|
صراع الأصوليات
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 2088 - 2007 / 11 / 3 - 13:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بسم الله الرحمن الرحيم اولا :
1 ـ كلمة " الأصولية " أصبحت من الكلمات الشائعة بعد انتشار التطرف الديني ودعوته للعودة للأصول أي الخليفة الذي يملك الأرض ومن عليها ويجلس وحوله الوزير رهن إشارته وبين يديه " مسرور" السياف والسيف والنطع ، فإذا غضب الخليفة طارت الرقاب وسقطت على النطع الذي يتلطخ بالدم ، وانبرى بالغناء سريح وابن عائشة والموصلي ، وشرب الخليفة من الراح " فإذا " استراح " نثر الدراهم والدنانير وكتب الرقاع بالإقطاعيات وأنواع المتاع .. تلك هي الملامح الأصولية التي عاشها أجدادنا وهم يعيشون تلهب السياط ظهورهم في حقول يملكها السلطان ، ويعملون في إنتاج الخير للغير ....
2 ـ وبعيدا عن الشعارات البراقة وبغض النظر عن عدم وجود منهج سياسي اقتصادي يتقدم به أصحاب التيار الديني يوائم العصر ، فإن الواقع الأصولي هو أن تعود مصر خلافة كالعباسية أو الفاطمية أو حتى العثمانية وبذلك تتحول الأصولية إلى استبداد واستعباد واحتكار للسلطة والثروة وذلك تحت اسم الإسلام العظيم الذي يبرأ من كل أنواع الظلم ..
3 ـ وهذه الأصولية الدينية التي تطرح نفسها علينا لتتقدم بنا على الخلف وعصور السلف تواجهها أصولية أخرى تتربع على كرس الحكم منذ ثورة 1952 وهي أصولية العسكر ، فالدولة المصرية منذ الثورة وهي دولة أصولية بكل ما تحمل الكلمة من دلالة .. فالثورة بدأت في تنظيمات داخل الجيش وخارجه واعتمدت على تحركها وسط الجماهير على جماهيرية أصولية أخرى وهي حركة الإخوان المسلمين ، وتنظيم الضباط الأحرار انخرط بعض أفراده في حركات ومحاولات للاغتيال وأسهموا في حريق القاهرة حسبما تكشف من أسرار، وبعد نجاح الثورة وطرد الملك وسط صيحات الإخوان " بسم الله والله أكبر" بدأ الصراع بين الحركة الأصولية العسكرية والحركة الأصولية الشعبية ، وانتصرت أصولية العسكر وتحولت الثورة من ثورة بيضاء إلى ثورة حمراء قانية ، وتحولت معها مصر إلى جبهة داخلية كان يتم تصفية أعداء الثورة من الأصوليات الدينية وتحالفت مع الأصولية الماركسية حينا وتحاربت معها أحيانا . وهاجرت الأصولية الدينية إلى دول البترول وعادت تحمل الأموال في يد والفكر السلفي في يد أخرى ، وفتح لهم السادات أبواب التأثير ليحارب بهم أصولية اليسار ، وبدأت الأصولية الدينية في الثأر لنفسها من الأصولية العسكرية بقتل السادات حين اختلفوا معه وتمردوا عليه ، ودخلوا في مواجهة مع الأصولية العسكرية من وقتها و حتى الآن . 4 ـ وقد أصبحت الأصولية الدينية في موقف الند والمتكافىء مع الأصولية العسكرية الحاكمة ، صحيح أن الأصولية العسكرية تملك المؤسسات ولكن الأصولية الدينية هي التي تحكم تلك المؤسسات ، إذ أنهم تسللوا إلى قلوب الناس وعقولهم وسيطروا على أجهزة الدولة العسكرية التي أصبحت مثل ملكة انجلترا تملك ولا تحكم ، تملك الأجهزة ولا تحكمها ، تملك التليفزيون ولكن الذي يحكم التليفزيون هو فكر التطرف ، تملك الأزهر ولكن شيوخ الأزهر هم منبع التطرف ، تملك الأوقاف ولكن مساجد الأوقاف هي منابر التطرف .. 5 ـ اضطرت الأصولية العسكرية إلى المزايدة على الأصولية الدينية فوضعت عمامة فوق الزى العسكري ، ولم تعرف أنها اتاحت المزيد لفكر التطرف لكي يستشري وينتشر ، وأنها تحرث الأرض وتسمدها لبذور التطرف لكي تنموا وتزدهر .. وفي النهاية تنتقل مصر من الأصولية العسكرية إلى أصولية اشد واخطر وأفظع .. في الأصولية العسكرية أوامر القائد العسكري واجبة وعصيانه خيانة عسكرية ، وفي الأصولية الدينية أوامر الأمير واجبة التنفيذ وطاعته من طاعة الله وعصيانه كفر مثواه جهنم وبئس المصير . وفي الأصولية العسكرية الاختلاف مع الحاكم العسكري اختلاف مع مصر وخيانة لمصر وجزاؤه الحرمان من الوطنية المصرية ، وفي الأصولية الدينية الاختلاف مع الحكام بأمر الله خليفة رب العالمين هو خروج على الملة وكفر بواح يعني إقامة حد الردة ... وبين هذا وذاك تقف مصر .. كالمستجير من النار بالرمضاء .. يا حبيبتي يا مصر !!
ثانيا : 1 ـ نشرت هذا المقال فى جريدة ( الأحرار ) بتاريخ الاثنين 13 / 9 / 1993 . اى بعد مرور 12 عاما على حكم الرئيس مبارك .. والان مضى على حكم مبارك رئيسا 26 عاما بالتمام و الكمال ، فهل تغير شىء ؟؟ نعم تغير كل شىء و لكن الى الأسوأ. بينما ظل الصمت ..صمت القبور .! 2 ـ العادة أنه عندما يحل الصمت فان هذا لا يعنى القبول والاستسلام ، ولكن زفير الغضب يتجمع فى الصدور بتوالى السنين وتراكم الظلم و قسوة القهر وأنين الحرمان ، ثم حين تأتى اللحظة المواتية ينطلق الغضب بركانا ياكل الأخضر قبل اليابس.. وقد قلتها من قبل فى المقال السابق منذ 14 عاما خوفا على مصر : (يا حبيبتي يا مصر !! ) وأقولها الان فى المنفى هلعا على مستقبل مصر : (كان الله جل وعلا فى عون مصر ). 3 ـ هل يجوز ـ يا ايها الناس ـ أن يعانى 70 مليونا من المصريين كل هذه المعاناة لمدة 26 عاما من أجل أن ينفرد شخص واحد بالحكم والثروة ؟ وهل يجوز ان يحكم هذا الشخص الواحد على ملايين المصريين باستمرار تلك المعاناة فى ظل وريث له فى ريعان الشباب لكى يحطم أجيال الابناء والذرية ؟ ألا نستحق اللعنة من الأجيال القادمة لأننا لم نغير ما بأنفسنا من خضوع وخنوع وسكوت على الظلم و موالاة للظالم فى قهر من يتجرأ على قول كلمة حق ؟
4 ـ ان الأفظع من الظلم هو السكوت عليه ..الصمت على الظلم أفظع من الظلم .! لو وقف شعب العراق ضد استبداد صدام حسين عام 1979 وثار فى مظاهرات عارمة ، وقدم عدة الوف من الضحايا لأنقذ العراقيون حياة عدة من ملايين القتلى ، وملايين أخرى من التشرد والبؤس ، ولأنقذوا العراق مما يحدث له الان . ولكن الأغلبية آثرت الصمت خوفا لتحمى نفسها فما أغنى عنها الصمت شيئا ، وتعاون آخرون مع الظالم فدفعوا الثمن فى حياة المستبد وبعد مقتله .. وأدى الصمت فى النهاية الى الانفجار الذى مزق العراق ارضا وثروة و شعبا و كرامة و سمعة .! ولو وقف شعب مصر ضد طغيان مبارك منذ الثمانينيات وطالب بالاصلاح الدستورى والتشريعى و السياسى مصمما على انهاء حكم العسكر وعودة مصر للحكم المدنى الديمقراطى ، ولو تمسك المصريون بمطلب الاصلاح و قاموا من اجله بمظاهرات واعتصامات سلمية واضرابات وعصيان مدنى ومؤازرة لكل صاحب قلم حرّ .. لو كسروا جدار الصمت ما كان هذا حال مصر الان . انحدرت مصر الى مستوى ـ لم يكن يتوقعه أحد ـ من الفقر و القمع والفساد والمهانة بين الأمم .. لا تجد لها مكانا بجانب موريتانيا فى الديمقراطية ، ولا مجال لمقارنتها بقطر فى النفوذ السياسى و الحضورالعالمى والاعلامى ، ولا تستطيع التطلع الى ما وصلت اليه الامارات فى الانفتاح الاقتصادى .. خاف المصريون من شخص واحد فصمتوا وتركوه يتلاعب بهم ويزج بهم الى السجن افواجا ليشغل الاخرين ويرهبهم .. فيزدادوا صمتا ..
5 ـ واذا كان الصمت على الظلم أسوأ من الظلم نفسه فان الانفجار الناجم عن الصمت سيكون أسوأ من حكم مبارك نفسه ..
6 ـ وانتظروا.. إنا معكم منتظرون ..
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التبرك ببول شيخ الأزهر
-
فى اصلاح الثمارالسامة لثقافة التطرف الوهابية فى مصر
-
دمقرطة الاخوان المسلمين
-
حكاية أول عيد للفطر فى القاهرة
-
الإعجاز العلمى ومعجزات داود وسليمان عليهما السلام
-
المرأة العاملة فى قصة موسى عليه السلام
-
ابن الحاج العبدرى ينتقد الغش فى اسواق القاهرة المملوكية
-
حزب الله وحزب الشيطان
-
فى الرد على شيخ الأزهر ووزير الأوقاف .
-
منكرو الأعجاز العلمى للقرآن وقضية التدرج العلمى
-
جدلية الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم
-
المنهج القرآنى للفكر الاسلامى
-
المسلمون وعبادة الأحجار
-
لك يوم يا طبلاوى
-
البخاريون والقرآنيون :
-
هل هى مؤامرة لتصفية القرآنيين فى مصر؟
-
الهلاك ومصدر التشريع المصرى
-
من هو فرعون موسى ؟
-
فرعون ( المسلم ) الاستبداد والكفر
-
نموذج فى تضليل الصحافة المصرية الحكومية
المزيد.....
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
-
سرايا القدس تبث فيديو للأسيرة أربيل يهود قبيل إطلاق سراحها
-
سرايا القدس تنشر مشاهد للأسيرين -جادي موزيس- و-أربيل يهود- ق
...
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|