أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - بدر عبدالملك - جيفارا‮.. ‬الفكرة والأيقونة















المزيد.....

جيفارا‮.. ‬الفكرة والأيقونة


بدر عبدالملك

الحوار المتمدن-العدد: 2085 - 2007 / 10 / 31 - 10:47
المحور: سيرة ذاتية
    


في‮ ‬عيد الفطر التقيت‮ »‬الكومبانيرو‮« ‬القديم الذي‮ ‬تشبع كثيرا من ثدي‮ ‬وحليب مرضعته الكوبية،‮ ‬فبدت له هافانا حلما أبديا وتملكت كل زاوية في‮ ‬كوبا عقله وروحه،‮ ‬وإذا ما تكلم عنها بدت وكأنها مسقط رأسه‮. ‬
أعرف طبيعة ناس كثيرين إذا ما عاشوا في‮ ‬بلد ما باتوا جزءا منها تفوق‮ ‬غيرتهم عليها‮ ‬غيرة سكانها الأصليين‮. ‬أما الشيء الذي‮ ‬ربما لا أفهمه بقاء روح الشباب الجيفاري‮ ‬لدى شخصيات تخطت عمر الصبا‮ ‬غير أنها عاشت ولا تزال تعيش على بقايا‮ »‬النوستالجيا‮« ‬السياسية كجزء من حالة التعويض المحبط للانهيار في‮ ‬بيت الثورة ومركزها الأصلي‮.‬
فما عاد الرفاق اليوم‮ ‬يتغنون عن لينين صانع تاريخ البلشفية،‮ ‬بل ولا تلفت أنظارهم مغامرات ذلك الثوري‮ ‬الروسي‮ ‬المتخفي‮ ‬كعامل سكك الحديد والقطارات الذي‮ ‬لاحقته الشرطة القيصرية في‮ ‬كل بلد‮ ‬يعيش فيه حتى انتهى برصاصات رفاقية أودت بحياته ببطء وكانت سبباً‮ ‬لانهيار صحته والتعجيل بموته‮. ‬
ما‮ ‬يشدنا،‮ ‬نحن العرب المصابين بالرومانسية الثورية،‮ ‬هو انجذابنا الشبابي‮ ‬لنزعات المغامرة واستعذابنا فكرة موت البطل بمأساوية لكونها تغذي‮ ‬فينا نزعة البكائية واللطم،‮ ‬وكأننا نشاهد عملاً‮ ‬مسرحياً‮ ‬تراجيدياً‮ ‬إغريقياً‮ ‬يساهم في‮ ‬التطهير والكاثرسيس الداخلي‮ ‬كجزء من تنفيسنا عن حلم الثورة الضائعة‮. ‬
أحاول نظرياً‮ ‬وسياسياً‮ ‬وسوسيولوجياً‮ ‬استعادة وفهم رغبة الأجيال للغامض والمنهزم وسقوطها وإدمانها السياسي‮ ‬لظواهر تحتاج لقراءة جادة تفوق مزاجاً‮ ‬عاماً‮ ‬يسود الإعلام والدعاية والجموح الشبابي‮ ‬الرائع في‮ ‬المدن الأوروبية والعالم الثالث القديم المشحون بالتوتر السياسي‮ ‬وحالات الفقر والبؤس والأزمات،‮ ‬فتصبح أيقونة جيفارا شبيهة بأيقونة العذراء والمسيح المسجى‮ ‬لدى جموع‮ ‬غفيرة من الفلاحين الفقراء‮. ‬هكذا تتسقط قلوب الشباب أيقونتها الثورية لكي‮ ‬تمارس حول ضريحها وكنيستها المقدسة صلوات الفجر الضبابي،‮ ‬وتعيش ساعات التيه المستمر،‮ ‬لعل الأيقونة وصاحبها‮ ‬يمنحاننا التبريكات الثورية المتجددة،‮ ‬فلكل ثقافة عالمية شبابية روادها الكثر أو حتى القلائل،‮ ‬فليس فرانكو وهتلر دون مريدين،‮ ‬بل وحتى صدام له شبيبته،‮ ‬ولابن لادن بلحيته وعمامته وشكله طابور من المؤيدين،‮ ‬للجميع صلاتهم وأيقونتهم المقدسة،‮ ‬فقد صار بن لادن قديساً‮ ‬للتكفيرين مثلما صارت صورته وملصقاته رمزا وأيقونة للشباب المجاهد‮. ‬
لكل أيقونة مقدسة صلواتها وطقوسها وكهوفها،‮ ‬حتى وان حاولنا استكناه وتجاوز المكنون ومعرفة وتفسير حالة الهستيريا الانفعالية والجهادية وحزام التفخيخ‮. ‬
محبو جيفارا من الشباب الجدد لا‮ ‬يتعدون بحماسهم سقف الغناء والحلم والرومانسية،‮ ‬يبكونه كلما خرجوا احتجاجا ضد الامبريالية الأمريكية فيحملون الأعلام والصور ويرتدون الفانيلات،‮ ‬ولا بأس بعد ذلك من الانغماس في‮ ‬لذة الحواس الجسدية في‮ ‬الغابات الدافئة مع حبيبة تلهمنا الثورة بكلمات من رسائل تشي‮ ‬المدفونة في‮ ‬الوادي‮ ‬الكبير وقرى بوليفيا الشاسعة‮. ‬
كان عليّ‮ ‬أن أحمل من مدريد عام ‮٦٧٩١ ‬في‮ ‬زمن فرانكو اسطوانة لكورال موسيقي‮ ‬من بيرو،‮ ‬وقد كان الغلاف عبارة عن صورة تشي‮ ‬بقبعته التاريخية ومجموعة من الأغاني‮ ‬والموسيقى اللاتينية التي‮ ‬تمجد حلما لاتينيا عن القارة منذ أن حلّق الكوندور في‮ ‬سماء وجبال الانديز الشاهقة‮. ‬كانت الأغنية الأبرز في‮ ‬الاسطوانة عنوانها القائد‮ »‬الكومندانتي‮« ‬والتي‮ ‬صارت بعد سنوات طويلة أغنية ترددها فرق لاتينية وكوبية في‮ ‬كل حانات العالم‮. ‬لم تكن تهتم الأجيال الشابة حينها بما كنت اهتم به ثقافيا وروحيا بالقارة نتيجة عشقي‮ ‬الشديد لموسيقاها،‮ ‬فقد شدني‮ ‬للقارة بُعدها الثقافي‮ ‬وعنفوانها الثوري‮ ‬الذي‮ ‬كان زاباتا وتوباس امارو أكثر سبقا للمشروع المكابر ضد الاستعمار منذ أن وطأت أقدام الغزاة الإسبان الباحثين عن الذهب‮. ‬
من ذلك الينبوع‮ ‬غرفت ثقافتي،‮ ‬وكان عليّ‮ ‬أن أتوّجها في‮ ‬مرحلة ما بأيقونة جيفارا،‮ ‬كان عليّ‮ ‬كحالم ثوري‮ ‬أن اقتدي‮ ‬بتلك الأيقونة الشبابية في‮ ‬عامي‮ ٧٦٩١‬و‮٩٦٩١‬،‮ ‬يومها كان شعري‮ ‬بسايل،‮ ‬وروحي‮ ‬تسيل مع الكون،‮ ‬فارتديت بنطلون الجين وذهبت إلى استديو التصوير فمنحني‮ ‬صورة جيفارية ولكن بدون قبعة تزينها نجمة حمراء،‮ ‬فقد كان ارتداؤها تهمة سياسية حتى وان كنا في‮ ‬القاهرة‮. ‬في‮ ‬تلك الفترة كانت المسارح المصرية تعرض عملا لميخائيل رومان عنوانه‮ »‬ليلة مصرع جيفارا‮«‬،‮ ‬وكان كاتب السيناريو‮ ‬يوسف إدريس،‮ ‬وفي‮ ‬لحظة الاستراحة كان علينا مناقشته بحماس الشباب إذ لم تعجبنا طريقة تناوله لقضية جيفارا‮. ‬
مرّ‮ ‬وقت طويل وبت أشتاق أن أستنسخ صورة واحدة من تلك الصور الجيفارية،‮ ‬غير أنها لم تعد في‮ ‬حوزتي‮. ‬صديق عزيز على القلب وحده‮ ‬يحتفظ في‮ ‬بيته بتلك الصورة،‮ ‬ترى هل اطالبه هذه المرة بنسخة من صور الشباب العارم لكي‮ ‬أحملها لأولادي‮ ‬وبيتي‮ ‬كذاكرة جيفارية،‮ ‬ففي‮ ‬الشيخوخة نرى أيقونتنا نحن كما نرى جيفارا في‮ ‬أنفسنا الحالمة،‮ ‬ففي‮ ‬الحلم نعيش الشباب الذي‮ ‬لا‮ ‬يتكرر‮. ‬
شعرت بذلك بقوة مهولة في‮ ‬ليلة راقصة تجللت بروح جديدة حملتني‮ ‬ذاكرة اللحظة إلى طفليّ‮ ‬اللذين‮ ‬يرقصان دائما في‮ ‬الأعراس ثنائية جميلة،‮ ‬ففي‮ ‬كل خطوة حب تخطوها ابنتي‮ ‬يتابعها ابني‮ ‬بحب مماثل،‮ ‬وقد كانت مفاجأة لي‮ ‬اكتشاف أن لدي‮ ‬ابناً‮ ‬راقصاً‮ ‬وابنة كرّست وقتها لتعلم الرقص والغناء بشكل أكاديمي‮. ‬سؤال ربما لا‮ ‬يفهم لغزه الشباب كما لا نفهم نحن أيضا أسراره‮. ‬لماذا نرقص؟ ولماذا نحب؟ ولماذا أصبح جيفارا أيقونة شبابية بعد هذا الوقت من رحيله؟ وإذا ما صار الموتى أيقونة مقدسة فإن اجتثاثها‮ ‬يصبح مستحيلا،‮ ‬لكون القداسة صارت فكرة قبل أن تكون أيقونة‮. ‬
يا صديقي‮ ‬الشاعر لا تغالط التاريخ فالنبلاء وحدهم هم من كرسوا حياتهم لأفكار نبيلة‮. ‬فهل‮ ‬يعقل ان‮ ‬يكون النبيل الفارس شخصا أجوف؟





#بدر_عبدالملك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التكفيريون وعمى الألوان
- الطائفية‮.. ‬الجاثوم السياسي‮ ‬في ...
- فليذهب الى بنغلاديش او الصومال!
- سؤال التحدي والمواجهة في المملكة السعودية
- تضخيم الصوت ومسألة الأحوال الشخصية
- لمن ينحاز الناخب عند صناديق الاقتراع
- الذين دخلوا قبورهم قبل الأوان
- الإعــــــلام المعاصــــــر وخطاباتــــــــه الغريبـــــــــ ...
- في سبيل ائتلاف واسع للديمقراطيين


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - بدر عبدالملك - جيفارا‮.. ‬الفكرة والأيقونة