فوزي حامد اتلهيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2087 - 2007 / 11 / 2 - 07:49
المحور:
القضية الكردية
تعد القضية الكردية واحدة من القضايا الشائكة في منطقتنا منذ أكثر من قرن تقريبا حيث شكل الأكراد ولعقود طويلة مصدر قلق للدول التي يعيشون فيها (تركيا وإيران والعراق وسوريا ) ونحن هنا ليس بصدد البحث في جذور المشكلة، فهي مشكلة افرزها الواقع السياسي آنذاك والسياسات الاستعمارية مطلع القرن العشرين الذي قسم الأكراد بين دول المنطقة ولم يحصلوا مثل باقي القوميات على كيان سياسي لهم ولو على جزء من الأراضي التي يعيشون عليها. ربما يرجع سبب ذلك إلى غيابهم السياسي وضعف تأثيرهم في مجريات الأمور في مرحلة تاريخية حرجة ومهمة في تشكيل الدول والاعتراف بها في منطقتنا فضاعوا بين ثلاث أمم كبيرة في المنطقة هم الفرس والأتراك والعرب كما إننا لسنا بصدد اقتراح حلول لها فالمشكلة قد تعقدت كثيرا وصار الحديث عن مشروعية أو لا مشروعية دعوات بعض القيادات الكردية في الاستقلال خاضعة لموازنات دولية لا معنى للحديث فيها خارج هذه الموازنات فضلا عن كل هذا تبقى هذه المشكلات شأنا كرديا قد نناصرهم أو نعارضهم في بعض ما يدعون ويطالبون ولكننا لن نكون بدلاء عنهم في عرض قضاياهم. إنني أسال هنا عن موقف المثقف العربي من قضية إنسانية. لماذا نحن المثقفون العرب نخلط بين ما هو إنساني أخلاقي وسياسي مصلحي في مواقفنا من الآخرين؟ قضية أكراد تركيا اليوم هي قضية إنسانية أخلاقية قبل أن تكون سياسية وعلينا بعدنا مثقفين أن نحاسب أنفسنا أخلاقيا قبل ان نحسب ونراعي مصالحنا سياسيا في موقفنا من هذه المسالة وإلا كيف نطالب الآخرين أن يقفوا بجانب قضايانا العادلة ونعيب على مواقف فلاسفة ومثقفين غربيين وغير غربيين راعوا فيها مصالح بلدانهم ولم يكونوا أمناء في ما يطرحونه من أفكار وآراء.
إن كل ما يطلبه الكرد اليوم هو الاعتراف بهم كبشر لهم الحق بالحياة والعيش بكرامة وحرية والتمتع بحقوقهم الثقافية وإعطائهم حق الخيار في العيش المشترك مع الآخرين. أليس هذا من ابسط الحقوق الإنسانية ومن واجب كل المثقفين الوقوف إلى جانبها. قد يقال ان الكرد يطالبون بأكثر من هذا هم يطالبون باستقلال كامل عن الدول التي يعيشون بها ويحلمون بإنشاء كيان مستقل بهم ( وهذه بالتأكيد اكبر قضية أو تهمة جرمية ترفع بوجههم من الدول التي ينتمون إليها ) أو إن القيادات الكردية تتعاون مع أعداءنا أو أنهم شكلوا السكين التي استنزفت طاقتنا وبخاصة في العراق وهم يهددون اليوم وحدته الخ من اتهامات لا نعتقد إنها أبشع من تلك التهم التي تساق ضد العرب في الغرب ومصالحه ومع ذلك نحن لا نعذر المثقف الغربي في مواقفه من قضايانا وان كان هو يعيش في أجواء أكثر ضبابية قد تشوش عليه مواقفه من القضايا العربية.
ان الحزب العمالي الكردستاني في تركيا p.k.k.) ) هو حركة سياسية تقدمية تنويرية اتخذ من الكفاح المسلح في مرحلة من مراحل نشاطه السياسي بسبب ممارسة العنف ضده من الدولة التركية. كانت تربطه علاقات متينة مع عدد من حركات التحرر ومنها العربية وله مواقف ايجابية من قضايانا العربية ربما أفضل من مواقف الحكومة التركية ذاتها. لم يمارس العنف ضد المدنيين في كل نشاطاته السابقة، وقد أعلن تخليه عن العمل المسلح عقب اعتقال زعيمه عبد الله أوجلان بعد نهاية الحرب الباردة وتفرد أمريكا عالميا. ولكن هذا الموقف لم يعفي الحزب أمريكيا من تهمة الإرهاب بسبب مواقفه المناهضة للمصالح الأمريكية في المنطقة. وقد تقلص نشاطه كثيرا وبخاصة خلال السنوات القليلة الماضية اثر الحملة العسكرية الطويلة ضده ولم نعد نسمع عنه أي نشاط يذكر. إن هذا الحزب مثله مثل كل الأحزاب والقوى السياسية في المنطقة ولكن ظروف عمله وتعقد الوضع السياسي في المنطقة وضعه في زاوية ضيقة حرجة وناله من الحيف والظلم ما لا يستحقه فما ناله الحزب ليس بسبب مواقفه وآرائه السياسية وإنما بسبب ظروفه التي أحاطت به ويمكن أن تكون أية قوة أو حزب سياسي نحترمه أن يكون في مقامه. والمستهدف من الحملة التركية اليوم ليس الحزب ذاته كما نعتقد لأنه لم يعد له حضور سياسي بالفعل على الساحة السياسية التركية وكما تشير وسائل الإعلام التركية ذاتها حيث يقولون إن اغلب الأصوات الكردية في تركيا ذهبت لصالح حزب العدالة والتنمية، وإنما تستهدف أكراد العراق أو بمعنى أدق تهدف إلى تقليص سقف مطالب القيادات الكردية في العراق وبما لا يوفر لهم إمكانية الانفصال مستقبلا. ولهذا نقول ان السلوك التركي من هذه القضية أذا كان مبررا على وفق منطق القوة الذي تملكه تركيا في حسابات القوى الإقليمية والدولية ومنطق المصلحة القومية التركية المتعالي على مصالح الآخرين فيجب أن لا يكون ذلك مبررا لدينا نحن المثقفون العرب على الأقل أخلاقيا ان لم يكن مصلحيا أيضا. قد نختلف مع القيادات الكردية في العراق في حدود الحقوق الممنوحة لهم وقد نختلف معهم على المساحة الجغرافية لاقليمهم وربما هناك أخطاء اقترفتها هذه القيادة في ظل الأوضاع العراقية الجديدة ولكن كل هذا لا يسوغ الاستقواء عليهم بقوى من خارج الحدود لان هذا سيعزز لديهم الشعور بالانعزال والهوية الجهوية على حساب الهوية الوطنية وهو شعور تولد لديهم جراء ما عانوه من قسوة خلال عقود طويلة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة مثلما تولد مع مكونات عراقية أخرى وللأسباب ذاتها. إذا كان لنا نحن العرب اليوم الحق بان نحلم بدولة عربية واحدة من المحيط الهادر الى الخليج الثائر كما كنا نهتف في السابق وما زال الحلم يراودنا بالرغم من كل انتكاساتنا فعلينا ان نتفهم أحلام الآخرين وهي على كل حال أحلام ليس لها من مقومات التحقق ما يقلق المتخوفين منها فلا العرب قادرون اليوم على انجاز مشروعهم الوحدوي ولا الأكراد قادرون على تحقيق انفصالهم في ظل تعقيد الوضع السياسي في المنطقة وليس لنا من خيار سوى العيش المشترك وهو بالمناسبة حال عمره من عمر العراق أي منذ آلاف السنين وعليه نعتقد ان الواجب الأخلاقي يفرض علينا نحن المثقفون العرب ان نقف ضد الحملة العسكرية التركية سواء كانت تستهدف حزب العمال الكردستاني التركي ومن خلاله أتراك تركيا أم أكراد العراق فهي في كل الحالات انتهاك لحقوق الآخرين
#فوزي_حامد_اتلهيتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟