|
سويسرا في القلب-4-
غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 2089 - 2007 / 11 / 4 - 11:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إلى السيد بلوخر
انتهت الانتخابات السويسرية منذ عدة أيام، وأسفرت عن فوز كبير في العرف السويسري لحزب الشعب اليميني، ورجله القوى المليونير كريستوف بلوخر، والذي يتسلم حقيبة العدل والشرطة وسيبقى على ما يبدو رغما عن الحزب الاشتراكي الذي مني بهزيمة أيضا وفق العرف السويسري حيث حصل على 19،5% بخسارة أكثر من 8% من رصيده في الانتخابات الماضية، وهذه الخسارة ذهبت لحزب الشعب، والذي حصل على 29% من أصوات الناخبين السويسريين، وتقدم الخضر قليلا والحزب الديمقراطي المسيحي، وكل ذلك تم على حساب الاشتراكيين والأحزاب الصغيرة الأخرى. الآن حزب الخضر الذي يمثل برأيي مستقبل سويسرا، أكثر مما يمثله حزب الشعب، والذي هو الآن في موقع الدفاع عن بقاء سويسرا خارج الاتحاد الأوروبي. حيث يصوره في خطابه السياسي كوحش يريد ابتلاع سويسرا ومكاسب سكانها. في هذه الأجواء المائلة نحو اليمين في الفضاء السياسي السويسري، لابد لنا من قول كلمة صغيرة حرصا منا على هذا البلد الرائع. وبمحض الصدفة بالطبع، كنت عائدا من سفر، وعندما دخلت مطار زيورخ وقدمت أوراقي السويسرية لشرطي الجوازات، بدأ يسألني أسئلة، تنم عن نفس ليس جيدا، رغم أن هذه الأوراق كفيلة بأن تحمل فيما لو مررها على كومبيوتره الذي أمامه- وهو مررها فعلا- كل تاريخ حياتك من الألف إلى الياء. وكانت المفاجأة أنه أعطاني قصاصة ورقية، وقال لي بلهجة فيها روحية العداء للون البشرة، واضح في نبرته:أنتظر هنا، مشيرا إلى مكان تعتبر فيه أنك لازلت خارج سويسرا.قلت كعربي! متهم سلفا بالإرهاب( ماذا تفعل يا ولد أنتظر) انتظرت أكثر من عشرين دقيقة، ولم أجد حولي من احتج له! ليطل علي شرطي آخر، مبتسما ويناديني ويدخلني إلى الجنة السويسرية بلهجة شبه اعتذاريه. قلت له شكرا ولكن: لماذا؟ فلم يجب سوى بابتسامة عريضة! وصلت إلى بيتي وفتحت صندوق بريدي وأول ما شاهدت، شاهدت الرسم الذي تحدثت عنه، الدعاية ضد الاتحاد الأوروبي، الوحش الذي يريد ابتلاع سويسرا. والآن انتصر حزب السيد بلوخر، الذي لم يميز في دعايته الانتخابية، بين أن يحمي سويسرا من المهاجرين غير الشرعيين، ومن تبعات الهجرة، وبين تشكل فضاء عنصري داخل المجتمع السويسري. حماية علمانية الدولة السويسرية، وحمايتها من الهجرة غير الشرعية كما تسمى، أمر من حق السويسريين القيام به، ولكن ألا يتم القيام بهذا الأمر في فضاء غير عنصري؟ أعتقد هذا هو السؤال؟ وليس أن نسأل السادة في حزب الشعب بأن يكفوا عن إيصاد باب سويسرا أمام تدفق الهجرة، فهذا سؤال في غير محله. ألم يجد حزب الشعب السويسري طريقة لمخاطبة جمهوره وناخبيه، غير بث هذه الروحية التي تتحرك مفرداتها ضمن فضاء عنصري يغلق المجتمع السويسري على نفسه! مع ذلك هذا الفضاء العنصري له ما يعززه في الحقيقة، وهو خطير جدا! حيث يتم فيه اللعب على مستوى الدخل العالي للفرد السويسري، وإن هؤلاء الأجانب ذوي البشرة السوداء أو السمراء، كحال الاتحاد الأوروبي، جميعهم أوروبيين ومهاجرين يريدون تخليص المواطن السويسري من مكتسباته المادية. كما أن حزب الشعب يمتلك ماكينة إعلامية قوية جدا. ومدعومة ماليا. وقبل أن نعود لمأزق السيد بلوخر وحزبه رغم انتصاره نقول: أليس بإمكان أي رجل أمن سواء في المطارات أو في القطارات، أو في أي مكان آخر، أن يتفحص أوراق أي إنسان، ويسأله ما يريد من الأسئلة دون نفس عدائي ودون تعقيد لحياته اليومية؟هذا السؤال الذي نتمنى أن يصل للسيد بلوخر ويجيب عليه. أما مأزق السيد بلوخر وإستراتيجيته الحزبية على صعيد السياسة الاقتصادية، فهو يتجلى كما نرى بالتالي: يريد مزيدا من اللبرلة والحد من سياسات الضمان الاجتماعي على كافة المستويات، كما أنه يريد مزيدا من الرساميل الأجنبية وخصوصا الأوروبية لتستثمر في سويسرا، ولكن وفق القوانين السويسرية، الضريبية، وحول السرية المصرفية التي يرفض غالبيتها الاتحاد الأوروبي، وهذه لا تتوافق مع نزعة اللبرلة السائدة الآن في العالم الغربي خصوصا، فالرأسمالي الأوروبي يأتي إلى سويسرا تهربا من الضرائب، تماما كحال سارقي الشعوب من سلطات بلداننا المتخلفة الذين كنا نتمنى أن يكونوا متهربين من الضرائب! لا لصوص، فمعروف أن أموال ناهبي الشعوب توظف نسبة كبيرة منها في البنوك السويسرية قبل أن تدخل في المنافسة دول أخرى! فكيف سيحل حزب الشعب هذه القضية؟ كيف له أن يبقى محاطا بدول الاتحاد الأوروبي، دون أن يدخل مجاله الاقتصادي؟! رغم أن السيد بلوخر يطالب الاتحاد الأوروبي مرارا وتكرارا لكي تدخل سويسرا اتفاقيات دبلن فقط دون شينغن ودون المجال الاقتصادي فقط يريد الجانب المتعلق بالأمن وسياسات الهجرة؟ ثم أنه أمام مشكلة من نوع آخر فالقانون السويسري يعطي للكانتونات السويسرية، صلاحيات واسعة في المجال الذي يتعلق بالسياسات الضريبية في كل كانتون على حده! فهنالك الآن كانتونات لا تقبل حتى مناقشة سياستها الضريبية مع الاتحاد الأوروبي. ما يهم من هذا الأمر أيضا في هذه الزاوية: أن تنظر الجاليات المهاجرة والمقيمة في سويسرا، وخصوصا المسلمة عموما والعربية بشكل خاص إلى سويسرا بوصفها وطنها الآن، وفي المستقبل. مهما وجدت من عراقيل وصعوبات، فلديها في سويسرا مجالا لكي تحقق مطالبها بوسائل حضارية وديمقراطية، ونتعلم جميعا من ديمقراطية سويسرا. وفي زاوية قادمة ربما سنستعرض بعضا من احتجاجات بعضا من فعاليات الجاليات هذه على لا ديمقراطية الحكومة السويسرية، والتي في غالبها في الحقيقة احتجاجات واهية! ولا تصب في المكان الصحيح الذي يجب أن تصب فيه احتجاجاتها هذه! كمثل الاحتجاج على مئذنة لجامع! أو إثارة قضية الحجاب، بطريقة تخدم تيارات سياسية محددة لا علاقة لها بمصلحة سويسرا ولا بمصلحة حتى الجاليات المسلمة المقيمة في هذا البلد العريق، الذي حقيقة يدخل القلب دون استئذان.
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أل التعريف و ثابت الوهم! السياسي المستبعد
-
غياب السياسي تأصيل لغياب العقلانية
-
رد صريح على السيد زهير سالم نائب المراقب العام للإخوان المسل
...
-
عامان والسياسة غائبة إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي.
-
المعارضة والهوية...تأملات تجريبية سورية (2-2)
-
المعارضة والهوية...تأملات تجريبية سورية (1)
-
استقلالية الثقافة!هل هي علاقة قوة أم طيه سلطة؟
-
المؤتمر الثاني لجبهة الخلاص الوطني-3-القضية الكوردية
-
المؤتمر العام لجبهة الخلاص-2
-
المؤتمر الثاني لجبهة الخلاص الوطني-برلين
-
العلمانية ضد العلمانية-مساهمة في الحوار السوري
-
سويسرا في القلب-3-
-
سويسرا في القلب-2-
-
سويسرا في القلب-1-
-
آخر مشاكل الحكم العراقي- رغد صدام حسين
-
إعلان دمشق وجبهة الخلاص والمطلب الديمقراطي السوري.
-
اليزيديون والمسيحيون يدفعون الثمن وسنة السلطات وشيعتها يتحار
...
-
ضد ودفاعا عن الاخوان المسلمين في سورية
-
مؤتمر السلام المرتقب...مصداقية السياسة الأميركية
-
منى واصف سوريانا سيدة الحب والانتقام والتاريخ
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|