|
سيمون دي بوفوار صوت الحرية
بابلو سعيدة
الحوار المتمدن-العدد: 2088 - 2007 / 11 / 3 - 13:05
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
باريس ، أجمل مدن العالم ، عشقها زوارها ، ولكن لم يمتلكها أحد . وفي أدبيات سيمون وسارتر ، الفلسلفة هي طريق الحياة . سيمون غزيرة في منتوجها الفكري " الجنس الثاني – المثقفون – الوجودية والأدب – الزحف الطويل – أنا وسارتر والحياة – مذكرات فتاة رصينة " . وترفض أدبياتها أن تخضع ذاتها لذوات الآخرين ، ولقيمهم الجاهزة ، لأن الخضـوع يمثـل إلغـاء وجـود الفرد وحريته وهويته ببعديها التاريخي والإنساني ، ويشكل الروح المبتذلة / سيمون / أو روح الجد / سارتر/ . وتنتقد ســيمون الروح المبتذلة قائلة : (( يتجلى فيها هروب الناس من الحريّة ، في إبداع القيم الحقيقية ، وهي إنما تسود عند سفلة القوم ، أولئك الذين لهـم أعيـن وآذان ، فهـم بلا حب ولا رغـبة ، وبهم من الوجود خوف ، ومن روح المغامرة رهبة ، وكذلك يحتمون بالقيم الجاهزة . والطفل يعيش بعيداً عن الشك والقلق وتحمل المسؤولية ، لأن العالم الذي يعيش فيه ، هو عالم جاهــز كامل مصنـوع ، وكذلك نراه يقبل القيم الجاهزة ، ويعتبرها موجودة ، وجود السماء والأنهار والأشجار )) .(42) ومقابل روح الجد يوجد الإنسان العدمي الذي (( يحرر العالم من كل القيم، وينسى أن وراء كل القيم ، قيمة عليا هي الحرية التي ينبغي عليه ، أن يكتســبها ويشــارك فيها مع الآخرين ، فحريتي يفترض فيها حرية الآخرين ، حتى لا تتجمد وتنقطع صلتها بالوجود . وتؤكد الوجودية أن حرية الإنسان ، هي أساس القيم وأن الذات الإنسانية هي مصدر القانون والواجب والحق )) .(43) وأدبيات سارتر وسيمون تؤكد حق الشعوب في مقاومة الانتدابيين والمستملكين والمستعملين لأراضي غيرهم ، في فياتنام ، والجزائر . يقول سارتر: (( سيمون هي زهرة الميموز الذهبية التي لا تذبل أبداً )) . وشكل برتراند راسل محكمة برئاسته ، ومن أعضائها سيمون وسارتر لمحاكمة مجرمي حرب فياتنام وعلى راســهم جونسون ، رئيس الولايات المتحدة ســابقاً. وأدبيات سيمون ترى أن الحرية شعلة حية إلى الأبد ، لن تنطفئ أبداً . تعلمت سيمون من سارتر كيف تفكر جيداً . وتعلم سارتر منها كيف يقبل على الحياة في شوق . وتعلم روجيه جارودي منها ، كيف يفهم الأنثى . وكانت سيمون جزءاً من وجود سارتر. رفضت أدبيات " كامو – سيمون- مورافيا – راسل – هيمنفواي – سارتر – شتاينبك " القيم الجاهزة . وسيمون فيلسوفة محترمة، ونرجسية، ولا مبالية. تقول سيمون : (( كل إنسـان يعيش لحظات انتفاض الحياة مصاب بالنرجسية . وأنا نرجسيه بطبعي ، الكتاب والفنانون أكثر الناس مصابون بالنرجسية . لأنهم يحبون حياتهم في قمة اللهب ، وأكثر مما ينبغي )) .(44) وتقرأ سيمون ذاتها قائلة : " أحببت الحياة بكل عواطفي . كانت طفولتي متفتحة . كانت الحياة سعيدة . وكنت هكذا أمضي معها " . (45) وكونت سيمون ثقافتها المتفوقة، عبر ذاتها الخلاقة، واستيعابها جدلية اللغة بالحياة اليومية، و والمادية التاريخية ، ومسارات الفلاسفة الوجوديين . وسيمون أشهر فيلسوفة لا فيلسوف عرفها القرن /20/ لأنها صارت صوت الحرية . قرأ منتوجها وذاتها المبدعة فلاسفة وأدباء ونقاد " سارتر- آراغون-فرانسوا جنسون " . ويقرأ جنسون ، سيمون قائلاً : (( أحسست أنني أعيش مع أعمق كاتبة أنثـوية ، بحر من الفلســـفة ، والحس الفنّي الفيّاض ، والإبداع البراق ، والتمسك بالذات إلى حد رائع . وأحسست بأنها ظاهرة وليست فرداً . فأنت لا يمكنك فهم فرنسة وأوروبة المعاصرة إذا لم تقترب من سارتر وسيمون الاقتراب الواجب )) . (46) وتعتبر أدبيات سيمون ، الأنوثة من صنع حضارة الرجال ، وليست الأنثى امرأة بالولادة ، بل هي صيرورة تاريخية فرضتها الحضارة (( الإنسان يكون هذا الشخص أو غيره ، بما يؤسسه ، ويفعله بحسب مشروعه الصادر عن الحرية . ولا تولد المرأة امرأة ، وإنما هي تصير كذلك . وليس هناك أي قدر يشكّل أنثى الإنسان في داخل المجتمع من الجهة البايلوجية أو الســيكولوجية أو الاقتصادية ، وإنما الحضــارة في مجموعها هي التي أنتجت هذا الكائن الوســط بين الذكر والخصي الذي يوصف بالأنوثة )) . (47) وتمثل المرأة مرحلة العبودية التي أفرزت مشروعاً قسرياً فرضه الرجال على النساء . (( لأنّ عالمهنّ من صنـع الرجــال ، ويحتمين بالقيــم التي وضعها الرجــل ، وحين تواتى فرصـة التحرر لهــنّ ، يخترن النكوص والإحجـام ، ويرفضن اختيار المسؤولية ، وهذا ما تعتبره سيمون خطأ أخلاقياً ، وبين هذين الموقفين تكمن مأساة المرأة )) . (48) والمرأة في أدبيات ســيمون لم تســتطع أن تكّون عالماً مستقلاً عن الرجل ، بل عاشت في عالم من صناعة الرجال ، وبقيت موضوعاً لهم ، لذا أصبحت قضية المرأة ، قضية شائكة وصعبة الحل . وسيمون ترى أن المرأة قادرة على تأسيس معادلة تتساوى فيها المرأة مع الرجل (( عندما تتربى المرأة تربية الرجل ، وتتحمل مسؤولياتها ، وتحصل على حقوقهـا ، وتصـل إلى منزلة من الحرية والوعي ، بحيث لا تعود ترى في الرجـل نصف إله ، بل رفيـقاً وصديقاً ، وتكوّن معه علاقة الزوج الإنساني )) . (50) وقدرة المرأة على صناعة قيمها الجديدة ، بما فيها حريتها ومساواتها مع الرجل لا تفسد الحياة ، ولا تشكل ضياعاً لملذاتها ، لأنّ المرأة (( ستظل دائمـاً مختلفة عن الرجـل ، إذ لها علاقاتهـا الخاصة بنفســها ، وبجسدها وبالرجـل ، وبأطفالها ، وهي علاقات مختلفة كل الاختلاف عن علاقة الرجل بذاته وبالمرأة وبالعالم . ولا بدّ من تحقيق الحرية لنصف البشرية ، حتى يتخذ ما نسميه الزوج الإنساني معناه الحقيقي )) . (51) وأدبيات سيمون تعطي بعداً تاريخياً لحرية المرأة التي تتطلب (( أن تعي المرأة القوانين والأسباب المادية والنفسية والاجتماعية التي تتحكم في أوضاع عبودية المرأة ، أو حريتها حتى يتكامل مفهوم الحرية ، وتأكيد الذات . وفي المحصلة تلتقي الحريات جميعاً ، لأنّ حرية الآخر شرط ضروري لتحقيق حريتي . وإنّ مضمون الحرية لا ينحصر في الحرية الفردية ، وإنما اتسع بحيث أصبح الحر ، هو أيضاً من يطلب الحرية للآخرين )) . (52) وأدبيات سيمون تنتقد أدبيات فرويد قائلة: (( على كل من يرغب في إجراء بحث حول النساء ، أن يقطع علاقته مع فرويد تماماً )) . لأنّ فرويد ، اعتمد قراءة المرأة الشاذة لا المرأة السويّة . والإنسان المبدع في أدبيات سيمون ، هو إنسان كامل الأبعاد . يواصل مغامرة الحيـاة إلى أقصى مداها . ويختار مشـروعه . ويعمل على تحقيقه . (( في المستقبل ، ويتجاوز حاضره وكينونته ، لكي يحقق به وجوده ، ويثبت حريته )) . وأدبيات سيمون رفضت العبوديات ، والمشاريع المفروضة ، لأنها تحررت من عبودية الرجل والأبناء . واختارت مشروعها الذي ينسجم مع مشروع سارتر على دروب التحرر والحرية .
#بابلو_سعيدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بثينة شعبان التي ولّفت بين الأدب والسياسة
-
سعاد الصباح / تباشير المطر
-
/نوال السعداوي /صوت الإحتجاج
-
المرأة بين التهميش و التفعيل
-
الحرب و السلم
-
الجذر اللغوي والقصيدة الأولى
المزيد.....
-
ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية.. كيف يؤثر ذلك على المستهلك؟
-
تيم حسن بمسلسل -تحت سابع أرض- في رمضان
-
السيسي يهنئ أحمد الشرع على توليه رئاسة سوريا.. ماذا قال؟
-
-الثوب والغترة أو الشماغ-.. إلزام طلاب المدارس الثانوية السع
...
-
تظاهرات شعبية قبالة معبر رفح المصري
-
اختراق خطير تكشفه -واتساب-: برنامج قرصنة إسرائيلي استهدف هوا
...
-
البرلمان الألماني يرفض قانون الهجرة وسط جدلٍ سياسيٍ حاد
-
الرئيس المصري: نهنئ أحمد الشرع لتوليه رئاسة سوريا خلال الم
...
-
إسرائيل.. تخلي حماس عن السلاح أو الحرب
-
زكريا الزبيدي يتحدث لـRT عن ظروف اعتقاله
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|