هناك ظاهرة غريبة بدأت تتنامى شيئاً فشيئاً على الساحة العراقية.. أنها ظاهرة الخروج المبرمج والمنظم لأزلام صدام.. ويجب التوقف قليلا عند هذه الظاهرة ليس لأهميتها طبعاً وأنما لغرابتها .. الغرابة هنا في التوقيت والأسلوب والطرح .. وأحد الذين يعبرون بصدق عن هذه الضاهرة هو المدعو ظافر العاني .
فهذا الرجل وكما كان يعرّف ولايزال على شاشات الفضائيات هو أستاذ الدراست الآسيوية في جامعة بغداد ومحلل سياسي دأبت قناة الجزيرة القطرية على النهل من تحليلاته وتحليلات زملائه ألأساتذة السياسية السمجة طيلة الفترة التي سبقت عملية تحرير العراق وكان حينها يتحفنا ويتحف العالم بتحليلاته وآرائه السياسية التي كانت كتحصيل حاصل لا تخرج عن الخط والأتجاه العام الذي يريده النظام آنذاك والذي تريده القناة المذكورة والذي بالتالي هو مايريده المزاج العام للشارع العربي والأسلامي المريض بآيديولوجيا العداء لكل ماهو أمريكي وغربي .. آيديولوجيا الفشل الذي أصبح مرادفاً للشعوب العربية من المحيط الى الخليج بأستثناء نخبة رائعة من المثقفين العرب تعي ما يحدث حولها في هذا العالم وتحاول جاهدة أنقاذ هذه الأمة من مصير محتوم .. وبأستثناء طبعاً شرائح واسعة من الشعبين العراقي والكويتي اللذان أخذا يتعافا من هذه الآيديولوجيا المتعفنة لأنهما وجدا أنها كانت السبب الرئيسي لما حل بهما من مأساة على يد القائد الضرورة .. بطل التحرير القومي .. حارس البوابة الشرقية للأمة العربية .. وأخيراً وليس آخراً محرر القدس ..المجرم السفاح صدام حسين .
بعد أنتهاء الحرب بفترة قصيرة عاود العاني الظهور على شاشات الفضائيات وأيضاً كمحلل سياسي وكانت تحليلاته لأوضاع ما بعد الحرب أمتداداً لتحليلاته المسمومة السابقة مع تغيير طفيف يتطلبه الوضع الجديد الذي ولدته الحرب متمثلاً بسقوط النظام المجرم وبالطبع لم يكن العاني وحده .. بل عاد الى الظهور معه بقية المجموعة من الزملاء الكرام (بقية الجوكة) من جاسورها الى وميضها وأنضم اليهم أيضاً كمحللين سياسيين فيما بعد نكرات من المجتمع العراقي من أصحاب الماضي ألأسود كسطّام الكعود ظابط المخابرات المعروف والمدير الظاهري لشركة الأيمان التجارية في عمان والتي تعتبر محطة المخابرات العراقية الرئيسية في ألأردن .. وكانت هذه المجموعة (الجوكة) تغني دائماً خارج السرب بنبرة ظاهرها رفض ألأحتلال والحرص على الوطن لكنها تحمل في طياتها حسرة وألماً وحنيناً لصدام ونظامه العفن بل وتحريضاً واضحاً على العنف ضد قوات التحالف الصديقة التي خلصت الشعب العراقي من جبروت هذا النظام . وكان العاني حتى تلك الفترة يدعوا الطاغية با (السيد الرئيس صدام) أو ( الرئيس العراقي) في الوقت الذي كان فيه صدام ولايزال ملاحقاً كالجرذ من قبل الشعب العراقي و أصدقائه من قوات التحالف .
ولكن الصدمة كانت عندما أطل علينا ظافر العاني من على شاشة فناة أبو ظبي ضيفاً عزيزاً على برنامج دنيا .. وعندما سأل أحد المتصلين عما يفعله ظافر العاني في البرنامج . أجابت السيدة مقدمةالبرنامج بأن الدكتورظافرهنا لفترة محدودة بدعوة من القناة ليشارك في النقاشات والحوارات التي تدور في برامجها السياسية التي تخص العراق .. اللافت للنظر أن العاني ومنذ أول ظهور له في ذلك البرنامج بدأ يصعد نبرة التهجم والتسقيط ضد ألأحزاب والقيادات الوطنية التي عادت الى العراق بعد سقوط النظام.. وضد قوات التحالف وكل من يتعامل معها .. كذلك بدأ في تلك الفترة تبنّيه لجرائم التخريب والقتل التي بدأ يقوم بها المهزومون من أزلام النظام مدعياً ومروجاً لها كمقاومة للأحتلال والتي كانت ولاتزال تضر وتطال الشعب العراقي وبناه التحتية أكثرمما تطال قوات التحالف وترسانتها العسكرية .. فبالله عليكم أي مقاومة هذه ؟ .. هذا بالأضافة الى موقفه العدائي الواضح والذي ينم عن حقد دفين ضد الجارة العزيزة الكويت التي أنفردت من بين كل الدول العربية بوقوفها الى جانب الشعب العراقي وليس الى جانب النظام العراقي كغيرها .
وهكذا أصبح العاني نجم البرامج الحوارية التي تناقش موضوع العراق بصفته ممثلاً للعراق ولشعب العراق .. تصوروا !! .. وفي تسارع مثير للأحداث نرى العاني فجأة في الدوحة .. وبالذات في أحضان قناة الجزيرة من جديد وأصبح يطل علينا من شاشتها بشكل شبه يومي وهو يجلس الى جانب المذيعين في ألأستوديو مسبلاً عينيه و محللاً للأحداث بأسلوبه الصدامي الخبيث ومحرضاً ضد القوات ألأمريكية متناسياً بأنه يجلس على بعد أمتار من مقر (تومي فرانكس) قائد قوات التحالف في قاعدة العديد القطرية المؤجرة رسمياً للأمريكان . فلم لا يحرض الحكومة القطرية والشعب القطري على المقاومة لأخراج القوات ألأمريكية كما يحرض أبناء شعبه !! .. أم أنه يريد أن يغرق هذا الشعب في بحر من الدماء أنتقاماً منهم لعدم دفاعهم عن سيده الساقط ؟
ومنذ أول ظهور له في أحضان ستوديوهات الجزيرة .. كانت له كعادته آراء وتحليلات مسمومة حول كل حدث أو خبر يعلق عليه .. بدئاً بخبرتشكيل مجلس الحكم وتهجمه بحقد علىهذا المجلس معتبراً أياه لايمثل العراقيين لأنه معين من ألأمريكان ومعتبراً أعضائه عملاء .. مروراً بدفاعه المستميت عن ما يسميه بالمقاومة ..ثم جائت اللحظة التي ظهر فيها على حقيقته يوم مقتل المقبوران عدي وقصي حيث ظهر على شاشة الجزيرة وهو في قمة الحزن وأخذ يتغنى ببطولاتهما وأعتبرهما شهيدان لأنهما قتلا ( قبرا) على أيدي القوات المحتلة (الصديقة) .. وبوقاحة شديدة أجهش فجأة بالبكاء عليهما أمام أنظارالمشاهدين .. تصوروا يبكي على السفاحان عدي وقصي ويدعي زوراً وبهتاناً أن الشعب العراقي سيعتبرهم شهداء .
ثم توج العاني وقاحته هذه بظهوره علىالجزيرة بعد جريمة تفجير مقر ألأمم المتحدة في بغداد متشفياً بموت الشهيد ديميلو ومن معه ومتسائلاً لماذا نحزن على ديميلو ومن معه ولا نحزن على أحباب الدكتورالمحترم من المخربين المجرمين المرتزفة الذين يسميهم بالمقاومة ؟.. أي حثالة !! .. لكن ولله الحمد كان معه على الخط من بغداد الأستاذ قيس العزاوي الذي أعطى الدكتور درساً يحتاجه في الأخلاق والتربية لن ينساه .
أذاً السؤال الآن هو.. ما سرهذا الخروج (ولاأسميه الهروب) المنظم والمتلاحق لأزلام النظام وبدون رقيب وحسيب الى عواصم عربية وأقليمية بعينها ؟ .. فبدئاً بالدوري ثم الصحاف والآن العاني وبأعتقادي فأن السلسلة ستستمر.. هذا بالأظافة الى العشرات من زبانية وأزلام النظام المقبورالصغارالذين لم ينتبه الى تسربهم أحد والذين بدؤا يلهبون أسعارالفيلات والشقق الفارهة في عمان ودبي بالمال الحرام الذي كانوا يسرقوه مع سيدهم وأبنائه من ثروات الشعب العراقي .
الجواب ببساطة يتركز في نقظتين: ألأولى هي أن هذه الفضائيات وبعد سقوط نظام صدام الفاشي وظهور جرائمه المروعة أمام أنظار العالم أصبح لزاماً عليها أن تغيرمن أستراتيجيتها الأعلامية تجاه العراق والتي كانت في السابق متمثلة بالدعم المطلق لنظام صدام وسياساته الداخلية والخارجية لأن هذا هو ما يريده الشارع العربي المريض والذي لزاماً عليها أن تراعي هلوسته لتتمكن من تمرير الأهداف التي من أجلها وجدت أغلب هذه الفضائيات . لذا فقد بدأت بتغييرأطقم مكاتبها في العراق كما حدث مع قناة الجزيرة التي أختارت الآن و بعد سلسلة من المدراء المسمومين لمكاتبها في العراق الأعلامي المحترف والرصين ألأستاذ وضاح خنفر لتمتص نقمة العراقيين وكذلك فعلت قناة أبو ظبي التي أبقت مراسلها السابق في العراق حمزة حسين الذي نتذكره جيداً حينما تغنى ببطولات فدائيي صدام في البصرة أيام الحرب الاّ أنها أضافت اليه المراسل الرصين المحترم ألأستاذ عدنان عبود .. هذا بالأضافة لأضطرار هذه الفضائيات ومنذ سقوط النظام لأستضافة محللين سياسين عراقيين معتدلين ووطنيين مما أضطرها في الوقت نفسه لمحاولة الحفاظ أو أنقاذ مايمكن أنقاذه من جيل ببغاوات صدام من أمثال ظافرالعاني والذين بدأ بعضهم ممن بقي داخل العراق بتغيير لغته السابقة الى لغة أكثر مرونة بعدما تأكد له بأن ألأمر قد حسم وبأن لاعودة لسيده فكان ماكان من ألأتفاق بين هذه الفضائيات أذ قامت العربية وأبو ظبي بتسهيل خروج هؤلاء أو أستضافتهم بأعتبار أن هاتين الفضائيتين أفضل سمعة نوعاً ما من الجزيرة التي لو فعلت ذلك لأصبحت فضيحتها (بجلاجل) وبالتالي أستفاد الجميع من هؤلاء ليحافظوا على حد أدنى من التوازن بين ما يريده الشارع العربي الحالم من جهة وبين الحقيقة من جهة أخرى .
أما النقطة الثانية فهي أن بعض دول الجوارالأقليمي في العراق لها كما نعلم أجندتها الخاصة في العراق وخصوصاً بعد التغييرالكبير والجذري الذي حصل والذي لاعودة عنه فيما يخص مستقبل العراق السياسي والمتمثل في أتباع الأسلوب الديمقراطي في الحكم وحصول كل ألوان الطيف العراقي على حقوقهم بدون تمييز وهذا كله وغيره من التطورات يدق ناقوس الخطر لدى بعض هذه الدول مما يضطرها للأحتفاظ ببعض ألأوراق (الخاسرة) كظافرالعاني والصحاف علّها تفيد يوماً طالما أنها الآن لاتضر.. مع أحتفاظها طبعاً بحبل الود مع القيادة العراقية الجديدة .. وهذا طبعاً أسلوب (بهلواني) لانتمنى أن تستعمله بعض هذه الدول العزيزة علينا والمعروفة بمواقفها المتميزة مع شعبنا .
وفي النهاية أختم كلامي بمقولة عراقية معروفة أوجهها الى العاني والصحاف والدوري وغيرهم من ببغاوات وأبواق وأزلام صدام الهاربين .. تقول … وين يروح المطلوب ألنا ؟
مصطفى القرة داغي
عضو منظمة من أجل المجتمع المدني والديمقراطية في العراق