محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 2089 - 2007 / 11 / 4 - 11:32
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
من يحكم العرب ؟
هذا السؤال من ضمن الأسئلة التي تحوي في طياتها العديد من المآسي الفاضحة لأنظمة الحكم العربية من المحيط الهادر للخليج الثائر كما تم الضحك علينا ونحن صغار بمثل هذه الجمل التي كانت بمثابة نوع من أنواع المخدرات التي ننتشي بمجرد تعاطيها لنا من أحد الأبواق العربية ذات الأصوات العالية المرتفعة والتي كانت تصرخ فينا ونحن صغار , وما كنا ندري ماذا تعني لفظة المحيط , أو الخليج لنا , سوي أن هناك أعداء لنا خلف هذا المحيط , وأعداء لنا بعد الخليج , واتضح فيما بعد لنا أن أعداء مابعد المحيط هم الأمريكان , واعداء مابعد الخليج هم الفرس , ولكن هناء عدو آخر تربينا علي كراهيته وعدائه الدائم , وهم من يطلون علي البحر , والتي كنا بمجرد تكرار جملة : سوي نلقي بهم في البحر , علمنا أنهم الإسرائليين !!
وعشنا في حالة من حالات العداء المستمر للأمريكان والأوروبيين , والفرس , والإسرائليين , منذ نعومة اظفارنا وحتي أصبحنا رجالاً بمقدورنا أن نميز بين أسباب العداءات , وموجبات الولاءات , حتي عشنا طوال فترات اعمارنا في رحاب نظرية المؤامرة , ولكننا بالرغم من علمنا الكامل ووعينا المنقوص بأهداف نظرية المؤامرة إلا أننا لم نأخذ بأي سبب من الأسباب التي تجنبنا خطورة الوقوع في فخ المؤامرة , واتضح لنا فيما بعد أنه لم تكن هناك مؤامرة , ولم تكن هناك في الأساس نظرية لها , إلا النظرية التي أصَلَ ونظَرَ لها الحكام العرب علي مدرارات تواريخ حكمهم للشعوب العربية , وهي النظرية الكبري للمؤامرة والتي تقوم علي تغيبب الشعوب العربية عن الواقع المعاش , وإبعاد هذه الشعوب المقهورة عن معاني الديمقراطية وتداول الحكم والسلطة , وقتل الحريات العامة , والحريات الشخصية , وفتح أبواب السجون والمعتقلات علي مصراعيها لكل مطالب بالحرية والديمقراطية وإعادة توزيع الثروات القومية التي أصبحت نهب مشاع بين الأنظمة العربية الحاكمة بالفساد والظلم والإستبداد , بل وقتل المعارضين بواسطة كتائب إعدام تابعة لهذه الأنظمة الفاسدة , وملاحقتهم في الداخل والخارج , بطرق عديدة , وإلا ماذا يعني أن تكون هناك معتقلات وسجون سرية تابعة لهذه الأنظمة , تكون بمثابة جهنم للقتل والتعذيب والإستتابات القهرية عن حب الأوطان وكراهية وإستعداء مناخات الحرية والديمقراطية ؟!!
ففيما ينقل عن ميدل ايست اون لاين حيث : اعلن مصدر في جنيف الجمعة 2 11 2007 ان لجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة تشتبه في وجود "مراكز اعتقال سرية" في الجزائر تمارس فيها اجهزة الاستخبارات وامن الدولة التعذيب.
واعربت اللجنة في "ملاحظاتها النهائية" التي نشرت بعد دراسة متواصلة للوضع في الجزائر عن "القلق من عدة معلومات غير حكومية تفيد عن وجود مراكز اعتقال سرية يرجح ان تكون في حوش شنو وواد الناموس ورقان والحراش وورقلة".
ودعا خبراء حقوق الانسان في الامم المتحدة الحكومة الجزائرية الى "التأكد من أن كافة مؤسسات الاعتقال بما فيها مؤسسات دائرة الاستخبارات والامن، تتلقى زيارات منتظمة".
من ناحية اخرى "تبلغت اللجنة بقلق معلومات حول حالات تعذيب ومعاملات مشينة وغير انسانية ومهينة قد تقع تحت مسؤولية دائرة الاستخبارات والامن" وخاصة المكلفة مكافحة الارهاب.
وفي هذا الصدد أعرب خبراء الامم المتحدة عن " قلقهم من قلة التوضيحات بشان تحديد المفهوم الواسع جدا لما يعتبر أعمالا ارهابية أو تخريبية كما يشار اليه في قانون الجزاء " الجزائري.
ودعوا السلطات الجزائرية الى الغاء "التفسيرات التي من شانها ان تقمع ، تحت غطاء الاعمال الارهابية ، التعبير الشرعي عن الحقوق " الأساسية.
وفي مجال حرية الصحافة اشارت اللجنة "بقلق الى أن العديد من الصحافيين تعرضوا ولا يزالوا يتعرضون الى الضغوط والتخويف وحتى حرمانهم من الحرية".
وإذا كان هذا هو حال الجزائر فماذا يمكن أن نقول عن باقي الأنظمة العربية المستبدة !!؟؟
الامر الذي يجعلنا نتسائل :
ماذا يعني غياب تداول الحكم والسلطة في الأنظمة العربية , وغياب الحريات , وتغييب حقوق الإنسان عن عمد ومع سبق إصرار , وترصد دائم للمواطن العربي في حله وترحاله ونومه ويقظته ؟!!
وماذا يعني غياب بعض الشخصيات من أصحاب الرأي ممن جهروا به من فضح لفسادات الأنظمة العربية , وذلك من مسرح الحياة الإنسانية ؟!!
وماذا يعني وجود الآلاف من أصحاب الرأي في غياهب السجون والمعتقلات فيما تم التوافق علي تسميته بمعتقلات جهنم ؟!!
ولماذا يتم تغييب أصحاب الرأي والفكر والثقافة من أحرار الأوطان العربية عن مراكز صناعة القرار عن عمد ويتم تلفيق القضايا لهم ونعتهم بصفات الخونة والعملاء , واعداء الأوطان ؟!!
إن الأنظمة العربية تريد أن تكون الشعوب في حالة مستمرة من حالات العبودية للحكام , وكأنهم آلهة , والمواطنين عبيداً لهؤلاء الآلهة , وإن تفضلوا عليهم رضوا منهم أن ينظروا إليهم وكأنهم أنبياء ومرسلين من قبل العناية الإلهية , وهذا مايحدث علي الديمومة في كل الأوطان العربية , حيث هناك نموذجاً شاخصاً للأبصار في مصر بإعتبارها من الدول المفترض أن يكون لها دور تاريخي إستراتيجي في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط بخلاف دورها الذي كان من الممكن أن يكون ريادياً , إلا أنها غابت عن كل هذه الأدوار ورضي حاكمها من أصحاب النفاق السياسي أن تقال في حقه آيات الشكر وسور الثناء , وأبيات تصل به إلي رتبة الأنبياء , وماهو بنبي , وماكان يوماً رسول , فقال عنه أحد أبناء حزب الرئيس في إحتفالية أكتوبر / تشرين , والتي تمت في شهر نوفمبر , شهر ذكري وعد بلفور فيما تنقله المصري اليوم بتاريخ 2 11 2007 :
« حسني يا ابن العروبة..
يا أخي ما أروعك ..
تبت يدا من ظن يوماً أنه قد يفجعك ..
أو أنه قد يخدعك ..
ما عاش من لم يتبعك ..
ما عاش من لم يسمعك » ..
بهذه الأبيات الشعرية تحدث إبراهيم الأزهري ، الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال مصر عن الرئيس مبارك، في محاولة للرد علي الذين يهاجمونه - حسب قوله - ويسيئون إليه ويثيرون حوله الشائعات ، التي تضر بمصلحة البلاد .
الأزهري قال - في اختتام احتفالات اتحاد شباب العمال بانتصارات حرب أكتوبر، التي أقيمت مساء أمس الأول بالمؤسسة الاجتماعية العمالية بمحافظة القليوبية - إن الرئيس مبارك أطال الله عمره هو الفلاح والعامل والعسكري ، والرئيس الذي يشعر بكل طبقات المجتمع ويمثلها ، مؤكداً أنه لم يجد وسيلة أفضل من الشعر يتصدي بها لمنتقدي الرئيس .
في إشارة بمفهوم المخالفة لأبي لهب عم الرسول , وكأن مبارك الأب هو الرسول محمد , وأن من يخالفه في الراي , ولايتبعه في الحزب , فهو سيلقي مصير أبا لهب , من المخالفين والمعارضين لسياسات مبارك الأب , طالباً لهم الموت والهلاك والدعاء باللعنة , مع الإنتظار للمصير المحتوم من الإنتظار لنيران سيصلاها المعارضين السياسيين المخالفين لمبارك الأب في نيران جهنم يوم الحساب , إلا أن الأمين العام لإتحاد نقابات عمال مصر , لم يحدثنا في شعره عن حمالة الحطب علي الإطلاق في إشارة إلي زوجة أبا لهب !!
وهل كل النساء والبنات المنتمين لأحزاب المعارضة , أو المعارضين لسياسات مبارك الأب وحزبه سيكون مصيرهم نفس المصير في جهنم , لأنهن لم يكن في صف الرئيس مبارك الأب ؟!!
وماذا عن توظيف الأيات الدينية في التخديم علي وجهة نظر سياسية , في وجود رجال الدين الرسمي !في مثل تلك الإحتفاليات , ولماذا كان صمتهم مطبق وألسنتهم خرساء ؟!
إن الأزمة التي تعيشها الأوطان العربية أزمة ليس لها حل إلا برحيل هذه الأنظمة بلا رجعة , لأنها هي العدو الحقيقي الأول للشعوب العربية , فهذه الأنظمة هي التي جعلت المجتمع ليس لها شأن , وجعلته خادماً للدول العربية , ومن ثم أصبحت الدول بمؤسساتها وهيئاتها خادمة بالكامل لأنظمة الحكم العربية , ومن ثم لايرجي أي إصلاح أو تغيير علي المطلق إلا إذا تم فصل سلطات أنظمة الحكم عن سلطات الدول الممثلة بمؤسساتها وهيئاتها ومنها السلطات الثلاث , التنفيذية , والتشريعية والقضائية , وعزلها عن أنظمة الحكم العربية , وهذه هي الديمقراطية في أبسط معانيها التي تؤصل لسيادة الشعب و وتداول الحكم والسلطة , وإعلاء قيم المواطنة وإحترام الإنسان وتفعيل كافة حقوقه السياسية والإجتماعية والإنسانية بصفة عامة , والتوزيع العادل للثروات القومية بعيداً عن إحتكار أسرة , أو حكومة , أو حزب لمقدرات الأوطان وثرواتها التي أصبحت نهب مشاع لسلطات أنظمة الفساد العام في الدول العربية .
فهل هذه الأوضاع المغلوطة عن عمد , والمؤسس لها عن سبق إصرار , موجودة فيما بعد الخليج العربي , أو المحيط الأطلسي , أو امام البحر المتوسط في قبالتنا سواء في إسرائيل أو أوروبا , وكم من النسب السوداء يمكن أن يؤدي مؤشر الفساد في إتجاهها ؟!
ومن يستحق العداءات في البدء ؟
هل أنظمة الحكم العربية , أم أنظمة الحكم فيما بعد الخليج العربي , أو مابعد المحيط الأطلسي , أم الدول التي في قبالة البحر المتوسط ولكن إلي الأعلي في الشمال منا ؟!!
أعتقد أن المصيبة تسكن في قصور الحكام , والأزمة تعشش في عقولهم , والكارثة متبدية في تصريحاتهم , وإلا أرجوكم راجعوا تصريحاتهم وكلماتهم هم أو ممثليهم في مؤتمرات القمم العربية أو القمم الأخري .
إن الكارثة قادمة لامحالة , وهم صانعوها , والشعوب هم الضحايا !!
فأين المجتمعات العربية والدول من الأنظمة الحاكمة من المعادلة الفاسدة التي تم بموجبها إختزال المجتمعات والدول بمؤسساتها للتخديم علي أنظمة الحكم ؟!!
فمن يحكم العرب إذاً , الدولة بمؤسساتها , أم الأنظمة بفساداتها ؟!!
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟