إشراقة
مراجعات
العسكر والديمقراطية
انتهت منذ قرون فكرة الحاكم الإله سواء كان ملكاً أو إمبراطوراً أو خليفة أو أميراً أعتبر نفسه ظل الله في الأرض أو حاكماً بأمر الله أو ولاه الله فأنتزع لنفسه حق الحكم باسم الله ونيابة عنه .
وحين غرق العالم العربي في ظلام الاحتلال التركي العثماني المتستر ظلماً بالدين الإسلامي مقتدياً بالاحتلال الأوربي المتستر بالدين المسيحي . كانت أوروبا نفسها تزيح عن كاهل شعوبها التسلط وهيمنة الكنسية التي شملت أمور الدين وهيمنت على الحياة . وتراجعت سطوة الملوك خاصة في إنجلترا وفرنسا التي كانت ثورتها أهم تجليات الاستنارة وتمرد الشعوب على الاستبداد الطبقي والملكي وتزايدت مشاركة شعوب أوروبا في حكم أوطانها حتى أصبحت سيدة على حكامها .فتقدمت وواصلت تقدمها ، وحين أتيح للعرب والمصريين الاحتكاك بأوربا في العصور الحديثة اشتدت مقاومتها للاحتلال والحكم الديكتاتوري وارتبطت الديمقراطية بالسعي للتحرر من الاستعمار والاستغلال.
التخلف والعداء للديمقراطية
كان الاستعمار بطبيعته معادياً للديمقراطية ، فهي وسيلة الشعب للتحرر من الاستعمار والاستغلال بما يؤدي لسيادة الديمقراطية نفسها منهجاً للحياة والحكم ،وحين انتهى الاستعمار القديم فإن عسكر ثورة يوليو أبقوا على كل تراثه في التعامل مع الشعب نتيجة للتربية العسكرية القاصرة وضعف الوعي السياسي عن الحس الوطني وحداثة التجربة السياسية العامة ، حيث قصرت مهمتهم على حماية حدود الوطن وضمان استمرار السلطة أو التسلط بمعنى أصح عكس ما كان يجري لدى العدو الإسرائيلي حيث اقتصرت مهمة العسكر على حماية حدود الوطن وخضوع العسكر للديمقراطية وحمايتها ، الأمر الذي أدى لضياع الإنجازات التي حققها الشعب في مرحلة الثورة من 52 إلى 1973 م ، وأهدر كفاحاً أمتد تقريباً لقرنين من الزمان .بدأت إرهاصاته منذ الحملة الفرنسية أواخر القرن السابع عشر ، وكان مارس 54 بمثابة الطلاق بين العسكر والديمقراطية - أي إرادة الشعب - حُلت الأحزاب واصطنعت السلطة حزباً أعطت له أسماء متغيرة : هيئة التحرير- الاتحاد القومي – الاتحاد الاشتراكي – حزب مصر العربي الاشتراكي –الحزب الوطني – وحمل الحزب سمات السلطة في مراحلها – مع يوليو حمل شعاراتها وأهدافها – لكن التكوين والإرادة والإدارة بقيت وتوارثت في يد الأجهزة الأمنية التي تغيرت تركيبتها وأصابها العطب خاصة في تنفيذها لإدارة السياسة لشؤون الوطن التي تولتها فعلياً – وباستبعاد الإرادة الشعبية من كل أنواع الانتخابات بالتزوير المباشر والقوانين المزورة والإعلام المزيف والتعليم التحكمى التلقيني وتحريم العمل السياسي في المجتمع والجامعة أساتذة وطلاباً ، والتدخل في تكوين البيئة الإدارية والتنفيذية لمؤسسات المجتمع خاصة مراحل القطاع العام ، وإحلال أهل ثقة السلطة محل أهل الخبرة والكفاءة الاقتصادية أو الإدارية أن أصبح كل الأداء والتنفيذ عبئاً ثقيلاً على أجهزة أمنية من المستحيل أن تتولاها نيابة عن الحكومات فتحمل كل أوزارها ونيابة عن كل أشكال المشاركة الشعبية . وبحكم خضوع الأجهزة الأمنية والشرطية والهيئات الأخرى لسلطة كل حاكم وأوامره وطبقاً لمنهج العسكر في السمع والطاعة والتنفيذ دون إبداء الرأي الذي لا تملكه أصلاً .. فسد أدائها وفسدت الهيئات التي إصطنعتها وانعكس الفساد على بيئة الدولة في مستوياتها العليا والقاعدية ووضع الأمر في عنق رئيس الدولة وأديرت الدولة حوله بدلاً من أن يكون رمزاً لإرادتها ، وكما حدث أن تكرست السلطة والسطوة في يد سكرتيري الأحزاب الشيوعية تكرست الأمور بأيدي الحكام رؤساء أو ملوك أو أمراء أو سلاطين وحملوا أوزارهم وأوزار حاشيتهم التي فسدت وتعايشت مع الفساد ، وفي لحظة صدق مع النفس أعلن عبد الناصر تحمله شخصياً مسؤولية النكسة واحتلال العدو المزعوم لأرض الوطن ، لكن الاعتراف بالخطأ والمسؤولية لم يصاحبه موقف عملي لإرجاع السيادة للشعب الذي طُلب منه أن يدفع الثمن الغالي لخطأ الحكام ودفعة للتحرير من الاستعمار والاستغلال .
ميلاد الطبقة الجديدة
أدت طبيعة السلطة وتركيبة الحكم أن غرق الشعب في التضحية والفداء والاستشهاد وغرق آخرون للاستيلاء على مقدرات الوطن وما أن توقفت المدافع في أكتوبر 1973 م وإذا بالطبقة الجديدة التي تكونت بداياتها في ظل عبد الناصر تهيمن على مقدرات الوطن بقيادة السادات واتسمت بالفساد الشامل السياسي والإداري والتنفيذي والنيابي والنقابي . وبالطفيلية الاقتصادية بتكوين ثروات هائلة بالحرام متعدد الألوان والدرجات – تجارة مخدرات – أغذية فاسدة وملوثة – وسمسرة وعمولات في كل شئ وتفريط في الثروة – وصولاً إلى عمارات الموت التي تسقط على سكانها فور السكن بها ، وبطبيعة هذا التكوين الفاسد الطفيلي خافت من الإرادة الشعبية خاصة بعد انتفاضة الخبز يناير 1977م بدأت أكبر عملية تهريب للخارج ، ولم يتبقى من الوطن غير عظام أصابها الوهن وأصبحت الطبقة الجديدة بما هربت رهينة للأجنبي وتابعة له بقدر ما فقدت ارتباطها بالوطن وبالفساد والطفيلية والتبعية .. فقدت الطبقة مجرد الصلاحية للمشاركة في أمور الوطن وبحكم الاستمرارية وضروراتها يتزايد تمسكها بالتسلط والسلطة لمنع أو تأجيل أي حساب أو استرداد لما نهبته وهربته للخارج .هكذا كان ومازال عدائها للديمقراطية.
طبقة في مواجهة الوطن
ينسى أو يتناسى كثيرون أن هناك طبقة فاسدة . طفيلية . تابعة حين تسيطر على مقدرات الوطن ، لا يكون التعامل معها محصوراً في قيادة بعينها . رئيساً أو ملكاً أو أميراً .. بقدر ما يتعلق بهيمنة الطبقة على أمور الوطن مع أهمية موقع الرئاسة . لقد وصلت الأمور في مصر إلى حالة من التعقد والتعقيد جعلت الخروج من الأزمة أمراً عسيراً للجميع .. السلطة تستبعد الكل، والكل حاول التفاهم والمشاركة ولو خطوة بخطوة مع السلطة بل حاول وألح على تطبيع العلاقات مع السلطة التي قبلت التطبيع مع العدو وتهربت من التطبيع مع قوى المعارضة أو بمعنى أصح مع الإرادة الشعبية باعتبارها جواز المرور لأي تمثيل نيابي أو محلي شعبي أو نقابي وحتى منظمات العمل المدني .. وغرقت السلطة وغرق الآخرين في لعبة الاستبعاد . كل منهم يسعى لاستبعاد الآخر - وانتخابات نقابة الصحفيين نموذج واضح لذلك رجال السلطة باعوا السلطة - الأمر الذي لن يتحقق إلا بهزيمة مدمرة لإحداهما، وهي إن حدثت ستكون هزيمة أو هدماً للعبور على رأس الجميع ، والمثل واضح .. فمن ازيحوا عن السلطة في العراق ومن جاءوا إليها ببنادق وصواريخ الاحتلال كلاهما مهزوم ومن قبلهما وبعدهما الوطن مدمر جريح .
من تحكموا ضاعوا وضاع ما تحكموا به ومن أجله والجدد جاءوا على جثة وطن مثخنة بالجراح التي لا تندمل فهل يرغب البعض جهلاً أو تآمراً في مثل هذا .وهل تقبل وتأمن السلطة الاستمرار في متوالية الفساد والانهيار الذي لا يخفيه إمبراطورية إعلامية غبية ، ولا قوة تحكم لم يعد بمقدورها إسكات الناس طويلاً.
ألوان الطيف للإنقاذ الوطني
الإلحاح لإنقاذ الوطن واجب وطني والإنقاذ السلمي الديمقراطي انتصار للجميع وفي مقدمتهم السلطة وحزبها وحتى الطبقة التي لم يعد لها مستقبل في عالم هائل الأمواج والتغيرات وإنقاذ للآخرين من احتقان لحظات الأزمة وقيل هذا وذاك فالوطن لا يحتمل صراعاً وتصادماً أو استجلاباً لأعداء الوطن مما يعد تدخلاً إجرامياً أو استنجاداً من الرمداء بالنار بعيداً عن هذا أو ذاك ، مازلت جعبة الوطن مليئة بحلول تجمعنا جميعاً أهمها توظيف الديمقراطية للتعاون والالتقاء وليس للاستبعاد والذي أثبتت تجربة الشعوب أنه مدمر حتى لو استند إلى إرادة مخدوعة أو مضللة ابتداء من النازية والفاشية وأحزاب الشيوعية مروراً بإيران وتجربة جبهة الإنقاذ التي أعلن زعمائها أنهم جاءوا بالديمقراطية ليقولوا لها باي باي .
نحن جميعاً أولي بوطننا ومسؤولون عن سلامته واستعادة مكانته وعلى نفس الدرب قدمنا برنامج تحالف ألوان الطيف للإنقاذ الوطني تجميعاً لإرادة ورؤية القوى الوطنية .نواصل تقديم رؤيتنا لأداء مشترك على مستوى المحافظات والدوائر الانتخابية تمكن الجميع من الالتقاء والتعاون واكتساب الخبرة وتستبعد الفساد والانحراف والتطرف الاجتماعي والديني وتفتح الباب لكي يسير المجتمع أموره ذاتياً .
أبو العز الحريري