أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علاء اللامي - من "ورقة الأمير فهد " الى " تصريحات الأمير عبد الله "















المزيد.....


من "ورقة الأمير فهد " الى " تصريحات الأمير عبد الله "


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 101 - 2002 / 3 / 26 - 21:52
المحور: القضية الفلسطينية
    


من "ورقة الأمير فهد " الى " تصريحات الأمير عبد الله " :
بعد التنازل عن ثمانين بالمائة من أرض فلسطين جاء دور التطبيع الكامل مع إسرائيل !

لم تأت المبادرة السعودية الجديدة " خطاب الأمير عبد الله " والتي أعلن عنها الصحفي الأمريكي اليهودي وأحد أخلص أصدقاء الدولة الصهيونية " توماس فريدمان" من فراغ سياسي أو تاريخي . فالمعروف أن الحكم السعودي تعرض بعد كارثة الحادي عشر من أيلول /سبتمبر 2001 الى هجمات إعلامية وسياسية ضارية ومريرة من أقرب حلفائه في الولايات المتحدة الأمريكية ، وليس مصادفة أن يكون الصحافي المحتفَلَ به في مزرعة الأمير عبد الله أي "فريدمان" هو ذاته من بدأ الهجوم على الدولة السعودية وطريقة حكمها وثقافتها وتعليمها واقتصادها ونمط حياتها ..الخ .
إثر ذلك الهجوم، وبسببه ، اهتزت ركائز الحكم المحمي بالقوة الأمريكية المباشرة والعلنية اهتزازا أثار الذعر والهلع ، غير أن من المبكر والسطحي تماما اعتبار المبادرة الجديدة التي يتعهد بموجبها السعوديون بتطبيع شامل وكامل وعلى المستويين العربي والإسلامي مع الدولة الصهيونية مقابل الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة سنة 1967هي ثمرة مباشرة وفجة ووحيدة لتلك الهجمات " الأمريكية " على الحكم السعودي، وبالتالي فهي لن تكون – كما يستنتج المتسرعون - سوى عملية سياسية تكتيكية عديمة الأفق هدفها امتصاص النقمة الأمريكية . إن هذا التحليل لا قيمة له من الناحية الاستراتيجية فهذه المبادرة ،كما تشير الدلائل والدوافع والتداعيات ، جاءت لتكمل وتتمم المبادرة القديمة المسماة " ورقة الأمير فهد 82 " والتي تحولت الى مبادرة عربية رسمية بعد مؤتمر القمة العربي في مدينة فاس سنة 1982 . وإنها انعطاف حاسم وطويل الأمد ستنفذ الأنظمة العربية التقليدية والمتحالفة مع الغرب ،وفي مقدمتها المملكة السعودية وبمساعدة وتغطية مغربية ومصرية وأردنية مباشرة ، ستنفذ الهدف الحقيقي من وجودها وتحالفاتها العالمية ، أو على الأقل تسديد الثمن السياسي والتاريخي للغرب وأمريكا تحديدا مقابل الحماية الشاملة لها من عدوها الداخلي " شعوبها " ولن يقل هذا الثمن عن الاعتراف الصريح والرسمي بالدولة الصهيونية والتطبيع الشامل معها واعتبارها – وبالضد من الإرادة الجماعية للأمة – كيانا طبيعيا في المنطقة وربما حليفا استراتيجيا فيما بعد !
وإذا كانت "ورقة فهد 82" قد اعترفت بهزيمة النظام العربي الرسمي وضمنت للكيان الصهيوني القاع الجغرافي أو المحتوى الترابي الممتد على ثمانين بالمائة من أرض فلسطين ، فهل حان الوقت لأمير سعودي آخر كي يمنح هذا الكيان شهادة الولادة الرسمية والمصادق عليها من مؤتمرات القمة العربية والإسلامية فتضمن للدولة الصهيونية وجودا طبيعيا معترفا به وترفرف راياته في سماء الرياض وغيرها من عواصم العرب والمسلمين ؟
و لكن وإذا افترضنا – جدلا - أن ولي العهد السعودي يملك الحق في أن يدفع دولته الى الاعتراف والتطبيع مع إسرائيل فبأي حق يريد الأمير أن يجعل التطبيع واجبا عربيا وإسلاميا شاملا وبقرار رسمي يصدر عن مؤتمرات قمة لأنظمة لا يتمتع أغلبها بأية شرعية شعبية أو قانونية أو دستورية و لا تعبر عن الحد الأدنى من طموحات الأمة المعلنة ؟ أم إنَّ هذا هو الثمن المطلوب لاستمرار بقاء بعض الأنظمة والعروش في العالم العربي اليوم ؟
إن الرواية المتهالكة التي يقدمها الصحافي الصهيوني فريدمان لـ "حدث " مقابلته للأمير عبد الله لا يمكن في الواقع الركون التام إليها و أخذها على محمل الجد كما هي ، ولكنها مع ذلك لا تخلو من دلالات التواطؤ أو التعمية المقصودة وتشي بالكثير من المعاني السياسية الخبيئة . فلنستمع أولا لرواية "فريدمان" التي أدلى بها من مكتبه في واشنطن الى صحيفة إسرائيلية هي "يديعوت احرونوت عدد 25/2/2002" . تقول الصحيفة : ( كل شيء بدأ في شهر كانون الثاني / يناير في المؤتمر الاقتصادي السنوي (مؤتمر دافوس ) الذي عقد في نيويورك في هذه السنة . فريدمان قابل هناك شخصيتين بارزتين الأول من المغرب والثاني من الأردن. الفكرة الفائزة كانت بسيطة: القمة العربية المنعقدة في بيروت في أواخر آذار / مارس تعلن عن صيغة للتسوية - التطبيع الكامل بين العالم العربي وإسرائيل مقابل الانسحاب الإسرائيلي حتى خطوط حزيران 1967. نحن لا نستطيع الخروج في مثل هذه المبادرة، قال الأردني والمغربي. مصر أو السعودية وحدهما هما اللتان تستطيعان ذلك.(..) في المقابل طلب فريدمان تأشيرة دخول من السفارة السعودية في واشنطن. السعوديون اعتبروه عدوا: منذ عملية البرجين التوءم قام فريدمان بمهاجمة السعودية مرة تلو الأخرى بسبب دعمهم الإسلام المتطرف ولفسادهم ونفاقهم. فريدمان لم يتوقف عن التذكير بان الخمسة عشر مشاركا في العملية كانوا من السعوديين. حملته جرّت وسائل إعلام أمريكية كثيرة. السعوديون كانوا على قناعة بان كل الأمر نابع من مؤامرة يهودية. العرش السعودي أصيب بالذهول. وبعد تردد فتحوا أبواب الدولة أمام المراسلين من "النيويورك تايمز" و "الواشنطن بوست" و "وول ستريت جورنال".وعندما توجه فريدمان بالطلب صدر الجواب على الفور. "بإمكانك أن تسافر غدا " قالوا له. "وبإمكانك أن تلتقي مع قيادة الدولة". " أنا لا أستطيع غدا". رد فريدمان. "فأنا مسافر لأفغانستان وأنا مستعد للقدوم في أواسط فبراير". في اليوم التالي لقدوم فريدمان أخذه وزير النفط السعودي علي النعيمي في جولة الى منشأة نفطية جديدة بجانب الحدود مع اتحاد الإمارات العربية.(..) وبعد يومين من قدوم فريدمان أعلموه أن ولي العهد سيستقبله. اللقاء جرى في المساء في مزرعة الأمير بجانب الرياض. عادل الجابر مستشار الأمن القومي هو الذي رافق فريدمان الى ذلك اللقاء. "انتظرنا ساعة وعندئذ دعينا للديوان (خيمة الضيافة) " يقول فريدمان "وكانت هناك أبناء العائلة المالكة ووزراء. الأمير طلب أن أمر عليهم واحدا واحدا وان اقدم نفسي". كان هناك بين الموجودين الأمير وليد بن طلال . فريدمان كتب عن هذا الأمير أمورا شديدة الوقع ولكن الأمير صافح يده بأدب في إطار البساط الأحمر الذي تقرر وضعه أمام الصحفي الأمريكي.
فريدمان أعطى الأمير عبد الله نسخة من الطبعة العربية لكتابه حول العولمة "الأبهة وشجرة الزيتون". بعد مأدبة العشاء دعاه الأمير الى محادثة ثلاثية: الجابر كان بمثابة المترجم فالأمير لا يتكلم الإنجليزية. المحادثة تواصلت ثلاث ساعات. الشرط كان : من دون تسجيل وليس لغرض النشر. خلال اللقاء تحدثوا عن الإدارة الأمريكية وعن العراق وعن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. "الأمير" قال فريدمان "بدا في نظري شخصا موضوعيا جدا وجديا ومن دون فذلكات. تطرقت الى مقالتي التي اقترحت التطبيع مقابل الانسحاب. الجابر ترجم فاشتعلت عيون الأمير. ماذا؟ سأل الجابر هل أدخلته الى غرفتي؟ وهل فتحت له الجارور ؟ كيف حدث انه سرق فكرتي؟ "بدا الأمر وكأننا نتجادل هو يقول إنني سرقتها منه وأنا أقول إنه هو الذي سرقها مني". وعندئذ قال الأمير هذا مضمون خطابي الذي لم أقم بإلقائه بسبب ما فعله شارون .
"أنا منذ سنوات طويلة في هذه الحكاية. قلت له. سمعت هذه العبارة مرات عديدة من الإسرائيليين ومن العرب: لقد أوشكت على أن افعل هذا وذاك إلا أن الجانب الآخر قام بشيء ما فلم اقدم على ذلك. من الصعب علي أن آخذ ذلك على محمل الجد.
أنا ِجدي" قال الأمير "إن كنتَ جديا فلماذا لا تقول الأمر حتى ننشره؟ "ولكن شارون" قال الأمير. "وإن كان هناك وقف إطلاق نار" قلت له. "اتركني أفكر بالأمر" قال الأمير. "في اليوم التالي صباحا اتصلوا من القصر. وطلبوا أن اقرأ عليهم كل النصوص التي انوي إدخالها الى مقالتي. فقرأتها على أسماعهم. بعد ساعتين اتصلوا مرة أخرى وقالوا تفضل انشر ذلك ولم يحذفوا أي شيء.
" حدث هذا يوم الخميس. زاويتي تظهر في الصحيفة يوم الأحد. وأنا لا أرسلها قبل يوم الجمعة. كنت متأكدا أنني سأتلقى مكالمة هاتفية تطلب تعديل النصوص خلال اليومين المتبقيين: بدلا من أن اكتب إن الأمير تحدث عن التطبيع يطلبون مني أن أكتب شيئا أقل إلزاما. مساعدو الأمير أوضحوا أن التطبيع يشمل التجارة والسياحة وكل شيء. إلا أن أحدا لم يتصل. وما حدث هو العكس إذْ اتصلوا مرارا وتكرارا متسائلين عن موعد نشر المقالة. إذْ انهم يريدون أن يوزعوها على وسائل الإعلام عندهم" (..) "أنا اعتقد انهم يدركون انه لن يكون هناك انسحاب 100 في المائة من حدود 1967 (..) وبالنسبة لفريدمان فهو يكتب أربع مقالات أخرى عن السعودية. ويذكر فيها بأدب ولباقة الى أي حد لا يوجد استقرار في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والى أي حد يصعب ترميمه وإصلاحه. عن بديعوت أحرونوت عدد 25/2/ ترجمة نشرة المصدرة / القدس )
تلك هي رواية فريدمان التي اجتزأناها هنا، والتي تريد لنا أن نصدق تلك المصادفات العجيبة والخارقة، والأقرب الى الرسوم المتحركة المخصصة للأطفال، التي يصنع بواسطتها تاريخ الأمم والشعوب ومنها – مثلا - أن يهبط صحافي صهيوني عابرا المحيط الأطلسي ليلتقي بأمير عربي في قلب الصحراء ليكتشف الاثنان والأمة معهما أنهما توصلا معا وكل على حدة الى الوصفة السحرية التي ستوصلهم الى صنع حجر الفلاسفة ! و لكنه للأسف سيكون حجرا خاصا جدا يحاولون استعماله لترسيخ عرش يهتز بشدة وأيضا لإضفاء الشرعية على دولة لا شرعية لها سوى القوة المسلحة . سنترك هذا الحجر المنحاز وما أحاط به من قصص ومسرحيات يسطرها الأقوياء ونعود الى أرض التاريخ الحقيقي محاولين وضع المبادرة السعودية الجديدة في إطارها السياسي الممكن و سياقها التاريخي الممتد الى سنة 1982 ولهذا ستكون العودة مفيدة دون ريب الى مرحلة المخاض والتبني التي مرت بها مبادرة سعودية أخرى هي تلك التي عرفت بورقة الأمير فهد والتي تعتبر بحق أخطر وثيقة سياسية انهزامية في تاريخ العرب القديم و الحديث. وليست العبرة من هذه العودة في شكلياتها بل في جوهرها الدال على مغزى المبادرة الشقيقة الراهنة ولعل ذلك الجوهر سيكون أكثر وضوحا وتماسكا حين نضعه تحت نور التحليل النقدي التاريخي فكيف ولماذا ومتى ولدت تلك المبادرة ؟
بتاريخ 21/11/1981 نشرت وكالة الأنباء السعودية تصريحا لولي العهد السعودي آنذاك الأمير فهد بن عبد العزيز تضمن ما سيعرف لاحقا بمشروع أو ورقة " الأمير فهد " . وقد تضمنت تلك الورقة ثمانية مبادئ أو بنود نص أولها على ( انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 بما فيها القدس العربية ) ونلاحظ هنا أمرين خطيرين في هذا المبدأ وهما : تحديد المدى الجغرافي لفلسطين العربية ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني بسقف العشرين في المائة من أرض فلسطين التاريخية . وثانيا الاعتراف بأن المقصود بالقدس هو الحي العربي فيها وليس المدينة المعروفة بالقدس أورشليم . المبدأ الثاني يطالب ( بإزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي العربية بعد عام 1967 ) ومن المنطقي أن يجد اللاجئ الفلسطيني المشرد من وطنه في هذا البند شهادة وفاة يصدرها النظام العربي الرسمي لعروبة مدن فلسطينية كثيرة كحيفا وعكا بل وحتى الناصرة ذات الأغلبية العربية والتي إليها ينسب يسوع المسيح عليه السلام . ويتحدث البند الثالث من مبادرة الأمير فهد عن ( ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر لجميع الأديان في الأماكن المقدسة ) أما الرابع فيقول بالحرف الواحد (تأكيد حق الشعب الفلسطيني وتعويض من لا يرغب في العودة ) إن خطورة هذا البند لا تخفى على عين المراقب فهي من جهة تجعل (حق الشعب الفلسطيني ) غامضا ونكرة ومحيلا الى السؤال الفاضح والقائل : حقه في ماذا ؟ ومن جهة أخرى فهذا البند يؤكد حقا آخر بصريح القول فيما حرفه (التعويض على من لا يرغب في العودة ) وهذه العبارة لها معنى واحد يعرفه الفلسطينيون وهو استبدال حق اللاجئين والمشردين الشرعي والقانوني في العودة الى مدنهم وقراهم في وطنهم فلسطين بحق التعويض المالي والتوطين في الدول التي يعيشون فيها أو يساقون إليها بموجب وثائق السلام الأمريكي القادم .. ويتحدث المبدأ الخامس عن فترة انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة على الضفة والقطاع لمدة لا تزيد على بضعة أشهر وينص البند السادس على قيام دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس . أما الثامن فينيط تنفيذ تلك المبادئ بالأمم المتحدة أو بعض الدول الأعضاء فيها .
لقد أخرنا عمدا قراءة السابع لأنه في اعتقادنا يشكل قلب وجوهر هذه المبادرة التصفوية والتي أعادت الاعتبار تماما لأنور السادات الذي – في الحساب الأخير – لم يفعل سوى إنه طبق باكرا مبادرة الأمير السعودي التي أقرها مؤتمر قمة فاس فاعترف – السادات - بإسرائيل وتنازل عن ثمانين بالمائة من فلسطين وأقصى مصر من خريطة مواجهة المشروع الصهيوني العنصري . لقد أدخل الأمير السعودي الرئيس المصري أنور السادات من نافذة فاس بعد أن أخرجه مؤتمر القمة الأسبق "التاسع " من باب بغداد .
يقول البند السابع إذن ، ما حرفه : ( تأكيد حق دول المنطقة في العيش بسلام ) وسوف يزوَّق هذا البند في قرارات الجزء الثاني من قمة فاس تزويقا باعثا على الابتسام لشدة "ذكاء" أهل المبادرة وهذا هو نص البند المزوَّق : ( يضع مجلس الأمن الدولي ضمانات السلام بين جميع دول المنطقة بما فيها الدولة الفلسطينية المستقلة .) واضح أن هذا البند ينص صراحة على الاعتراف بالكيان الصهيوني ( دولة إسرائيل ) في حدود يوم الرابع من حزيران / جوان 1967 ، وهذا يعني أن النظام العربي الرسمي وعلى لسان فهد بن عبد العزيز أولا ، ثم على لسان القمة العربية ثانيا ،قد تنازل للصهاينة عن ثمانين بالمائة من أرض فلسطين ، وعن غالبية مساحة القدس ، مكتفيا بالحي العربي فيها مقدما وحتى قبل الدخول في نشاط تفاوضي دولي أو إقليمي . إن هذا التنازل هو تبرع على البيعة كما يقال يعطي شرعية وصدقية لقول القائلين : وهب الأمير ما لا يملك لمن لا يستحق !
وحين استأنف مؤتمر القمة أعماله في مدينة فاس وتحت رعاية عراب اتفاقية ( كامب ديفد 1 ) يوم 6/9/1982 درس المؤتمرون ( عدة أوراق عمل قدمتها الوفود العربية ) وقد اكتفي الملوك والرؤساء الذي أصدروه بعد انتهاء المؤتمر بالإشارة الى " مشروع الأمير فهد بن عبد العزيز " و " مشروع الرئيس الحبيب بورقيبة " دون غيرهما من أوراق . ويبدو أن إيراد مشروع بورقيبة ، وهو المشروع الأكثر عدالة بما لا يقاس من ورقة فهد لأنه يضمن نصف أرض فلسطين للفلسطينيين قبل أية مفاوضات ، كان لمجرد ذر الرماد في العيون ، أو توطئة لتمرير المشروع السعودي الخطير. ونقرأ في محاضر المؤتمر أن مشروع بورقيبة استند الى ( القرار 181 الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن تقسيم فلسطين ، واعتبره بورقيبة في ورقته يمثل النص القانوني الدولي الذي يعترف بالدولة الفلسطينية كدولة ذات سيادة متجاوزا بذلك قضية تقرير المصير ورأى – بورقيبة – أن القرار (إذْ قرر تقسيم فلسطين فقد رسم للدولة الفلسطينية محتوى ترابي محددا ضمن الأرض التي كانت واقعة تحت الانتداب البريطاني ) وينتهي مشروع الرئيس التونسي الراحل الى إقرار ما يأتي :
1- اعتماد الشرعية الدولية أساسا لحل القضية الفلسطينية .
2- قبول قرار منظمة الأمم المتحدة 181 بتاريخ 29/11/ 1947 .
3- مطالبة الأمم المتحدة بتطبيق قرارها 181 واتخاذه منطلقا لقيام الدولة الفلسطينية في فلسطين ووضع حد لمشكلة الشرق الأوسط .( عن كتاب "وثائق فلسطين" ص 438 / إصدار دائرة الثقافة / منظمة التحرير الفلسطينية ) .
وعلى الرغم من أن الورقتين السعودية والتونسية تصدران عن ذهنية ومنطق متشابهين تقريبا وتقومان على ركيزتي الاعتراف بالكيان الصهيوني الناتج عن غزوة حربية قام بها الصهاينة الغربيون والاستعداد للتعايش مع هذا الكيان بصفته هذه، و لكن الذي لا مراء فيه ،هو أن السقف الجغراسياسي لمشروع بورقيبة أعلى كثيرا من سقف المشروع السعودي . فالأول ينطلق من القرار الدولي 181 والذي يضمن للفلسطينيين - من الناحية النظرية على الأقل – نصف أرض وطنهم قبل البدء بالتفاوض ، فيما يتنازل مشروع فهد بن عبد العزيز عن ثمانين بالمائة مقدما وعلى طبق من ذهب التطبيع الشامل، إضافة الى التنازل غير المباشر عن حق العودة المشروع للشعب الفلسطيني الى وطنه والاكتفاء بالتعويض النقدي لمن لا يرغب في العودة !
إن أخطر ما في قرارات تلك القمة العربية هو إنها تبنت بشكل شبه حرفي ورقة الأمير فهد وأهملت وأسقطت المشروع البورقيبي تماما و دون إبداء أي سبب معقول أو غير معقول . ولكن هل يمكن تلخيص الأمر بالمفاضلة بين طرفين عربيين حكوميين يتنازل الأول عن نصف الحق والآخر عن ثمانين بالمائة منه ؟ كلا طبعا، فالبديل ليس في أحسن الفروق الرقمية والنسب المئوية، بل في تبني الموقف الصائب تاريخيا والمنحاز الى حق الشعب الفلسطيني الثابت في أرض وطنه فلسطين وحقه في العودة إليه ورفض كل استبدال لهذا الحق بالتعويض المالي فالأوطان لا تباع ولا تشترى بالمال. و لا بد من ثم من طرح البديل الديموقراطي الإنساني المتصادم بقوة الحق ذاته مع المشروع الصهيوني المحمول على صهوة الغزو المسلح العنصري ومقاومته ومحاصرته حتى تفكيك كيانه السياسي العنصري أو تفككه تلقائيا تحت وطأة آثامه وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني وقيام البديل الديموقراطي الذي يرتضيه جميع سكان فلسطين بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الطائفية الدينية .
إن مبادرة الأمير عبد الله تبدو للوهلة الأولى وكأنها مكررة كثيرا ولا جديد فيها فقد كرر العرب الرسميون وفي جميع مؤتمرات قممهم مطالبتهم بانسحاب إسرائيل الى حدود الرابع من حزيران /جوان 1967 ولكنهم كانوا يتفاوضون سرا على مادون ذلك بكثير ومعلوم أن الغالبية العظمى من الدول العربية لا تمانع في التطبيع إن لم تكن قد طبَّعت فعلا مع الدولة الصهيونية وباستثناء قلة من الدول العربية منها سورية والعراق ولبنان والسودان والإمارات والسعودية ذاتها ترتبط جميع الدول الأخرى بعلاقات أو تعاملات رسمية أو شبه رسمية . غير أن السياق التاريخي والسياسي الذي اندرجت فيه هذه المبادرة هو ما يضفي عليها بعض الجدة والإبهار فهي تأتي في وقت وصلت السياسيات القمعية الدموية الصهيونية الى جدار أصم ، وتصاعد فيه الكفاح التحرري البطولي الفلسطيني الذي وضع الاقتصاد الإسرائيلي على كف عفريت وحول نظريات الردع والأمن الإسرائيلية الى رماد وألحق بالإسرائيليين خسائر بشرية فادحة وداخل عقر القلعة الحصينة التي شيدوها، وعلى هذا وذلك فلا يمكن وصف من يتهم المبادرة بأنها حبل نجاة يُرمى الى الدولة الصهيونية والى شارون تحديدا بالتسرع والطيش ثم إن الرأي العام الإسرائيلي يعاني من تشوش أقرب الى الضياع والعصاب الجماعي حاليا فعمليات سبر الآراء تعلن أن أغلبية تفوق الستين بالمائة تريد السلام وبدء المفاوضات مع الفلسطينيين ولكنها تعلن أيضا وفي الوقت نفسه أن أغلبية تفوق الستين بالمائة تؤيد اليمين الفاشي بقيادة أريئيل شارون فكم ستين بالمائة علينا أن نحصي في هذا " الرأي العام " الدائخ وعلى أي نسبة يمكن للمرء أن يعول ؟ إن المعنى الوحيد الذي يمكن استنتاجه من اضطراب التكفير الجمعي في الدولة الصهيونية هو إن الإسرائيليين يريدون السلام والأمن فعلا ولكنهم يريدون أيضا غالبية الأرض الفلسطينية بما فيها القدس وإسقاط حق العودة الفلسطيني وضمان حق العودة اليهودي إضافة الى أشياء أخرى تتعلق بالماء والسماء ..الخ .
لكل ما تقدم ينبغي رفض مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز وإظهار جوهرها الحقيقي لأصحاب القضية أنفسهم أي شعب فلسطين لكي لا تكون هذه المبادرة بداية المرحلة الثانية من تصفية القضية الفلسطينية بعد أن ضمنت المرحلة الأولى التنازل عن ثمانين بالمائة من أرض فلسطين للدولة الصهيونية .
وأخيرا، ونقولها بصراحة وإخلاص ودونما أي تشنج : إذا أرادت قيادة المملكة العربية السعودية البحث عن أسباب استقرارها وتطوير دولتها ومجتمعها فعليها البحث عن ذلك في داخل بلادها ومن خلال التوجه نحو نظام ملكي دستوري متقدم كذلك الذي شرعت بالاقتراب منه مملكة البحرين أو إمارة قطر . إن المملكة السعودية يمكنها التخلص من الكابوس الحمائي الغربي الأمريكي و الخروج منه كدولة وإخراج شعبها معها من ظلمة وعفونة الحكم المطلق الأوتوقراطي والثيوقراطي نحو فضاء الحرية والكرامة الإنسانية والاعتماد على الذات والكف عن اللعب بنار القضايا المصيرية كقضية فلسطين خصوصا وأن النفط زائل والشعوب باقية والتاريخ شاهد على أن العروش ليست أثمن من دماء الشعوب وكرامة الأوطان .

هامش أخير :
بعد الانتهاء من كتابة هذه المقالة بيومين نشرت جريدة يديعوت أحرونوت ( عدد يوم 5/3/2002 ) مقالة حول مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز التي قدمت كمبادرة سعودية وردت فيها المعلومة الخطيرة التالية : "(أعدت الإدارة الأمريكية خطة عمل سرية تستهدف فرض المفاوضات على أساس المبادرة السعودية والمبادرة أعدت عمليا من قبل الأمريكيين والسعوديين ولكن ولأسباب سياسية عرضت كخطة سعودية فقط . والمرحلة الأولى من هذه الخطة الأمريكية هي إحراز اتفاق عربي على " المبادرة السعودية " . ) عن نشرة المصدر/ القدس لترجمة الصحف الإسرائيلية الى العربية عدد 5/3/2002 . والتعليق الوحيد الممكن على هذه المعلومة هو أن هذه الخطة الأمريكية جوهرا والسعودية اسما ليست إلا ُطعما ساماً في الصنارة الأمريكية الهدف الأول منه انتزاع موافقة عربية جماعية على التطبيع مع إسرائيل والاعتراف بوجودها على ثمانين بالمائة من أرض فلسطين من قبل النظام العربي الرسمي وتغييب حق عودة الشعب الفلسطيني الى أرضه نهائيا وبموافقة عربية !! إنه دليل قوي آخر على ضرورة رفض هذه المبادرة رسميا وشعبيا وفضح جوهرها التصفوي .




#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطاب العقيد القذافي الأخير :لا جديد تحت شمس العقيد !
- مناقشة لآراء " غراهام فولر" حول نهاية النظام العراقي
- الإسلام السياسي وإشكاليات الديموقراطية السياسية المعاصرة
- - بغدادُ ترتقي الجُلجُلة- فصلان من مسرحية عراقية جديدة عن ال ...
- لغة التعميمات سلاح ذو حدين
- قراءة في نداء حركة المجتمع المدني العراقي
- التوازن الهشّ بين اليسار الجذري واليمين الليبرالي
- حول الأسس الفلسفية لسياسات العولمة


المزيد.....




- تحليل لـCNN يُظهر كيف تحولت الاحتجاجات السلمية في بنغلاديش إ ...
- محمود عباس أمام البرلمان التركي: قررت الذهاب إلى غزة مع جميع ...
- أوكرانيا تنفذ هجوما جريئا على كورسك.. اختراق استراتيجي قد يغ ...
- ثقة الديمقراطيين في هاريس تتفوق على بايدن في ملف المناخ والش ...
- أسوأ نتيجة منذ إعادة التوحيد.. ما أسباب تراجع ألمانيا في الأ ...
- مطالبة أممية بضرورة تحسين ظروف الاحتجاز في سجن -جو- في البحر ...
- ذكرى عودة طالبان.. آلاف الأفغان المهددين في انتظار دورهم للج ...
- لوكاشينكو: هدف الغرب إسقاط أكبر عدد من الضحايا بين الأوكراني ...
- مطار مدريد يعزز الإجراءات الوقائية من جدري القردة
- لوكاشينكو: روسيا لن تتأخر في إرسال قواتها إلى بيلاروس إن تعر ...


المزيد.....

- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علاء اللامي - من "ورقة الأمير فهد " الى " تصريحات الأمير عبد الله "