أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال غبريال - الأقباط ومصيدة الفاشية














المزيد.....

الأقباط ومصيدة الفاشية


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 2090 - 2007 / 11 / 5 - 10:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إذا كنا قد اتفقنا جميعاً أن الأقباط مكون أصيل من مكونات مصر الوطن، فلا ينبغي لنا أن نتوقع إلا أن تتمثل فيهم معظم صفات مواطنيه وملامحهم الثقافية، وإذا كنا نستطيع أن نقرر أو نعترف بقدر كبير من اليقين أن الثقافة السائدة في مصر الآن هي ثقافة فاشية، تستبعد الآخر وتصدر عليه حكماً أدبياً بالإعدام، وتتحزب للقبيلة أو الطائفة، دون أن تكترث بالفكرة أو الموقف العملي، وتنهج نهجاً أبوياً سلطوياً مهيمناً، وأحادية فكر لا تسمح بهامش للتفرد والحرية الإنسانية، معتبرة مجرد اعتناق غير ما هو شائع كفر وخيانة وخروج على الجماعة وتهديد خطير لوجودها، كل هذه ملامح الخطاب الزاعق السائد في الساحة المصرية، والذي قد يأخذ شكل الخطاب العروبجي الناصري واليساري، أو شكل الخطاب الأصولي المتأسلم، والأقباط رغم عزلتهم الاختيارية أو الإجبارية ليسوا بمنأى عن هذا الخطاب، بحكم المعيشة المشتركة، والتعرض لذات وسائل الإعلام والنظام التعليمي، أما الخطاب القبطي فهو مخفي في صدور أصحابه المتقوقعين بدورهم داخل الكنائس، ويأخذ شكل الخطاب المسالم، الذي يرفع راية المحبة القولية أو الكلامية، ليس خداعاً للآخر، وإنما بالأساس خداعاً لأصحابه، الذين توقفوا عند ترديد الشعارات والآيات، وعجزوا لأسباب كثيرة عن تحويلها إلى ممارسات حياتيه، بالإضافة بالطبع إلى ما يحتويه صلب خطاب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من نزعة أرثوذكسية متصلبة ومتكلسة، تكاد تنزع صفة المسيحية عن كل الطوائف الأخرى، وهو ما سبق أن فصلناه في مقالات عديدة.
يفترض الكثير من المستنيرين المسلمين أن الأقباط دعاة حرية وتسامح وليبرالية، على أساس أنهم أكثر مكونات المجتمع المصري تضرراً من سيادة الفاشية بالمجتمع، فما يئنون منه من تضييق وتهميش ولا مساواة، كلها ليست أكثر من أعراض الفاشية التي يتضرر منها الجميع، وينال منها الأقباط نصيباً إضافياً، بحكم انتمائهم لدين يختلف عن دين الأغلبية، والمتصور أن يكون رد فعل الأقباط على ذلك هو اعتناقهم الليبرالية، وهذا متحقق بلا شك لدى قطاع من الأقباط، لا يتيسر لنا تحديد حجمه أو نسبته المئوية، لكن قطاعاً أخر كان رد الفعل لديه على الممارسات الفاشية الموجهة ضده سلبياً، إذ ولدت الفاشية لدية فاشية مضادة، فواجه التهميش بالانعزال، وواجه التكفير بتكفير مضاد، وواجه التخوين والتغريب داخل الوطن، واعتباره ضيفاً ثقيلاً مطلوب التضييق عليه وليس مواطناً على قدم المساواة مع الجميع، وفي أحسن الأحوال اعتباره ذمي يحرم من الخدمة العسكرية، ويتحتم عليه دفع الجزية عن يد وهو صاغر، وأن يتم إلزامه أضيق الطريق، ولا يبادر بالسلام، واجه البعض كل هذا برد فعل من نفس النوع، وإن لم يكن بنفس القوة والعنف المادي باختلاف صوره، فحاصر نفسه في الخطاب الديني، آبياً أن يبارحه ولو ليلحق به خطابات أخرى إنسانية ووطنية، واعتبر بالمقابل أنه وحده صاحب هذه البلاد الأصيل، وأن من عداه غزاة فرضوا أنفسهم عليه بحد السيف، وسمعنا همساً يقول "عودي يا مصر مسيحية"، في مقابل الخطاب الزاعق والعلني المحتقن، والذي يرفع رايات "عودي يا مصر إسلامية".
وكما رأينا متطرفي الأصولية الإسلامية يطاردون المفكرين والأدباء والأعمال الفنية، بالتكفير والقتل والملاحقة القضائية، كان على القبيلة القبطية أن تثبت أنها ليست أقل فاشية من شقيقتها المتأسلمة، وإن لم تصل إلى مرحلة التصفية الجسدية للمخالفين، وتوقفت عند التصفية الأدبية والملاحقة القضائية.
على هذا النحو رأينا القطاع الفاشي من الأقباط يشن حملات شعواء على العديد من المفكرين المسلمين المستنيرين، والذين يدافعون ببسالة عن مصر والمصريين وفي طليعتهم المكون الأكثر تضرراً وهو الأقباط، ذلك لمجرد أنهم تجرأوا وتحدثوا عن الأقباط بصفتهم بشر، وليس ملائكة منزهين عن الخطأ، ورأيناهم يشنون ذات الحملات وبسعار أشد ضد من يتهور من الأقباط وينتقد قيادات الكنيسة، أو يتحدث عن حاجة للإصلاح، وسمعنا من قادة الكنيسة تصريحات مضحكة مبكية، تستنكر أن تكون الكنيسة بحاجة إلى إصلاح، وكأنها كيان سماوي من نور، يضم بين جنباته ملائكة مطهرين، وليست مؤسسة وطنية دينية، يقوم على شؤونها بشر من لحم ودم.
نعم قد يكون رد الفعل وراء تلك النزعة لدى الأقباط ولو بصورة جزئية، فهناك بالقطع عوامل أصيلة للفاشية في صميم الخطاب القبطي الأرثوذكسي، لكن القول برد الفعل لا يعطي هذا القطاع من الأقباط صك براءة من اعتناق الفاشية، فهو رد فعل سلبي، لن يؤدي لحل مشاكلهم، أو مشاكل المجتمع المصري عموماً، والتي تكاد تتفرع جميعها من جذع شجرة الفاشية العتيدة، بل سيؤدي رد الفعل هذا إلى تفاقم المشاكل، وربما الوصول بها إلى نقطة الانفجار، والتي سيكون الأقباط أول شحنة وقود لها، كما يتوعدهم برنامج الإخوان المحظورين السياسي.
أستطيع أن أقول أو أعترف آسفاً، أن قطاعاً من الأقباط قد وقع في شرك الفاشية، وصار أسيراً لها، فاتجه بقضيته نحو الصدام، وهو الذي كان من المفترض أن يكون ساعياً إلى المصالحة، وتقوقع في شرنقة التعصب، سواء في مواجهة الآخر أو في مواجهة بعض من أبنائه أصحاب الرؤى المنفتحة، والذين اتهمهم بنفاق الأغلبية، وبالخيانة والمتاجرة على حساب الأقباط.
إذا كان إنصاف الأقلية مرتهن دائماً ولدى جميع الشعوب على اقتناع الأغلبية، وعلى رغبتها في حياة جديدة مؤسسة على المحبة والتسامح.
وإذا كان الصوت القبطي المنادي بالمراجعة والإصلاح الثقافي والإداري داخل الكنيسة والمجتمع القبطي، هو صوت الحداثة التي بدونها لن يتقدم الأقباط ولا مصر خطوة واحدة للأمام.
وإذا كان التسامح والليبرالية الدينية والاجتماعية والسياسية، هي الطريق الوحيد إلى مستقبل زاهر، جدير بأن نورثه لأبنائنا وأحفادنا.
إذا كان كل ذلك كذلك، فإن ذلك القطاع من الأقباط يظلم نفسه ويظلم الأقباط والوطن كله، إذا لم يجد سريعاً طريقة تنقذه من مصيدة الفاشية.



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المظلوم ينقذ ظالمه
- تهمة ازدراء الأديان
- هذا يحدث في مصر
- فسيولوجيا القيم المجتمعية
- يوم الحداد الوطني
- ثقافة الهيمنة
- العقل والميتافيزيقا والوجود
- الشرق وفلسفة التواطؤ
- وداعاً عمرو موسى
- البابا شنوده والانقلاب على الذات
- تساؤلات قبطي ساذج
- ومن العقل ما قتل
- خواطر عشوائية
- إلى المجمع المقدس: توسل ونداء
- يوميات علماني قبطي (3)
- يوميات علماني قبطي 2
- سؤال العلمانية والمستقبل
- الذئاب لا ترحم ولا تعي
- قداستي وقداسة البابا
- نحن نزرع الشوك


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال غبريال - الأقباط ومصيدة الفاشية