|
بلفور.. العربي!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2092 - 2007 / 11 / 7 - 11:26
المحور:
القضية الفلسطينية
سنوياً، وفي الثاني من تشرين الثاني، اعْتَدْنا أن نَلْعَن بلفور ووعده، فكفانا الله شرَّ لَعْن أنفسنا، فنحن "الضحية"؛ أمَّا مأساتنا التي تَعْظُم سنوياً فليست من صُنْع أيدينا في المقام الأوَّل، وقد يشتد قنوطنا ويَعْظُم، فَنَشْرَع، بَعْدَ أن نُذلِّل بأيدينا العقبات من طريق "إسرائيل الكبرى"، نَرْجُم بلفور كما نَرْجُم إبليس!
"المأساة".. مأساتنا، ومأساة "العقل" معنا، لَمْ تبدأ في الثاني من تشرين الثاني 1917. لقد بدأت إذ أصبح لبريطانيا (ولقوى دولية أخْرى) مصلحة في إقناع نفسها، وإقناع العالَم، بأنَّ ما جاء في "سِفْر التكوين"، وسِفْر الخروج"، هو الحقيقة التي لا ريب فيها، وليس بأسطورة من أساطير الأوَّلين؛ وهل غير المصالح ما يُسوِّل للمرء أن يناصِب بديهية العداء؟!
كان الكنعانيون هناك إذ ظَهَرَ "الرَّبُّ" لأبْرام العبراني، على ما جاء في "سِفْر التكوين"، ليُخاطبه قائلاً: "لِنَسْلِكَ أُعْطِي هَذِهِ الأَرْضَ مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ نَهْرِ الْفُرَاتِ".
ثمَّ ظَهَرَ بلفور لعزيزه البارون روتشيلد ليخاطبه قائلاً: "إنَّ حكومة صاحب الجلالة تَنْظُر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين..".
ثمَّ ظَهَرَ كليم الرَّب، في القرن الحادي والعشرين، جورج بوش، لآخر أنبياء بني إسرائيل (شارون) ليخاطبه قائلاً: إنَّ "الحقائق الجديدة" تَذْهَب بكثير مِمَّا يَنْظُر إليه الفلسطينيون على أنَّه "حقوق قومية" لهم، فإنَّ إسرائيل، بوصفها "دولة يهودية"، أو "دولة الوعد الربَّاني"، يحقُّ لها أن تَضُمَّ إليها ما يحتاج إليه "الاستيطان اليهودي" من أراضي الضفة الغربية، وأنْ ترفض "عودة" أي لاجئ فلسطيني إليها.
"العلمانيون" و"الديمقراطيون" الأقحاح في الغرب باركوا "دولة الوعد الرَّباني" حتى وهي تَجْعَل "السياسة" امتداداً لـ "الأسطورة التوراتية"، التي اقْتَرَنت بمصالح "بريطانيا العظمى"، فأنجبت، بالتالي، تلك الجريمة الكبرى التي ارْتُكِبَت في حق الشعب الفلسطيني، والتي لَمْ يتورَّع العرب عن المشاركة فيها، وعن الاستمرار في المشاركة فيها، حتى كاد بلفور أن يغدو عربياً!
ولقد رأيْنا "الأسطورة الدينية" تتحوَّل إلى "سياسة" إذ قال بيغن سنة 1978 "لقد وَعَدَنا الرَّبُّ بهذه الأرض، فَلَنا فيها كل الحق"، وإذ قال في كتابه "العصيان" سنة 1950 "إنَّ أرض إسرائيل الكبرى ستعود إلى شعب إسرائيل كلها، وإلى الأبد"، وإذ قال ناثان وينستوك (في كتابه "الصهيونية ضد إسرائيل") سنة 1969 "لو ألْغينا مفهومي الشعب المختار والأرض الموعودة لانهارت الصهيونية من أساسها"، وإذ قال موشي دايان سنة 1967 "إذا كنَّا نملك التوراة، وإذا كنَّا نعتبر أنفسنا شعب التوراة، فإنَّ من الواجب علينا أن نمتلك كل الأراضي التوراتية".
والآتي أعْظَم.. فها نحن بدأنا نرى محاولة للتأسيس لاعتراف "ديني ـ إسلامي" بحق "دولة الوعد الربَّاني" في الوجود من خلال تفسير وتأويل مُغْرضين لآيات قرآنية تضمَّنتها سورة "المائدة"؛ وهذه الآيات هي: "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ. يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ. قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ. قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ. قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ. قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ".
هؤلاء الذين ارتضت لهم مصالحهم الشخصية والفئوية الضيِّقة أن يكونوا خَدَماً عند "شعب الله المختار" بدأوا يُلَمِّحون إلى أنَّ الله قد كَتَبَ فلسطين لـ "بني إسرائيل" إذ قال "يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ"، وإلى أنَّ "عقوبة تحريمها على بني إسرائيل" قد انتهت إذ قال "قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ".
قَبْلَ أن يأتوا إليها، قديماً، كان فيها أسلاف وأجداد الشعب الفلسطيني، وهَمْ الكنعانيون (القوم الجبَّارين). وقَبْلَ أنْ يأتوا إليها، حديثاً، كان فيها أحفاد الكنعانيين، أي الشعب الفلسطيني، المَدْعو الآن إلى أن يعي وجوده وحقوقه وحاجاته ومصالحه "وَعْياً قومياً ـ ديمقراطياً"، فإنَّها لجريمة يرتكبها الشعب الفلسطيني في حقِّ نفسه إذا ما تَشَبَّه بالإسرائيليين لجهة "تديين" قضيته، التي هي "قضية قومية من ألفها حتى يائها"، وإذا ما ارتضى لنفسه قيادات تتوفَّر على اشتقاق السياسة من الدين، حتى انتهى بها "عملها التاريخي" إلى شقِّ فلسطين (الصُغْرى) أرضاً وشعباً. لقد حان للفلسطينيين أن يَخْلُقوا أنفسهم سياسيا على مثال قضيتهم، التي هي في جوهرها وأصلها قضية قومية ـ ديمقراطية.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في -الكوزمولوجيا- القرآنية
-
حتى ينجو الفلسطينيون من -مؤتمر الخريف-!
-
صورتنا كما نراها في -مرآتنا الانتخابية-!
-
الحرب إذا ما شنتها تركيا!
-
أزمة أردوغان في شمال العراق!
-
ثرثرة في -عرس انتخابي-!
-
ثورة -الإلكترون-!
-
بعض من الجدل الذي أثاره بحث: سؤال -كيف خُلِقَ الإنسان؟-
-
سؤال -كيف خُلِقَ الإنسان؟-
-
عندما يُبَشِّر بوش ب -حرب عالمية ثالثة-!
-
بعض من الجدل الذي أثاره موضوع: الأرض ليست -كروية- في القرآن.
...
-
الأرض ليست -كروية- في القرآن.. وإليكم الأدلَّة!
-
-الوثيقة- في شكل -عمود فَقْري-
-
كَذَبَ -المؤوِّلون- ولَمْ يصدقوا!
-
كيف يؤسِّسون مَنْطِقاً لفرضية -العلَّة غير المحتاجة إلى علَّ
...
-
ال -فَوْفضائي- Hyperspace
-
الأيَّام الصعبة!
-
بعض من الجدل الذي أثارته المقالة: أفي هذا تَكْمُن -عبقرية- ا
...
-
أفي هذا تَكْمُن -عبقرية- الدكتور زغلول النجار؟!
-
الفساد غير السياسي!
المزيد.....
-
-المعادن النادرة مقابل المساعدات العسكرية-.. ترامب يكشف ملام
...
-
الاتحاد الأوروبي يستعد للمواجهة بعد تأكيد ترامب فرض رسوم جمر
...
-
ترامب يطالب أوروبا بزيادة المساعدة لأوكرانيا
-
-بوليتيكو-: قلق كبير يعيشه نظام كييف إزاء تقارب المواقف الرو
...
-
السعودية واليابان توقعان مذكرتي تفاهم حول إنشاء مجلس الشراكة
...
-
-رويترز-: الولايات المتحدة تستأنف ضخ الأسلحة إلى أوكرانيا
-
-Senego-: فرنسا تبدأ في سحب قواتها من السنغال
-
الرئيس الجزائري يندّد بـ-مناخ ضار- في العلاقات مع باريس
-
عشية زيارته إلى تركيا... الشرع يؤكد أن تنظيم انتخابات في سور
...
-
النائب الجمهوري في مجلس النواب الأمريكي جو ويلسون يدعو إلى ق
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|