للفترة من 27/9 ولغاية 4/10 /2000 وفي مقربناية المعهد الجنائي الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة والواقع في مدينة سيراكوزا الأيطالية الجنوبية أنعقد المؤتمر القانوني الخاص بالشأن العراقي والذي حضره رئيس المعهد المذكور وممثلين عن وزارة الخارجية الأمريكية ومنظمة أندايت وممثل عن نقابة المحامين الأمريكية وعدد من القضاة من جنوب أفريقيا وجمهورية الجيك كخبراء لتوضيح تجربتهم القضائية في وقت أسقاط الأنظمة الخاصة ببلدانهم وكيفية معالجة القضايا الخاصة برموز هذه الأنظمة ، كما حضر المؤتمر عدد لايستهان به من القضاة العراقيين والمتخصصين في المجال القانوني العراقي وكنت أحد الذين حضروا وتابعوا هذا المؤتمر .
تتابعت الأجتماعات وتعددت الأفكار والطروحات في مشكلة جرائم السلطة والحكم القائم في العراق ، وبالنظر لتوصل قناعة لدى جميع المؤتمرين كون رأس السلطة والزمرة المحيطة به أرتكبوا من الجرائم الأنسانية والعراقية مايعجز الورق عن تسطيره والعقل عن استيعابه ، لذا صار الأقتراح ان تتم المطالبة بمحاكمتهم ، ولعدم وجود قناة قانونية أو قضائية في القانون الدولي والمحكمة الجنائية الدولية تسهل عملية القبض عليهم والأقتصاص منهم ومحاكمتهم ، فقد صار المقترح أن يتم تشكيل لجان تتوزع بين مشروع المصالحة والحقيقة وبين لجان أعادة صياغة القوانين التي شرعها صدام لصالحه ، ولجان أخرى من بينها التعرض لقضية أستتاب الأمن والسيطرة على الوضع الأمني وأساليب معالجة الأنفلات الذي سيحدث في الشارع العراقي وأساليب التعامل مع البعثيين وزمرالنظام البائد ، والحد بالقدر الممكن من عمليات الثأر والأقتصاص الشخصي والتعرض لمجرمي النظام البائد وسبل العمل وآلية وأساليب المعالجة والجهات التي يمكن التعاون معها في سبيل ذلك ، ومن بين أهم المشروعات التي تقدم بها المشاركين في هذا المؤتمر ، مشروع تشكيل محكمة جنائية عراقية كنت شخصياً رشحت نفسي كأحد اعضائها ، تتشكل هذه المحكمة من قضاة مشاركين في المؤتمر وتنعقدفي الوقت الحاضر في منطقة كردستان العراق المحررة من السلطات وتمارس عملها المختص بمحاكمة أقطاب العهد الصدامي ، وقد تم تحديد الأسماء والمناصب والمراكز من اقطاب العهد البائد التي يطيلها التحقيق والمحاكمة ، والتي سميت حينها بمشروع العدالة في الفترة الأنتقالية في العراق والتي تبنتها جمعية الحقوقيين العراقيين في لندن .
وكنت أعتقد أن هذه الدراسات والمناقشات لايمكن أن تذهب سدى ، أو أن يتم ركنها دون ان يتم الألتفات اليها والتمعن في تفاصيل المقترحات المقدمة من عناصر وطنية ومعادية لسلطة صدام وخبيرة في الشأن العراقي .
ولم أستطع الحضور الى مؤتمر واشنطن القانوني الأول الذي أنعقد للفترة من 4-9/ اكتوبر /2002 رغم دعوتي بالحضور اليه من قبل وزارة الخارجية الأمريكية لعدم حصولي على تأشيرة الدخول .
الا أن مؤتمراً أوسع وأشمل ضم عدد لايستهان به من القضاة العراقيين المعارضين لسلطة البائد صدام وعدد من الحقوقيين تمكنت شخصيــا من تلبية الدعوةالموجهة من الخارجية الأمريكية والحضور، وتم أنعقاده في واشنطن للفترة من 24/3/2003 ولغاية 4/4/2002 حيث تم المؤتمر بأشراف وزارة العدل الأمريكية – القسم الجنائي بالأشتراك مع وزارة الخارجية ، وقد حضره من الجانب الأمريكي نخبة من كبار القضاة في الولايات المتحدة الأمريكيةمنهم القاضي الاتحادي جورج لويد والقاضي الأتحادي فيليب أم برو وأساتذة القانون الجنائي وكنت من بين القضاة العراقيين المشاركين بهذا المؤتمرالموسع .
وكان هذا المؤتمر مكثفاًفي أعماله يختزل المعلومات التي توزعت بين مباديء سيادة القانون وتطبيقاتها على الصعيدين الدولي والوطني ( المحلي ) ومكافحة جرائم الحرب والمحاكم الجنائية الدولية المتخصصة بها والتعرض لقوانين ومنظمات حقوق الأنسان ونظام العدالة العسكري وحقوق المتهمين والتنظيم القضائي ، كان المؤتمر فاعلاً وحقق الفائدة الكبيرة المرجوة منه ، و يبدأ العمل في جلسات المؤتمر منذ الساعة التاسعة صباحاً لينتهي بعد الساعة الخامسة مساء يومياً تتخللها ساعة للغداء ، ثم أختتم المؤتمر بتوزيع الشهادات على المشاركين .
تم طرح عدة موضوعات من بينها قضية تغيير النظام القضائي في العراق غير أن القضاة العراقيين تصدوا لمثل هذا الطرح وأستطاعوا أن يحصلوا على قناعة المؤتمر في عدم المساس بشكل النظام القضائي في العراق ، وحث المؤتمر الى ضرورة أن تكون المحاكمات الخاصة بصدام وزمرة السلطة البائدة من قبل محاكم عراقية ويتم التحقيق معهم من قبل قضاة عراقيين ، وأن تكون هذه المحاكمات علنية ومنظمة ووفق قوانين ونصوص عراقية ومتطابقة مع حقوق الأنسان .
كما تم التأكيد على من يشمله التحقيق والأتهام وقدمت دراسات وأقتراحات مهمة للغاية وضرورية في القضية العراقية قبل أن تتمكن قوات التحالف من تحرير كامل التراب العراقي من قبضة السلطة الدكتاتورية .
ظهرت الرغبة العراقية واضحة مرة أخرى في ضرورة أن تكون المحاكمات الجنائية للرئيس البائد وزمرته عراقية وأن يكون التحقيق عراقياً وأن يشمل المناصب والأسماء التي أتفق عليها القضاة والمتخصصين في المجال القانوني العراقي .
وبالرغم من أن للأدارة الأمريكية حساباتها السياسية في أظهار قائمة بخمسة وخمسين أسماً من المتهمين الأراس بين زمرة السلطة ، ووجود قائمة أخرى لم يتم الأعلان عنها تضم 250 أسماً ، الا أن الحسابات تبقى مختلفة ، ولهذا بقيت العديد من الرؤوس الشريرة ومكامن الشر والأرهاب والجريمة مطلقة السراح وغير مطلوبة مما جعل الوضع الأمني مضطرباً وأتاح للمجرمين المذكورين حرية الحركة والعمل الأجرامي مرة أخرى وسط مجتمع لم يزل مرعوب من قدرة السلطة على القتل وتمكنها مادياً وتسلحها بشتى انواع الأسلحة .
ولم يكن أي تفسير يقنع المرء في تجاهل الدراسات والمقترحات التي حضرت المؤتمرين المذكورين خاصة وانها قدمت من نخبة تعد من خيرة القضاة العراقيين المعارضين لسلطة صدام البائد وأخص منهم بالذكر القاضي فؤاد جواد رضا والقاضي محسن الريسان والقاضي رياض عبد المجيد الغبان والقاضي زهير كاظم عبود والقاضي محمد القره داغي والقاضي رئيس محكمة التمييز في السليمانية والمدعي العام شاهين نور الدين .
يقيناً أن الأدارة المدنية في العراق لم تطلع على دراسات مؤتمر سيراكوزا ولامؤتمر واشنطن الأخير للقضاة العراقيين ولو كانت قد اطلعت على الأقل لأستفادت من هذه الأقتراحات التي تصب في أستقرار الوضع والحالة الأمنية في العراق ، وخاصة أنها مقدمة من خبراء مختصين في مجال عملهم .
كما كان على الأدارة المدنية ومجلس الحكم الأنتقالي أن يستفادوا من هذه القدرات والكفاءات العراقية التي اصبحت تتمتع بخبرة وقابلية فوق خبرتها وقابليتها العراقية بالنظر لحضورها المؤتمرات الدولية وعلاقاتها وأتصالاتها التي كانت ملموسة وفاعلة حين كانت السلطة البائدة تطبق على ختاق العراقيين .
أن بقاء المتهمين من اقطاب العهد البائد بهذا الشكل دون ان يتم انجاز التحقيق عراقياً ودون أن يتتم أحالتهم الى الجانب العراقي ودون الحصول منهم على أعترافات وشهادات تدين السلطة البائدة وبعض المتهمين مطلقي السراح ودور الأجهزة الأمنية والمخابراتية ، لأن التحقيق بهذا الشكل الذي يجري يعرض الهدف الى تمييعه والمتهمين الأخرين الى التخلص والهروب ، سيما وأن عدداً لايستهان به من المتهمين قد تمكنوا من الهروب والألتجاء الى دول مجاورة عديدة أضفت عليهم الحماية خلافاً لنص الفقرة الثالثة من قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 1483 والذي تقضي بالطلب من جميع الدول الأعضاء عدم منح ملاذ آمن لأعضاء النظام العراقي البائد الذي يزعم انهم يتحملون المسؤولية عن أرتكاب جرائن وفضائع ودعم الأجراءات الرامية الى تسليمهم للعدالة .
أن أستمرار هروب المتهمين بهذا الشكل ومعاودة نشاطهم الأجرامي والتخريبي كل وفق الدور المرسوم له ليس فقط سيربك الوضع وأنما سيسمم مفاصل الحياة العراقية مستقبلاً ، وهذه الزمر لن تستطيع الأندماج مع شعب العراق فقد تحولت نفسياً الى جزء من جسد السلطة الدكتاتورية ولايمكن أن يتم أهمالها والتهاون معها ، أذ سترتكب جرائم ىتقل بشاعة عن الجرائم التي عرفناها أو التي أكتشفها الشعب العراقي والعالم .
ستة أشهر مضت والأجراءات تسير ببطء قاتل وتشكيل اللجان بشكل أبطاْ وأتخاذ الأجراءات القانونية بحق هذه الزمرة لاتتناسب مع خطورتها الأجرامية ودورها في تخريب العراق ، ولم يع أحد خطورتها مع وجود الأموال العراقية الهائلة المسروقة ومع وجود الأسلحة الفتاكة التي تخزنها وتستعملها وتوظف الضمائر الميتة والعقول الغبية التي تنتحر دون سبب يوى الرغبة في الموت وقتل الآخرين .
أن العودة وبشكل سريع لمقررات المؤتمرات التي أنعقدت بحضور القضاة والحقوقيين العراقيين من الشرفاء الذي كانوا يحاربون سلطة صدام قبل أن تتهاوى كورق التواليت هم الأقدر على متابعة الشأن القضائي والأقتصاص من المتهمين بالعمليات الأجرامية التي حدثت لشعب العراق ، أو التي تجري هذه الأيام من قبل زمرة الشر والأرهاب المتحالفة مع عناصر وذيول الطاغية .
أن أعلان مجلس القضاء عن تشكيل لجان التحقيق وهيئات المحكمة التي ستأخذ على عاتقها محاكمة أقطاب العهد البائد سيجعل المواطن العراقي أكثر طمأنينة الى السير في الأقتصاص من المجرمين ، بدلاً من الأنتظار الملل وهم يقبعون في مواقف مؤقتة محروسين من قبل قوات التحالف .
لم يزل أهلنا وأخوتنا في العراق يسألون وبألحاح متى تتم محاكمة المذكورين وغيرهم من المتهمين يتسرب يوماً بعد يوم ومن يشعر بثقل أفعاله الأجرامية يستطيع ان يجد له ملاذاً وسنداً مع الأسف في دول الجوار الشقيقة والصديقة .