|
حرس بوابة الاخبار
وليد المسعودي
الحوار المتمدن-العدد: 2088 - 2007 / 11 / 3 - 11:22
المحور:
الصحافة والاعلام
كانت المؤسسات الاعلامية والثقافية في العراق إبان الازمنة الدكتاتورية تضع الكثير من ادوات الرقابة الصارمة حول طبيعة الاخبار والمقالات والعناوين ومدى انسجامها مع طبيعة السلطة ومستقيمها العام ، الذي يرتبط كثيرا بالفرد القائد كنموذج يجب ان يحتذى به ، فيظهر القائمون على بوابة الاخبار في اطار المعلومة او المادة الثقافية والصحفية كأنهم مالكي ادوات القبول والرفض ليس ضمن قيمة المعيار الادبي والصحفي بقدر ماهو مرتبط بالخطوط العامة التي يتم الاشتغال عليها ، وهنا نقصد بجميع الاوامر والتوجيهات التي يتم تلقينها بشكل فوقي حتى تنغرز في ذهنية المحررالثقافي ويصبح اشبه بالحرس الواقف على مزرعة من الحيوانات يسمح لهذه بالدخول ولا يسمح لغيرها ان تدخل وتشغل حيزا او مكانا لها داخل المزرعة ، مع العلم ان هذا الحارس يملك صفات العبودية والطاعة لسيده ، وهنا تشبيها بالرويتين الذي يصيب حراس بوابة الاذاعة او الاخبار ، فينعدم حينذاك اي اختلاف او تجديد للمؤسسة او النظام ذاته مادام يتبع اسلوبا صارما ودكتاتوريا في اختيار مواد الاخبار والثقافة والافكار بما يتلائم مع ذهنية وسيكلوجية النظام ذاته ، الذي تحول الى فردانية مطلقة في السلوك والتعبير نجدها في اسلوب الاخبار والمقالات والعناوين التي تنشرها الصحف اليومية والاذاعة الرسمية . ولكن هل اختلف القائمون على الاخبار من حراس أومحررين للكثير من الصحف والاذاعات والمؤسسات الفضائية في الازمنة الراهنة وكيف هي عملية صياغة الخبر والفكرة المعبرة وراء ذلك الخبر الاعلامي ، وهل هنالك مؤسسة لاتعاني من حراس بوابة الاخبار الذين يصابون بالروتين والملل من جراء اجترار الافكار والمعارف والاساليب التي يتم بثها او اذاعتها ، وهنا نقول ان المجتمعات التي تراقب نفسها في كيفية صارمة من حدود المنع والادانة والازدراء ؤربما العنف اتجاه الحريات المخالفة لما سائد وتقليدي لا يسعها ان ترسم وتخطط لانتاج مستقبل يذاع فيه الخبر الصحفي والاعلامي في حيادية لا تنتمي الى خطوط المؤسسة المستقيمة او لا تنتمي الى مصالح هذا الحزب وتلك الايديولوجيا . فالاخبار يتم صياغتها وفق ذات الاسلوب الذي كان يحكم المؤسسة الاعلامية السابقة ولكن الاختلاف في تعددية هذه الاخبار المراقبة من قبل المؤسسة ، وهنا لانقصد بحدود المراقبة تلك المرتبطة بمعيار المهنية او الجودة الاعلامية او مراقبة الاثر الاعلامي من انتهاكه الذوق والحرية الفكرية والاجتماعية بقدر ما نعنيه هنا بوجود ذات الاليات والاساليب التي تجعل المحرر او حارس الاخبار اشبه بالالة لايسعه ان يفكر إلا من خلال حدود المؤسسة او الايديولوجيا التي ينتمي . فالمؤسسة الاعلامية التي تتبع مسار المعرفة الدينية يصاغ الخبر الثقافي ضمن حدود هذه المعرفة لاغير وكذلك الحال مع الايديولوجيا القومية التي تهتم كثيرا بظهور الذات القومية في صورها الناصعة التي لا يتخللها النقد او الاصلاح ومن ثم التجديد . ذلك ماهو سائد في اكثر المؤسسات الثقافية والاعلامية ضمن حدود النسبي الاكثري ، ولكن قد يقال شخص ما انه توجد الكثير من المؤسسات التي تتبنى خطابا منفتحا وليبراليا مختلفا عن المؤسسة ذات المنحى الايديولوجي الديني او القومي ، وهنا نقول ان المؤسسة الليبرالية اكثر انفتاحا وصياغة للخبر الاعلامي والثقافي بطريقة حيادية ولكن ماهو سائد لدينا لايرتبط بذلك الانفتاح او قبول المختلف في الكثير من هذه المؤسسات او وجود ارث من المعرفة التي تباشر حضورها بشكل جديد ومنفتح ، بقدر ما هو مرتبط بطبيعة الثقافة السابقة التي تهيمن على الكثير من المؤسسات الاعلامية ، فتظهر الفردية طاغية في اختيار مواد الاخبار او المقالات الفكرية والثقافية ضمن حدود النسبي او وجود القيم البيروقراطية وهيمنتها على هذه المؤسسة او تلك التي تتبع مسار المعرفة الجاهزة غير القادرة على النزول الى الشارع ومخاطبة الحاضر الاجتماعي ومحاولة معالجة الكثير من المشاكل والاثار السلبية من خلال عملية كشفها وتعريتها وإظهار الاثر السلبي الذي تحدثه ، فعلى سبيل المثال نتناول هنا طبيعة صياغة الخبر الاعلامي او البرنامج الثقافي في شبكة الاعلام العراقي ، ففي الاول يتم نشر خبرا مفاده " استشهاد 10 مواطنين واصابة 20 اخرون جراء اعتداءات ارهابية متفرقة في بغداد " ويتم نشر خبر اخر مفاده ان " القوات المتعددة الجنسية تقصف مدينة الصدر ويسفر جراء ذلك استشهاد عائلتين " وهنا يظهر الارهاب في الاول واضحا وجليا وفي الخبر الثاني مستترا خلف السلطة التي تمنع وتهذب طبيعة الخبر ذاته لاغية منه صفة الارهاب ، وهكذا الحال مع البرنامج الثقافي الذي يعرض فيه اهمية العراق كبلد حضارات وصانع امجاد وتاريخ عريق من المعرفة والكتابة والحكمة .. الخ بعيدا عن ربط ذلك الامر بالحاضر المعاش الذي يشهد الاختلاف السياسي وعدم وجود ارادة عراقية مشتركة تقود الى بناء الدولة والغاء ماهو سائد من اوضاع انسانية متردية الى حد بعيد ضمن طبيعة تتعلق بالعنف والارهاب والفساد الاداري .. الخ . ان القيم البريوقراطية تقف حائلا دون انتشار الثقافة الديمقراطية المختلفة ، فضلا عن ماهو سائد في الكثير من المؤسسات الثقافية التي تعنى بإنتاج وعي ثقافي معين دون غيره او تعنى بالاهتمام بنخبة معينة دون اخرى اما حالة تطوير المجتمع وولادة اجيال جديدة فذلك الامر يشكل غيابا مطلقا لدى الكثير من المؤسسات الاعلامية والثقافية ، لانها ترتهن الى الحاضر ضمن صورته السلبية وهنا نقصد بالحاضر مرتبطا بطبيعة المؤسسة المدعومة حزبيا وسياسيا وايديولوجيا وليس المستقبل الذي يغيب كثيرا عن الانظار ولا احد يهتم به او يشكل بالنسبة لديه اهمية تذكر ضمن حدود النسبي الاكثري لدى المؤسسات العاملة في العراق . ان ولادة مؤسسات اعلامية متحررة من الجاهز الاجتماعي السائد امرا يكاد يحمل الكثير من المعوقات ، تلك التي تمنع المهنين في مجال الاعلام من قول حقيقتهم والبحث عنها بشكل فاحص ودقيق دون خوف من رقيب او حارس اخبار يعمل بطريقة الروتين اليومي غير مكترث لما يحدث من حوله من احداث وانتهاكات كما كان الامر معمولا عليه في الازمنة الدكتاتورية السابقة وكما هو سائد اليوم لدى الكثير من المؤسسات في ازمنتنا الراهنة .
#وليد_المسعودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشروع ديكارت الفلسفي وإعادة ترتيب الوجود
-
المجتمع الجماهيري .. عامل محافظة ام تطور
-
مفهوم الحرية ركيزة اساسية لتطور المجمتع
-
محددات ثقافة الارهاب
-
لماذا يفشل المثقف الحر في في انتاج ابداع مختلف (المثقف والمؤ
...
-
الاحزاب السياسية والوعي العمالي ( نكوص مجتمعي ام استقلال سيا
...
-
المؤسسات الثقافية العراقية ( مصدر ابداع أم تأسيس فراغ معرفي
...
-
جذور الغنيمة والانتهازية لدى المثقف العراقي (محاولة في نقد ا
...
-
سيميائيات حجاب المرأة
-
الكتابة بين نموذجين
-
نحو مدينة عراقية ..بلا هوامش واطراف .. بلا عنف واستبداد
-
الهويات المغلقة - الهويات المفتوحة
-
نقد سلطة المعرفة .. الحداثة والتراث في مقاربة جديدة
-
هل يمكننا تجاوز تاريخ الانغلاق في المجتمعات العربية الاسلامي
...
-
التعليم وصناعة الخوف لدى الطلبة .. نحو تعليم عراقي جديد
-
نحو تكوين فلسفة شعبية عراقية
-
لحظة إعدام صدام .. نهاية الاستبداد في العالم العربي ؟
-
خصائص تربية الابداع في المؤسسة التربوية العراقية
-
جماليات الاحتلال
-
الثابت والمتحول في انماط الاستبداد(الطريق الى مقاربة وطنية ت
...
المزيد.....
-
السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات
...
-
علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
-
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
-
مصادر مثالية للبروتين النباتي
-
هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل
...
-
الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
-
سوريا وغاز قطر
-
الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع
...
-
مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو
...
-
مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|