ليس وداعا.
هكذا هي الامور عندما "يكون الكوكب العربي مغمورا بالليل وباردا كحد المدية": يخرج فينيق ما من بين اكوام الرماد ويحترق ليهب الحياة والضوء والدفء، ومن رحمه يولد صوت آخر، فينيق آخر، غاضب آخر لم يرض ولا يرضخ، ولا ينتظر "الطلقة الخائنة في لحظة النوم".
كانت هوايتها المفضلة هي ان تشعل انوارا للحياة، وتهب الصامتين اصواتا من حديد، وتشحذ ارادة المسكونين ب"الثورات المغدورة" والاحلام التي نحرت يوم ان كانت الاحلام "آمالا" لا "ارهابا".
عندما اشارت احدى الصديقات الى "سخرية القدر"، وكيف كانت عايدة ترسل اطفال العراق الموبوئين بسرطان "اليورانيوم المستنفذ"، هدية العم سام التي لا ترد، ليعودوا ممتلئين بالحياة مرة اخرى، في حين غدرها السرطان "اياه" في مقتل، قلت لها: هي ليست سخرية القدر، بل قدر العظام: يعطي من نفسه ليحيا الآخرون، يوزع روحه "صدقة جارية"، ويذوي وعلى وجهه ابتسامة الرضا، "ان قد بلغت" و"قرعت باب الخزان"، و"ليخسأ الخاسئون".
في وداع عايدة اليوم، كان المقاومون من رفاق عايدة في المقاومة (اكرر المقاومة عن سبق اصرار وترصد)، يسقطون مروحية امريكية من مروحيات توزيع "الدمار الانساني الشامل"، ويقتلون 13 ويزيد من غزاة دبليو بوش وشركاته العابرة للحدود. كانوا يودعونها لتنام قريرة العين: ان اطمئني فما يزال هنا في بغداد وعمان والسلط ويافا رجال كثيرون ونساء. كلهم يرون في الغابة برعما اخضر...بعد الحريق.
توفيت المناضلة العربية السلطية "الشرسة" عايدة الدباس يوم امس بعد صراع شجاع مع السرطان والطغيان والاستسلام، وما زالت شعلتها متقدة حتى النصر.