|
من أجل سوريا الحبيبة
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 2086 - 2007 / 11 / 1 - 11:45
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
حين تناول حالة المعارضة السورية الراهنة ، يتعين أولاً ، أن يؤخذ بعين الاعتبار ، الميز الشمولي ، الذي يمارسه الحزب الحاكم ، بموجب الد ستور على المجتمع ، وما يعنيه هذا الميز ، من احتكار السلطة والسياسة ، ومن ا ستبداد قهري ا ستثنائي ، ومن تمايز طبقي شبه عبودي يقسم المجتمع إلى سادة " أهل النظام " وتابعين " ابناء المجتمع " من خلال السلطة وقرارات القيادة السياسية العليا ، وكذلك ما يعنيه من انسداد آفاق التغيير بالطرق السياسية والقانونية المتبعة في بلدان تتمتع بد ساتير خالية من هذا الميز المشين . وعلى ضوء ذلك ، يمكن فهم ماهية هذه المعارضة وطبيعة دورها باعتبارها حركة تحرر إنسانية ، قبل أن تكون حركة سياسية تهدف إلى تصويب سياسة الدولة في هذا المجال أو ذاك ، أو تنزع إلى ممارسة حقها في تداول السلطة . ويمكن أن يفهم أن مثل هذه المعارضة هو شرط ضرورة مطلقة لانتزاع الحرية بمعناها الإنساني قبل السياسي ، وأن كل مواطن خارج دائرة النظام محكوم بالضرورة أن يكون معارضاً .. مطالباً .. بحريته الإنسانية والسياسية في آن معاً . وبالتالي فإن هذه المعارضة ، التي تواجه حالة سياسية شاذة مركبة .. على خلفية الميز السياسي وا شتقاقاته ، وتواجه مهاماً مركبة ذات أبعاد متعددة ، تحررية وديمقراطية ووطنية واجتماعية ، لابد من أن تحتوي قوى وأناس لهم خلفيات وأهداف ومشارب متعددة ، التي تتجلى في وجهات النظر المتعددة لدى التعاطي مع هذا البعد أو ذاك في عملية التحرير والتغيير . بمعنى أن الحالة السياسية السورية الراهنة ، الخاضعة لمفاعيل وآليات ومطامع الميز السياسي الشمولي ، تتطلب ، من كل أطياف المجتمع السوري ، التي يمارس هذا الميز ضدها ، أن تنخرط في المعارضة لتحررنفسها وتقي أجيالها القادمة من هذا الميز المجحف اللاأخلاقي واللاإنساني واللاسياسي بالمعنى الحضاري .
وعندما يوضع الميز السياسي في الاعتبار أولاً ، فإنه لايعني التقليل من أهمية المسائل الأخرى ، التي تشكل محاور خلافية مشروعة مع النظام ، بل لإنه يشكل المحور المركزي في الأزمة السورية الشاملة . إذ أن كل الأمور القهرية الشاذة قد تفرعت عنه ووفرت شروط تجلياته على الصعد كافة . فهذا الميز نصب " الحزب القائد " حاكماً أبدياً مطلق الصلاحية ونصب أمينه العام " رئيس الدولة " بمثابة ملك على الدولة والمجتمع ، ومنح قرارات ومصالح وامتيازات أهل النظام السيادية والاجتماعية والاقتصادية سلطة وشرعية القانون ، وحول مؤسسات الدولة وهيئاتها إلى ملحقات لاحول لها ولادور إلاّ فيما يخدم مستلزمات هذا الميز . ما أدى إلى أن تكون المهام النضالية للمعارضة ، مقارنة مع بلدان أخرى ، مضاعفة وأكثر تعقيداً وإيلاماً . فعندما تتحرك هذه المعارضة ، اعتراضاً أو احتجاجاً أو مواجهة إزاء أية قضية حقوقية أو سياسية أو اجتماعية ، تواجه تعسفاً بسيف الميز السياسي القمعي ، لأن مثل هذا التحرك ، في نظر أهل الحكم ، يتجاوز قرارات وسياسات " الحزب القائد " التي تترجم وتدخل في متن القوانين ومضامين الأحكام القضائية ب " عزيمة الأمة " و" هيبة الدولة " .. ألخ ..
هذه الحالة المضاعفة للهم والآلام والمسؤولية تزداد تفاقماً عندما تتقدم المسألة الوطنية ، نتيجة تفاعلات ومخططات دولية ، ذلك أن سؤالاً جاداً في منتهى الخطورة يطرح في المشهد السياسي ، وهو ، هل يمكن في الشروط الداخلية القائمة توحيد الصف الوطني .. وعلى من تقع مسؤولية التجاوب مع الاستحقاقات الوطنية .. هل تقع على قوى المعارضة بأن توقف معارضتها وتلتحق بالنظام ؟ أم أن هذه المسؤولية تقع على النظام ، بأن ينهي الميز السياسي ويوقف آلياته القمعية ضد القوى الوطنية الديمقراطية وضد الشعب عامة ويزيل كل مقومات احتكار السلطة والاستبداد ؟ .
لقد تصدى عدد من الكتاب ، للإجابة على هذا السؤال . أجاب البعض دون تردد ، بوقف معارضة المعارضة ، فعندما يدمر الوطن لن يبقى بعدها نظام أو معارضة . وأجاب البعض الآخر بذات الاتجاه زاعماً ، أنه عندما يتعرض الوطن جدياً للمخاطر ، يؤجل كل شئ لصالح الهم الوطني ، إذ لاوقت في مثل هذه اللحظات للتغيرات والإصلاحات . ويذهب بعض آخر إلى ما هو أبعد ، بأن يخضع النضال الديمقراطي ذاته لمشروعية السؤال ، طالما أنه لم تحل بعد مسائل اكتمال البناء الوطني وتشكل الأمة . وهناك من لايريد أن تفوته فرصة التعبير عن رأيه ، يعتبر أن كل ما يدور حول السؤال والجواب لاقيمة له ، وما يجب التفكير فيه هو كيف يكون الاندماج في عصر العولمة .. عصر الليبرالية واقتصاد السوق والتجارة الحرة .
والملاحظ أن كل تلك الأنواع من الأجوبة ، اقتصر على دعوة المعارضة ، دون النظام ، إلى تحمل مسؤولية التعاطي مع الاستحقاقات الوطنية ، وذلك انطلاقاً من أن أي مساس الآن بمقومات النظام سوف يؤدي إلى تداعيات تضعف الوضع السوري برمته ، وعلى خلفية أن الخلافات بين المعارضات والحكومات ينبغي ألاّ تحول دون التلاقي عند تقاطع المصلحة الوطنية العليا .
وهكذا يتضح أن الميز السياسي ، الذي هو جوهر الصراع بين السلطة والمجتمع قد أسقط من الحساب ، وقد أضعف هذا إلى ما يقارب درجة الصفر صلاحية دعوة المعارضة لمراعاة ا ستحقاقات التقاطعات الوطنية ووحدة الصف الوطني . إذ أن بقاء هذا الميز قائماً يلغي موضوعياً أي تلاق أو تقاطع . فالتابع والمتبوع والقاهر والمقهور لاتقوم بينهما لقاءات أو تقاطعات إلاّ على هذه الأرضية المرفوضة . مامعناه أن المسؤولية فيما يتعلق بالاستحقاقات الوطنية ، عندما تحين لحظتها فعلاً ، تقع على عاتق النظام . وهو مطالب بهذا الصدد القيام بمبادرة تبلغ درجة مقبولة من المصداقية ، حتى يمكنها أن تستدعي مبادرة مقابلة من الآخر . على أن تكون الخطوة الأولى في هذه المبادرة ، هي ، أن يفتح النظام أبواب الزنازين السياسية القهرية ويطلق السجناء والحريات ، مترافقة مع إلغاء الميز السياسي وكافة ا شتقاقاته الاستبدادية ، ووضع الدولة ومؤسساتها كافة في خدمة الشعب ، وخاصة في مجالات المعيشة والطبابة والتعليم والسكن والعمل .
وتأسيساً على ذلك ، من أجل سوريا الحبيبة ، فإنه الآن .. وبإلحاح الآن .. إذا توفر صدق النوايا ، هو وقت الإصلاحات والتغييرات .. التي تدفع باتجاه المبادرات الإيجابية المتبادلة .. وتخلق المناخ للقاءات والتقاطعات .. وتوفر فرص توحيد الصف الوطني .. ما يؤدي إلى إعادة بناء وطن قوي موحد قادر على مواجهة كافة الاستحقاقات الوطنية والديمقراطية والاجتماعية ..
أما مواصلة الميز السياسي وإجراءات الاعتقالات والاستدعاءات والمحاكمات ، التي تقمع وتحاصر القوى الوطنية الديمقراطية وتغيب الشعب عن الفعل الوطني ، ومواصلة تطبيقات اقتصاد السوق ورفع الدعم الحكومي عن المحروقات ومواد معيشية ، وا ستمرار الفجوة الكارثية بين الأجور والأسعار ، هي عدا عن أنها تنسف مقومات " الممانعة الوطنية " المزعومة ، فإنها تجرد الوطن من إمكانية وحدته الوطنية .. وتجعله هشاً فاقد المناعة والممانعة .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ارتدادات زيارة الأسد لتركيا
-
دور النضال المطلبي السياسي في التغيير
-
حصاد زمن القحط
-
- العولمة - الأميركية قيد التطبيق .. العراق مثلاً
-
جريمة حرب معلنة في غزة
-
إشكالية الدستور واقتصاد السوق والتغيير الديمقراطي
-
الرد الأقوى على الاختراقات والتحديات
-
الحركة النقابية بين قيود السلطة ومطالب الطبقة العاملة
-
إنها لحظة انتزاع المبادرة ..
-
الجديد في - انتخابات - اللاتجديد
-
من هنا تأتي المعارضة
-
مئة عام من المقاومة .. تحولات وآفاق .. 2
-
مئة عام من المقاومة .. تحولات وآفاق .. 1 ..
-
أزمة أولويات أم أزمة نظام .. ؟
-
نداء شهداء معبر رفح
-
استحقاقات عودة الزمن النقابي
-
صفقات شيطانية
-
هل حقاً أن الشعب قد انتخب وأفتى .. ؟
-
اسقاط جدار العزل السياسي مهمة أولى
-
مأساة الديمقراطية في الشرق الأوسط
المزيد.....
-
أشرف عبدالباقي وابنته زينة من العرض الخاص لفيلمها -مين يصدق-
...
-
لبنان.. ما هو القرار 1701 ودوره بوقف إطلاق النار بين الجيش ا
...
-
ملابسات انتحار أسطول والملجأ الأخير إلى أكبر قاعدة بحرية عرب
...
-
شي: سنواصل العمل مع المجتمع الدولي لوقف القتال في غزة
-
لبنان.. بدء إزالة آثار القصف الإسرائيلي وعودة الأهالي إلى أم
...
-
السعودية تحذر مواطنيها من -أمطار وسيول- وتدعو للبقاء في -أما
...
-
الحكومة الألمانية توافق على مبيعات أسلحة لإسرائيل بـ131 مليو
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. مقتدى الصدر يصدر 4 أوامر لـ-سراي
...
-
ماسك يعلق على طلب بايدن تخصيص أموال إضافية لكييف
-
لافروف: التصعيد المستمر في الشرق الأوسط ناجم عن نهج إسرائيل
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|