيران العراق كعامل ابتدائي, سيتم التعامل مع -الاستعصاء- على شكل ضغوط سياسية واقتصادية او حتى عسكرية اٍذا تطلب الامر ذلك على غرار ماتم ضد نظام بغداد. وهذا مالم يرق لكثير من الدول العربية اذ انتقلت الى المرحلة الغير مرغوب فيها وهي مرحلة مابعد اٍزالة "ريجيم" صدام حسين والاصابة "بفوبيا الدمقرطة" أو الخوف من الديموقراطية. ومن هنا يمكننا ان نستشف سبب اصرار العرب لعدم اٍعترافهم بمجلس الحكم العراقي- مالم تحدث ضغوط- فهذه الحكومات وممثلتها الجامعة العربية لم تدن يوما ما المقابر الجماعية العراقية التي كشفت وتتكشف كل يوم. ولم تبادر الى دعم الشعب العراقي ماديا اومعنويا مثلما دعمت في بقع أخرى من العالم "كٍاخوان الجهاد الافغاني" وهدر مليارات الدولارات والذي ترتب عليه مأساة الارهاب العالمي الحالي الذي تعاني منه كثير من الدول ومنها اليمن, وهكذا خرج المارد من القمقم وانقلب السحر على الساحر بالنسبة للدول المفرخة والممولة للارهاب والارهابيين واصبحت المعاناة جماعية تتطلب التكاتف لاستئصال ظاهرة الارهاب المستشرية في كل مكان من العالم. ان بوادر اٍستعصاء الديموقراطية لدول الضد او" انتي" ديمقراطية بدأت تتضح معالمها في المملكة السعودية وجمهورية ايران, مما سيترتب عليه الضغط على السعودية من خلال شبهة ضلوعها -مباشرة او غير مباشرة- في احداث الحادي عشر من سبتمبر, وتخللها الثمانية وعشرين صفحة -البيضاء- في تقرير الكونجرس الامريكي. وبالتالي التمويلات والتبرعات المالية وتفريخ بؤرالارهاب الناتج من طبيعة تزاوج النظام السياسي السعودي بالمذهب الوهابي لابد وان يؤخذ بالاعتبار ما تسبب وترتب عليه اليوم من المعاناة الدولية للارهاب. اما اٍيران قد يتم اٍدانتها دوليا بسبب اهتماماتها النووية المحظورة واصرارها على عدم استيعاب الدرس من جارتها العراق والتدخل في شؤونه ومحاولة جعله نظام "ايات" واللعب على ورقة الغالبية الشيعية هناك الى جانب كثير من الادانات لانتهاكات حقوق الانسان في ايران. لان حقوق الانسان في دول العالم الثالث متجذرة كثقافة رافضة لاحترام الانسان وحقوقه, بسبب الارث الطويل من القمع والاستبداد السياسي والثقافة الابوية السائدة في المجتمعات. مجلس الحكم المحلي العراقي يعد الخطوة الاولى في الاتجاه الصحيح كمرحلة انتقالية فمن طبيعة الحال ان عراق مابعد الحرب وضرب بنيته التحتية وحل مؤسسة الدولة والجيش العراقي واختلال حالة الامن وعدم وجود دستور للبلاد يُحتكم اليه وهو الاهم. وكذلك قصور "الميديا" أو والوسط الاعلامي المعافى والامكانيات المتمثلة في الصحافة والتلفزيون الحر, لتمكن كل مواطن معرفة مرشحه وبرنامجه السياسي كل ذلك لا يتأتى للشعب العراقي في غياب كل هذه المقومات الاساسية الهامة من انتخاب مرشحيه وقياداته وبالتالي اٍنسحاب قرار الدول العربية بعدم الاعتراف بمجلس الحكم كونه غير منتخب ديموقراطيا من الشعب, غير موفق, وينم عن مخاوف عدوى الديموقراطية لما بعد الحرب كما اسلفنا سابقا. كذلك قرار عربي كهذا يعد استباق لمرحلة مقبلة لاتنشئ الا بتوفر المناخ البيئي لها وهذا ما سيعمد الى بنائه مجلس الحكم المحلي المعين من اغلب شرائح المجتمع العراقي وايجاد حكومة مرحلية ولمدة محددة وبمساعدة دولية. فالطائفية كانت على مدى اكثر من ثلاثين عام ظاهرة في احتكار نظام صدام حسين التكريتي لنمط واحد وشريحة مجتمعية واحدة حكمت العراق, فضلا عن انعدام الديموقراطية وحرية الرأي والتعبير والتعددية السياسية, وغياب الحد الادنى لاحترام القيم الانسانية. بينما في خطوة مجلس الحكم العراقي ضمت في طياتها اكبر قدر ممكن من المجتمع العراقي المتنوع ومن اغلب الطوائف, كخطوة اولى في الطريق الصحيح وضرورة لامناص منها لايجاد عراق حر ديموقراطي غني بموارده المائية والنفطية والزراعية. لابد من التمييز والاشارة على ان قوات التحالف تعد قوات تحرير في المفهوم السياسي وتعد قوات احتلال في المفهوم القانوني من حيث تحمل المسؤليات على الارض حتى اقامة الدولة والدستور والحكومة المنتخبة في ظل بيئة معافاة وارضية صحيحة وهي بحاجة بلا شك الى وقت كافي لنقل السلطة لحكومة عراقية منتخبة. ان دولة الكويت ظلت تعاني من تبعات الاحتلال العراقي الى يومنا هذا, بينما ماحدث في العراق من حصار مدة اثني عشر عاما, فضلا عن كونه نظام قمعي, استنفذ موارد البلاد وموقعها الدولي المهم وافتعل الحروب, وارق جيرانه وسعى لامتلاك اسلحة الدمار الشامل, بل واستعملها ضد شعبه وضد دولة جوار. لابد من تبعات واضرار في حالة العراق يجب العمل على تفاديها والتخلص من اثاراها. على الدول العربية ومنها -اليمن- التي تسعى مطالبة الى نقل السلطة سريعا للعراقيين وتتلكئ معللة حرصها على مصلحة الشعب العراقي ان تبادر الى مساعدة مجلس الحكم العراقي سياسيا ومساعدة الشعب العراقي ماديا وارسال المعونات الغذائية والطبية بل حتى المساعدة في الحفاظ على امن المواطن. ان ارسال وحدات عسكرية قد تكون رمزية تمد يد المساعدة الميدانية وتلبية الاحتياجات الضرورية ولو من باب المساعدة الانسانية امرا مستحبا بل ومؤشرا حسنا على النوايا العربية تجاه الشعب العراقي. فمثل هذه الوحدات العسكرية اوالجيوش "البواسل" العربية لم تشارك في اي معارك مصيرية سوى استنزاف لموارد مجتمعاتها وقمع شعوبها وشكلت عبئا وتضخما لميزانية الدول بسبب الاعداد الفائقة في الانتساب للقوات المسلحة وعدم استغلال سواعدها حتى في بناء البنية التحتية للاوطان. اٍن كثير من دول العالم شاركت بأعداد محددة ومتفق عليها في العراق ميدانيا وامنيا لتقديم المساعدة. وكان من باب اولى ان تقدم الدول العربية هذه المساعدات للشعب العراقي والتخلي عن بوق المزايدة "حرصا على الشعب العراقي" ووضعه جانبا والبدء بالعمل الجاد المثمر. ويفضل ان تبادر الدول العربية سريعا لتحقيق ذلك قبل ان تمارس عليها مجموعة الضغوط الدولية المعروفة والتلويح بالعصى لان الجزرة لم تعد بالهامة في هذه المرحلة.