نحن ضحايا وظلمة منذ ان تشكلت الحياة على شكل علاقات اجتماعية، سياسية ،اقتصادية وتنافس ومصالح ومؤمرات ورغم ذلك تلاحقنا التهم على الدوام من اجل العدالة و احقاق الحق ، من اجل الحقيقة!
فنحن من يستفز القتلة ويدفعهم الى ارتكاب جريمة القتل ، ونحن من صنع الدكتاتور والطاغية ، ونحن الذين شتتنا شملنا ووحدتنا وجعلنا كلمتنا متفرقة.ونحن الذين حفرنا قبورنا الجماعية ونحن من تترامى عليه علامات الاستفهام حول كل شيء ، فنكون دائما موضوعا خصبا للتحليل وهدفا سهلا لطعنات الصحابة والاعداء على حد سواء والتي تاتي دوما على شكل تساؤلات ،قد تكون تساؤلات بريئة ، او تمرسريعا بصورة مزحة :-
الا تمزح ؟
ياتيك الجواب سريعا عندما تستفسر عن كلمة بغير محلها !
ورغم ذلك نحن وكما كنا دائما لانمانع من ان نكون كذالك ، بل الادهى والاكثر غرابة اننا نزداد تشبثا وتمسكا بادوات اللعبة ، اللعبة التي نحن الطرف الخاسر فيها طوال الوقت مرددين لوازمنا المعتادة ،ادوات المهزوم (كل مهزوم له لازمته فهناك من هو اختصاص بشعار- بالروح بالدم- وهناك من هو الوكي وهناك اختصاص الشتم بكل انواعه وهناك من هو مختص بصناعة التهم وهناك الكثير من الاختصاصات المشابهة التي تدور في نفس الفلك )!
نعم ان وضعنا اشبه مايكون بلعبة ، لعبة تتخذ اشكالا متعددة لكنها غير خاضعة لشروط ما او تتمسك بثوابت . كل شيء جائز في هذه اللعبة التي الغيت التناقض واجازت التمازج والتماهي لدرجة يمكن ان ينصهر النقيض في نقيضه دون عناء التحول ، دون جدل واساليب اقناع ، دون دور حضانة ، لاشيء من كل هذا . لذلك لاتعجب من التحولات العقائدية والاخلاقية ، وتبادل الادوار بين المتناقضين حسب تلك التسميات التي تعلمناها في المنطق ، لا تعجب فكل شيء جائز ، لاشروط تحدد الاشياء ،لا حدود للاخلاق ، للقيم ، لاتعجب ان رايت احدنا الان يدافع عن الدكتاتور ، عن نظامه ، ولو باشكال متعددة ، فهناك دائما – كلمة حق يراد بها باطل – رغم انه ضحية مثلنا !
لاتعجب ان رايت لوكي او كاولي يوزع التهم شمالا ويمينا وفي الليل عندما تمد الظلمة اجنحتها فوق كل شيء يمارس مهنته المعتادة حيث يتقيء على كل شيء ، على ملابسه ، على مواقفه ، على تاريخه لانه يرفض الاحتلال كما يقول الكاتب حمزة الحسن في محاولة منه لقراءة النص الغير مكتوب والمتمثل في سلوك بشري متناقض بعيدا عن ادوات علم النفس ، وفق ضوابط منفلتة جديدة تقرأوتحلل النقيض بنقيضه ، قراءة كونية جديدة تدغدغ مشاعرنا وتموسق الكلمة فتجعل كل شيء يحمل اوجه ، تجعل كل شيء يتلون وينفتح ليحمل طرفي النقيض ، ويمكن بايعاز من اصبع كاتب ان يندفع الى أي اتجاه يحدد ،يحدده الكاتب .
انها عملية تشكيل وصناعة جديدة للحقيقة مرة قلت لحمزة الحسن مامضمونه : انك تعطي حتى الكلمات القاسية جمالية فتصورها وكانها في الطرف الاخر النقيض.
انها حقيقة عملية مرعبة سنعاني منها كثيرا في الحقبة القادمة ، وانا هنا لا اتحدث عن صديقي العزيز حمزة الحسن الذي احترمه واحبه ، واعرف موقفه الوطني رغم اني سقت ماكتبه مثالا لما اريد ان اقول، انني اتحدث في المبدأ العام ،اريد ان اقول: ستكون معاركنا ب(النص) ، كلمات ، عندما نحسم المعركة بالكلمات ننتصر على الارض ، واذا نخسر الكلمات ، النص ، نخسر المعركة ، انه السلاح الجديد ، المعركة الجديدة .
ان النص كسلاح اخطر من كل اسلحة القتل ،اسلحة التدمير ، اسلحة التدمير تقتل الانسان لكنها لاتقتل افكاره ، الكلمات ، المعارك التي يستخدم فيها – النص- تهزم الفكر، تسلب من الضحية حقه ، حقه بالحيازة على جزء مهم من الحقيقة ، انها بعبارة اخرى تقتل الحقيقة.
ما الفائدة عندما تنتصر على الارض مثلا وتخسر افكارك ، تاريخك الشخصي ، معتقداتك ، حضارتك ، مثلما حدث للمغول ، لقد انتصروا على الارض وحطموا بغداد ، واسقطوا الدولة العباسية .لكنهم خسروا كل شيء ، لقد قتلتهم الافكار ، قتلتهم الكلمة ، قتلهم النص .فاصبحوا بفعله مسلمين، تحولوا عن دينهم ،عن معتقداتهم التي قاتلوا من اجلها ، ليذيبوا فيمابعد سريعا فينا ، فاصبحنا وكاننا الضحايا ومجرمين معا !
اين هم المغول الان ، من هزم المغول في العراق ، هل هناك من يدلني على مغولي واحد بقى في العراق ، بقايا عشيرة ، اسرة ؟
لا اثر على الارض ، لا اثر مرئي ،اين هم ؟ لقد ذابوا فينا ،اندمجوا في مجتمعنا ،انهم يتجولون بداخلنا ، مطويين بين ثنايا انفسنا ، كل واحد منا يحمل ضحية ومغولي في داخله ! وهنا ياتي دور السلاح الجديد ، دور الكاتب الذي ينتج النص ، الى من ينحازهذا الكاتب ، فينتصر ذلك الشطر ، ينحاز الى الضحية ام الى المغولي الذي فينا؟
اذن انه النص ، انها الكلمة ، انها الدعاية ، من يمتلك الكلمة يمتلك الحقيقة ،الحقيقة التي انشدت الفلسفة في سعيها الى تحديد ماهيتها ودورها او على (معرفة جوهرها على وجه الدقة) .
منذ افلاطون والفلاسفة يندفعون قسريا الى بلوغ غائية عليا وتشميلية الا وهي التجلي الفعلي للحقيقة المطلقة وتحققها عينيا في صميم التاريخ .
لكن الفلسفة وهذا ماهو مذهل حقا انها خلال سعيها الطويل الممتد عبر التاريخ ( نسيت) تماما النظر في الحقيقة من حيث هي مشكلة بحد ذاتها !
وهكذا قدمت الحقيقة عبر التاريخ على شكل هيئات وصور مختلفة ، فهي – فكرة جوهرية – عند افلاطون وهي – المطابقة بين الواقع والعقل – عند توما الاكويني و هي- المبدأ المؤسس لليقين في التفكير – عند ديكارت وهي – نهاية الخطاب والتاريخ – عند هيغل لكن عند مجيء نيتشة تحققت النقلة النوعية من مجال معرفة الحقيقة الى مجال –الحقيقة كمشكلة في ذاتها- لقد استشعر نيتشة هذه النقلة فقال باستغراب – ان مشكلة الحقيقة هي مشكلة جديدة تمام الجدة ، وانا استغرب امرها -.انتها النص-
هل تعلمون ان اللعبة التي تجري احداثها الان قديمة- جديدة ، قديمة قدم البشرية ، لقد بدأت منذ ان قتل قابيل اخاه هابيل ، ومنذ ذلك الحين يجري القتل والخيانة والغاء الاخر وتشويه سمعته على قدم وساق ، بدات اللعبة بشكل فردي ( قابيل وهابيل) وتطورت الى قتل جماعي ، مقابر جماعية في زمن صدام .
وجديدة الان بعد مرحلة سقوط الطاغية ، حيث جاء دورالكلمة ، النص، مرحلة استخدام الكلمة بعد ان تسخر التكلنوجيا لها بمهارة من اجل تزيف الحقيقة، او لتشكيل الحقيقة كمايريدون.
اليس العرب الان مقتنعون بان خمس مئة الف انسان عراقي ضحية دفن في مقابر جماعية ،نساء ، اطفال ، شباب ، شيوخ ، كلهم خونة وكان على القائد الملهم ان يقتلهم شر قتلة !
هكذا يمكن ان يخبرنا النص ،الدعاية المضادة ،او هكذا يمكن ان تشكل الحقيقة!
قتل شعب كامل من قبل دكتاتور له مبرراته ! ولذلك نحن هنا الضحايا ونحن ايضا من تلاحقه التهم ، تهم بالمجان ، كفرة – حسب السلفية البغيضة- خونة – حسب البعثيين والقومجيين العرب – عملاء – حسب نظرية المتقيئن ليلا !
تهم تتلاعب بنا فتحولنا من ضحايا الى ظالمين ، من اسياد الى ذيول وتابعين وماجوريين ، انه النص ، الكلمة ، انها الدعاية المضادة التي تكشف لنا سر اللعبة القديمة – الجديدة .
فنقلب كتب التاريخ والسياسة والاجتماع والفلسفة والفقه والاقتصاد ، نقرأ تجارب الشعوب ونسترسل مع ذكريات جيفارا وهو شي منه وماركس وانجلز وليلين ونبحث في علم الرجال في تشرشل وستالين وغاندي ونخوض حتى الاعماق في تحليل شخصيات غرباتشوف والامام الخميني ونقف باعجاب امام تحطم جدار برلين وسجن الباستيل ونتسمر اذا قرانا جان جاك روسو وسيرته الذاتية ، ونحاول التمرد اذا قرأنا البير كامو .......من اجل معرفتها (اللعبة) او امتلاك ادواتها ، لكننا لا نعرف باننا متاثرون بكل شيء ، توثر علينا الوردة ، والفراشة ، والوجه الحسن ، ورشاقة الجسد ، نحب الجمال ، ونعشق الموسيقى ،وننتعش حين تمر بنا نسمة، نحن بعبارة اخرى نصفنا الغير مغولي ،نحن الضحايا ولهذا يمكن ان يقتلنا النص، الكلمة ، او يشوه سمعتنا ،انها الدعاية المضادة .
www.alhalem.net