يعيش حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أكثر من تصدع، و ذلك منذ انعقاد مؤتمره الوطني السادس، و بهذا التصدع يدشن مرحلة انكسار الشعور الاتحادي الذي حمله أكثر من جيل. فرغم أن الحزب احتل المرتبة الأولى في انتخابات شتنبر 2003 الأخيرة، فقد تمت معاينة انسحابات و انشقاقات و صفها البعض أنها بمثابة انكسار حركة وطنية تقدمية انطلقت منذ نهاية خمسينات القرن الماضي.
و في نظر هؤلاء أن المعالم الأولى لهذا الانكسار بدأت في الظهور منذ انعقاد المؤتمر الخامس للحزب في مارس 1989 الذي عمل أساسا على إرجاء الانفجار إلى وقت لاحق. و رغم أن المؤتمر السادس لمارس 2001 انعقد تحت شعار الوحدة و التجديد، إلا أنه لم يوحد و لم يجدد إذ وقع على إثره انشقاق و كانت البداية لانطلاقة سيرورة الشتات الاتحادي و انكسار الحلم الذي حمله جيل بأكمله و الذي دفع الثمن باهضا في السابق. و بذلك أضحى المناضلون البسطاء يحملون المسؤولية للأطر التي استسلمت إلى إغراءات التصالح و قدمت تنازلات جوهرية فكرية و إيديولوجية و سياسية مقابل مجرد وعود مائعة استفادت منه كمشة من نخبة الحزب إذ حقق فعلا أفرادها قفزة نوعية غير مسبوقة في مواقعهم الاجتماعية و المهنية و في استفادتهم من امتيازات. حيث أن تيار الانتهازيين و الانتفاعيين عرف كيف يسيطر على الحزب و يبني سلطته و نفوذه داخله من خلال التحكم في واجهات الحزب الإعلامية و البرلمانية و عبر اكتساح المواقع القيادية و التنظيمية. و هذا ما يفسر إلى حد كبير التحالفات غير المنطقية و غير المفهومة التي طبعت الانتخابات الجماعية الأخيرة في أكثر من منطقة بالمغرب.
و زاد انكسار حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وضوحا بفشله الذر يع في تجديد هويته السياسية و فشله في استقطابه لأطر سياسية جديدة أو على الأقل تهييء الخلف من مناضليه القاعديين و فشله الكبير في حل العلاقة بين العمل السياسي و العمل النقابي بطريقة تصمن وحدة القاعدة العمالية للحزب و فشله الذريع في تفعيل انخراط الشباب من أجل تحقيق الحلم الاشتراكي الديموقراطي كما كان يتبجح بذلك قادة الحزب.
و هذا الواقع يشير إلى أن دور هذا الحزب لم يعد رائدا في الانتقال الديموقراطي بالمغرب، و ربما هذا يؤكد قولة الدكتور المهدي المنجرة- مخزنة النخب و بجلاء.
و الآن و الحالة هاته، فليس أمام هذا الحزب إلا خيارين لا ثالث لهما : إما الموت السياسي ( و في أحسن الأحوال قبول البقاء على الهامش) أو مراجعة النفس و الانتباه لسياق التحولات قصد القيام بما يجب القيام به للبقاء على الركح.