(( هذه نتاجات مكتب الكذب في البنتاجون ))
من منطق الشخص تقرأ دخيلته، ومن منطق الجماعة تدرك حالها.
ولقد كان منطق أصحاب مشروع احتلال العراق، وحتى الأمس القريب، يتسم بالعجرفة والزهو وإنكار ما يقوله الواقع كليا. لكن هذا المنطق تغيير، وإن تدريجيا، وإلى الشكل البائس الذي لن يحتاج المرء لكثير حدس ليدرك الحال المزرية التي وصلها قائلوه. وأدناه بعض الأمثلة، وهي أخبار بثها أصحاب مشروع الاحتلال هذا:
اولا
(( بغداد ستيف كول/الشرق الاوسط. قال مسؤولون اميركيون امس ان الـ CIAوضعت ايديها على ملفات جهاز المخابرات العراقي،،، وهي ضخمة جدا وتتكون من عشرات الأطنان وتعادل ملفات شتازي الألمانية. وإذا وضعت هذه الملفات جنبا إلى جنب فستشكل خطا طوله تسعة أميال ونصف (15كم) وهي تتضمن اسماء كل ضابط مخابرات عراقي، واسماء الذين عملوا كوكلاء للمخابرات العراقية من الاجانب وتسلموا اموالا من النظام، ووثائق خاصة بالدفوعات التي تسلموها وارقام الحسابات التي حولت اليها. وبعض «القابضين» من النظام العراقي هم مسؤولون على درجة رفيعة في بلدانهم، من العرب والاجانب. والدفوعات كانت موضع تحقيقات مكثفة من جانب المخابرات الاميركية. وبعض الشخصيات السياسية الرفيعة كانت تتلقى اموالا، ليس بالضرورة للعمل لصالح المخابرات العراقية، ولكن لانهم كانوا يلعبون دورا في الدفاع عن نظام صدام حسين))
وهكذا، فالهيكل العام لهذا الخبر يتحدث عن خلاصة نهائية لملفات جهاز المخابرات العراقية. أما الجملة (بيت القصيد) فهي استلام بعض الناس لما جعلهم يدافعون عن النظام. وقد حُشرت به جملتان أو ثلاثة للمصداقية كالحديث عن وزن الملفات مجتمعة، وأنها تعادل أرشيف الشتازي الألماني الشرقي (وليس الغربي!) وأن هذه الملفات لو وضعت إلى جانب بعضها لشكلت خطا طوله 15 كلم.
وطبعا إذا أفرد الورق الذي يحتويه كل ملف ووضع إلى جانب بعضه البعض لشكلت محتويات هذا الأرشيف خطا طوله 100كم على الأقل.
وليس سرا أن الأرشيف العراقي الرسمي الورقي نقل قبل احتلال بغداد إلى روسيا، وهو الآن هناك. وقد حاولت كوندوليزا ومن ثم رامسفيلد الحصول عليه أو السماح للأمريكان بمطالعته فلم يفلحا. أما الأرشيف المسجل على أقراص، فموجود مع قيادة كتائب المقاومة الوطنية.
كما لم ننس بعد تلك الملفات التي ادعى الأستاذ الفاضل حمد الشريدة في مقالاته (إلى الدكتور المرادي) قبل شهرين على كتابات، أنه استولى عليها يوم سقوط بغداد وأن عددها كان خمسة ملايين وثيقة وتخص الدفوعات والقبوضات، وهو استطاع وبسرعة البرق استخلاص ملفين أو ثلاثة عن قبوضات غالوي وقناة الجزيرة وربما بكري وعبدالباري عطوان، وسلمها إلى صحفية بريطانية نشرتها في لندن. لكنها تخضع الآن لمسائلة قانونية وطلب تعويضات من غالوي وقناة الجزيرة حصرا.
المهم أن هذا الخبر يفيد بأن الـ cia الذكية تمكنت وبهذه لسرعة الخاطفة(!) من فرز ملفات طولها 15 كم وتخص المخابرات العراقية فتبين أنها تحتوي فقط أسماء من استلم ومن قبض. وهنا فلابد أن المخابرات العراقية تخصصت فقط بالدفوعات والقبوضات ولم يكن لها أي عمل آخر! أو أن مفبرك هذا الخبر صاغه كمقدمة لإسطوانة مشروخة عن استلام هذه الفضائية أو تلك الصحيفة لأموال من النظام ولذلك تنحاز الآن ضد المحتل ومجلس إمعاته فتنشر أخبار عمليات المقاومة الوطنية؟؟
ثانيا:
(( رويتر واشنطن بوست الإثنين 3 نوفمبر. أبلغ طارق عزيز المحققين الأمريكيين أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين لم يصدر أوامره بشن هجوم مضاد للقوات الأمريكية التي بدأت تغزو العراق لأنه تصور أن الهجوم البري هو مجرد خدعة وأنه كان واثقا من نجاته من الغزو. بعد أن اجتمع صدام مع الوسطاء الروس والفرنسيين أصبح الرئيس العراقي السابق مقتنعا بأن بوسعه تفادي الحرب. والوسطاء الروس والفرنسيين طمأنوا صدام في أواخر عام 2002 وأوائل العام الحالي أنهم سيمنعون أي حرب تشنها الولايات المتحدة من خلال التأجيل واستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن. وعشية الحرب خرج صدام من اجتماعات شهدت اتصالات فرنسية وروسية وهو مقتنع بأن الولايات المتحدة لن تشن حربا فورية على العراق ونقلت الصحيفة عن مسؤولين شاركوا في التحقيق قولهم إن أقوال عزيز لم تؤيدها مصادر أخرى. ولماذا أراد صدام أن يجعل العالم يتصور أنه يملك أسلحة دمار شامل إذا لم يكن يملكها بالفعل، وقالت الصحيفة إن عددا من المحتجزين أعرب عن اعتقاده بأن صدام كان يخشى أن يفقد ماء وجهه أمام جيرانه العرب الذين كانوا يدفعون له الأموال خوفا من امتلاكه أسلحة دمار شامل ))
والجملة (بيت القصيد) هي الجزء الذي يتناول أسلحة الدمار الشامل – علة الحرب، والذي صيغ على شكل سؤال وجواب.
وطارق عزيز إذا صرح حقا، فهو بحكم الأسير. ولا تقبل تصريحات الأسير ولا تؤخذ على محمل الجد. وناقل الخبر يعترف أن أقوال طارق عزيز لم تدعمها مصادر أخرى.
وفرنسا وروسيا وألمانيا وكل القوى الخيرة فعلا حاولت درء الحرب لأنها تعلم خلفياتها وماهيتها العدوانية. ومحاولاتها كانت علنية وأمام العدسات وفي مجلس الأمن، ولن يحتاج المرء لتحقيق مع طارق عزيز ليعلمها. والجيش العراقي قاتل ومنذ اللحظة الأولى وفي أم قصر وقد شاهدنا هذا على الهواء مباشرة، مما يعني أن الرئيس العراقي لم يعتقد بأن الهجوم خدعة، وأنه حقا أصدر أوامره بالقتال.
والعراق وعلى كل المنابر، مباشرة أو من خلال مفتشي الأمم وكامراتهم، قالها عشرات المرات بأنه لا يمتلك أسلحة دمار شامل. وكان يقسم على هذا ويثبت بكل ما أوتي من قوة. ولم يقل أحد أو يفترض أنه كان يلمح إلى، أو يعزز الضنون، بأن لديه أسلحة دمار شامل.
أي أن هيكل الخبر مغلوط تماما، ولا صحة له ولا منطقية.
لكن جواب الجملة ( بيت القصيد ) عن أسلحة الدمار الشامل هذه، كما يلاحظ من الخبر، لم ينسب إلى طارق عزيز، بل إلى عدد من المحتجزين، لم يذكرهم الخبر.
وجيران العراق من الدول العربية هم: الكويت، السعودية، الأردن، سوريا. والكويت والسعودية كانتا ولازالتا تستلمان التعويضات من العراق ومنذ العدوان الثلاثيني، ولا تدفعان له شيئا. والأردن أصلا عاش على الأزمة العراقية، وأثرى ولم يدفع إلى العراق شيئا. وليس غير الغبي من يفترض أن سوريا(!) تدفع(!) إلى العراق خوفا من أسلحته!! ناهيك عن أن ميزانية العراق، واردها وصادرها، كانت تحت المراقبة المشددة للأمم المتحدة.
فلمن أذيع هذا الخبر ومن سيصدقه؟!
المهم، إن هذا الخبر يقول أن العراق استلم، بينما الخبر الأول أعلاه يقول أن العراق دفع.
مع ما أن مصدر الخبرين واحد وهو آلة المحتل الإعلامية!
ثالثا:
(( موسوعة النهرين. بغداد: «الشرق الأوسط» خوّل مجلس الحكم العراقي امس هيئة الادعاء العام وأعطاها الضوء الأخضر لتحريك الدعاوى ضد الفضائيات التي تحرض على العنف والطائفية وانتهاك حرمة العراق. جاء هذا في قرار اتخذه المجلس استنادا الى مواد في قانون العقوبات العراقي. وحسب القرار فان الادعاء العام يمكنه ان يطالب هذه القنوات بدفع تعويضات مالية لا تقل عن 10 ملايين دولار لكل حالة))
وهكذا، فهناك قانون عقوبات عراقي(!) أستند إليه مجلس الإمعات العراقي فأعطى الضوء لدعوى مطالبة بما لا يقل عن عشرة ملايين دولار عن الشكوى الواحدة ضد الفضائية الواحدة.
الغريب أن موسوعة النهرين هذه نشرت تحت هذا الخبر خبرا آخر يقول: ((بغداد: «الشرق الأوسط»ألغى الحاكم المدني لسلطة التحالف في العراق بول بريمر كل القوانين واللوائح والتعليمات التي تفرض قيودا على الراغبين بالسفر الى الخارج لاغراض التحصيل العلمي))
أي أن التجارة المربحة والكسب الدسم الذي خطط له مجلس الإمعات لصالح جيوب منتسبيه، سيصطدم بحقيقة أن بريمر هو صاحب القرار ليس في هذه بل وحتى بإمكانيات الدراسة إلى الخارج على الحساب الخاص.
رابعا:
(( إيلاف الأربعاء 05 نوفمبر 2003 00:39. أكد بول ولفوفيتز مساعد وزير الدفاع الأميركي الثلاثاء في ندوة حول السياسة الاميركية في العراق، ان استطلاعات الرأي تثبت ان العراقيين يريدون ان نبقى الفترة الضرورية. ولم يسم اي استطلاع يدعم هذا التأكيد. واكد ولفوفيتز ايضا ان تقدما قد حصل في بسط السلام في العراق على رغم ازدياد الخسائر الاميركية. وقال ان "ارهابيين اجانب يحاولون زرع الخوف والحرية هي اكثر ما يخاف منه الارهابيون". واضاف "لا يحتاج شن هجوم ارهابي الى كثير من الاشخاص. وهذا يمكنه ان يؤثر على الوضع بمجمله" وعلى النتائج الجيدة في العراق. وانتقد ولفوفيتز من جهة اخرى تغطية الوضع في العراق من قبل قناة الجزيرة الفضائية "التي تبث السم وتكذب يوما بعد يوم، وهذا امر يصعب التصدي له" ))
والقول أن السلام والأمن مستتبان في العراق سيقبل من الأمريكان كدعاية مضادة، لولا أن قائله هو وولفريتز نفسه. وولفريتز الذي جرت اربع محاولات لقتله في العراق في أقل من يوم؛ المحاولة الثانية منها جعلته يهرب إلى الشارع حافيا جريح اليد والصدر يلهث من الهلع والخوف، ثم يغادر العراق لا يلوي على شيء. الأمر الذي فضحته فضائية الجزيرة والفضائيات الأخرى، وهو طبعا ما لا يروق له ولا لمجلس إمعاته. والخدم على دين ساداتهم. ومنطق مجلس الإمعات بصدد الفضائيات، من منطق سيدهم وولفريتز حتما.
والقول بأن العراقيين يريدون بقاء الأمريكان الفترة الضرورية، هذا القول لم يدعمه مصدر صحفي أو غيره. أي أنه من جملة بيوت القصيد التي يريد المحتل أن يحيطها بجمل وعبارات جانبية للتغطية أو التسويق.
أما إذا سألنا ما هي تلك الفترة الضرورية ومن سيحددها، فلن نحصل على إجابة، ومن وولفريتز على الأقل. ذلك لأن ماء وجه أمريكا التي خطط لها وولفريتز صار بحاجة إلى بقاء وحسب، ولا تهم مدته. خصوصا والوقائع على الأرض تحول دون ادعاء أن الذي يحدد هذه الفترة هو أمريكا أو رئيس الدورة الشهرية لمجلس الإمعات.
الذي يحدد هذه الفترة هو المقاومة الوطنية العراقية وفتيانها البواسل.
وقد حددوها، ولم يبق منها الكثير.
لذا، فليوفر الأمريكان ألاعيبهم الدعائية، أو لينشروها على أنفسهم فقط!