|
حتى ينجو الفلسطينيون من -مؤتمر الخريف-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2090 - 2007 / 11 / 5 - 10:47
المحور:
القضية الفلسطينية
يريد رئيس السلطة الفلسطينية "النجاح" لـ "مؤتمر الخريف"، ففشله لن يَنْزِل بردا وسلاما على الفلسطينيين القائلين بالسلام (وبالتفاوض توصُّلاً إليه) خيارا استراتيجيا، وإن بدا الفلسطينيون الآن أقل مَيْلا إلى الاعتقاد بجدوى ما يملكون من وسائل للمقاومة العسكرية؛ ورئيس الوزراء الإسرائيلي يُظْهِر رغبة في نجاح "المؤتمر". على أنَّ تلك "الإرادة (الحقيقية)"، وهذه "الرغبة (التي ليس ثمَّة ما يؤكِّد أنَّها حقيقية)"، لا تكفيان لنجاحه، فالنجاح الذي يريده، ويتصوَّره، رئيس السلطة الفلسطينية، إنَّما هو، على ما نَسْتَنْتِجه من مواقف إسرائيل والولايات المتحدة، سببٌ كافٍ لفشل "المؤتمر"؛ أمَّا النجاح الذي يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي (والذي قد يبقيه على قيد الحياة السياسية) فهو يمكن أن يفيد في شيء واحد فحسب، هو إنهاء وجود "المفاوِض الفلسطيني"، والتسبُّب، بالتالي، بفشل "مؤتمر الخريف".
"المؤتمر" يجب أن يُعْقَد؛ فهذا هو ما تقول به، في المقام الأوَّل، مصلحة إقليمية ـ دولية مهمة لإدارة الرئيس بوش، ولو لَمْ يُعْقَد في الموعد الذي توقَّعته تلك الإدارة من قبل، فـ "عَدَم عقده" هو فشل ليس في مقدور إدارة الرئيس بوش هضمه، والتغلُّب على عواقبه. وحتى لا نتوقَّع أمرا تذهب به النتائج، نقول إنَّ لـ "النجاح"، أي لنجاح "مؤتمر الخريف"، معنى واحدا فحسب، هو أن تنجح إدارة الرئيس بوش في أن تُظْهِر هذا المؤتمر، محتوى وشكلا، للعرب على أنَّه تغيير (أو بداية تغيير) نوعي في العلاقة بينهم وبين إسرائيل، فلا يبقى لديهم، بعد ذلك، وبفضل ذلك، من سبب يَحُول بينهم وبين الوقوف إلى جانبها في معاركها الإقليمية المقبلة، فهذه المعارِك، التي للعرب مصلحة حقيقية في أن يَكْفوا أنفسهم شرَّ الانضمام إلى الولايات المتحدة فيها، لن تُخاض على خير وجه، بحسب توقُّع وتصوُّر إدارة الرئيس بوش، إذا لَمْ يُعْقَد "مؤتمر الخريف"، وإذا لَمْ يأتِ عقده بما يساعدها في إقناع العرب بأنَّ نزاعهم مع إسرائيل ما عاد مَصْدَر قَلَقٍ لهم، وينبغي لهم، بالتالي، أن يروا "المخاطِر الأُخْرى" في الحجم الذي تريد لهم الولايات المتحدة أن يروها فيه، وكأنَّها، أي الولايات المتحدة، تقول لهم، أي للعرب، قِفوا معنا في "الحرب العاجلة"، نَقِف معكم في "السلام الآجل"!
ليس للولايات المتحدة، في عهد إدارة الرئيس بوش، أو في ما بقي من عهد تلك الإدارة، مصلحة حقيقية في "السلام العاجل"؛ وإنَّما في "الحرب العاجلة"؛ وليس للعرب من مصلحة حقيقية في "الحرب العاجلة"؛ وإنَّما في "السلام العاجل".
وفي هذا التضارب بين المصلحتين تكمن أسباب التعثُّر والتعسُّر في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين والتي نَفَدَ معظم وقتها من غير أن تنتهي إلى ما كان ينبغي لها أن تنتهي إليه، وهو التأسيس لمفاوضات سلام حقيقية تُعْقَد بَعْد "مؤتمر الخريف".
"المفاوِض الفلسطيني"، هذه المرَّة، لا يستطيع إلاَّ أن يَسْتَمْسِك بموقف سياسي ـ تفاوضي، يَظْهَر من خلاله على أنَّه قد حفظ عن ظهر قلب دروس وعِبَر تجاربه التفاوضية السابقة، فهو الآن لا يَقْدِر أن يُفَرِّط في ما فَرَّطَ فيه من قبل.
إنَّه يريد الآن ثلاثة أشياء هي بالنسبة إليه، وإلى من يُمَثِّل، وإلى ما يُمَثِّل، شرط بقاء، فـ "خطُّ النهاية" يجب أن يكون واضحاً مرئياً له؛ و"الجدول الزمني" للمفاوضات، التي يُمْكِن أن تجرى بَعْدَ "مؤتمر الخريف"، ولتنفيذ الاتِّفاق، الذي يُمْكِن أن تتوصَّل إليه، يجب أن يُتَّفَقَ عليه قبل بدء تلك المفاوضات؛ أمَّا الشيء الثالث فهو "الضمانات"، التي ينبغي لها أن تَمْنَع إسرائيل، هذه المرَّة، من أن تتنصَّل وتتحلَّل من التزاماتها، لجهة تنفيذ "الاتِّفاق"، ولجهة تنفيذه بحسب ما اتُّفِقَ عليه من جداول زمنية للتنفيذ.
إسرائيل ومعها الولايات المتحدة ليس لها من مصلحة إلاَّ في أن تنتهي المفاوضات الجارية، والتي أوشكت أن تنتهي، إلى اتِّفاق فيه من قِلَّة "التعيين" و"التحديد" و"التخصيص" ما يَجْعَل "الجدول الزمني" و"الضمانات" مَطْلبا فلسطينيا يفْتَقِر إلى المنطق والواقعية، فتُجْرى المفاوضات، بَعْد "مؤتمر الخريف"، بجدول أعمال يَصْلُح لإثارة كل جدال من قبيل الجدال في جنس الملائكة، وبلا جداول زمنية وضمانات دولية، فإذا تَحقَّقَ للولايات المتحدة، في صراعها الإقليمي المقبل، ما تريد سَهُلَ عليها، وعلى إسرائيل، جَعْل مفاوضات السلام تجري بما تشتهي سفينتهما، فشلاً أو نجاحاً.
ما تحقَّقَ حتى الآن في المفاوضات الجارية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تمهيداً لعقد "مؤتمر الخريف" لا يَتْرُك لرئيس السلطة الفلسطينية من خيار سوى أن يفاضِل بين السيئ والأسوأ، فذهاب الطرف الفلسطيني إلى "المؤتمر" وكأنَّه ذاهب إلى مفاوضات، غيضها معلوم وفيضها مجهول، إنَّما هو الخيار الأسوأ بعينه بالنسبة إلى الفلسطينيين، الذين يكفي أن يمعنوا النظر في نتائجه وعواقبه حتى يتأكَّدوا جميعا أن لا شيء لديهم يُمْكِن أن يخسروه إذا هُمْ رفضوا الذهاب إلى هذا المؤتمر الذي فيه من الخريف ما يجعل أوراقهم التفاوضية، أو ما بقي منها، تتساقط جميعاً وسريعاً.
وغنيٌّ عن البيان أنَّ رئيس السلطة الفلسطينية، الذي فَوَّضَ الفلسطينيون (ومنهم خصومه في قطاع غزة) إليه أمر التفاوض مع إسرائيل، توصُّلاً إلى اتفاق يُمْكِن أن يَجْتَذِب إليه تأييدا شعبيا فلسطينيا واسعا، لا يُمْكِنه أن يظلَّ "المفاوِض المُفَوَّض" إذا ما جاءهم باتِّفاق غير مُسْتَوْفٍ لهذا الشرط. ولقد ألْمَح إلى أنَّه يُمْكِن أن يمتنع عن الذهاب إلى هذا المؤتمر، الذي يراد له (إسرائيليا في المقام الأوَّل) أن يكون خريفاً للقضية القومية للشعب الفلسطيني، فالفلسطينيون في أزمة داخلية تُشَدِّد لديهم الحاجة إلى تخطِّيها؛ وليس من أهمية تُذْكَر لـ "مؤتمر الخريف" إذا لَمْ يَشُقَّ الطريق إلى حلٍّ للنزاع مع إسرائيل، يَشُقُّ الطريق إلى حلٍّ لتلك الأزمة، فالسياسة الفلسطينية الأسوأ إنَّما هي السياسة التي تفضي إلى جَعْل الفلسطينيين بين مطرقة أزمتهم الداخلية وسندان نزاع مع إسرائيل شُحِنَ بمزيدٍ من أسباب التفاقم.
رئيس الوزراء الإسرائيلي جادٌ في رغبته في التوصُّل إلى حلٍّ نهائي للنزاع مع الفلسطينيين قبل مغادرة الرئيس بوش للبيت الأبيض، على أن يأتي هذا الحل مُتَّفِقاً كل الاتِّفاق مع "رسالة الضمانات" التي تسلَّمها شارون من الرئيس بوش. وتَحَسُّباً لاحتمال أن يغادِر الرئيس بوش البيت الأبيض من غير أن يتمكَّن من أن يُهْدي إلى إسرائيل هذا "السلام"، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي في أن يُضَمِّن الاتِّفاق فقرة تُلْزِم الفلسطينيين ومعهم خليفة الرئيس بوش قبول "رسالة الضمانات" على أنَّها جوهر الحل النهائي للنزاع.
وعليه، أحسبُ أنَّ خير "تفعيل" الآن لـ "مبادرة السلام العربية" هو أن تَجْعَل الدول العربية "الشروط الفلسطينية الثلاثة" للذهاب إلى "المؤتمر" شروطاً لذهابها هي أيضا، فإذا عجِزَت عن ذلك قرَّرت أن يذهب الفلسطينيون إليه ضِمْن وفدٍ لجامعة الدول العربية، مهمَّته أن يفاوِض إسرائيل، إذا ما قَبِلَت، توصُّلاً إلى السلام المُسْتَوْفي لشروطه التي تضمَّنتها تلك "المبادرة"، فإذا رفضت إسرائيل والولايات المتحدة ذلك تَحَمَّلَتا معا مسؤولية فشل "المؤتمر"، أي مسؤولية عدم عَقْدِه.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صورتنا كما نراها في -مرآتنا الانتخابية-!
-
الحرب إذا ما شنتها تركيا!
-
أزمة أردوغان في شمال العراق!
-
ثرثرة في -عرس انتخابي-!
-
ثورة -الإلكترون-!
-
بعض من الجدل الذي أثاره بحث: سؤال -كيف خُلِقَ الإنسان؟-
-
سؤال -كيف خُلِقَ الإنسان؟-
-
عندما يُبَشِّر بوش ب -حرب عالمية ثالثة-!
-
بعض من الجدل الذي أثاره موضوع: الأرض ليست -كروية- في القرآن.
...
-
الأرض ليست -كروية- في القرآن.. وإليكم الأدلَّة!
-
-الوثيقة- في شكل -عمود فَقْري-
-
كَذَبَ -المؤوِّلون- ولَمْ يصدقوا!
-
كيف يؤسِّسون مَنْطِقاً لفرضية -العلَّة غير المحتاجة إلى علَّ
...
-
ال -فَوْفضائي- Hyperspace
-
الأيَّام الصعبة!
-
بعض من الجدل الذي أثارته المقالة: أفي هذا تَكْمُن -عبقرية- ا
...
-
أفي هذا تَكْمُن -عبقرية- الدكتور زغلول النجار؟!
-
الفساد غير السياسي!
-
بعض من الجدل الذي أثارته مقالة -نظرية البعرة والبعير.. الأثر
...
-
نظرية -البعرة والبعير.. الأثر والمسير-!
المزيد.....
-
اتهمت جيفري إبستين باستغلالها جنسيًا.. رواية فيرجينيا جوفري
...
-
فيديو: انهيار ناطحة سحاب في بانكوك جراء الزلزال يثير تساؤلات
...
-
إسرائيل تعلن توسيع نطاق عمليتها العسكرية في غزة مع إخلاء -وا
...
-
عملية أمنية أوروبية تطيح بشبكة ضخمة لاستغلال الأطفال جنسيا و
...
-
اتهام موظف رفيع في وزارة أمريكية بالقرصنة الإلكترونية
-
مستشار ترامب: الرئيس قادر على إيجاد طريقة للترشح لولاية ثالث
...
-
مشروبات الجمال والصحة
-
-ما حدث في غرينلاند يمكن تكراره في إسرائيل- - هآرتس
-
ترامب يستعد لـ -أم المعارك- التجارية: العالم على شفير هاوية؟
...
-
مناورات صينية بالذخيرة الحية حول تايوان تحاكي ضرب موانئ ومنش
...
المزيد.....
-
تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل
/ غازي الصوراني
-
حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية
/ فتحي كليب و محمود خلف
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|